الجلسة الثـالثة
الأربعـاء 4 يونيو 1975م
بدأت الجلسـة في الساعة 10: 30 صباحاً
الأسـتاذ محمـود محمد طه يناقش
الشاكي إبراهيم جـادالله
الأستاذ: هل تذكر كيف ومتي نشأت الحركة الوطنية في هذه البلاد؟
الشاكي: أعد السؤال "الأستاذ يعيد السؤال"
الشاكي: والله أنا لا أذكر المبدأ تاريخياً، قد يكون نشأت الحركة الوطنية وأنا في سن ما أعي بيها.. سنة 24 مثلاً. لكن الواحد قرأ تاريخ الحركة وسمع وعاصر جزء منها.
القاضي: لا تذكر كيف نشأت؟
الشاكي: طبعاً إذا كنت لا أذكر المبدأ تاريخياً لا أذكر الكيفية.
الأستاذ: لا تذكر التأريخ والكيفية لأنك لم تكن موجوداً في ذلك الزمن؟
الشاكي: قد أكون كنت موجود، ولكني في سن أو في وعي لا يمكنني من معرفة ذلك وإستيعابه.
الأستاذ: وهل تعني أن عمر الإنسان الثقافي يبتدئ بوجوده الفردي؟
الشاكي: نعم.. طبعاً لأنو الإنسان ثقافتو تبتدئ بوجوده، طبعاً مش مجرد مما ولد، ولكن بمجرّد ما يبدأ يعي.
الأستاذ: هل سمعت عن مؤتمر الخريجين العام؟
الشاكي: نعم سمعت.
الأستاذ: هل تذكر متي نشأ وكيف؟
الشاكي: واللّه لا أذكر.. ولكن أذكرأنو وفد ـ وهذا أيضاً لا لم أشهده ـ سمعت أن هناك وفد تكون من الخريجين وشتي الإتجاهات الوطنية في السودان وسافر مصر لعرض القضية الوطنية
الأستاذ: هل تذكر العـام الذي نشا فيه مؤتمر الخريجين؟
الشاكي: لقد أجبتك علي ذلك .. لا أذكر.
الأستاذ: هل تعرف كيف ومتي نشأت الأحزاب السياسية، بصورتها الأخيرة التي احرزت بها الإستقلال؟
الشاكي: أذكر في حوالي سنة 51 نشأت الأحزاب السياسية .. تقصد نشأة الأحزاب السياسية؟
الأستاذ: "يعيد السؤال"
الشاكي: لا أذكر ..لان ذلك يرتبط بنشأة المؤتمر، وسبق أن ذكرت لك لا أذكر نشأة المؤتمر.
الأستاذ: هل سمعت يا شيخ إبراهيم عن الحزب الجمهوري وتعرف متي نشأ؟
الشاكي: واللّه لا أعرف ذلك، ولكن الذي سمعت به هو ما حدث في رفـاعة.
القاضي: سؤاله واضح. هو بقول سمعت عن الحزب الجمهوري، ومتي نشأ؟
الأستاذ: "يعيد السؤال"
الشاكي: سمعت عنه ولكني لم اتعرّف متي نشأ وسمعتك تتحدّث عنه عندما كنت في أم درمان.
الأستاذ: هل سمعت أو تعلم أو تذكر كم حزبا جمهورياً نشات في هذه البلاد؟
الشاكي: سمعت عن الحزب الجمهوري الإسلامي الذي كنت سيادتك تترأسه.. وسمعت عن الحزب الجمهوري الذي كون في الأربعينات علي ما أذكر وكان من أعضائه المرحوم إبراهيم بدري.
الأستاذ: تذكر حزبين يعني؟
الشاكي: نعـم
القاضي: كان يرأسه إبراهيم بدري ولا من أعضائه؟
الشاكي: كان من أعضائه.
الأستاذ: أمس في إستجواب بدر الدين ليك قٌرئت ليك قصاصة من جريدة الصحـافة كتبها التيجاني عامر عن الحزب الجمهوري، وردت فيها اللإشارة بأن الحزب الجمهوري هو أوّل حزب وطني نشأ خارج الطائفية.. هل العبارة دي تحمل ليك أي مدلول؟
الشاكي: تحمل لي رأي غايتو.
القاضي: "يعيد السؤال"
الشاكي: تحمل لي مدلول أن هذا الحزب لم يستند إلي جهة طائفية.
الأستاذ: في كم طائفة دينية سياسية في البلد يمكن أن توحي ليك العبارة بأنو الأحزاب منضوية ليها ما عدا الحزب الجمهوري؟
الشاكي: ما أعرفه، أنو كان هناك طائفة الختمية، وطائفة الأنصار.. وربما كانت طوائف أخري، ولكن هاتان هما الطائفتان البارزتان.
الأستاذ: هل بعد ما وصلنا للمرحلة دي من تذكيرك يقوم في بالك بعض الأحزاب المنضوية للطائفتين الكبيرتين السياسيتين. تذكر شيء من الأحزاب المنضوية؟
الشاكي: والله ما أقدر أقول منضوية هي بتستند: مثلاً حزب الأمّة يستند إلي طائفة الأنصار. وحزب الأشقاء يستند بالرأي إلي طائفة الختمية
الأستاذ: هل الأحزاب اللي ذكرتها حزب الأمّة وأحزاب الأشقاء بتعرف ليها طابع معيّن في الإتجاه السياسي؟
الشاكي: يا سيدي القاضي لا اعرف إن كانت هل ديه قضية سياسية أم دينية؟
القاضي: تعرف أو لا تعرف.
الأستاذ: نحن في تهمتنا للقضاة الشرعيين. نتهمهم بالجهل بالدين والسياسة. هجومنا علي الهيئة الشرعية العليا عندما قلنا لايعرفون عن السياسة شيئ ولا يعرفون عن الدين مايكفي وجوهر القذف المتهّمين بيه مركّز علي النقطة دية. نقطة الجهل بالفريقين. الجهل بالسياسة والجهل بالدين. ودية جايين ليهو.
الشاكي: هذا الرجل يرمي إلي شئ موضح وإتهامه أن القضاة الشرعيين يجهلون السياسة ويجهلون الدين.
القاضي: عاوز ترد علي السؤال؟
الإتهـام: (يتدخّل لتسجيل تعليق الأستاذ)
القاضي: (موجها حديثه إلي ممثل الإتهام) الكلام موّجه للمحكمة والمحكمة قبلت بيه.
الشاكي: هل يمكن أن أوجه له مثل هذا السؤال؟
القاضي: لا.
الشاكي: لكن هذا الرجل يرمي إلي شيء وضّحه وهو إتهامه القضاة الشرعيين بانهم يجهلون السياسة.
القاضي: هو يسال ليصل إلي غرضه
الشاكي: عشان يتأكد ليهو كده؟.
االقاضي: المحكمة قبلت ليهو أن يسأل هذه الأسئلة
الإتهـام: حتي لو فرض أن وصل المتهم إلي غرضه فهذا لايؤثر في القضية.
القاضي: دا شئ آخر.
الإتهام: ألتمس تسجيل ذلك.
القاضي: الإلتماس مرفوض. نحن سجّلنا كثير.. هو ممكن يسأل أي سؤال يقوده إلي تحقيق غرضه
الأستاذ: هل السؤال الأخير يا مولاي القاضي جاتك الإجابة عليه؟
القاضي: لا.
الأستاذ: (يعيد السؤال) هل تذكر الخط السياسي لهذين الحزبين.
الشاكي: سل القضاة الشرعيين الذين ينضوون إلي هذه الأحزاب حتي توج كفاحهم وكانوا علي قمّة الأجهزة التنفيذية وكان ثلاث منهم وزراء في أول حكومة وطنية. سل هؤلاء
الأستاذ: هل تذكر موقف حكومة الإستعمار من مؤتمر الخريجين العام؟
الشاكي: أنا اجبت.
القاضي: دا سؤال جديد.
الشاكي: أنا لا اذكر مؤتمر الخريجين العـام.
الأستاذ: بعد ما جاء مؤتمر الخريجين العام ومشي لقدام موقف الإستعمار منو شنو؟
الشاكي: الإستعمار كان دي حاجة بديهية كان يحارب مؤتمر الخريجين لأنو حركة وطنية وهذا امر بديهي.
الأستاذ: هل تذكر شيء عن وثيقة الأطلنطي؟
الشاكي: واللّه ده إمتحان.. دا إمتحان في السياسة؟ ما عارف. لا أذكر لكني قرأت عنها فيما قرأت لكني لا اذكر.
الأستاذ: نجي لمسألة ذكرتها وقلت بتتذكرها.. قيام وفد السودان للقاهرة كان سنة كم؟
الشاكي: عام 46.
الأستاذ: هل تذكر تكوين هذا الوفد وماذا جري له؟
الشاكي: والله أذكر أنو ..الذي اذكره عنه هذا الحدث بأنو كان مكوّن من جهات مختلفة. حزب الأمّة والأشقاء. وسافر إلي مصر وكان الإستعمار حينذاك يعترض علي قيام الوفد ويضع له عراقيل كثيرة وأذكر أن كبار رجالات شندي والمتمّة اسرعوا لتشجيعه وهناك حصل إنشقاق بين الإتحاديين والأنصار. هذا ما أذكره.
الأستاذ: كون الحزب الجمهوري نشأ خارج الطائفية. هل تعتقد أن هذا الوضع لايعرّضه لعداوات كثيرة؟
الشاكي: لا أعتقد. أي حزب كان يتعرّض لعداوات سواء كان مستند لطائفة أم لا.
الأستاذ: إنت ذكرت في تعليقك علي الأسئلة أن الحزب الجمهوري متكل- ناشيء علي طائفة. السؤال هل تعلم أن الحزب الجمهوري غير مستند علي اي طائفة بل وخط سياسته مناضلة مستمرّة ضد الطائفية؟
الشاكي: لا أعلم.
الأستاذ: في الكلام عن الطائفية أمبارح ذكرت اننا نحن بنهاجم جميع الفرق وذكرت منها الفرق الصوفية... السؤال آيه الفرق بين الطائفة والطريقة الصوفية؟
الشاكي: الطائفة، إذا رجعنا للغة: طائفة من الناس أو تجمع من الناس. كما جاء في القرآن واللغة هذه الطائفة أو هذا العدد اوالمجموعة قد يكون ليها اتجاه صوفي والاتجاه الصوفي كما نعرف هو الإتجاه للعمل بما امر اللّه ورسوله وخاتم رسله محمد صلي اللّه عليه وسلّم وسنته والعمل بيهم بإتقان وإتباع أوامره ونواهيه هذا هو التصوّف. هذا هو الطريق وقد يكون هذه الطائفة قامت علي هذا الأساس وقد يكون قامت علي طريق إسلامي أو آخر غير إسلامي.
الأستاذ: يا شيخ إبراهيم نحن بنتكلّم عن بلدنا وواقع الحياة هنا.. برضو أنا عاوز توضيح للفرق بين الصوفية والطائفية وأقترح ليك تذكر لي طريقة صوفية وطائفة حتي يتبيّن لينا آيه الخّلا هناك فرق بين الطائفة والطرق الصوفية ويتبيّن ليك إننا بنهاجم الطرق الصوفية أم لأ؟
الشاكي: أنا وضّحت ليك الصوفية شنو والطائفة شنو.
القاضي: يوضّح السؤال.
الشاكي: أنا أعتقد أن كل الطوائف هنا يبدو أنها قامت علي اساس صوفي. مثلاً طائفة الختمية والسمانية وطائفة القادرية لذلك لا أستطيع أن أفرّق. هذا ما يجري في بلدنا الآن.
الأستاذ: لو واحد قال ليك ان الطائفية هي مرحلة إنحطاط الطرق الصوفية هل توافق علي هذا التعريف؟
الشـاكي. أحتفظ براي ولا أبدي الموافقة أو عدمها.
الأستاذ: نمشي خطوة في الموضوع ده.. إذا كان واحد قال أنو الفرق بين زعيم الطائفة وشيخ الطريقة الصوفية، إنو شيخ الطريقة الصوفية، عندو إرشاد للناس وهو زاهد في دنياهم وزعيم الطائفة ما عندو إرشاد للناس وهو عاوز لمهّم حولو ليكون ليهو نفوذ مالي ونفوذ سياسي.
الشاكي: لو واحد قال لي كده: طبعاً حا اقول ليهو أنو زعيم الطائفة ما عندو دين.
القاضي: التعريف للفرق هل العبارة...
الشاكي: "مقاطعاً" ياسيدي القاضي لا استطيع أن أجزم قد يكون زعيم الطائفة ليس هدفه أن يسوق الناس إلي طريق الدين وإنما للدنيا.. وقد يكون واحد يقول أنا صوفي ويقيم الأذكار والصلوات ثم يكون غرضه من الناس النفوذ والمال وهذه تختلف بإختلاف الأفراد.
الأستاذ: ألإجابة في السؤال ده بـ " قد تكون" ـ إلا إذا كنت مصر عليها ـ ما بنرضي بيها إلا إذا بيّنت لينا السبب البخليه غير جازم بأن الإجابة: انك بتوافق؟ ـ ونحن ممكن نعيد السؤال؟ "الأستاذ يعيد السؤال"
الشاكي: لو واحد قال لي كده حا اقول ليه أنو زعيم الطائفة ما عندو دين لو قال لأتباعه كده.
الأستاذ: أنا أحب أن يسجّل أن السؤال ده أعيد ليهو وهو يري أنوا مافي تغيير في موقفه في القضية.
القاضي: السؤال أجيب عليهو.
الأستاذ: مافي جديد يامولاي القاضي في انو بعد ما يذكّر هو مصر علي إجابة زي دي؟
القاضي: "يعترض"
الأستاذ: برضو في سؤال ورد البارحة وأحب أن أمشي فيه للأمام السؤال ـ وماعندي حاجة جديدة ـ السؤال كان: القضاة الشرعيون لم يحكموا بالشريعةـ دا مأخوذ من إجابتك ـ "لأنهم كانوا مغلوبين علي أمرهم" السؤال: ـ إذا وجد إنسان يدعو لتطبيق الدين في كل المرافق ويقاوم السلطة الغالبة ـ السلطة التي إتسلطّت علي القضاة ومنعتهم من أن يحكموا بالشريعة كلها ويدعو لمواجهتها.. ألا يكون من حقه أن ينتقدك ويبصّرك بعيوبك؟
الشاكي: أنا لا أوافق أنو القضاة الشرعيين لا يحكموا بالشريعة.
القاضي: هو قال ليك الشريعة كلها.
الأستاذ: الجواب اذكّرك ليهو يا مولانا "ليس له الحق" طيّب عشان كده ـ وأنا عندي هنا الإجابة مسجّلة حبيت أن أعيدها عليك وإذا كنت مصر علي صورتها ديك إمكن يكون في سؤال، أو إذا غيّرت رأيك نسمع.
السؤال: أليس من حق من يدعو لمواجهة السلطة اللي قهرتك ومنعتك من أن تحكم بالشريعة كلّها ـ ألا يكون من حق هذا أن ينتقدك إنت اللي رضيت أن تحكم ببعض الكتاب وتترك البعض؟ إنت قلت ليس له الحق.
الشاكي: من يدعو للشريعة ياسيدي القاضي؟
القاضي: "يعيد السؤال علي الشاكي ويذكّره بأنّه سبق أن أجاب عليه بلا"
الشاكي: أنا إذا وجدت من يقاوم ويناضل من منعني من أن أحكم بالاسلام أقبل منه إذا إنتقدني في حدود الأدب وحدود القانون. "ولوكنت فظاً غليظ القلب لأنفضوا من حولك.."
الأستاذ: هل في الوضع ده الإنسان ده البقاوم إذا وُجد إنت بتعتبر ليهو الحق أكثر منّك في إختيار الأسلوب البخاطبك بيهو ولا بتملي عليه الأسلوب البهاجمك بيهو؟
الشاكي: الشريعة بتحكمك بي أسلوبها والقانون بيحكمك بي أسلوبوـ شريعة محمد خـاتم الرسل.
القاضي: الأسلوب هو شنو؟
الشاكي: أسلوب الشريعة ـ وهو مادام بيدعو للشريعة لازم يتقيّد بإسلوب الشريعة وأسلوب الإسلام البتحكمو قوانين الشريعة وقوانين الإسلام لا برسـالة أخري.
الأستاذ: إذا كان هو بحيث ماقد ذكرنا هل إنت أولي بالشريعة ولا هو؟ إذا كان إنت وصفك اللي ذكرناه إنت راضي بأن تتعاون وتطبّق الشريعة في حيز منها لأنك مغلوب علي أمرك، وهو بيري مناهضة الغالب عليك ـ إنت بتحكم بجزء وبتعطّل جزء من الشريعة لأنك مغلوب علي امرك وهو بيري إنّو الشريعة بتلزمو وبتلزمك بأن تجـاهد وألا ترضي بأن تكون مغلوب هو من موضعو دا عندو إمتياز عليك يجعله أولي بالشريعة منك ولاّ لا؟
الشاكي: معلوم من الشريعة أن الناس متساويين ولا يتفاضلون إلا في العمل (إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم) وكل ما عمل الإنسان أكثر وجاهد يكون أفضل من الذي لا يجاهد.
القاضي: تقصد البيعمل ليهو الأفضلية؟
الشاكي: ماقلت ليهو الشريعة بالعمل.
القاضي: تسجل الإجابة بأن الأفضلية للذي يعمل.
الأستاذ: عندما بدأت الحركة الوطنية تنطلق ضد الأستعمار سنة 45 كانت منابر المساجد هي المسرح للهجوم علي الإنجليز وأنا شخصياً من الناس ممن خطب من هذه المساجد وقُرئت ليك خطبة واحدة من جامع أم درمان وواحدة قيلت من جامع رفاعة وأثارت الحركة المشهورة بحركة رفـاعة. إذا كان في الوقت ده يصدر أمر من قاضي القضاة بمنع المساجد وده قد قُرأ عليكم.. بألا تُستغل للأعمال السياسية وإنما للصلاة والصيام والدين فقط الا يكون من حقي أن أواجههم بشيء من الصراحة؟
الشاكي: القضـاة ياتم؟
الأستاذ: نعرض عليك الوثيقة مرة خري؟
الشاكي: قاضي القضاة منو؟
الأستاذ: أحسن نقرأ ليك الوثيقة مرة خري.
القاضي: الشاهد قال لايحتاج ليها.
الأستاذ: إذا كان هو ما عـارف إسم قاضي القضاة هل تري المحكمة يكون مذّكر ما في العريضة إذا إنت ما مذّكر قاضي القضاة ممكن تكون مذّكر محتواها. قلنا نقراها ليك ثاني.
الشاكي: أنا ما محتاج لي دي.
الأستاذ: نائب قاضي القضاة أحمد الطـاهر.
الأستاذ: هل تعتقد وأنا مواجه الإستعمار قد نُكبت من الإستعمار وسُجنت، هل تعتقد يكون خاطري طيّب مع إنسـان يضع الدين في خدمة الإستعمار اللي هو أكبر عدو للبلد ولي في اللحظة ديك. هل تعتقد أني لا أعترض عليه ألا تري من حقي أن أرد عليه، وأرد عليه بما اري؟
الشاكي: أنا أعتبر أنو الكلام دية دعاية شخصية
القاضي: هل أجاب علي السؤال.
الأستاذ: لا
القاضي: "يطلب إعادة السؤال"
الأستاذ: إذا كنت أنا بستغل منابر المساجد وبعتقد أنها هي المكان المناسب تماماً في الهجوم علي الإستعمار، وقد هاجمت في خطبتين وقرأت نماذج منها، والوثيقة محفوظة الآن. واحدة في أم درمان في الحث علي مواجهة الإستعمار والأخري في رفاعة في الحث علي مواجهة الإستعمار وقد نتج من خطبة رفاعة أني سُجنت عامين وفي الوقت ده يُخرج قاضي القضاة، وباسم الدين، أمراً يحرّم منابر المساجد أن تكون مكاناً للخطب السياسية ضد الإستعمار، ألا يكون من حقي أن أعترض عليه وأن أرد عليه بما أري؟
القاضي: هل من حقو أن يهاجم ولاّ لا؟
الشاكي: ما من حقو أن يهاجم.
القاضي: السبب شنو؟
الشاكي: لأن قاضي القضاة كشخص وطني مسلم تبوأ هذا المنصب ولا يمكن أن يكون الأمر أو هذا المنع فيه ممالاة للعدو المشترك وهو الإستعمار وإنما لحماية المسـاجد بدليل أن هناك قضاة شرعيين كانوا يهاجمون الإستعمار ويحاربونه من داخل المساجد، إذا أراد السائل أن نسميهم له.
الأستاذ: من هو الذي بوأ قاضي القضاة هذا المنصب؟
الشاكي: هو الشعب المسلم المغلوب علي أمره.
الأستاذ: الشعب المسلم اللي يبوء الناس المناصب ما بكون مغلوب علي أمره. رأيك شنو في الكلام ديه؟ هل ده صحيح؟
الشاكي: بوأ ديه مجاز في علم الكلام ـ أو إسناد الفعل لغير فاعله.
الأستاذ: هل كنت ولاتزال بتعتقد إنو الإستعمار كان بنفذ رغبة الشعب؟
الشاكي: كان في بعض الحالات تلبية لرغبة الشعب كان يفعل ذلك ولولا ذلك الأستعمار لقضي علي الدين وعلي إرادة الشعب.
الأستاذ: ماهي مصلحة الإستعمار في القضاء علي الدين؟ هل تفتكر من مصلحة الإستعمار أن يقضي علي الدين أم يقود الشعب بطريقة الدين مضللاً؟
الشاكي: التضليل في الدين برضو قضاء علي الدين عندما يكون في أولياء يسوقوا الناس مضللين عن طريق الدين.
الأستاذ: السؤال هو هل من مصلحة الإستعمار أن يضع نفسه ضد دين الشعب أم أن يقود الشعب برجال يمكن أن يخدموا غرض الأستعمار بالدين؟
الشاكي: برضو دا قضاء علي الدين. أنا أعتقد قضاء الإستعمار علي الدين سواء أن يقضي علي مبادئهم أو أن يسوق الناس إلي طريق مضلل بواسطة ناس قليلين سواء أن يقضي عليهم.
الأستاذ: هل من مصلحة الإستعمار أن يقضي علي الدين باقرب الطرق أم يسوق الناس مضللين بأسم الدين؟
الشاكي: أقرب الطرق هو القضاء علي الدين وهو من مصلحة الإستعمار.
الأستاذ: في مارس سنة 46 قبل حادثة رفاعة باربعة شهور نُشرت كلمة "مفتينا ومفتيهم" الأستاذ يقرأ من هذه الكلمة والتي ورد فيها: "قيل أن الخطابة حُرّمت في الجوامع إلا لأغراض دينية فنرجو أن تسألوا المفتي ما هي الأغراض الدينية التي يراها؟ أهي الحض علي الصلاة والنذير بمن لا يصومون؟ هذا شيء يعرفه كل مسلم وهو يخص مجالس العلم حيث يتلقي الناس تعاليم دينهم الأوليّة. أما الخطابة فهي لاغراض لا نحسب حضرة المفتي يجهلها. قام مفتي فلسطين وجاهد في سبيل وطنه وفي سبيل دينه ونُفي وشٌرد ولم تلن له قناة ولم يطو راية الكفاح ولم يسأم النضال علي أمده وما يلقي فيه من عنت ـ ذلك لأنه يشعر أن الكفاح في سبيل دفع الظلم أمر به الكتاب، فما بال مفتينا يحرّم علينا ما أمر اللّه به أن يُفعل؟ إن الدين لا يأمر بالتخاذل والرضي بالذل والهوان. يا رجـال الدين، كنا نريدكم لنا عوناً ومرفأ نلجأ إليه عند الشدائد ـ فنعيذكم اللّه أن تكونوا علينا حرباً ـ وسلام علي مفتي فلسطين. فليتدارك اللّه ديناً يحيا بإسمه أنُاس في برد العيش وقرار النعمة ورخاء الدعة وبإسمه هم لأبنائه يكيدون". دية كانت كلمة في مواجهة موقف زي الأمر الأنا ذكرتو ليك.. وإنت متضرر من شدّة الكلمات المستعملة في هجومنا علي القضاء الشرعي، ألا تعتقد أن هذا القول معتدل؟
الشاكي: إذا كان المفتي أن أتي بتصرّف غير إسلامي فمن واجبه أن يقول...
القاضي: " مقـاطعاً" معتدل ولاّ ما معتدل؟
الشاكي: معتدل إذا ما وجد مبرر.
القاضي: هل المفتي منعو الكلام؟
الشاكي: المفتي قد يكون منعو.
الأستاذ: كنا عايزين نقرأ ليهو الأمر للمنع لكنو هو قال مامحتاج ليهو وهو هسّع قال "قد يكون ما منع!!
القاضي: هو بيسألك معتدل ولا ما معتدل؟
الشاكي: أنا ما أستطيع أن أحكم ما لم أعش تلك الظروف والأحوال وماصدر من المفتي وما قاله السيّد محمود.
الأستاذ: ياشيخ إبراهيم، شغلك الحاضر شنو؟
الشاكي: قاضي.
الأستاذ: قاضي شنو؟
الشاكي: قاضي شرعي.
الأستاذ: أنا الحقيقة سالت عشان برضو النقطة دية من الأيام الأولي حُسمت المسالة دي، وإنك قاضي دوائر أحوال شخصية إنت ما معترف بالتسمية الأخيرة؟
الشاكي: ايوة أنا قاضي احوال شخصية.
الأستاذ: ماهو سبب إصرارك علي أنك قاضي شرعي مع انو الأمر البنظم الهيئة القضائية الصادر سنة 1973 يقول مافي محاكم شرعية؟
الشاكي: نعم مافي محاكم شرعية
الأستاذ: لكن لماذا تجيب في المحكمة وإنت حالف اليمين يا مولاي، إنت حالف اليمين لأن تقول الحق كل الحق ولاشيء غير الحق، ثم تسأل عن أمر تذكر غير الحقيقة، وإنت قاضي احوال شخصية، هل دا حق؟
الشاكي: نُسمي كده.
الأستاذ: عندك ـ اي غير كده؟
القاضي: الحقيقة مافي تعدبل في الإختصاصات، نفس العمل الكان يعملوه.
الأستاذ: هل الإسم يامولاي إتغيّر؟
القاضي: الإسم بس إتعدّل.
الأستاذ: أنا عندي رأي في الإسم ومن أجل ده سالت، هل إنت قاضي أحوال شخصية ولا قاضي شرعي؟
الشاكي: قاضي أحوال شخصية وقاضي شرعي إختصاصم واحد بيحكموا بالشريعة؟
الأستاذ: أنا ما بعني الإختصاص بس.
الشاكي: في أحوال شخصية وفي مسائل دينية تسمي احوال شخصية برضو.
القاضي: يعني مافي فرق بين قاضي شرعي وأحوال شخصية في العمل؟
الأستاذ: دية في الإختصاص، السؤال راح يجي هل الإسم في حد ذاتو بصرف النظرعن المحتوي ، هل الإسم عندو مدلول ينقلو للسامع؟
الشاكي: إسم الأحوال الشخصية؟
الأستاذ: أي إسم عندو مدلول ينقلوا للسامع؟
الشاكي: نعم.
الأستاذ: هل قاضي شرعي ينقل للسامع نفس المدلول اللي ينقلو ليه قاضي أحوال شخصية؟
الشاكي: قاضي أحوال شخصية في جانب المدلول ظاهرياً.. يختلف طبعاً لكن واقعاً لا يختلف وإنت بنفسك تقول احياناً قاضي شرعي وأحياناً تقول قاضي أحوال شخصية.
القاضي: المدلول.
الشاكي: المدلول اللغوي يختلف ـ الأحوال الشخصية تطبيق التشريع الإسلامي، واي قانون آخر ـ لكن عندما نقول قاضي شرعي ـ برضو كلمة شرعي ذاتها مدلولها اللغوي ما بيعني شريعة الإسلام.
الأستاذ: نحن بنتكلّم عن الشريعة الإسلامية ـ خلينا نتكلّم عن الشريعة الإسلامية، هل ما ينطبق عليك أكثر دقة إنك قاضي أحوال شخصية أم قاضي شرعي؟
الشاكي: قاضي أحوال شخصية، ولكن عندي مسائل مدنية أخري، أنا بقول قاضي أحوال شخصية يعني بحكم في الأحوال الشخصية. قاضي شرعي في اللّغة، أوسع من أن نقول قاضي شرعي إسلامي. فالقاضي الشرعي بيحكم بالشرع الاسلامي وقد يكون بيحكم ببعض الشريعة.
الأستاذ: "يعيد السؤال".
الشاكي: في السودان ما يكون أدق عندما نقول قاضي أحوال شخصية معناه قاضي شرعي.
الأستاذ: نحن في دائرة هجومنا علي القضاء الشرعي، أصدرنا مناشير باسم (تصفية القضاء الشرعي) هل تذكر إنّك إطلعت علي بعضها؟
الشاكي: نعم أذكر ـ ومنها ماهو موضوع الدعوي.
الأستاذ: هل في شيئ معيّن لفت نظرك في تلك المناشير فيما يخص المحاكم الشرعية. إعتراضنا علي هذه التسمية، هل لفت نظرك في مناشيرنا؟
الشاكي: في تصفية القضاء؟
الأستاذ: الإعتراض علي التسمية، هل تذكر إننا سمينا المحاكم الشرعية محاكم مليّة؟
الشاكي: نعم.
الأستاذ: وانها هي تحكم الملة المغلوبة علي أمرها في جوء من شريعتها، وأنها يحكمها الإستعمار بالباقي من الشريعة وعلي قانونه المدني، هل عندك إعتراض علي هذه الصورة، اليست صحيحة ـ إن الإستعمار سمي المحاكم المليّة البتحكم في الأحوال الشخصية، كل الملل الفي البلاد الواحدة يكون عندها محاكم تحكمها في الأحوال الشخصية ولكنه أطلق عليها المحاكم الشرعية لغرض مبيّت، ونحن قلنا الكلام دا، أنو المحاكم الشرعية إسمها الصحيح محاكم مليّة، هل الكلام ده ما صحيح أيام الإستعمار؟
الشاكي: أيام الإستعمار صحيح.
الأستاذ: أمبارح قلت في بعض نقاشك. قلت إنك تهاجمونها لأنها شرعية لأنكم تهاجمون كل الجهات الشرعية، تهاجمون الأزهر، والشئون الدينية، الخ .. ألا تعتقد أننا نهاجمها لغرض غير أنها شرعية كما أجبت علي السؤال الماضي؟
الشاكي: أنا اعتبر كلامك فيه تناقض لأنك قلت هي في حقيقتها محاكم مليّة، المغلوبة علي أمرها في النزاعات، وفي النزاعات الأخري يحكمها قانون الإستعمارو تجي تاني تهاجم الفقهاء، والأزهر.
الأستاذ: إذا كان صحيح انو إسمها البنطبق عليها أنها محاكم مليّة، ثم سماها الإستعمار، ليضللنا، سماها شرعية، وأنحن هاجمناها وانت متفق، إن الأسم صحيح، والمحتوي صحيح إنو نحن بنهاجمها حيث طوّعت نفسها لتكون أداة في يد الإستعمار حين سماها محاكم شرعية وهي غير شرعية، فنحن ما بنهاجمها لأنها شرعية، ولكن لأنها رضت أن تنسب ليها الشريعة، وهي غير صحيحة، ودا فيه اثر كبير جداً في تضليل الشعب...
الشاكي: "يقاطع"
القاضي: هو شايف الوضع دا غير صحيح هل من حقو أن يهاجم المحاكم الشرعية؟
الشاكي: ليس لهم الحق، وإنما كان يجب أن يهاجم الجهات التي منعت المحاكم أن تحكم بالشريعة في كل جوانبها، ديه الحق العندك تهاجمها لتقضي علي الحق كلّه.
الأستاذ: صحيح حقو من واجبنا أن نهاجم الجهات المنعت المحاكم الشرعية أن تكون شرعية، لكن ده أصلو عملنا، ونحن ما هاجمنا المحاكم الشرعية لغرض في ذاتها وإنما لأنها هي وسيلة إحتمي حولها الأستعمار، ليضلل الشعب. المحاكم الشرعية غير مقصودة بالهجوم ولكن لما رضيت بإسم غير إسمها والإسم دية بيحمل للشعب البسيط مدلول، الإنسان البسيط بيفتكر إنو الشريعة قايمة، نحن هاجمناها من هنا وقلنا في أثناء هجومنا، قاضي القضاة اللي هو رئيس النظام الشرعي، إستعمله الإستعمار ليوقفنا من الهجوم علي الإستعمار فنحن إذن هجومنا علي المحاكم الشرعية جانبي ليركّز في أذهان الشعب أنو ده برضو من تضليل الإستعمار ويجب أن تنتبهوا ليه وأن يعوه، الهجوم علي المحاكم الشرعية ما مقصود في ذاتو إلا بسبيل من الهجوم علي الإستعمارـ ألا تري أن هذا العمل مبرر؟
الشاكي: أنا لا أري لهذا العمل ما يبرره، أنا أري عندما تقضي علي حاجة إسلامية، دية قضاء علي الدين ودليل علي سوء نية "الشاكي يطلب من القاضي قراءة الإجابة ثم يزيد.." المطلوب أن تطلبوا المزيد وليس القضاء علي الموجود في الشريعة.
الأستاذ: نحن نطالب الإستعمار بأن يجلو من البلاد ومن أجل هذا الطلب لابد أن يكون، في كشف لكل تضليلات الإستعمار للشعب ومن هنا هاجمنا القضاء الشرعي، لأنو مكّن الإستعمار من تضليل الشعب، هل كنت تعتقد يمكن أن نطلب من الإستعمار أن يعطي القضاء الشرعي الحكم في الأمور الجنائية؟
الشاكي: لقد سمعت كثيراً من الوطنيين كان يناضل الإستعمار حتي تمكنوا من إخراجه فما سمعت واحداً منهم كان يهاجم القضاة الشرعيين ايام الإستعمار بل كانوا يتعاملون مع المحاكم الشرعية ويعملون علي تدعيمها.
الأستاذ: السؤال قائم يا مولانا، وعلي اي حال أنحنا ما طالبنا بتصفية المحاكم الشرعية في وقت الإستعمار لكن قلنا أنها محاكم بالأسم الفضفاض ده ضللّت الشعب وما بتحكم بالشريعة، وأنها هي يجب أن تشد نفسها لتقيف مع الحركة الوطنية، وما تصدر أوامر بإسم الدين تحرّم إستعمال المساجد وهي في الحقيقة مكان للثورة، ومكان للمقاومة، تحرمها من أن يكون العمل فيها سياسي، لأنو الإستعمار ما عايزها كده، هو قال ده تحطيم. الحاجة المطلوبة حقو الإنسان يبني ويمشي لقدّام ـ نحن نعتقد العمل دا في تمامه، إذا كان القضاة الشرعيين رفضوا أن يكونوا مُضللين للشعب، بالصورة ديك، دا بيخرج الإستعمار، هل هو بيعتقد أنو خروج الإستعمار مش هو تصحيح للوضع؟ أم بيعتقد أنو نخلي الإستعمار باقي ونبني المحكم الشرعية بأن نطالب ليها بأن تُعطي الحق في الحكم في الأمور الجنائية؟
الشاكي: الإستعمار ليس موجوداً الآن، وإنت بتهاجم المحاكم الشرعية حتي يومنا هذا وقد خرج الإستعمار منذ سنة 55؟
الأستاذ: دا بأسبابو ، جايين ليهو (يعيد السؤال للمرّة الثـالثة).
الشاكي: جداً، كان ممكن نقول للإستعمار نحن نريد أن نحكّم شريعتنا ونحارب الإستعمار لنخرج الإستعمار.
الأستاذ: حتي في الباب دية، عندما أطالب الإستعمار بأن يجلو، عملي أكثر، ولا لما أطالبه بأن يعطي قطع اليد؟
الشاكي: هذا لا يمنعك بأن تطالب بجلاء الأستعمار.
الأستاذ: هل تعرف رأي الإستعمار في قطع اليد؟
الشاكي: أنا بعرف أنو كثيرين من غير المسلمين، أو من أعداء الإسلام، يوجهون إنتقادات لهذا الحكم، بما فيهم الأوربيون، والدول الأستعمارية.
الأستاذ: يعني الإستعمار لا يوافق علي حد قطع اليد؟
الشاكي: نعم لا يوافق.
الأستاذ: ومع ذلك تري أننا حقو نطالب بإعطاء المحاكم سلطات في الحكم بالأمور الجنائية كقطع اليد!؟
مواصـلة الوقــائع في الكتـاب القـــــادم:
الأســــتاذ محمود محمّد طه يواصل إستجواب الشاكي الشيخ إبراهيم جاداللّه.