إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الزّي عنوان عقل المرأة وخلقها

بسم الله الرحمن الرحيم
(يا بني آدم قد انزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم، وريشاً، ولباس التقوى، ذلك خير، ذلك من آيات الله، لعلّهم يذّكرون).
صدق الله العظيم ..

مقدمة الطبعة الرابعة:


هذه مقدمة الطبعة الرابعة من كتابنا (الزّي عنوان عقل المرأة وخلقها) .. وهو كتاب قد خرج اول مرة بمناسبة احتفالنا بعام المرأة العالمي، عام 1975 .. والآن، فاننا نجد الحاجة ملحة لإعادة طبعه، وذلك لما يعتري مجتمعنا الآن مّما يمكن ان يسمّى ب (فوضى الازياء) .. وهذا الكتاب انّما يسهم اسهاماً كبيراً في القضاء على هذه الفوضى، وذلك بتوضيح معنى الحجاب، وقيمته، ثم بوضع الأسس التي بمقتضاها تتمكن المرأة اليوم من الخروج والإختلاط في المجتمع، مع التمسّك بالزي الإسلامي، وبالقيم الإسلامية ..

الخلفية التاريخية للحجاب:


والحجاب انّما يعني بقاء المرأة في دارها .. وعن ذلك ورد قول الله تعالى: (وقرن في بيوتكّن ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الاولى، واقمن الصلاة، وآتين الزكاة، واطعن الله ورسوله، انّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس اهل البيت ويطّهركم تطهيراً) وبهذا النص أصبح خروج المرأة من المنزل غير مسموح به، إلا للضرورة .. والضرورة تعني الاّ يكون عند، المرأة من يعولها من الرجال، فهي إن لم تخرج لتكسب الكسب الشريف لنفسها، ولمن تعول من الأطفال، فإنها ستموت جوعاً، أو تنحرف .. في مثل هذه الحال، وحدها، سمح للمرأة في الشريعة، في الماضي بالخروج .. وهذه هي الضرورة التي تبيح المحرّمات – الحياة أو الموت – (قل لا اجد فيما اوحي الي محرّماً على طاعم يطعمه الا أن يكون ميتة، أو دماً مسفوحاً، أو لحم خنزير فانه رجس، أو فسقاً أهل لغير الله به، فمن اضطّر غير باغ، ولا عاد، فان ربك غفور رحيم) .. (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) .. هذا هو مقياس الضرورة في الشريعة الإسلامية – ضرورة الحياة أو الموت هي التي تبيح المحرّمات ..
فاذا اضطّرت المرأة للخروج، بهذا المعنى الذي سقناه للضرورة، فإن عليها حينئذ ان تخرج من منزلها بزي خاص، تبدو فيه وكأنها تنقل منزلها معها .. وذلك بأن تخرج وهي متحجبة تماماً، لا يبدو منها سوى وجهها، وكفيها، وظاهر قدميها .. قال تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك، وبناتك، ونساء المؤمنين، يدنين عليهّن من جلابيبهّن، ذلك ادنى ان يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً ..) .. هذا الزي هو الزي الشرعي الذي كانت ترتديه في الماضي، المرأة الخارجة، للضرورة التي بينّا آنفاً .. ولابد من ملاحظة هنا أن بعض الناس يظن أن آية الحجاب وراء الباب لم يقصد بها غير نساء النبي وهذا سوء فهم، عقل الذكي يأباه وكفى ..

حكمة الحجاب:


إن الإسلام انّما يعالج مشاكل المجتمع، وقضاياه بحكمة، ورفق، ومن ذلك، انه عندما شّرع الحجاب انّما راعى حال المجتمع، واقّر القيمة التي حرص الناس عليها، من وراء تضييقهم على النساء، وتلك هي قيمة العفّة .. فقد كان دافع الناس الأساسي من وراء (وأد) البنت، في الجاهلية، هو خوف العار الذي تجلبه لهم البنت اذا سبيت، أو اختطفت، أو تعرضت للفقر المذل .. فقد راعوا قيمة العفّة، والصون، والحفظ، ولكنهم اخطأوا السبيل اليها، حين وأدوا البنت، لأنهم بفعلهم هذا قد أعدموا الحياة نفسها، فقال تعالى، في مؤاخذتهم على هذه الغفلة: (واذا الموءودة سئلت، بأي ذنب قتلت)، ولذلك حرّم الإسلام عادة الوأد، ولكنه لم يقلّل من شأن القيمة وراءها، وانما ركز عليها، وعظّم من امرها، وهو، في الحقيقة، لم يبطل تلك العادة تماماً، وانما طوّرها، فجاء بالحجاب، بجدران المنزل الاربعة: ( وقرن في بيوتكّن ولا تبرّجن تبرج الجاهلية الاولى) بديلاً للحجاب بالحفرة .. فهو قد قرّر ألا تخرج المرأة، ولا تختلط بأجنبي، الا للضرورة، وبالزي الشرعي، على النحو الذي اشرنا اليه آنفاً .. لقد طورت الوسيلة، وهي عادة الوأد، وبقيت القيمة التي هي مساعدة النساء، ثم الرجال، على الصون والعفة ..
ولقد ركّز الإسلام على القيمة الحقيقية، وهي العفّة التي في الصدور، ووظف منهاج العبادة، والمعاملة، لتحقيق هذا الغرض، واشار تعالى الى قيمة العفّة، وكونها، في الأصل، في الصدور، بقوله: (يا بني آدم قد انزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم، وريشاً، ولباس التقوى ذلك خير، ذلك من آيات الله، لعلّهم يذكرون) .. ويجب أن نفطن، الى ان غيرة الرجال على النساء هي السبب القوي في التشديد على النساء .. وليس من الخير ان تذهب هذه الغيرة، فما من أمة نزعت الغيرة من صدور رجالها الا نزعت العفة من حجور نسائها .. ولكن الخير، كل الخير، في مراعاة هذه الغيرة، ثم إشاعة التربية، وتعميقها، في نفوس الرجال والنساء حتى يتحقق مراد النبي (عفّوا تعف نساؤكم) .. وبحصول التربية، وبتركيز أمر العفة في الصدور، وباستيقان كل رجل أن الله هو الحافظ، وهو الصائن لعرضه، لا الباب المقفول، ولا الثوب المسدول: (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله)، وعندئذ تطّامن غلواء الغيرة الجنسية بفضل الله ثم بفضل ما استقّر في قلوب الرجال والنساء من الثقة المتبادلة ..