الإحداد على الميت
روت أم حبيبة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً)). وكذلك روت زينب بنت جحش ـ متفق عليه.. فعلى المرأة المعتدة لوفاة زوجها المكث في بيتها وترك التزين والاختضاب، والتطيب والاكتحال ولبس الثياب الملونة، المزركشة. فعن أم عطية قالت: ((كنا نُنهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً، ولا نكتحل ولا نتطيب ولا نلبس ثوبا مصبوغاً)). وعن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تلبس المتوفي عنها زوجها المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل ولا تتمشط)) (رواه الأربعة). وعلى ذلك يقتصر إحداد المعتدة لموت زوجها. ويمكن لها أثناء عدتها أن تزاول أعمالها المنزلية كعادتها، وليس من السنة في شيء ما يمارسه نساؤنا اليوم من عادات في عدتهن، كالحضانة عند شروق الشمس، وعند الغروب، واستقبال الحائط، وكالنوم على الأرض!! بل إن هذه العادات مما يعد ردة إلى الجاهلية، وفيها من مظاهر السخط ما يتجافى مع الحكمة من العدة. حتى إنه لَيُسنُّ خروج المعتدة لموت زوجها لاكتساب عيشها إذا لم يكن لها عائل، على أن تبيت في منزلها..
هذا، وإن لم يكن للرجل الذي توفيت عنه زوجته، في الشريعة، عدة ولا إحداد، للاعتبارات المرحلية التي اقتضت قوامته على المرأة، وزيادة حقوقه عليها، فإنه، في الدين ـ في منطقة الأخلاق التي يتسامى إليها الناس سمتاً فوق منطقة الشرائع ـ للمرأة المتوفاة على زوجها حق رعاية ذكرى العشرة الزوجية التي عاشاها.. حق أخلاقي يقتضيه أن يدخل عقب وفاتها في فترة من التبتل توازي فترة العدة والإحداد عند المرأة التي توفي عنها زوجها. وفي هذه الفترة يأخذ الرجل نفسه بالذكر والفكر، وبصورة من الإحداد، تطول، أو تقصر لا يبدو منه فيها استطابة لمظاهر الحياة السعيدة، وذلك رعاية لرحيل عشيرته. ولا يستعجل الزواج مرة أخرى، إلا بعد مرور هذه الفترة، وإلا إذا اقتضت الضرورة الشديدة هذا الزواج، كأن تكون زوجته قد تركت له من الذرية ما يحتاج الرعاية من زوجة تخلفها، لا سيما إذا كانت هذه الزوجة الجديدة أخت المتوفاة أو قريبتها..