إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (٥)
خالد الحاج عبد المحمود
الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته
الحب والمجتمع الكبير:-
لقد رأينا أن العالم قد توحد فى العديد من الوجوه، وهو لكى تكتمل وحدته لابد أن يتوحد فكريا، وشعوريا .. وكل عوامل الوحدة السابقة هى مقدمة، وإرهاص، لهذه الوحدة الفكرية والشعورية، والتى بها يصبح الناس، كل الناس، يفكرون ويشعرون قريبا من قريب، ووقتها يصبح الكوكب الأرضى، وكأنه الأسرة الواحدة، تعمره إنسانية متوحدة، جميع أفرادها متآخون متحابون، يعملون عملا واحدا فى إعمار الأرض، وتحقيق كرامة الناس كل الناس، عليها، فى محبة وتكافل .. وهذا أمر ليس ببعيد، بل هو ليس منه من محيص، فقد أكتملت شروطه المادية ـ كما ذكرنا قبل ذلك، وبقيت شروطه الروحية، وهى لابد كائنه .
ولكى تسود المجتمع كله، أواصر المحبة والسلام، لابد أن ينظم على أساس من العدل، الذى يرعاه القانون، وتتوجه الأخلاق.. ولابد من محو عوامل الصراع، الإقتصادية منها والسياسية والإجتماعية.. وقد تحدثنا عن كل ذلك.. فالمساواة السياسية والمساواة الإقتصادية، والعدالة الإجتماعية، هى البناء التحتى لتحقيق المحبة.. أما البناء الفوقى، فهو السلوك الفردى، لكل أفراد المجتمع، الذى به يرعى الأفراد قيم المحبة والإيثار، عن قناعة، وعن علم، بل فى ذلك يتنافسون .. وهذا يقتضى تجاوز الروابط والعصبيات القديمة، سوى كانت فى مستوى القبيلة، أو الدولة، أو القومية، أو روابط الدم، أو روابط العقيدة .. وهذا التجاوز يعنى، توسيع دائرة المحبة، التى تحدثنا عنها فى مستوى الأسرة لتشمل كل الإنسانية، وهذا لايتم إلا عن طريق المعرفة، وعن طريق التربية .. وهو أمر لا نرى أنه يتوفر سواء فى الإسلام ومنهاجه فى المستوى الذى تحدثنا عنه .. وبمنهاج الإسلام، يتحول التنافس حول الدنيا، إلى تنافس فى الدين، وقيمه .. والتنافس حول الدنيا هو تنافس ضد الآخرين، فى حين أن التنافس فى الدين هو تنافس، فى خدمة الآخرين، وتقديم الخير إليهم، فى محبة وإيثار .
ومحبة الله التى تحدثنا عنها، كثمرة للمحبة، لا تأتى إلا عن طريق محبة الآخرين (الخلق عيال الله، أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله).. قال الخلق ولم يقل المسلمين، أو المؤمنين .. وعن الذين ما هم بأنبياء، ولا شهداء، ويغبطهم الأنبياء، والشهداء، جاء فى الحديث الذى سبق أن أوردناه أنهم (قوم يتحابون بروح الله عز وجل من غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها) .. وهنا واضح تجاوز الدنيا "المال" وتجاوز رابطة الدم .
وكما ذكرنا مراراً أن هذا الأمر لا يتم دفعة واحدة، فالمبتدئ يكره الشر، والشرير، ويكره الكفر، والكافر، والعارف يكره الكفر، ويحب الكافر، وكراهيته للكفر، هى من حبه للكافر ثم هو لا يلبث أن تتسع معرفته، فلا يكره شيئا ، لعلمه أن ملك مليكه تام، ولتخلقه بأخلاق الله، وقد ذكرنا أن الله يحب جميع الخلق .. وقد جاء فى الحديث القدسى لسيدنا داوود: (لو يعلم المدبرون عنى كيف إنتظارى لهم، ورفقى بهم، وشوقى إلى ترك معاصيهم، لماتوا شوقا إلىّ .. هذه إرادتى فى المدبرين عنى فكيف إرادتى فى المقبلين علىّ !! يا داؤود: أرحم ما أكون لعبدى إذا أدبر عنى وأجل ما يكون عندى إذا رجع إلىّ) .
ومرة أخرى (ألا أدلكم على شئ إن فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)
أما بعد فهذه دعوة للحب وتبشير به، على هدى الإسلام ووفق نهج سيد المرسلين، وإمام المحبين، رحمة العالمين، الذى نهجه هو نهج المحبة الخصبة الخلاقة .. وهى دعوة للحياة، وسلامة الفطرة، فالحب هو قانون الحياة الحقيقى، بل قانون الوجود.. هو الجاذبية التى تربط الأحياء، والأشياء، فيعود الأمر إلى ما هو عليه من الوحدة، فالحب هو أصل التوحيد، وهو منتهى الآمال وغاية الغايات (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله) .. ومن أحبه الله نال فوق ما يبتغى، ويشتهى ، ودخل الخلود من أوسع أبوابه وأوكدها .
لقد أظل عهد الحب، فودع الكراهية، فقد آذن ليلها بزوال .. بالإسلام أصبح الحب دينا ، يتعبد به آناء الليل وأطراف النهار، ونحن نوشك أن ندخل عهد الحب، عهد السلام، عهد الإسلام ووقتها سيلهج لسان حال كل الناس، ولسان مقالهم مع الشيخ الأكبر ويترنمون:
أدين بدين الحب أنىّ توجهت ركائبه فالحب دينى وإيمانى
هدانا الله جميعا سبل حبه وجعلنا موضع محبته وكلاءته .