تبادل التمثيل الدبلوماسى مع إسرائيل من مصلحة العرب:
هذه هي الخطوط العريضة للتسوية الحقيقية القائمة على إعادة الثقة الى العلاقة بين العرب وإسرائيل – نقدمها ونحن نعلم صعوبة الأخذ بها، لا سيّما لدى زعامات الدول العربية التي ترفع شعارات الرفض للحلول السلمية، التي تقوم على الاعتراف بإسرائيل.. استمرارا في تضليل شعوبهم، وانسياقا أعمى وراء التضليل الشيوعي.. هذا بينما يعلنون، من جهة أخرى، تمسكهم بالحل السلمي وفق قرار مجلس الأمن رقم 242!! إن كل من يتحدث عن الحل السلمي يجب أن يعنى التفاوض المباشر مع إسرائيل لإنهاء حالة الحرب معها، والصورة الطبيعية لإنهاء حالة الحرب هي الاعتراف بحق إسرائيل في البقاء.. أكثر من ذلك، فإن الاعتراف بإسرائيل لا يعنى شيئا إذا لم يمتد، عاجلا أو آجلا، الى حد إقامة العلاقات الطبيعية معها، فإن هذه العلاقات الطبيعية هي التعبير الحقيقي لإعادة الثقة الى العلاقة بين الشعب الإسرائيلي، والشعوب العربية، بعد عداء مستحكم، ونزاع حربي دام قرابة الثلاثين عاما. والثقة التامة المتبادلة بين الطرفين هي الضمان الأساسي لنجاح واستمرار التسوية السلمية الشاملة للمشكلة، والاّ إنتهت مفاوضات السلام الى إجراءآت أمنية لا تعبّر الاّ عن إستمرار عدم الثقة، ولذلك فستكون بمثابة "تحذير" مؤقت لتوتر المشكلة لا يلبث أن يزول، في ظروف الحرب الباردة التي تشكّل فيها منطقة الشرق الاوسط عظم النزاع بين الكتلتين، فتعود المشكلة الى التوتر مرة أخرى. إن على العرب أن يضحوا بقليل، أو كثير، من المكاسب الإقليمية حتى يخرجوا بسياساتهم الى موضع الإعتدال بين الكتلتين، وذلك، بأن يشتروا هدنة يدفعون فيها ثمن أخطائهم السياسية، والعسكرية، والدبلوماسية الماضية.. أم عساهم يريدون الاّ يدفعوا لأخطائهم ثمنا، كمن يتهرّب عن تحمل مسئولية تصرفه من غير الأحرار؟ ونحن إنما نطلب إليهم أن يشتروا هدنة حتى يتفرغوا لحل مشكلتهم الأساسية.. وهي التزام المذهبية التي يشكلون بها الكتلة الثالثة – التي تعصمهم من الارتماء، مرة في أحضان المعسكر الشيوعي، ومرة في أحضان المعسكر الرأسمالي..
إن إسرائيل راغبة في السلام.. راغبة في التسوية السلمية الشاملة التي تقوم على التفاوض معها، والصلح معها، والاعتراف بها، ذلك بأن مثل هذه التسوية تريحها من حالة التوتر والقلق التي تعيش فيها وسط جيران ينازعونها في حق البقاء، وتوفر عليها الجهد والمال الذي تبذله في سبيل تأمين وجودها..
ولذلك فهي ستكون مستعدة، في مقابل اعتراف كل أطراف النزاع العربية بها، لأن تقدّم من التنازلات ما تشترى به هذا الاعتراف، فإذا عبرت الدول العربية المعنية عن هذا الاعتراف بإقامة التمثيل الدبلوماسي معها، وجدت إسرائيل كل أسباب أمنها وسلامها التي تبحث عنها، اليوم، في الاحتفاظ بالأراضي التي احتلتها عام 1967 أو بجزء منها كورقة رابحة تساوم بها على حقها في البقاء، ولذهبت الى حد الإنسحاب الكامل من جميع هذه الأراضي..