بسم الله الرحمن الرحيم
((الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً، مثاني، تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله.. ذلك هدى الله، يهدي به من يشـاء، ومن يضلل الله، فما له من هاد..))
صدق الله العظيم
مقدمة
عند الحديث عن أصول الإسلام وفروعه لا بد من تقرير حقيقة هامة وهي أن الناس اليوم، إنما يعيشون خارج الشريعة الإسلامية.. الشريعة الإسلامية غير مطبقة في مجتمع اليوم مهما تظاهر البعض بهذه القشور التي تحكي الدين بلا دين.. والشريعة هي القوانين التي تنزلت لمجتمع القرن السابع لتحكمه وتنظمه.. وهي مستمدة من الآيات المدنية – آيات الفروع من القرآن..
لماذا ترك الناس الشريعة؟؟
قد ينشأ هذا السؤال عند الكثيرين.. وفي الإجابة عليه يمكن أن نكتفي في هذا المقام بأن الناس قد تركوا الشريعة لأنها أصبحت دون حاجتهم، وأقل من طاقتهم.. فمجتمع القرن العشرين، هذا المجتمع الهائل، ذو الطاقات المادية الضخمة يحتاج إلى تشريع جديد أكبر من التشريع الذي نظم حياة مجتمع القرن السابع، المجتمع البدائي الساذج – الذي كان خارجاً من الغابة لتوه عندما ظهر فيه الإسلام.. ونحن إذ نقول هذا القول، لا تغيب عن بالنا الحكم البالغة التي انبنى عليها تشريع القرن السابع والتي جعلته أنسب شيء لحكم ذلك الوقت..
ماهي حاجة هذا المجتمع؟؟
حاجة هذا المجتمع – في كلمة واحدة – «السلام».. ولا يتم السلام على هذه الأرض إلا بمجئ التشريع الذي يستطيع أن يوفق بين حاجة الجماعة إلى العدالة الإجتماعية الشاملة وحاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة!! كل ذلك في ميزان لا يجور!!
أصول القرآن هي الحل لمشكلة الإنسان المعاصر
أصول القرآن هي الآيات المكية، وهي التي كانت منسوخة بالآيات المدنية عندما لم يستطع مجتمع القرن السابع تطبيقها، وقصّر عن شأوها الرفيع.. وآيات الأصول هي وحدها التي يمكننا أن نستمد منها تشريعاً يجعل العدالة الاجتماعية الشاملة ممكنة التحقيق.. ذلك لأنها إنما تقوم على الدعوة ألى الحرية وإلى المساواة – المساويات الثلاث – الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.. وإلى جانب ذلك فإنها تختط المنهاج الذي بإتباعه بإتقان يمكن للفرد تحقيق حريته الفـردية المطلقة.. هذا هو السبيل المسدد الذي بسلوكه ينهزم الخوف وإلى الأبد.. وذلك بظهور الإنسان الحقيقي.. إنسان الغد المأمول الذي كنا وما زلنا نبشر باقتراب ظهوره..
ثنائية المعاﻧﻲ مفتاح فهم القرآن
إن القرآن أصول وفروع، ما في ذلك أدنى ريب!! وهذا إنما يستمد من ثنائية معاني القرآن!! ونحن إن لم ندرك هذه الثنائية فإن حديثنا في الدين يكون تخليطاً لا يستقيم، ذلك أن هذه الثنائية في المعاني هي مفتاح فهم القرآن.. وهي إنما كانت مفتاح القرآن لأن القرآن إنما هو حديث الرب في عليائه متنزلاً إلى العبد في أرضه وبهذا المعنى كان طرف القرآن القريب عندنا مسطوراً ومقروءاً باللغة العربية!! أما طرفه البعيد فإنه مطلق يتنزه عن كل تصور لأنه فوق العبارة.. وفوق الإشارة
((وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم
))..
والمعنى القريب هو ظاهر القرآن – هو آيات الآفاق – والمعنى البعيد هو باطن القرآن – هو آيات النفوس – ولقد جعل الظاهر مجازاً نعبر به إلى الباطن
((من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم
)) ولهذا فإنه ليس للباطن «للحقيقة» من سبيل إذا أسقطنا الظاهر «الشريعة» من حسابنا.. أما إذا وقفنا مع الظاهر فإنه هو الحجاب العظيم.. فالرشد إذن في إدراك هذين المعنيين في وقت واحد وفي سياق واحد.. وبهذه المقدرة على إدراك الوجه الآخر من الأشياء تجئ معرفة أصول القرآن، وفروعه، من الآيات المكية والآيات المدنية.. فالآيات المكية هي مراد الشارع بالأصالة والآيات المدنية هي مراده بالحوالة.
نأمل أن يجد القارئ الكريم في هذا السفر الموجز تبسيطاً وشرحاً لهذا المعنى الهام الذي به سيبعث الإسلام قوياً وخلاقاً يعمر الخراب ويخصب اليباب..