الزمن ليس في مصلحة العرب:
إن كل يوم مرّ على موقف العرب هذا قد أفقدهم الكثير من عوامل قوة المساومة حول قضية فلسطين.. ولقد نبه الجمهوريون الى هذا في كتابهم مشكلة الشرق الاوسط، الصادر عام 1967 – ص 169.. ومما جاء فيه، في هذا الشأن قولهم: (كما قلنا فإن اعتراف العرب بإسرائيل واقعيا، وعمليا حاصل، وكل المشاريع التي تقدم في المنظمة العالمية الآن ترمي الى تسجيل هذا الاعتراف، لا يختلف في ذلك أصدقاء العرب، أو أصدقاء إسرائيل.. ولعل كل ما هناك من اختلاف بين الفريقين هو هل يكون الجلاء قبل تسجيل الإعتراف أم بعده؟؟
وهناك إصرار إسرائيل على التفاوض المباشر، وأمام هذا الإصرار فإن إسرائيل ستكون مستعدة لتنازل كبير قد لايكون ممكنا بغير قوة المساومة التي يحملها هذا الاعتراف بها من جانب العرب، ومن مصلحة القضية العربية ألاّ تضيع قوة المساومة هذه بتمسك العرب بعدم الاعتراف اللفظى، مع إن الاعتراف عمليا واقع، ومع الزمن فإن اسرائيل ستحصل على هذا الاعتراف، بدون ان تدفع عليه ثمنا كافيا للعرب).. هذا ما قلناه عام 1967..
وقد حدث بالفعل أن فقد العرب، بتراخى الزمن، الكثير من قوة المساومة التي كانت لديهم عام 1967، حيث توّطد موقف إسرائيل، حتى في الأراضي التي احتلتها في حرب عام 1967.. وسيكون موقف العرب أضعف، وموقف إسرائيل أقوى في كل يوم يمر.. ولذلك فإن مواجهة السادات للواقع، وقبوله الشجاع للتفاوض المباشر مع إسرائيل، وتوقيعه اتفاقية السلام، إنما تتأتى منه مصلحة مصر، ومصلحة القضية الفلسطينية، في آن معا.. والذين يغيب عن حسبانهم ما ظل يعانيه الشعب المصري، والشعب الفلسطيني، السنين الطوال، لا يحسنون تقدير موقف مصر، ولا يدركون ما يفعله تراخي الزمن من ضياع محزن لحقوق الشعب الفلسطيني الذي ظلّت جموعه مشرّدة طيلة ربع قرن من الزمان..
مصر هي التي تتحمل العبء:
لقد ظلّت مصر هي المحتمل الرئيسي للخسائر البشرية، والمادية الفادحة التي كانت تنجم من الحروب مع إسرائيل.. وهي، بعد كل حرب، قد كانت تعاني وحدها مشاكل ما بعد الحرب، والعرب، يكادون يكونون مجرد متفرجين عليها.. وكذلك ظلّ الشعب الفلسطيني يفقد، يوما بعد يوم، أرضا من أراضيه (بوضع اليد) من إسرائيل، ويظل رجاله، ونساؤه، وأطفاله، يعايشون التشرد، والضياع، بينما يزيد على مأساتهم هذه بعض الزعماء العرب الذين، من حيث لا يحتسبون، يخدمون بفعلهم هذا مصلحة الشيوعية الدولية وحدها التي لا تريد، كما أسلفنا القول، للقضية حلا..