قيام الدولة الفلسطينية:
ومن جهة أخرى، يجب أن تكون إستراتيجية منظمة التحرير الفلسطينية الأساسية هي إقامة دولة فلسطينية مستقلة، كاملة السيادة، داخل حدود آمنة، معترف بها، وغير مهددة باستعمال القوة.. وهو ما يمكن أن يحصل عليه الفلسطينيون على مائدة المفاوضات مع إسرائيل، في مقابل اعترافهم بدولة إسرائيل، واستعدادهم لإقامة علاقة طبيعية معها، ذلك بأنها استراتيجية يستحيل تحقيقها بواسطة العمل المسلّح، كما دلت تجارب العرب في حروبهم المتوالية مع إسرائيل.. فهم قد خرجوا من كل معركة معها، بهزيمة عسكرية ودبلوماسية جديدة تتمثّل في احتلال إسرائيلي أوسع للأراضي العربية، وفي كسب إسرائيلي أكبر للرأي العام العالمي، وهي تتمسّك بالمفاوضات المباشرة للحل السلمي الذي يتمخّض عن الاعتراف بها بينما يصر العرب على عدم التفاوض وعدم الصلح وعدم الاعتراف!!
إن من أكبر الأسباب التي تدعو إسرائيل اليوم الى إصرارها على عدم قيام دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة هو تمسك جبهة التحرير الفلسطينية، في ميثاقها، برفض قرار التقسيم الذي اتخذته منظمة الأمم المتحدة عام 1947 (الذي ينص على قيام دولتين إسرائيلية، وفلسطينية، في أرض النزاع الفلسطينية) وتمسكها بعدم شرعية قيام دولة إسرائيل، وتمسكها بالعمل على تحرير هذه الأرض من الوجود الإسرائيلي.. واعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل إنما يمّهد السبيل لتتقبّل إسرائيل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة – وذلك هو أساس حل القضية الفلسطينية اليوم، ومن ثمّ، أساس الحل السياسي المرحلي لمشكلة الشرق الاوسط.. وهو حل يجب على الفلسطينيين الاّ يفوتوا فرصته كما فوّت العرب عليهم فرصة قيام دولتهم التي قررها قرار التقسيم عام 1947، وهو على أى حال حل يخرج قضيتهم من إطار الحرب الباردة بين الكتلتين.
الزعماء العرب والتربية السياسية السيئة:
لا تزال الزعامات العربية تمارس، حتى اليوم، تلك التربية السياسية السيئة لشعوبهم، وذلك بتضليلهم بالشعارات الفارغة ذات المظهر التقدمي المتمثلة في رفض الاعتراف بإسرائيل، بينما هم، عمليا، وواقعيا، يسجلون هذا الاعتراف بمجرد حديثهم عن التسوية السلمية، ثم أن من يواجه منهم النتيجة المنطقية في عدم جدوى الحرب في حل المشكلة، فيدعو، تحت الشعور بالمسئولية عمّا يتهدد أمن بلاده، وإقتصادها، من ويلات الحرب، الى الدخول في التفاوض المباشر مع إسرائيل، إنما يلاقى قدرا غير قليل من الإستنكار والإدانة بين الزعماء العرب، وقطاعات الشعوب العربية التي لا تزال تخضع للتربية السيئة التي نشّأها عليها هؤلاء الزعماء.
ولقد يقال إن من سلبيات زيارة الرئيس المصري لإسرائيل أنها كانت بمثابة القفزة غير المنطقية بالنسبة للسياسات العربية المعلنة، وأنه كان على الرئيس المصري أن يمارس نوعا من التدّرج في العدول عن تلك السياسات.. وهذا أول الدلائل على حاجة العرب، الماسة، الى إعادة أمر تربيتهم من جديد، على جادة الأخلاق، حتى يستطيعوا أن يواجهوا مشاكلهم، بشجاعة وصدق، فيشبوا عن طور الطفولة الراهن.