إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

تعلموا كيف تجهزون موتاكم

الفصل الأول


حقوق المرأة بين الشريعة والدين



((حقوق المرأة بين الشريعة والدين)) مبحث حيوي يحتاج الاستقصاء الواسع، مما لا يتوفر هذا الكتاب عليه، وإنما سنعطي هنا إلمامة كافية به، لنخلص إلى حق المرأة في مشاركة الرجل، على قدم المساواة، في سائر الأعمال الدينية التي يتعبد، أو يتقرب بها إلى الله تعالى، كتشييع الجنائز، والصلاة عليها، والدعوة إلى الدين، والإمامة والآذان، والذكر، والإنشاد!! ونحيل من عسى يحتاج الاستقصاء الواسع في ذلك المبحث، من القراء، إلى كتبنا: ((الرسالة الثانية من الإسلام)) و((تطوير شريعة الأحوال الشخصية)) و((أضواء على شريعة الأحوال الشخصية))، وكتيباتنا في عام المرأة العالمي، التي بلغت ستة عشر كتيباً، والتي أرست واجبات المرأة وحقوقها، بين الشريعة والدين، بصورة مفصلة.

حقوق المرأة في الشريعة


جاء الإسلام فوجد المرأة، في المجتمع الجاهلي، وهي تسلب حق الحياة، فتوأد حية.. ((وإذا الموءودة سئلت * بأي ذنب قتلت)).. لأنها في نظر ذلك المجتمع مجلبة لعار السبي، وذل الاملاق.. وهي توهب، وتباع، وتسبى، وتسلك في عداد الرقيق..
كما جاء الاسلام فوجد العرف الاجتماعي الموروث والسائد أن يفرض الرجل على المرأة وصاية غاشمة لا حق من حقوق الحياة والحرية لها فيها، والمرأة وهي تنوء بموروث قديم من مظاهر الهوان والضعف، ناقصة العقل، لقلة تجربتها الحياتية، ضعيفة الشخصية لما ترسب فيها من عقد النقص..
فاتخذ الإسلام أسلوب التدريج في النهوض بالمرأة، آخذاً في الاعتبار مقدرتها، هي، على التطور، ثم مقدرة المجتمع على استيعاب تطورها.. وقد كان ذلك التدريج نفسه بمثابة الطفرة الثورية قياساً بوضع المرأة في المجتمع العربي الجاهلي، أو في المجتمع الدولي، يومئذ.. فجعلت هذه الشريعة المرأة على الربع من الرجل في الزواج، وعلى النصف منه في الشهادة، وفي الميراث، وأعطته حق الطلاق، وسائر حقوق الوصاية عليها.. وآية الشريعة التي تقوم عليها هذه الوصاية هي ((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم..)) الآية.. وواضح أن المفاضلة بين الرجل والمرأة، من هذه الآية، قائمة على اعتبارات تاريخية، فالرجل يمتاز على المرأة في مجتمع الغابة، الذي وجدها فيه الاسلام، بالمقدرات الجسدية التي أتاحت له فرص الحماية والنفقة.. فإذا تحول المجتمع إلى مجتمع المدينة، سقطت أسباب قوامة الرجال على النساء، بتحول الفضائل إلى القيمة الفكرية. وبحوالة الحماية على القانون، والنفقة على الكفالة الاجتماعية في النظام الاشتراكي ـ تسقط قوامة الرجال على النساء بسقوط أسبابها. ولقد كانت الشريعة الاسلامية حكيمة، كل الحكمة، وعادلة، كل العدل، وهي تساير قصور المرأة، ونقصها، لتخرج بها إلى حيث كرامتها الكاملة في مساواتها الكاملة، بالرجل، على مكث يجنب المرأة، والمجتمع، معاً، مزالق الشطط، ومثالب الارتجال.. فحقوق المرأة في الشريعة ليست هي الكلمة الأخيرة في الدين. ذلك بأن الله تعالى قد ادخر للمرأة حقوقها كاملة في أصول القرآن الكريم، وحتى تبلغ نضجها فتستأهلها..

حقوق المرأة في الدين


إن آية المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات هي قول الله تعالى: ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف..)) فإذا ساوت واجبات المرأة واجبات الرجل وجب أن تساوي حقوقها حقوقه.. ((جزاء وفاقاً)).. وإنما تستمد المساواة بين الرجال والنساء أمام القانون من مبدأ المساواة بينهما في المسئولية الفردية أمام الله تعالى ((ولا تزر وازرة وزر أخرى)).. ((كل نفس بما كسبت رهينة)).. فغرض الدين أن تكون المرأة مسئولة، مسئولية فردية كاملة، أمام المجتمع، كما هي كذلك، أمام الله تعالى.. وقد أودعت حقوقها الكاملة، في المرحلة، وحيث كان المجتمع قاصراً، أمانة عند الرجل، يؤديها إليها متى بلغت مبلغ المسئولية، فاستأهلتها.. ((إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها))، وذلك كما يؤدي الوصي على اليتيم أمواله إليه حينما يأنس منه رشداً ((وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح، فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم))..