إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الغـرابة فى الدعوة الإسلامية الجديدة

الرسالة الأولى من الإسلام


يقول النبي الكريم: ((بدأ الاسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدا، فطوبي للغرباء!! قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها)).. وانما كان الاستغراب في بداية الإسلام منصبا على التوحيد.. فقد طلع النبي، ذات يوم، على قومه، وهم جلوس بفناء الكعبة، وفيها ما فيها من الأصنام فقال لهم: ((قولوا: لا إله الاّ الله تفلحوا!!)) فاستغربوا، واستنكروا هذه القولة.. وجاء ردهم، كما يحدثنا القرآن: ((أجعل الآلهة إلها واحدا؟ إن هذا لشيء عجاب!)) فلم تكن، إذن، نقطة الخلاف بين النبي وقومه هي مسألة وجود الإله، وانما كانت مسألة وحدة الإله.. وحينما صدع النبي بـ "لا إله الاّ الله" فإنما صدع بها من قمة جديدة في التحقيق والتجسيد أمكنته من وضع تصوّر جديد للألوهية، يليق بها، وان كان "حكم الوقت" قد جعل هذا التصوّر يقتصر على توحيد الآلهة خارج النفس البشرية، كما أمكنته من الإتيان بتشريع للعبادات، وبتشريع للمعاملات ليتمّكن كل فرد، بمجهوده الفردي وبالاستعانة بالجماعة المنظمة، من الانطلاق من هذا التصوّر الجديد للألوهية لتحقيق الكمالات الفردية.. وقد عيّن "حكم الوقت" في القرن السابع، مستوى التشريع الإسلامي لعامة الناس في ذلك الوقت، وهو ما نسميه بالرسالة الأولى من الإسلام... وقد وقفت الرسالة الأولى في مضمار التحقيق الفردي دون فتح الباب على الشرائع الفردية، كما وقفت في ميدان التنظيم الجماعي دون فتح الباب على المسئولية الكاملة، والمساواة التامة، سواء أكانت سياسية، أم اقتصادية أم اجتماعية.. ورغما عن ذلك، فقد كانت الرسالة الأولى من ثورة كبرى قفزت بالمجتمع الجاهلي من الظلام والجهل الى النور والإيمان..
أما النبي، فقد ظل يعيش، في خاصة نفسه، بشريعته الفردية، وهي ما نسميها "سنته"، أو عمله في خاصة نفسه.. ولقد أصبح، بذلك، بين أهله كالغريب لأن سنته، أو شريعته الفردية، كانت فوق مستوى شريعة أمته بما لا يقاس.. ولقد عبّر النبي عن هذا الشعور بالغربة في حديثه الذي يقول فيه: (وا شوقاه لإخواني الذين لمّا يأتوا بعد! قالوا: أولسنا إخوانك، يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي!!) الى آخر الحديث.. وفرق كبير ما بين الأخ والصاحب.. وفرق كبير ما بين "النبوة" – أو "السنة" – من جانب و"الرسالة" – أو "الشريعة" – من الجانب الآخر.. وهذا وذاك فرقان سيكون لهما دلالتهما حينما نتحدث عن تحقيق وتجسيد "لا إله الاّ الله" في المستوى الذي ستنبعث منه ما نسميها "الرسالة الثانية من الاسلام" أو "الدعوة الإسلامية الجديدة"، كما سيكون لهما دلالتهما حينما نتحدث عن الغرابة التي ستصحب كل ذلك..