بسم الله الرحمن الرحيم
(وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا)
صدق الله العظيم
مقدمة
لما كان أكبر ما رزئت به المرأة في بلادنا هو جهاز الأحوال الشخصية الذى هو أداة تعذيب، وقمع للمرأة، فإننا أداء لواجب نصرة المظلوم، ودفاعا عن المرأة المستضعفة في عامها، وتنقية للدين من جهالات أدعيائه، فإن منشورنا السادس عن المرأة، في عام المرأة سيكون ردا على بحث عن المرأة، تقدم به رئيس ذلك الجهاز العجيب، الشيخ محمد الجزولي لسمنار المرأة والتنمية، الذى أقيم بمدينة الدويم.. ومن العجب أن يقدم الشيخ الجزولي بحثا لمثل ذلك المجمع العلمي، وعن علاقة المرأة بالتنمية، مع أن القوانين التي هي مهنة وثقافة الشيخ الجزولي لم تخرج بالمرأة عن دائرة الإنتاج والمواطنة فحسب، بل تتنكر لاعتبار المرأة المستقل وتعاملها كموجود لمتعة الرجل – أداة متعة – كما سنوضح.
إن تخلف قانون الأحوال الشخصية، في بلادنا، قد شعر به كل الناس، إذ رأوه مجسدا في مآسي المرأة، يذلها، ويقهرها.. ورأوه في وجوه البائسات، المحرومات، اللائى تعج بهن ساحات دوائر الأحوال الشخصية، ويترددن الشهور والسنوات دون طائل.. وشهدوه يجرح كرامة، وإنسانية المواطنات والمثقفات، ويعامل المرأة العصرية في، الثلث الأخير من القرن العشرين، كأداة لمتعة الرجل، وعرفوه كيف ينكر على المرأة كفاءتها، ورشدها لمجرد أنها امرأة.
كل هذه الصور الشائهة تجمعت في دوائر الأحوال الشخصية.
ونحن نعرف صور التحجر الفكرى، والتبلد الذهنى، الذى يبلى به متهوسو الأديان، حين يفارقون جوهر أديانهم، ولا يتمسكون منها الا بالقشور، فيصابون بالتعصب والهوس وضيق الأفق وهذا التحجر والتبلد، يصبح أمرا نظريا يؤذى المشاعر، ويحتقر العقول، حين تعلنه أقليات منقرضة... أما حين يجد من هو في ذلك المستوى، الفرصة في غفلة من الزمن ليطبق تخلفه، بكل شروره، ومخازيه، على أحد من الناس، وباسم الشريعة، فان شره يكون مستطيرا، وضرره بليغا. أما ان استضعف هذا التخلف المرأة، وطبق عليها أحكامه، والمرأة في الأرض كالقلب في الجسد، فإن أمتنا تكون قد أُصيبت في قلبها. ولن تتم لنا أى نهضة، أو تقدم أو إصلاح الا إذا بدأنا بالإصلاح الجذري، من النواة، بل إن أي تقدم مادى، أو اقتصادى أو حضارى، نسعى اليه، لن يكون إصلاحا حقيقيا يؤثر في كيان الأمة، إلا إذا أُصلحت قوانين الأسرة. ذلك لأن الأسرة إذا صلحت صلح سائر المجتمع، واذا فسدت فسد سائره. ومن هذا المنطلق ومن مسئوليتنا الدينية والوطنية، كنا أول من نادى بتصفية المحاكم الشرعية عام 68، ولا نزال نتابع قضاتها حتى تزول العقبة القائمة بين الدين والمواطنين، أصحاب المصلحة الحقيقية في جوهر الدين.. وأول الإصلاح هو تطوير قانون الأحوال الشخصية، حتى نضع عن المرأة السودانية تلك الأغلال التي يطوقها بها أشياخ جهلة، أسماهم الاستعمار – قضاة شرعيين – ولكشف حقيقة هؤلاء الأشياخ، ولتعرية القانون الذى يقهرون به المرأة، ويخربون به الأسر، أصدرنا هذا المنشور.
إن سدنة جهاز الأحوال الشخصية العاجزون عن إدراك سعة الشريعة المرحلية، لا يمكن أن يتشرفوا بتقديم الإسلام بفهم جديد ليسود الحياة الحاضرة، ويسعدها ويطبق فيها كلها، ولذلك استضعفوا المرأة، وظلوا يطبقون عليها أخلاطا من الآراء، وجزءا من الشريعة، في غير وقته، ليرتزقوا من ذلك ويتسنموا الوظائف والألقاب.