إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية - الكتاب الاول

بسم الله الرحمن الرحيم
((قل هذه سبيلي ، أدعو الى الله ، على بصيرة ، أنا ، ومن اتبعني ،
وسبحان الله ، وما أنا من المشركين))
صدق الله العظيم


مقدمة


بحلول اليوم السادس والعشرين من أكتوبر عام 1975 ، مرّت ثلاثون عاما على نشأة ((الفكرة الجمهورية)) ، فقد انعقد أول اجتماع للجمهوريين ، في يوم الجمعة ، السادس والعشرين ، من شهر اكتوبر عام 1945م ومنذ ذلك الوقت انطلق نشاطهم ، في مجال الفكر ، وفي مجال التطبيق . وهذا السفر ، الذي نقدمه ، في الذكرى الثلاثين ، لم نقصد به الى رصد تاريخ الفكرة الجمهورية ، أو تقويمها ، فذلك عمل كبير ، هو الآن تحت الاعداد ، وسيخرج في حينه المناسب ، وبحجمه الموفي بالغرض المطلوب .. وانما سنجتزيء الآن ، في هذا السفر ، بتقديم نماذج من المواقف ، والأقوال ، التي تبين ، وتبرز معالم خط سير الفكرة الجمهورية.

المذهبية الاسلامية منذ البدء


ان المتصفح لتاريخ الجمهوريين ، يتضح له بجلاء ، انهم ظلوا ، منذ عهد الاستعمار ، وفي مختلف عهود الحكم الوطني ، ذوي رؤية واضحة ، وأصحاب مذهبية ثابتة ، تدور حولها حركتهم ، وتنبثق منها مواقفهم .. وتلك هي المذهبية الاسلامية التي قوامها الحرية الفردية المطلقة ، والعدالة الاجتماعية الشاملة ..
لقد كانت الحركة الوطنية ، التي انبجست من مؤتمر الخريجين العام ، في الأربعينات ، تعوزها المذهبية ، وتنقصها الأصالة ، والثقة بنفسها ، وبشعبها ، الأمر الذي جعلها تلوي رأسها تحت جناح الطائفية ابتغاء السند الشعبي ، المتمثل في أتباع الطائفية ، فاحتضنت طائفة الختمية الأحزاب الاتحادية واحتضنت طائفة الأنصار حزب الأمة وكان هؤلاء ، وأولئك ، يسخرون من انتجاع الجمهوريين منتجع المذهبيه ، ودعوة الشعب مباشرة ليلتف حولها ، من غير استعانة بالزعماء الطائفيين الذين كانوا يقتسمون ولاء الشعب بينهم .. وكان يبدو للجميع أن طريق الجمهوريين هذا ، طريق طويل طويل ، فالجميع يتعجلون كسب السند الشعبي بأقرب الطرق ، وهو طريق كسب تأييد زعيم احدى الطائفتين الذي تكفي اشارته فقط ليسارع أنصاره بتأييد الحزب المعين .. هذا أقرب الطرق لاستقطاب الشعب ، ولكنه ذو ثمن باهظ لا يقبله الا ميت ضمير ، أو قصير نظر .. ذلك بأن احتواء الطائفية للحركة الوطنية أعطاها سلاح النفوذ السياسي إضافة الى سلاح العقيدة الدينية ، مما مكنها من رقاب الشعب ومن مقدراته ، فاستطاعت أن تجمد وعيه ، و أن تستغله وتساوم به ، في ميادين السياسة .. وكان رجال الأحزاب خاضعين للطائفية ، وكانت حصيلة البلاد ، بعد قرابة العشرين عاما من الاستقلال ، ألوانا من التخبط في حكم البلاد ، وتخلفا مزريا في حياة الشعب مما يحمل وزره كل من ساهم في تمكين الطائفية لتلج الميدان السياسي ، وتعزل الشعب عن قضيته ..