الحرب لا تحل المشكلة الآن
إنسانية القرن العشرين مشكلتها اليوم مشكلة السلام.. ومشكلة السلام هي مشكلة الحرية القبيل قلنا أنو الإنسان بيبحث عنها منذ أن نشأ.. وهو عندما اخترع المجتمع كان بيبحث عن السلام.. بيبحث عن الحرية.. والصورة ما كانت محددة في ذهن الإنسان بالمعنى الأصبحت محددة بيه الحرية اليوم.. بل الحقيقة أن تجاربنا الأخيرة، هي اللفتت أنظارنا إلى معاني جديدة.. فإننا نحن قد كنا محاربين على طول المدى.. يعني لما كنا بالأنياب والأظافر، وعندما انتقلنا إلى الأسلحة، واستعملنا الآلة لنستعيض بها عن الأنياب والأظافر.. لغاية ما جات الأسلحة النووية.. على طول المدى نحن كنا محاربين.. وكانت الحرب بتحل مشكلتنا.. ولكن التجربة الأخيرة دلت على أن الحرب ما عادت بتحل مشكلتنا، خصوصا التجربة اللي ظهرت في فيتنام أخيرا.. السلاح لا يحل المشكلة.. كل ما يمكن أن يعمله السلاح هو أن يجيبنا حول تربيزة المفاوضات لنتفاهم، ذلك لأنه، بالأسلحة الأخيرة، الحرب ما أصبح فيها منتصر ومنهزم.. في الحرب قبل الأخيرة - حرب 1914 – 1919 - كان المنتصر في الحرب هو المنتصر في السلام.. كانت الدنيا تخضع ليهو، ويسيطر عليها، ولو إلى مدى.. فمثلا بريطانيا لما طلعت منتصرة في حرب 14-19 سيطرت على العالم، لغاية أوائل الثلاثينات، عندما قامت ألمانيا، بقيادة هتلر، وأصبحت تناوئ، إلى أن في سنة 1939 انفجرت الحرب بالصورة المعروفة ديك، فقد كان في مدة كان العالم فيها بلغ نوع من السلام.. ما هو سلام طبيعي، ما هو سلام صحيح.. لكن على كل حال، أمكن نزع السلاح فيهو.. الحرب الأخيرة - حرب 1939- 45- دلت، دلالة كبيرة جدا، على معنى جديد، هو أنو المنتصر في الحرب قد يكون منهزم في السلام، حتى أنو العمل العملتو ألمانيا الغربية بالذات، واليابان، في التجارة، والصناعة، (وديل دولتين منهزمتين في الحرب) العمل العملنو في بناء إقتصادن، بعد نهاية الحرب أصبح أكبر من عمل بريطانيا، وأصبحت تخشاه حتى أمريكا اليوم.. فكأن الدولتين المنهزمتين في الحرب أصبحتا منتصرتين في السلام.. والدولة، بالذات بريطانيا، الكانت منتصرة في الحرب أصبحت منهزمة في السلام.. ودي، في حد ذاتها، تجربة كبيرة جدا للمجتمع، دلت على أن الحرب لا تحل مشكلة، وأنو قد جاء الوقت ليكون في سلام، وفي مفاهمة، وفي مصالحة، وأن تحل المسائل حول تربيزة المفاوضات، زي ما حصل في حرب فيتنام، بعد أن استمرت عشر سنين، حطمت أشياء لا حصر لها، من العتاد، ومن السلاح، ومن الثروة الطبيعية في الأرض البيدور فيها القتال، ومن المنشآت، والكباري، والورش، والمواني، ومن الخطوط الحديدية، ومن أرواح الحيوان، وأرواح البشر.. كلها انتهت إلى أن الناس يجب أن يجلسوا حول تربيزة المفاوضات.. الأمر الذي كان يمكن أن يحصل قبل عشر سنين، لو كان عندنا من الحكمة، ومن الذكاء ما يغنينا عن الدخول في هذه التجربة.. لكن، بطبيعة الحال، التجربة ضرورية لندرك نحن المسائل، إدراك واضح، والرؤية فيهو تكون واضحة.. وكانت التجربة.. لكننا خرجنا بحصيلة كبيرة جدا من هذه التجربة، وأصبحنا نستقبل حقيقة كبرى، هي أننا، لنعيش في الأرض دي، يجب أن نعايش بعضنا في سلام، ويجب أن نقلع عن الحرب تماما..
الإنسان محارب زي ما قلت بطبيعته الثانية.. وأقصد بطبيعته الثانية العقلية التي عوجها الخوف.. نحن، في بدايتنا انطلقنا من خير، وراجعين لخير، انطلقنا من الخير المطلق، وراجعين للخير المطلق، لكننا في المرحلة لا بد لينا من التمرس بالفكر البرجعنا.. خرجنا من وطن هو خير كله، وراجعين لوطن هو خير كله، وفي المرحلة لا بد لنا من المجاهدة.. المجاهدة انتهينا بيها إلى أنه لازم نعرف.. المعرفة هي الطريق الوحيد الذي يغنينا عن أن نتقاتل، وأن نتماوت، بالصورة الجات في التجربة هنا..
السلام هو حاجتنا
إذا كان دا هو المجتمع - مجتمع القرن العشرين - فهو محتاج للسلام، ولا ريب.. ودي هي حاجته الأساسية.. ويمكن أن يقال أن السلام لا يحصل في الأرض إلا إذا حصل في النفس البشرية، لأن النفس البشرية هي في ذاتها في قتال.. أنا وانت، قوانا، في بنيتنا البشرية، في الداخل، متصادمة، بعضها مع بعض.. نحن فينا معارك داخلية.. المعارك الداخلية، بين ما يمكن أن تسميه العقل الباطن، والعقل الواعي.. المعارك الداخلية، الثرثرة الداخلية، حالة الإنقباض، حالة القلق، حالة الخوف، حالة التوتر، حالة الطمع.. كل الأشياء البتثور فينا، ونحن نخفيها من المجتمع، هي، في الحقيقة، الإندفاعات البيها بنكون أعداء، بعضنا لبعض.. وإذا كان انت ما حصل ليك السلام في بنيتك، وفي نفسك، لا يمكن أن يكون جارك في سلام منك.. دا الكلام البيهو قلنا أن الإنسان لا يبلغ كماله إلا إذا إنتصر على الخوف.. ما كان يمكن أن يبلغ المرحلة دي لولا الخوف، والخوف، منذ اليوم، أصبح عقبة في سبيل أن نتسالم مع الآخرين، وأن نتعايش، وأن نتحابب.. فنحن إذن لا يمكن أن نسالم الاخرين إلا إذا استطعنا أن نحقق السلام في داخلنا، ذلك لأن فاقد الشئ لا يعطيه..
الفلسفة المعاصرة قاصرة
إذا كانت دي هي صورة المجتمع، أصبحت الفلسفات اللي طورت المجتمع لهذا المدى، في مرحلة تطوره على أساس الخوف، أصبحت تعجز عن أن تقدم له هذا الحل.. وأكبر الفلسفات المعاصرة، وأجودها، هي الفكر الماركسي.. الفكر الماركسي أكبر مجهود بشري مشت بيهو البشرية مرحلة كبيرة، في الوقت الأخير.. الفكر الماركسي دا عاجز عن أن يبلغ بالإنسان مدى تحريره، وتكميله.. أكبر عجز للفكر الماركسي بيظهر في عجزه عن التوفيق بين الفرد والجماعة.. في الفكر الماركسي الجماعة أهم من الفرد، الجماعة أكبر من الفرد.. ودي جاية من الصورة الحكيناها قبيل، من أن المجتمع كان بيطوع أفراده لخدمته إلى الحدود البيضحي بدم الإنسان في سبيل الجماعة.. لكن تطور المجتمعات، أصبح يعطي الفرد حرية كلما تقدم الأفراد، وكلما تقدمت المجتمعات.. المساهمة البتدفعها إنت من حريتك لتعيش في جماعة أصبحت تقل، كلما تطور المجتمع للأمام.. إستقراء ماركس للتاريخ بالصورة دي جعله يعتقد أن تطور المجتمع البشري هو إمتداد لماضيه، وجعله يعتقد أن الجماعة أهم من الفرد.. ودي برضه البداهات تعطيها.. والتاريخ الماضي يعطيها.. البداهات بتعطيها بمعنى أنه إذا كان إنت عندك عشرة ناس، مصلحتهم بتقتضي أن تضحي بمصلحة إنسان واحد، الناحية العملية بتوحي، وبتوجب أنك إنت تهتم بمصلحة العشرة، وتهمل مصلحة الإنسان الواحد.. لكن دي في حقيقتها مرحلة في تاريخ الإنسان.. وعدم المقدرة على إدراك هذه الحقيقة هو السبب اللي جعل الضلال بيها ممكن.. ففي الفلسفات الإجتماعيات كلها، أن الجماعة أهم من الفرد.. وهذه الفلسفات تعجز عن أن تنسق بين الفرد والجماعة.. الأفراد، لجهلهم، وأنانيتهم، إذا وجدوا الفرصة ليمارسوا، وهم آمنين من العقوبة، بيكون نشاطهم أناني، ومعادي لمصلحة الجماعة.. ولذلك أصبح حاجة بديهية أنو يتقيد الفرد لمصلحة الجماعة.. لكن دي الطبيعة الثانية.. في الحقيقة الطبيعة البشرية الأصلية، لو وصلنا ليها، نجد سعادتنا، ونجدها دائما في إسعاد الآخرين.. والطبيعة البشرية الأصلية لا يصل ليها واصل إلا عند الله، لأنها منه صدرت.. فالوطن الأصلي اللي صدرنا منه إنما هو الله: „يأيها الناس!! اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا، ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به، والأرحام.. إن الله كان عليكم رقيبا“.. النفس الواحدة هي نفسه تعالى تنزلت لآدم، تنزلت لحواء.. ثم من الزوجين انبث الجنس كله.. ماركس، ونحن إنما نتكلم عن ماركس لأنه أكبر مفكر معاصر، وفكره أكبر فكر يمكن أن يحترم، في مستوى ما قدم لتطور الإنسان، ماركس هذا أخطأ خطأ كبيرا عندما قطع العلاقة مع الله، لأنه بذلك قد أصبح الإنسان مغتربا، من غير أن يعرف الطريق للعودة من الغربة..