إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

لقاء إذاعي مع الأستاذ محمود محمد طه

السؤال الرابع


الأستاذ الفاتح: شكراً يا أستاذ!! وأنا يعني أحب أثير نقطة أخيرة هي أنا ابتديت بيها أنا الكلام اللي هو أنا أعتقد أنّو مفتاح الفكر الجمهوري هو الفهم الجديد لآيات الأصول وآيات الفروع اللي هي الآيات المكّية اللي نسخت بالآيات المدنية، والآيات المدنية فرع وتنزّل، والآيات المكّية أصل.. ودا أساس، أعتقد، الرسالة الثانية من الإسلام، فنحب كلمتين في هذا للتوضيح..

الأستاذ محمود: واضح إنّو القرآن على مستويين.. العادة الجارية أنّنا نحن نقول دا قرآن مكّي، ودا قرآن مدني.. لكن، بمألوف ما يتعلّم الناس، يسبق الوهم إلى أنّو القرآن المكّي هو ما نزل بمكّة، والقرآن المدني هو ما نزل بالمدينة.. ودا بطبيعة الحال، ما في بابه صحيح.. لكن الأمر أكثر من ذلك.. الآيات المكّية هي آيات مسئولية.. فيها كأنّما الناس رشداء، لا يُحملوا على الإسلام بالإكراه: ((وقل الحق من ربّكم!! فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر!!)) وكأنّما الناس أحرار: ((فذكّر إنّما أنت مذكّر * لست عليهم بمسيطر)) دا مستوى الحرّية.. عندما عُرض هذا الأمر في المجتمع المكّي، واستغرق ثلاث عشرة سنة، ولم يستجب له، أُمر النبي بالهجرة إلى المدينة، وظهر، ظهوراً عملياً، أنّ الناس دون مستوى المسئولية، وأنّهم في حاجة إلى من يكون وصياً عليهم، ويرشدهم – ظهر أنّ الناس قصّر – ومن يومئذ بدأ نزول القرآن المدني، وهو قرآن الوصاية.. وأظهر خصائصه ما جاء في حديث نبينا الكريم: ((أُمرت أن أقاتل الناس حتّى يشهدوا: أنّ لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله، وأن يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويصوموا الشهر، ويحجّوا البيت، فإن فعلوا عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلا بحقّها، وأمرهم إلى الله)) والحديث مأخوذ من القرآن: ((وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين)) وتمشي الآيات بالصورة دي لغاية ما تجئ الآية اللي سُمّيت، اصطلاحاً بآية السيف: ((فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتّموهم)) هذه سُمّيت بآية السيف، وتعتبر ناسخة لكثير جدّاً من آيات مكّة.. وبطبيعة الحال النسخ لا بد أن تكون وراءه حكمة.. هذه الحكمة هي ارجاء المنسوخ، وليست إلغاؤه إلغاءً مطلقاً، ذلك لأنّ أفضل ما في القرآن نُسخ بما هو دونه.. الحكمة في النسخ أنّ القرآن المدني مناسب للوقت في القرن السابع.. ومن ثم كان عليهو التشريع.. ونحن الآن دعاة إلى أن يُنسخ القرآن المدني، فيما يخص التشريع، بطبيعة الحال، وبصورة خاصة في تشريع المال، وفي تشريع السياسة، وفي تشريع الإجتماع.. القرآن المدني النسخ القرآن المكّي زمان يُنسخ اليوم، ليكون الدور لإحكام الآيات المكّية، التي نُسخت في الوقت الماضي.. وهي إنّما نُسخت لأنّها كانت أكبر من حاجة مجتمع القرن السابع.. وهي اليوم أهل لأن تواجه حاجة إنسانية القرن العشرين، هذه الإنسانية الكوكبية التي تسعى إلى إقامة حكومة عالمية في الكوكب كله.

الأستاذ الفاتح: أستاذ، نشكرك جزيل الشكر لإتاحة هذه الفرصة، ونعتقد أنّو المستمعين استفادوا كثيراً جدّاً من هذه المقابلة الكريمة.. وشكراً جزيلاً والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.