بسم الله الرحمن الرحيم
„ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب، وهو يدعى إلى الإسلام؟؟ والله لا يهدي القوم الظالمين * يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره، ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى، ودين الحق، ليظهره على الدين كله.. ولو كره المشركون..“
صدق الله العظيم
المقدمة
هذا كتاب: „الإسلام وإنسانية القرن العشرين“، وهو عبارة عن متن محاضرة ألقيت على طلبة مدرسة الأحفاد الثانوية العليا للبنين، بمدينة أم درمان - ألقيت عليهم، وعلى ضيوفهم من الرجال والنساء - وكان ذلك في مساء يوم الأربعاء، 21 من فبراير عام 1973.. ولقد كانت المحاضرة مسجلة على شريط.. وهذا الكتاب مأخوذ من هذا الشريط مباشرة، ولذلك فقد جاء بلغة الكلام، بدلا من لغة الكتابه المألوفة دائما في تأليف الكتب. ولقد سبقت لنا في هذا النوع من الكتب تجربتان.. أولاهما كانت نتيجتها كتابنا: „لا إله إلا الله“.. ولقد وجد هذا الكتاب رواجا كبيرا بين القراء الكرام، وطبع مرتين، ونحن نتهيأ الآن لإصدار طبعته الثالثة.. ولا يؤخذ عليه غير أمر واحد، ذلك بأنه محلي، حيث أن اللغة العامية السودانية غير مفهومة تماما لدى القراء في البلاد العربية الأخرى.. وليس هذا بالمأخذ المهم بالطبع، وبخاصة لأننا لا نزال نقصر إهتمامنا على القارئ السوداني المحلي..
اما التجربة الثانية فقد كانت ثمرتها كتابنا: „الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين“.. وهو كتاب قد أحدث ضجة كبيرة.. ووجد رواجا عظيما بين القراء.. ولقد كان، هو الآخر، محاضرة ألقيت في عدة أماكن من البلاد، وسجلت على شريط، ثم أخذ الكتاب من الشريط مباشرة، فجاء لذلك باللغة العامية.. والضجة التي ثارت حول هذا الكتاب إنما سببها سوء فهم الناس لحقيقة ما عليه هذه الدعوة، التي نباشرها بين الناس، باسم:“الرسالة الثانية من الإسلام“.. أو باسم: „الدعوة الإسلامية الجديدة“.. وسبب سوء فهم الناس „للدعوة الإسلامية الجديدة“ مفهوم، ومقدر، في نفس الوقت.. ذلك بأن هذه الدعوة إلى الإسلام اليوم تتجه إتجاها علميا، مما لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية الطويل العريض.. لقد عرف الدين دائما بوجهه العقيدي.. الدين، من لدن آدم وإلى محمد، دعوة إلى العقيدة.. لقد دعيت الأمم جميعها، وعبر هذا التاريخ الطويل، إلى العقيدة، ولما تدع إلى العلم.. ولما جاء دور الدعوة إلى العلم، في الدين، في عهد الإسلام الأول، ونزلت في القرآن المكي، ظهر ظهورا عمليا، إن الوقت لم يحن بعد للدعوة على مستوى العلم، فكانت الردة إلى العقيدة، وأرجئت هذه الدعوة التي تتسامى بالعقيدة لتدخل بها مداخل العلم - أرجئت هذه الدعوة في معنى ما نسخ قرآن الإسماح - قرآن مكة - ونزل إلى قرآن الإكراه - قرآن المدينة.. وعلى قرآن المدينة قامت شريعة الرسالة الأولى، التي طبقتها أمة المؤمنين، وهم أصحاب الرسول محمد.. ولم يطبق شريعة قرآن الأصول - قرآن مكة - غير النبي وحده.. ولقد أصبح، بهذا التطبيق، مسلما، في حين أن أصحابه قد كانوا مؤمنين.. وفرق ما بين هذا المسلم والمؤمن، فرق ما بين النبي والرجل من ساير أمته.. فقد كان النبي، وحده، المسلم في أمة المؤمنين.. „قل إنني هداني ربي إلى سراط مستقيم، دينا قيما، ملة إبراهيم، حنيفا، وما كان من المشركين * قل إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي، لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين..“.. لقد كان النبي وحده المسلم في أمة المؤمنين.. ولقد كان صاحب شريعة فردية، في جميع تكاليفه.. وشريعته كانت تقوم على الآيات المكية - آيات أصول الدين - في حين أن هذه الآيات كانت منسوخة، في حق أمته - كانت غير ملزمة شرعا للأمة.. شريعته الفردية هي سنته.. السنة، على خلاف ما يعرفها الفقهاء، هي عمل النبي في خاصة نفسه - هي تكليفه هو الفردي..
الأمر المهم، والذي يجب أن يكون واضحا، هو أن الأمة المسلمة لم تدخل في الوجود بعد، وأن جميع الأمم، من لدن آدم وإلى محمد، كانت أمما مؤمنة - „في مرحلة العقيدة“ - ولم يجيء من الأمة المسلمة - „أمة مرحلة العلم من الدين“ - إلا طلائعها، وهم الرسل.. ولقد كان نبينا طليعة متقدمة جدا، فهو لم يكن من أمته، وإنما كان يعايشها، ويدرجها.. كان كأنما أقبل عليها من القرن العشرين.. ولقد كان يعيش معهم وهو متطلع، ومتشوق، لإخوانه الذين لم يكونوا حاضريه يومئذ.. قال: „واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد!! قالوا: أولسنا إخوانك، يا رسول الله؟؟ قال: بل أنتم أصحابي!! واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد!! قالوا: أولسنا إخوانك، يا رسول الله؟؟ قال: بل أنتم أصحابي!! واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد!! قالوا: من إخوانك يا رسول الله؟؟ قال: قوم يجيئون في آخر الزمان للعامل منهم أجر سبعين منكم!! قالوا: منا أم منهم؟؟ قال: بل منكم!! قالوا: لماذا!! قال: لأنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون على الخير أعوانا!!“..
اخوانه هؤلاء هم الذين ندعو نحن إليهم اليوم بما أسميناه: „الدعوة الإسلامية الجديدة“، وهي دعوة تبشر „بالرسالة الثانية من الإسلام“، تلك الرسالة التي كانت تقوم على آيات أصول الدين، وكان يعيشها النبي كنبي.. وهي تنهض امتدادا للرسالة الأولى التي قامت على آيات فروع القرآن، وكانت تعيشها „أمة المؤمنين“، وبلغها النبي كرسول، بها ينظم، ويرشد، ويسير، مجتمع القرن السابع ليعده لينهض عليه المجتمع الإنساني المطور على أسس تلك الرسالة في أخريات الأيام.. ذلك المجتمع الذي سيتحمل مسئولية: „الرسالة الثانية من الإسلام“.. „الرسالة الثانية من الإسلام“ هي سنة النبي عايدة لتكون شريعة „لأمة المسلمين“ الذين سيجيئون في آخر الزمان..
قال المعصوم: „بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا، كما بدأ، فطوبى للغرباء!! قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد إندثارها“
„الرسالة الثانية من الإسلام“ هي هذه السنة التي اندثرت، ونحن الدعاة لبعثها.. نحن العاملون على إحيائها.. نحن الغرباء.. وبشرية اليوم هي المادة الخامة التي منها سيخرج الأخوان - أخوان النبي - كما خرج من مادة الجاهلية الأولى الأصحاب.
إن هذا الذي ندعو إليه قومنا اليوم إنما هو أصل الدين - هو الدين الذي ليس غيره دين منذ اليوم - ونحب أن ننبه إلى أنه لم يترك من الغفلة شيئا، ولا من الجهل شيئا، من ظن أن علم الله استقصي، واستنفد، وأن ما يعرفه هو فهو العرف، وأن ما ينكره هو فهو النكر.. ونحب أن نذكر بحديث المعصوم: „إن من العلم كهيئة المكنون، لا يعلمه إلا أهل العلم بالله.. فإذا تحدثوا به لا ينكره إلا أهل الغرة بالله“.. نعيذ معارضينا، وخصومنا في الرأي، بالله أن يكونوا من أهل „ الغرة“ بالله.
إن هذا الأمر الذي تدعون إليه حق، بل ليس غيره حق، منذ اليوم.. وهو غريب، ما في ذلك أدنى ريب، ذلك بأن أحدا لم يقل به في تاريخ الأمة الطويل.. ولكن، ألم يخبركم المعصوم عن هذه الغرابة؟؟ ألم يقل بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا، كما بدأ؟؟ ألم يقل هذا؟؟ فأنى تصرفون عن الحق؟؟
„الرسالة الثانية من الإسلام“ هي مراد الدين بالأصالة، في حين أن „الرسالة الأولى“ قد كانت المراد بالحوالة.. ورسول الرسالتين „محمد“.. راجعوا كتابنا بهذا الإسم: „الرسالة الثانية من الإسلام“..
لقد جاء محمد، في العهد المكي بنبوة أحمدية ورسالة أحمدية، فدعا إلى الإسلام، فلم يستجب له، وذلك لحكم الوقت المتمثل يومئذ في قصور المجتمع، فاُمر بالهجرة، وجاء عهد المدينة، وسحبت „الرسالة الأحمدية“، فاستبدلت „بالرسالة المحمدية“ فأصبح محمد ذا „نبوة أحمدية“ و „رسالة محمدية“، فدعا إلى الإيمان، فاستجيب له.. وسيجيء محمد „بنبوة أحمدية“ و„رسالة أحمدية“ فيدعو إلى „الإسلام“، كما دعا أول أمره في العهد المكي، وسيستجاب له، هذه المرة، وذلك لحكم الوقت المتمثل اليوم في نضج المجتمع، واستوائه، وطاقته الفكرية، والمادية..
وستسأل وكيف يجيء محمد بنبوة أحمدية ورسالة أحمدية؟؟ وأجيب بأنه يجيء في قلوب، وعقول، وشمائل، الذين يحيون سنته، ويسيرون سيرته، ويظهرون كمالات أخلاقه للناس، بعد طول العهد، وانقطاع الإرشاد..
هذا هو موضوع „الدعوة الإسلامية الجديدة“.. و „الرسالة الأحمدية“ - سنة النبي - هي „الرسالة الثانية من الإسلام“، في حين أن „الرسالة المحمدية“ - شريعة الرسول - هي „الرسالة الأولى من الإسلام“..
هل فهمت شيئا؟؟ فإن لم تكن قد فهمت فاتهم نفسك، أولا، واجلس لتكمل نقص علمك بالدين.. واحذر من إصدار الحكم علينا، ومن قذفنا بباطل التهم، كما يفعل عامة معارضينا، ممن ظنوا أنهم يعلمون كل شئ، وأنهم لا يحتاجون إلى مزيد علم مستأنف.. فإن هذه هي الغرة بالله، ومنها نعيذكم جميعا بالله..
إن ما نحدثكم به هو مكنون العلم.. وأنتم الآن إنما تدعون إلى الإسلام، ولأول مرة تقع هذه الدعوة في وقتها، فاحذروا أن تكونوا ممن قيل في حقهم: „ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب، وهو يدعى إلى الإسلام؟؟ والله لا يهدي القوم الظالمين * يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره، ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى، ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون..“
اقرءوا، مرة أخرى، هذا الوعد، وهو وعيد في نفس الأمر!!
„والله متم نوره، ولو كره الكافرون“..
له المجد..
وله الحمد..