الإسلام:
وعند الإسلام آيات النفوس مقصودة بالآصالة ، وآيات الآفاق مقصودة بالحوالة ، بمعنى ان الإنسان يعبر على آيات الظاهر ليصل إلى فهم آيات الباطن ، فينسقها مع الظاهر حتى تستقيم له حياته ، وتتعمق وتتسع .. وفي الإسلام الظاهر إنما هو ظل للباطن – الكون الظاهر إنما هو الكون الباطن في حالة بروز وتجسيد .. والإسلام إنما يعني الانقياد ، والاستسلام ... وهو يبدأ بمحاولة الحي أن يوجد نوعاً من العلاقة الحميمة بينه وبين البيئة الطبيعية التي يعيش فيها وذلك بإقامة نوع من المصالحة ، والمصادقة ، والمودة معها .. أو نوع من التقية ، والمحاذرة ، والخشية منها .. ومن ههنا نشأت العبادة ، ونشأ العلم ، ونشأ الفن..
أن الوجود المادي ، المحسوس ، إنما هو لحن من الموسيقى العلوية .. هو لحن متسق ، منسجم ، مهذب ، لا نشوز فيه ، ولا شذوذ .. ونحن الآن إنما نتعلم العلم لكي نستطيع به أن نسير بحياتنا في مصاقبة ، وفي سلام مع هذا اللحن العلوي العظيم .. نحن إنما نتعلم العلم الذي يعيننا على تنغيم حياتنا مع بيئتنا .. ولقد علمنا أن هذا العلم لن يكون علم الظواهر الطبيعية ، فحسب ، وإنما هو علم الظواهر والبواطن - علم آيات الآفاق ، وآيات النفوس – وبواطن الظواهر تقول: أن الكون المادي ، المحسوس ، إنما هو الإرادة الآلهية جمدت ، وتجسدت .. أن الكون هو مظهر قدرة الله ، تبارك ، وتعالى ، فإنه ، تبارك وتعالى ، عندما أراد إظهار المخلوقات أحاط بها علماً ، باسمه العالم .. ثم خصص الصورة البدائية لظهورها ، وذلك باسمه المريد ، ثم أبرز هذه الصورة ، إلى حيز المحسوس ، وذلك باسمه القادر .. وباسم القادر تم تجسيد العلم الإلهي .. والعلم الإلهي صفة قديمة ، قائمة بذات الله القديمة .. فما هو غيرها ، وإنما هو هي ، في مرتبة التنزل ، لتظهر ، لتعرف..
ان البيئة الطبيعية التي نعيش فيها إنما هي بيئة روحية تجسدت ، وكان من تجسيدها السموات والأرض ، وما فيهما ، وما بينهما ، وأصبح علينا ، لكي نعيش في وئام مع بيئتنا ، أن نعلم ظاهرها – آيات الآفاق ، ونعلم باطنها – آيات النفوس .. قال تعالى ، في ذلك (سنريهم آياتنا ، في الآفاق ، وفي انفسهم ، حتى يتبين لهم انه الحق .. أو لم يكف بربك انه على كل شئ شهيد؟؟) ونحن ، من أجل هذا العلم ، نحتاج العلم التجريبي ، وهذا أكثر تركيزاً على الظواهر ، منه على البواطن ... بل هو يكاد يقتصر على الظواهر وحدها .. ونحن ، من أجل هذا العلم ، نحتاج الفنون ، بكل صورها ، وضروبها ، وهذه موزعة بين الظواهر والبواطن ، وتركيزها على الظواهر أعظم ، ودخولها في البواطن غير موجه بالنهج الذي يضمن لها التغلغل في هذه البواطن ، مما يزود الفنان بالقدر الكافي من علم اسرارها ، وإنما هي تقتصر على إلهامات نفس الفنان ، وموهبته.
ونحن نحتاج الدين من أجل هذا العلم ... والدين يبدأ بالظواهر ، ويتخذها معبراً إلى البواطن .. وهو إنما يزيد تركيزه على البواطن كلما تمرس المتدين بمنهاج العبادة ، وكلما روض عقله ، وقلبه ، على أدب الشريعة ، وأدب الحقيقة .. (أو لم يكف بربك انه على كل شئ شهيد) إشارة إلى الاستغناء بالبواطن عن الظواهر .. إشارة عن الاستغناء بالله عن جميع الخلق .. وذلك إنما يكون عند الاستواء ، حيث لا يبقى ، في الوجود ، غير العبد والرب – العبيد الاخرون موجودون ، ولكن وجودهم لا يتخذ وسيلة إلى معرفة الله ، وإنما معرفة الله وسيلتها ذاتها – هذه تبدأ عند نهايات البدايات ، ويطالع بها المصطفون ، الأخيار ، في هذه الدار ، ثم لا تكون لنهاياتها نهايات ، وإنما هو الترقي السرمدي.