الفصل الثالث
التمسك بالضحية اليوم تمسك بقشور الدين وتفريط في لبابه
إن تمسك المسلمين بالضحية اليوم إنما يعطي صورة لتمسكهم العام بقشور الدين، وتفريطهم في لبابه!! ولا نحتاج إلى جهد كبير في التدليل على هذا التفريط، فنظرة عجلى إلى ما عليه المسلمون اليوم من مفارقات، في الأخلاق، والمعاملة، تسعفنا بالدليل. ومعروف في الأثر النبوي: (الدين المعاملة) و(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).. المسلمون اليوم ليسوا على شيء، يؤدون، أو يؤدي بعضهم، الشعائر الدينية بصورة ميتة، لا روح فيها، ولا حياة، وقد تملكها سلطان العادة، فلا تؤثر في أخلاقهم، ولا في أخلاق من حولهم.. فذهب عنهم بذلك لباب الدين الأصلي، وإن بقيت القشرة الخارجية، وصاروا كغيرهم من النصارى واليهود، على مظاهر تحكي الدين، بلا دين!! يذهبون إلى أماكن العبادة، بصورة تقليدية، آلية لا ثمرة من ورائها تظهر على أخلاقهم، وقاماتهم الروحية، فأدركتهم نذارة النبي المعصوم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه!! قالوا: اليهود والنصارى؟؟ قال: فمن؟؟) ولقد اندثرت بينهم اليوم، السنة وماتت، وعاد الإسلام، بينهم غريبا، كما بدأ..
وفي رواية لحديث اندثار السنة جاء: (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء!! قالوا: يا رسول الله كيف يكون غريبا؟؟ قال: (كما يقال للرجل في حي كذا وكذا إنه لغريب!!) وفي رواية إنه سئل عن الغرباء فقال: (الذين يحيون ما أمات الناس من سنتي!!) ("الاعتصام" الجزء الأول، صفحة 3) وعن ابن عباس قال: (ما أتى على الناس من عام إلا أحدثوا فيه بدعة، وأماتوا سنة، حتى تحيا البدع وتموت السنن)!! (المصدر السابق والموضع نفسه).. وجاء في "الاعتصام" أيضا الجزء الأول صفحة 9، عن بداية اندثار السنة، وتداعيها في الاندثار: (روي عن أبي الدرداء أنه قال: لو خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم عليكم ما عرف شيئا مما كان عليه هو وأصحابه إلا الصلاة.. قال الأوزاعي: فكيف لو كان اليوم؟ قال عيسى بن يونس: فكيف لو أدرك الأوزاعي هذا الزمان؟؟ وعن أم الدرداء قالت: دخل أبو الدرداء وهو غضبان فقلت: ما أغضبك؟؟ فقال: والله ما أعرف فيهم شيئا من أمر محمد الاُ أنهم يصلون جميعا!!) (رواه البخاري).. وعن ميمون بن مهران قال: (لو أن رجلا نزل فيكم من السلف ما عرف غير هذه القبلة)!! وعن سهل بن مالك عن أبيه قال: (ما أعرف شيئا مما أدركت عليه الناس إلا النداء بالصلاة!!) هذه، جميعا، دلائل بدء اندثار معالم السنة، منذ نهاية العهد النبوي، أو الخلافة الراشدة، وتداعي هذا الاندثار الي ما وصل إليه المسلمون اليوم من انحطاط ديني، دخل به الفترة الثانية، أو الجاهلية الثانية، ومن أول دلائل موت السنة، واندثارها، اليوم، تماما، بينهم تفرقهم شيعا وفرقا وأحزابا (كل حزب بما لديهم فرحون)، لإنبهام معالم هذه السنة أمامهم!! جاء في النذارة بهذا المصير المشئوم: (تفرقت بنو إسرائيل إلى إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وتفرقت النصارى اثنين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة!! قالوا: ومن هي يا رسول الله؟؟ قال ما أنا عليه وأصحابي)!! فقد شاع بين المسلمين اتخاذ البدع سنة، كصلاة التراويح، واتخاذ سنة العادة سنة عبادة، كاللحية، والضحية، وذلك مع تفريطهم التام في السنة الحقيقية، وهي تجويد العبادة، وحسن المعاملة!! وتمسكهم بالضحية صورة لهذا التمسك الأعمى بقشور الدين، فقد أسقطها النبي الكريم في حق أمته، وأحسن صحابته الاتباع بإسقاطها عن انفسهم، ومع ذلك تبرز الضحية، كل عيد أضحى، كأهم معلم ديني، بين المسلمين!! ومرد هذا التمسك الأعمى إما الجهل بسقوطها كقربة دينية، وفداء ديني، وإما العمل بها كمظهر اجتماعي بعيد، كل البعد عن القربة، والفداء الديني، وفي كلا الحالين مفارقة لروح الدين، ونصه.. بل إن منهم من يحرص على الضحية وهو يفرط في أوجب الواجبات الدينية، في العبادة والمعاملة!!