إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

هل كان نميري معجباً بمحمود محمد طه؟

د. محمد وقيع الله


مقال من تسع حلقات نشرتها "الإنتباهة"

هل كان نميري معجباً بمحمود محمد طه؟ (4-9)
الانتباهة بتاريخ 27 يناير 2013



إذا أُتيح لنا أن نسأل زعيم الحزب الجمهوري الذي هلك: كيف يصبح الإنسان حيّاً حياة الله، وحياة الله لا تنتهي، وكيف يصبح الإنسان عالماً علم الله، وعلم الله شامل محيط لا يعزبُ عنه شيء، وكيف يكون الإنسان مريداً إرادة الله وقادراً قدرة الله، وإرادة الله وقدرته مطلقتان؟
فإنه يجيبنا بالحديث الموضوع السابق: «تخلقوا بأخلاق الله». ثم يردف بآية أخرى هي قول الله تعالى:« كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً»، حيث يستنتج منها أن عطاء الله للناس، عطاء غير محدود، ويمكن أن يترقى به الناس إلى أن يصل بهم إلى مرتبة الإله، لا سيما وأن آية أخرى تتحدث في زعمه عن هذا المعنى.

هل ذكر اسم محمود محمد طه في القرآن؟


ويظن محمود، كما يظن أتباعه، أن آية أخرى القرآن الكريم تحدِّث عنه شخصياً، وهي الآية التي تقول: «ويبعثك ربك مقاماً محموداً». فها هو اسم «محمود» يذكر على التحديد في القرآن الكريم! وبجانب ذلك يظن محمود كما يظن أتباعه أن الإنسان الواصل إلى درجة الحلول والاتحاد مع الإله، لا بد وأن يكون أسمر اللون. وهم يستدلون على ذلك بالحديث القائل: «لا يقولن أحدكم قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك لأن الله خلق آدم على صورته». وهذا الحديث صحيح، ولكن يقول العلماء في معناه إن الله تعالى قد خلق آدم على الصورة التي صنعها له، أي لآدم عليه السلام. وقد ذكر الإمام الحافظ بن حجر العسقلاني، رضي الله عنه، في كتابه «فتح الباري شرح صحيح البخاري»: أن الضمير راجع لآدم لأنه أقرب مذكور. ويكون المعنى بذلك أن الله تعالى أوجد آدم على الهيئة التي خلقه عليها، وأن آدم لم ينتقل في النشأة أحوالاً، ولا تردد في الأرحام أطوارًا كذريته. بل خلقه الله تعالى رجلاً كاملاً سوياً من أول ما نفخ فيه الروح. إذن فهذا هو المعنى الصحيح لهذا لحديث الصحيح. ولكنَّ الجمهوريين استنتجوا منه اعتباطاً واعتسافاً أن الله خلق آدم على صورته هو تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. ولما كان سيدنا آدم، عليه السلام، أسمر اللون، لأن اسمه اشتق من الأدمة، فقد استنتج الجمهوريون أنه كان إفريقياً، ولذا قالوا إن أول أنسان «واصل» سيبعث إفريقياً، وإنه سيبعث عند ملتقى النيلين الإفريقيين: الأبيض والأزرق، لأن الله تعالى يقول:« مرج البحرين يلتقيان». وفهم الجمهوريون أن هذا الإنسان «الواصل» سيبعث عند مدينة «الخرطوم» الإفريقية لأن الله تعالى يقول:« سنسمه على الخرطوم». وهكذا فقد تحدد المكان بعد أن تحدد من قبل اسم الإنسان!

سر حلق الشوارب عند الجمهوريين


ومن طرائف حزب الجمهوريين أن زعيمهم الهالك كان أمردَ لا يبقي على لحية ولا شارب، وذلك من أجل مزيد من التشبه بالله في زعمهم، والعياذ بالله من هذا الشرك المبين. وقد أخذوا ذلك من الحديث المكذوب الموضوع الذي يتردد كثيراً في كتاباتهم واستشهاداتهم، وهو الحديث الذي يقول : «ليلة عرج بي انتسخ بصري في بصيرتي، فرأيت الله في صورة شاب أمرد، فوضع يده على كتفي، فشعرت ببرودتها على ثديي ... إلخ الحديث الموضوع». وعندما يواجه الجمهوريون بالأحاديث الصحيحة في الشوارب واللحى يردون ذلك بدعوى أنها من أحاديث العادات ولا تلزم المسلمين في شيء! وفي دواوين الجمهوريين إنشاد كثير يكرس هذه الدرجة لمحمود، وهذا هو شاعرهم الأول- آنئذٍ - عوض الكريم موسى ينشد مخاطباً محمود قائلاً:
يا من خُلقتَ بذاته
وأقمتَ كلَّ صفاته
ترقى ولا تلقى المنون!
وللجمهوريين أناشيد كثيرة يرددونها بألحان شجية، وهي محفوظة على شابكة المعلومات الدولية، وهي تفيض بهذه المعاني والأوصاف الشركية! وعند إعلان الحكم بالإعدام على محمود محمد طه في 1984م، صرّح بعض كبار أتباعه جهاراً نهاراً بأن ذلك الحكم لن ينفذ، بل أعلن خطيبهم الأشهر أحمد دالي في ندوة حاشدة بجامعة الخرطوم، أن الحكومة لن تتمكن من أن تمس شعرة واحدة من رأس محمود، وفي لحظات الإعدام صرخ أحد الجمهوريين من الذين حضروا التنفيذ قائلاً: «وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم» فاقتادته الشرطة، وأعلن عن تقديمه للمحاكمة إلا أنه تراجع عن تلك المقولة فيما بعد.