بسم الله الرحمن الرحيم
((قل هذه سبيلي أدعو إلى الله، على بصيرة، أنا، ومن اتبعني، وسبحان الله، وما أنا من المشركين))
صدق الله العظيم
مقدمة
هذا هو الجزء الثاني من كتاب "معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية خلال ثلاثين عاماً 1945 ـ 1975".. وقد صدّرنا الجزء الأول منه بمقدمة مستفيضة، مما يغني عن الإطالة هنا..
لقد قامت "الفكرة الجمهورية" منذ مولدها، وبصورة حاسمة على أمر الإسلام.. بالدعوة إلى فهمه، وبعثه، في قلوب الرجال، والنساء، حاراً خلاّقاً، لا يعرف غير الصدق، والإخلاص ، والعلم..
ولم يُسمَّ "الجمهوريون" بهذا الإسم إلا للملابسات التي نشأوا فيها عند بزوغ فجر الحركة الوطنية ـ حيث كان لابد من إسم يشير إلى اتجاه الجمهوريين، ويميزهم عن غيرهم من بقية الاتجاهات التي كانت تدعو إلى النظام الملكي، بينما انفرد الجمهوريون بالدعوة للنظام الجمهوري كشكل يتلاءم والدعوة إلى الإسلام، وذلك بما يحققه من حرية وكرامة للإنسان، وبما يتيحه من تربية للحكام والمحكومين في آن معاً..
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فضَّل الجمهوريون في المرحلة، أن يكون محتوى فكرتهم إسلامياً، وأن لا يتسموا باسم الإسلام خلافاً للدعوات الإسلامية الأخرى التي تتزيّى بالإسلام وهي فارغة من محتواه.. مما نفَّر الشباب عن الإسلام بسببها..
من هنا جاءت تسمية "الجمهوريون".. وهو إسم مرحلي قد خدم غرضه بعد أن توكّدت، وتعمقت أهمية "النظام الجمهوري" عند الشعب جميعه.. ولن يلبث "الجمهوريون" طويلاً حتى يحتل إسمهم الحقيقي مكانه.. فهم المسلمون ـ بل هم السودانيون، حيث يعم الإسلام الأرض.. فيتسمّى كل أناس باسمهم القومي، وكذلك الأمر بالنسبة لنا نحن السودانيين. سنكون مسلمين، تمس شمس السودان الحارة مشاعرنا كما تلفح بشرتنا.. وتقبس وجوهنا من صفاء سمائه صفاءً.. وتعذب ألسنتنا بعذوبة نيله، ويصاغ من كل تلك العوامل، متلاقحة، مع روح الإسلام، نسيج المسلم السوداني.
وموعود الله أن يعم الإسلام الأرض جميعها.. فما فيها أحد إلا وهو مسلم مقبل على الله: ((هو الذي أرسل رسوله بالهدى، ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً)).. وعندئذ تسقط الحاجة إلى التمييز، فما ثَمَ إلا مسلم..
إن هذا الكتاب، بجزئيه، يعطي رصداً موجزاً، ولكنه كافٍ، لتقديم صورة واضحة لمدار "الفكرة الجمهورية" ولمواقفها، خلال ثلاثين عاماً مَرَّ فيها السودان والعالم أجمع بتحولات كبيرة في الفكر السياسي والاجتماعي، وكان للفكرة الجمهورية من كل أولئك موقف مبدئي يقوّم، ويصحح ويستقرئ المستقبل..
وبعد هذه الثلاثين عاماً أصبحت "الفكرة الجمهورية" بفضل الله، تجد الفهم والاستجابة من الناس في كل مستوياتهم، وأخذت نواة دعاتها تستحصد، ودائرتهم تتسع، يجدون عندها برداً وسلاماً..
والله المسئول أن يتمّ نوره فينا، وبنا فيعم الأرض السلام..