ذم الأئمة للرأي وتبريهم منه
إن الفكر هو الفريضة الأساسية في الإسلام، ومن ثم، فإن الإسلام يحترم الرأي ويقدسه، ولكن عنده للرأي ثمنه الذي هو رياضة الفكر، وتأدبه بأدب القرآن – أدب شريعته، وأدب حقيقته.. ولدقة هذا الأمر الشديدة، ولتأثره بحكم الوقت، فإن الأئمة الأوائل، لورعهم، ولاستشعارهم للمسئولية الدينية، كانوا يتحرجون من الرأي.. ويتبرءون منه، مع أنهم كانوا مدفوعين اليه بظروف تلك المرحلة.. فاذا كان هذا هو شانهم، في مرحلتهم، وعلى ورعهم، ومسئوليتهم، التي فرط فيها الفقهاء من بعدهم، فإن ترك الفقه، والعودة منه إلى نصوص القرآن، وإلى سنة النبي، لهو أوجب الواجبات الدينية في هذه المرحلة المصيرية التي تمر بها الانسانية الحاضرة..
وإليكم أقوال الأئمة في التبرؤ من الرأي:
قد روى الشيخ محي الدين في الفتوحات المكية يسنده إلى الإمام ابى حنيفة رضي الله عنه أنه كان يقول: ((إياكم والقول في دين الله تعالى بالرأي وعليكم باتباع السنة، فمن خرج عنها ضلّ))
عن عبد الله بن مسلم قال: ((دخلت على مالك فوجدته باكيا، فسلمت عليه فرد علىّ السلام، ثم سكت عني يبكي.. فقلت يا أبا عبد الله ما الذي يبكيك؟؟ فقال: يا ابن أخي انا لله على ما فرط مني؟؟ ليتنى جلدت بكل كلمة قلتها في هذا الأمر بسوط ولم يكن فرط مني ما فرط من هذا الرأي، وهذه المسائل وقد كان لي سعة فيما سبقت اليه.. قلت: أرجع عن ذاك!! فقال: كيف لي بذلك وقد سارت به الركبان وأنا على ما ترى؟؟ قال الراوي فلم نخرج حتى غمضناه..))
وروى عن الشافعي أنه كان يقول: ((حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مستغن بنفسه)).. وكان يقول إذا صح الحديث فهو مذهبي.. وكان يقول إياكم والأخذ بالحديث الذي أتاكم من بلاد أهل الرأي الا بعد التفتيش فيه!! وقال كل شيء خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط، ولا يقوم معه رأي، ولا قياس.. فإن الله تعالي قطع العذر بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فليس لأحد معه أمر، ولا نهي، غير ما أمر هو به..
موقف الامام أحمد من الرأي:
روى البيهقي عنه أنه كان إذا سئل عن مسألة يقول أولأحد كلام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؟ وبلغنا أنه لم يدون له كلام، كبقية المجتهدين، خوفا من أن يقع في رأي يخالف الشريعة.. وكان يتبرأ كثيرا من رأي الرجال.. ويقول لا نرى أحدا ينظر في كتاب الرأي غالبا، إلا وفي قلبه دخل.. وكان ولده عبد الله يقول: سألت الامام أحمد عن الرجل يكون في بلد لا يجد فيها الا صاحب حديث لا يعرف صحيحه من سقيمه، وصاحب رأي، فمن يسأل منهما عن دينه؟؟ فقال يسأل صاحب الحديث، ولا يسأل صاحب الرأي.. وكان كثيرا ما يقول: ضعيف الحديث أحب الينا من رأي الرجال.. وعن الامام داؤود كان يقول: انظروا في أمر دينكم!! فإن التقليد لغير المعصوم مذموم، وفيه عمى للبصيرة..