إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (١٠)

خالد الحاج عبد المحمود


الأستاذ محمود محمد طه في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته


أمة المسلمين وأمة المؤمنين:


كل الذي تحقق من الإسلام، عبر التاريخ الطويل، من لدن سيدنا آدم، وإلى اليوم، على مستوى الأمم، يقع في مرحلة الإيمان.. فالمسلمون كأمة لم يجيئوا بعد، وقد تنبأ المعصوم بمجيئهم في آخر الزمان، وذلك حين يبلغ الكتاب أجله.. وأينما وردت كلمة إسلام، في حق الأمم السابقة، فهي ترجع للإسلام الأول.. فمجتمع البعث الأول، اسمه الخاص به هو "المؤمنون".. فهو عندما يوضع بإزاء المجتمع اليهودي أو المجتمع النصراني، يسمى المؤمنون أو الذين آمنوا، والقرآن ملئ بذلك.. (إن الذين آمنوا، والذين هادوا، والنصارى، والصابئين، من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون).. ولقد ندب المجتمع المؤمن ليكونوا مسلمين فلم يطيقوا، وذلك حيث قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون)، فنزل إلى مستوى ما يطيقون، وجاء الخطاب، (فاتقوا الله ما استطعتم، وأسمعوا، وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون).. ومن أوضح الدلائل على ما نحن بصدده، قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا، آمنوا بالله، ورسوله، والكتاب الذي نزل على رسوله، والكتاب الذي أنزل من قبل، ومن يكفر بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فقد ضل ضلالاً بعيداً) فهو يسميهم "الذين آمنوا" ثم يندبهم إلى الإيمان.
لم يجئ من أمة المسلمين سوى طلائعها، فرادي، على مدى تاريخ المجتمع البشري الطويل وأولئك هم الأنبياء، وفي مقدمتهم سيدهم، وخاتمهم، النبي الأمي، محمد بن عبد الله، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. وقد بشر بمجيء هذه الأمة المسلمة، كما جاء برسالتها، مجملة في القرآن، مفصلة في السنة.. وبمجيء أمة المسلمين يتوج عمل جميع الأنبياء والمرسلين، ويتم صرح الإسلام الذي عملوا على بنائه جميعاً.. وبذلك يتحقق "يوم الدين"، في الأرض، فتشرق بنور ربها، ويوضع الكتاب موضع التنفيذ.. وهذا هو العصر الذهبي للإسلام الذي نتحدث عنه.. وهذا اليوم هو الذي يتم فيه تحقيق الخطاب الرحماني، الوارد في قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً) فيتم التطبيق، فيدخل الناس في الدين كافة، ولا يجدون عن ذلك منصرفاً، لأن جميع مشاكلهم لا تجد حلها إلا فيه.. ووقتها ينفتح الباب لسائر الأفراد، ليدخلوا الإسلام في مستواه الثاني، وبه يحققوا فردياتهم.

الأصحاب والأخوان:


للاختلاف بين أمة المسلمين، وأمة المؤمنين وجه آخر، هو الاختلاف بين الأصحاب والأخوان.. وقد ورد ذكر الأخوان في العديد من الأحاديث النبوية، وفي هذه الأحاديث تمييز واضح بين الأصحاب والأخوان.. ومن هذه الأحاديث، قول المعصوم: "واشوقاه لأخواني الذين لما يأتوا بعد! فقال أبو بكر أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: بل انتم أصحابي ثم قال ثانية: واشوقاه لأخواني الذين لما يأتوا بعد .. فقال أبو بكر أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي .. ثم قال ثالثة: وا شوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد .. قالوا: من إخوانك يا رسول الله قال: قوم يجيئون في آخر الزمان للعامل منهم أجر سبعين منكم قالوا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم قالوا لماذا؟ قال: لأنكم تجدون على الخير أعواناً ولا يجدون على الخير أعوانا".. وروح هذا الحديث في التفريق بين الأصحاب والأخوان.. فقد كان المؤمنون أصحابه، ولم يكونوا إخوانه.. وإنما إخوانه المسلمون، الذين عبر عنهم بقوله "الذين لما يأتوا بعد".. والحديث مأخوذ من الآيات الكريمات الواردة في قوله تعالى (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم، يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب، والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين * وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم * ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم..) وفي رواية أخرى للحديث: عن أبي هريرة أن رسول الله أتى المقبرة، فقال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا، إن شاء الله بكم لاحقون.. وددت أنا قد رأينا إخواننا.. قالوا أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد.. فقالوا: كيف تعرف من لم يأت من أمتك يا رسول الله؟ فقال: أرأيت لو أن رجلاً له خيل، غر، محجلة، بين ظهري خيل، دهم، بهم، ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى، يا رسول الله!! قال: فإنهم يأتون غراً، محجلين، من أثر الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض.. ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم: ألا هلم!! فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك!! فأقول: سحقاً، سحقاً" .. وقد أورد أبن كثير، في تفسيره لسورة البقرة، الحديث الشريف الذي جاء فيه: "عن أبي محيرز، قال: قلت لأبي جمعة حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: نعم أحدثك حديثاً جيداً: تغدينا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومعنا أبو عبيدة، ابن الجراح، فقال: يا رسول الله، هل أحد خير منا؟؟ أسلمنا معك!! وجاهدنا معك!! قال: نعم "قوم من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني.." وفي رواية أخرى، يسأل الأصحاب بقولهم: "يا رسول الله هل من قوم أعظم منا أجراً، آمنا بالله، وأتبعناك؟؟" ويجيب الرسول: "ما يمنعكم من ذلك، ورسول الله بين أظهركم، ويأتيكم بالوحي من السماء؟! بل قوم بعدكم يأتيهم كتاب من بين لوحين، يؤمنون به، ويعملون بما فيه، أولئك أعظم منكم أجراً، مرتين..." وفي حديث آخر جاء: عن أبي مالك الأشعري، عن رسول الله، قال: "يا أيها الناس أسمعوا واعقلوا وأعلموا أن لله عباداً ليسوا بأنبياء ولا شهداء ويغبطهم الأنبياء والشهداء على منازلهم وقربهم من الله. هم أناس من أمناء الناس، ونوازع القبائل لم تصل بينهم أرحام متقاربة، تحابوا في الله، يضع الله لهم يوم القيامة منازل من نور، يجلسون عليها، ويجعل وجوههم نوراً وثيابهم نوراً، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون، وهم أولياء الله ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
فالأخوان هم المسلمون، في مستوى الإسلام الثاني، وعصرهم هو العصر الذهبي للإسلام.. وهو العصر الذي تسود فيه قيم الدين، والمعرفة بالله، بما يجعل الباب مفتوحاً، للتحقيق الديني، بالصورة التي تجعل من هم ليسوا بأنبياء، ولا شهداء، في مكانة من القرب من الله، والعلم به، يغبطهم عليها الأنبياء.. وهؤلاء هم العلماء، الذين قال عنهم النبي الكريم "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل".


خالد الحاج عبد المحمود
رفاعة في 1/6/2007