بسم الله الرحمن الرحيم
((قل هذه سبيلي ، أدعو الى الله ، على بصيرة ، أنا ، ومن اتبعني ،
وسبحان الله ، وما أنا من المشركين))
صدق الله العظيم
مقدمة
بحلول اليوم السادس والعشرين من أكتوبر عام 1975 ، مرّت ثلاثون عاما على نشأة ((الفكرة الجمهورية)) ، فقد انعقد أول اجتماع للجمهوريين ، في يوم الجمعة ، السادس والعشرين ، من شهر اكتوبر عام 1945م ومنذ ذلك الوقت انطلق نشاطهم ، في مجال الفكر ، وفي مجال التطبيق . وهذا السفر ، الذي نقدمه ، في الذكرى الثلاثين ، لم نقصد به الى رصد تاريخ الفكرة الجمهورية ، أو تقويمها ، فذلك عمل كبير ، هو الآن تحت الاعداد ، وسيخرج في حينه المناسب ، وبحجمه الموفي بالغرض المطلوب .. وانما سنجتزيء الآن ، في هذا السفر ، بتقديم نماذج من المواقف ، والأقوال ، التي تبين ، وتبرز معالم خط سير الفكرة الجمهورية.
المذهبية الاسلامية منذ البدء
ان المتصفح لتاريخ الجمهوريين ، يتضح له بجلاء ، انهم ظلوا ، منذ عهد الاستعمار ، وفي مختلف عهود الحكم الوطني ، ذوي رؤية واضحة ، وأصحاب مذهبية ثابتة ، تدور حولها حركتهم ، وتنبثق منها مواقفهم .. وتلك هي المذهبية الاسلامية التي قوامها الحرية الفردية المطلقة ، والعدالة الاجتماعية الشاملة ..
لقد كانت الحركة الوطنية ، التي انبجست من مؤتمر الخريجين العام ، في الأربعينات ، تعوزها المذهبية ، وتنقصها الأصالة ، والثقة بنفسها ، وبشعبها ، الأمر الذي جعلها تلوي رأسها تحت جناح الطائفية ابتغاء السند الشعبي ، المتمثل في أتباع الطائفية ، فاحتضنت طائفة الختمية الأحزاب الاتحادية واحتضنت طائفة الأنصار حزب الأمة وكان هؤلاء ، وأولئك ، يسخرون من انتجاع الجمهوريين منتجع المذهبيه ، ودعوة الشعب مباشرة ليلتف حولها ، من غير استعانة بالزعماء الطائفيين الذين كانوا يقتسمون ولاء الشعب بينهم .. وكان يبدو للجميع أن طريق الجمهوريين هذا ، طريق طويل طويل ، فالجميع يتعجلون كسب السند الشعبي بأقرب الطرق ، وهو طريق كسب تأييد زعيم احدى الطائفتين الذي تكفي اشارته فقط ليسارع أنصاره بتأييد الحزب المعين .. هذا أقرب الطرق لاستقطاب الشعب ، ولكنه ذو ثمن باهظ لا يقبله الا ميت ضمير ، أو قصير نظر .. ذلك بأن احتواء الطائفية للحركة الوطنية أعطاها سلاح النفوذ السياسي إضافة الى سلاح العقيدة الدينية ، مما مكنها من رقاب الشعب ومن مقدراته ، فاستطاعت أن تجمد وعيه ، و أن تستغله وتساوم به ، في ميادين السياسة .. وكان رجال الأحزاب خاضعين للطائفية ، وكانت حصيلة البلاد ، بعد قرابة العشرين عاما من الاستقلال ، ألوانا من التخبط في حكم البلاد ، وتخلفا مزريا في حياة الشعب مما يحمل وزره كل من ساهم في تمكين الطائفية لتلج الميدان السياسي ، وتعزل الشعب عن قضيته ..