إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (١١)
خالد الحاج عبد المحمود
بسم الله الرحمن الرحيم
الأستاذ محمود محمد طه في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته
مقامات النبي:
تحدثنا عن السنة والشريعة، وهما بالنسبة للنبي تعبير عن مستويين، أو مقامين من مقاماته، وللنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة مقامات هي: مقام النبوة في الوسط، ومن أسفله مقام رسالته، ومن أعلاه مقام ولايته.. وقد كانت آيات النبوة هي أول ما نزل من القرآن، وأولها قوله تعالى: (إقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الانسان من علق * إقرأ وربك الاكرم * الذي علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم) ثم لما نضجت النبوة، والى هذا النضج تجيء الاشارة بقول المعصوم: (أدبني ربي فاحسن تأديبي)، جاء التكليف بالرسالة، كوظيفة، وجاء قوله تعالى: (يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر * ولاتمنن تستكثر * ولربك فاصبر).. ولقد استغرق التأديب الإلهي في النبوة أربعين عاما ليستوي، وذلك منذ الميلاد وحتي البعث الرسولي .. اما الولاية فهي ثمرة العمل في النبوة، من اعلي، وهي خصوصية علاقة النبي بربه .. والي هذه المقامات الثلاث يشير حديث المعراج، الذي جاء فيه (سألني ربي يا محمد اتدري فيم يختصم الملاء الاعلي؟ قلت: انت ربي اعلم، فوضع يده على كتفي، فوجدت بردها بين ثدي، فاورثني علم الأولين والآخرين .. .وعلمني علوما شتى: فعلما أخذ علي كتمانه، إذ علم أنه لا يقدر على حمله غيري، وعلما خيرني فيه، وعلما امرني بتبليغه الي العام، والخاص، من امتي، وهي الأنس والجن) .. فالعلم الذي أمر بتبليغه الى العام والخاص من امته، هو علم الرسالة، وهي تشمل القرآن المقروء بين دفتي المصحف، وتشمل تبيان هذا القرآن، في التشريع، في مستوى حاجة الامة ومستوي طاقتها.. وفي التفسير في مستوى طاقة الامة .. والعلم الذي خير في تبليغه يقع بعضه في حيز الولاية، ويقع سائره في حيز النبوة .. والعلم الذي نهي عن تبليغه هو علم الولاية .. .والنبي في ولايته أكمل منه في نبوته فهو في النبوة يتلقي عن الله بواسطة جبريل، في حين انه في الولاية يتلقي عن الله كفاحا،وقد رفعت الواسطة بين العبد والرب .. عن هذا المقام اخبر المعصوم عندما تحدث عن تخلف جبريل في المعراج، عند سدرة المنتهى ، فقال له النبي: أهذا مقام يترك فيه الخليل خليله؟؟ قال جبريل: هذا مقامي ولو تقدمت خطوة لاحترقت!! قال النبي (فزج بي في النور) يعني هنا نور الذات.. وهذه هي الصورة التي حكى عنها القرآن بقوله تعالى: (اذ يغشي السدرة ما يغشي * ما زاغ البصر وما طغي) .. وفي حديث آخر قال النبي عن مقام ولايته (لي ساعة مع ربي لا يسعني فيها ملك مقرب، ولانبي مرسل)!!
ونحن بالطبع يعنينا من الناحية العملية جانب النبوة وجانب الرسالة ـ الشريعة والسنة ـ ومستوى السنة هو الذي تقوم عليه البشارة ببعث الاسلام المرتقب الذي اسميناه العصر الذهبي للاسلام .. ومن هنا يتضح ان الاسلام، كما هو في القرآن بين دفتي المصحف، وكما بينه المعصوم في سنته وفي شريعته، رسالتان، وليس رسالة واحدة: الرسالة الاولى هي رسالة الشريعة التي وقع عليها التطبيق بالنسبة للامة في القرن السابع الميلادي .
والرسالة الثانية هي رسالة السنة ـ مستوى النبوة ـ التي ينتظر ان يتم وفقها بعث الاسلام في المستقبل ـ القريب ان شاء الله ـ وامة الرسالة الاولى هي امة المؤمنين ، في حين ان امة الرسالة الثانية هي امة المسلمين..
والنبي صلى الله عليه وسلم، هو رسول الرسالتين: الاولى والثانية .. ورسالته الاولى هي الرسالة المحمدية، ورسالته الثانية هي الرسالة الاحمدية، وهذا من بعض اسرار تسميته باحمد ومحمد .. وعن الرسالة الاولى يجئ قوله تعالي: (محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم ...) .. وعن الرسالة الثانية يجئ قوله تعالى: (ومبشرا برسول من بعدي اسمه أحمد).