إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

ألحان و معاني الإنشاد العرفاني
يُمهدان للبعث الديني

الإخوان الجمهوريون والمديح والإنشاد


أولى الأخوان الجمهوريون، منذ نشأة دعوتهم، المديح، والإنشاد بالغ إهتمامهم، فخصصوا لهما مجالاً واسعاً من مجالسهم، وقصدوا، من أجلهما، شتى المجالس الأخرى، وكرموا المداح والمنشدين، وإحتفوا بهم، وأقاموا اطيب العلاقات معهم.
كان هذا حال الجمهوريين، وعلى طول المدى، في تكريم المديح، والإنشاد، والإحتفاء بهما، والبر بالمادحين والمنشدين، إلى أن قيض الله لهم، بفضل التربية القويمة، المؤسسة على "طريق محمد" ، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، نخبة مقدرة من الأخوان المنشدين، والأخوات المنشدات، الذين سلكوا، وتربوا على نهج، وبركات، الطريق النبوي، وانصقلت مواهبهم، وعمرت قلوبهم، فدخلوا بمسار دعوتهم عهداً جديداً.. طوروا فيه المديح النبوي، وجددوا الإنشاد العرفاني، فخلبوا الألباب، وهزوا المشاعر، وأناروا القلوب، بفضل ما يشيعون من رائق اللحن، وجامع الكلم.

الأخوان الجمهوريون بين مديح النبي ومدح الرسول


والأخوان الجمهوريون، بما هم دعاة الى بعث السنة النبوية، فقد أدمنوا، في أنفسهم، الاطلاع على السيرة النبوية، وعنوا بإبرازها وإشاعتها بين الناس.. وهم، في ذلك، إنما يفرقون تفريقاً دقيقاً، بين السنة والشريعة، أو قل بين النبوة والرسالة.. فالسنة، عندهم، كما هي في حقيقتها، عمل النبي في خاصة نفسه، أو قوله الذي ينم عن حالة قلبه من العلم بالله الذي بمقتضاه يجئ عمله- وهذا هو موضوع نبوته. أما شريعته للأُمَّة فهي قوله، أو إقراره، الذي أراد به الي تنظيم حياة الناس، في القرن السابع الميلادي، على قدر طاقتهم، وعلى قدر حاجتهم، وتلكم حاجة، وطاقة، دون مستواه هو بأمدٍ بعيد- أمد يخطئه التقدير وهذا هو موضوع رسالته، صلى الله عليه وسلم.
وما برز للناس في غالب الأمر، إنما هو رسالته.. ورسالته إنما يحكيها التشريع الذي سارت عليه حياة المجتمع في العهد الإسلامي الاول.. ثم تناقل المسلمون تراثها، وعاشوا، ولا يزالون، على بعض صدورها، وظل موضوع النبوة مطوياً خلف موضوع الرسالة، ولم يُفَرَّ خبْؤهُ كما لم ينل شيئاً من حظ الذيوع، والإنشاد.. وكذلك جاء "المديح" معنياً بموضوع الرسالة أكثر منه موضوع النبوة.. فما عرف الناس "مديحاً" في مستوى النبوة حتى في عهد حسان بن ثابت.
والأخوان الجمهوريون، بما هم دعاة لإحياء السنة، كما أسلفنا القول، فقد قدموا "المديح النبوي" ، بحق، ولأول مرة في التاريخ.. وهو مديح يتناول مظاهر عبودية النبي الكريم لربه، ومعرفته به، وتأدبه معه.. كما هو يعني بإبراز الشخصية النبوية الشريفة كمثل أعلى في تحقيق السلام الداخلي، والنضج، والإستواء مما يُعَدُّ من دقائق العلم بالله، والعلم بالنفس، وهو العلم الذي يقدم الإخوان الجمهوريون الإسلام، في مستواه، كمنهج حياة إنساني تفئ اليه، اليوم، هذه البشرية الحائرة، القلقة، المضطربة، التي تحتاج السلام حاجة حياة، أو موت..
والأخوان الجمهوريون بدعوتهم الى بعث السنة، والتي يقع "المديح النبوي" في إطارها، إنما يستلون "حسام النبوة" من "غمد الرسالة".. فإن المسلمين لم يعرفوا محمداً، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، كما قال أويس القرني، إلا كالسيف في غمده.. ذلك لما إنتشر من أمر رسالته، وما خفي من أمر نبوته. وقد آن الأوان أن يعرف الناس، كل الناس من دقائق النبوة ما يجعلها عمدتهم في السلوك الفردي، والتشريع الجماعي، منذ اليوم. ويجد القارئ الكريم تفصيل هذه الدعوة الى بعث السنة مبثوثة في كتب الأخوان الجمهوريين العديدة.