تعديل القوانين لتتمشى مع الشريعة الموروثة يهدد مكتسبات الشعب
1- في مجال الاشتراكية:
ان اتجاه لجنة تعديل القوانين لأمر يهدد بالضياع، كافة المكتسبات التي حققها شعبنا، ويتناقض، تماما، مع كافة مبادئ "مايو" المعلنة في مواثيقها وخطط عملها.. ومن هذه المبادئ انتهاج النظام الاشتراكي.. حيث جاء في الفصل الثاني من الدستور: (المقومات الاقتصادية) المادة 30 ((النظام الاشتراكي هو الاساس الاقتصادي للمجتمع السوداني تحقيقا للكفاية في الانتاج والعدالة في التوزيع بما يكفل العيش الكريم لكافة المواطنين وبما يمنع أي شكل من أشكال الاستغلال والظلم))
ذلك بأنه ليست في الشريعة الإسلامية الموروثة الاشتراكية، كما أسلفنا، وانما الاشتراكية في أصول القرآن.
ونحن نعلم أن كثيرا من الدعاة الى تطبيق الشريعة الإسلامية الموروثة، اليوم، ومنهم من هم أعضاء في هذه اللجنة، وبطبيعة تفكيرهم، انما يعارضون الدعوة الى الاشتراكية.. فقد جاء في مذكرة من أسمت نفسها ((الهيئة الوطنية للدستور الإسلامي الكامل)) التي تكونت من طائفة ممن يسمون أنفسهم ((علماء السودان))، ومن الدعاة الى الدستور الإسلامي المزيف، قبيل ثورة ((مايو)) ما يلي حول الاشتراكية:
(كذلك يحمل لفظ الاشتراكية من المعاني المتناقضة ما يجعل استعماله في أي شكل من الأشكال وسيلة لاستغلاله للانحراف بمبادئ العدالة الانسانية واشعال حرب الطبقات بين المجتمع. وإذا كان الإسلام متضمنا لجميع معاني العدالة والشورى وكل المبادئ الانسانية السليمة اذن فلا نري أي مبرر لورود كلمتي ((الاشتراكية)) و((الديمقراطية)) ضمن بنود الدستور، ويكفي أن يوصف الدستور بأنه إسلامي، اللهم الاّ إذا اتهمنا الإسلام بالقصور وعدم الكمال والشمول وهو أمر لا يدور بخلد واحد من المسلمين))
هذه صورة لفهم الدعاة الى الدستور الإسلامي المزيف، وهو لا يخرج عن فهم كثير من أعضاء اللجنة اليوم – مما يضع اللجنة ومن الوهلة الأولي، في تناقض واضح مع النظام الاشتراكي الذي أعلنت ثورة "مايو" السير فيه..
2- في مجال المرأة:
هل ستمنع اللجنة الاختلاط وترد المرأة الى الحجاب؟
ان الاتجاه الى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية الموروثة، من غير نظر الى تطويرها، يعد تناقضا مزريا مع واقع المرأة السودانية، التي نالت قدرا كبيرا من الحقوق الأساسية مما يسير خطوات كبيرات في اتجاه غرض الدين الاساسي وهو تحقيق كرامة الانسان، رجلا كان أو امرأة.. ومن أكبر مظاهر هذه الكرامة التمتع بالمساواة، وبحقوق ((المواطنية)) الكاملة في المجتمع..
ولقد خرجت المرأة، بفضل الله، ثم بفضل تقدم الحياة، للتعليم وللعمل، ونالت حقوقها السياسية في الترشيح وفي الانتخاب.. ولما جاءت ثورة ((مايو)) بوأتها المناصب السياسية الرفيعة والمنصب الوزاري، كحق طبيعي لها.. وهذا مستوى، من الانجاز في سبيل ارساء حقوق المرأة الاساسية، تضيق عنه الشريعة، ولا تستوعبه وتتسامي به الاّ أصول القرآن..
ان الشيء الذي لا بد أن يتركز في الأذهان هو أن الشريعة الإسلامية قد قامت على فروع القرآن لتناسب مجتمع القرن السابع الذي كان قد خرج لتوه من الجاهلية التي كانت نظرتها تضيق بالمرأة مما بلغ بها أن تئدها حية: ((وإذا الموءودة سئلت: بأي ذنب قتلت؟)).. ولذلك فلا بد من امعان النظر في الحكمة، والملابسات، التي قيدت الشريعة، وجعلتها تقوم على الفروع..
وفيما نحن بصدده الآن من أمر تعديل القوانين لتتمشى مع الشريعة الإسلامية، فقد يحق لنا، بل قد يجب علينا، أن نرفع بعض التساؤلات التي تخص قضية المرأة..
كيف يجوز مع تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية الموروثة، أن تتولي المرأة المنصب الوزاري، مثلا، والشريعة صريحة، وواضحة، حيث تنص على أنه ((ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة))؟
وكيف يجوز للمرأة أن تختلط، في أماكن العمل ودور العلم، وفي الشريعة الموروثة النهي عن الاختلاط وارد بنص الآية: ((وإذا سألتموهن متاعا، فأسالوهن من وراء حجاب))؟ بل وكيف يجوز خروج المرأة، في المكان الأول، وأمر الشريعة واضح ((وقرن في بيوتكن))، وهذا نص صريح لا يصح الخروج عليه، في الشريعة، الاّ لضرورة ملجئة، مثل الخروج للكسب الشريف، لمن لا عائل لها؟
وهل سيمنع الاختلاط بين الفتيان والفتيات في الجامعات، والمعاهد العليا؟ أم أن الدعاة الى تطبيق الشريعة الموروثة سيتورطون في التزييف المنكر للشريعة نفسها، ويدخلون مع واقع الحياة، في التناقض المزري الشبيه بما هو واقع في ((جامعة امدرمان الإسلامية))، اليوم، حيث يحظر الاختلاط بين الطلاب والطالبات ويباح بين الأساتذة والطالبات، مع أن الاختلاط، في الشريعة، ممنوع بين الرجل والمرأة، الاّ ان كانا من المحارم؟
وكيف يتم التوفيق بين أحكام الشريعة الموروثة وبين ما نص عليه الدستور في المادة 38 حيث يقول: ((الناس في جمهورية السودان متساوون أمام القضاء والسودانيون متساوون في الحقوق والواجبات ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل أو العنصر أو الموطن المحلي أو الجنس أو اللغة أو الدين))؟
ان دستور البلاد لا يميز بين النساء والرجال في الحقوق والواجبات.. وهذا تقدم كبير فرضه تقدم المجتمع البشري الذي يتجه نحو الخروج من عهد القصور، الذي استوجب الوصاية، في الماضي، على الرجل، وعلى المرأة، على تفاوت بينهما في ذلك.. وهو، أيضا، مكسب يجب أن نعمل جميعا، على صونه، وتنميته، لا على انكاره والسير ضده.. وهذا، على التحقيق، ما سنتورط فيه إذا لم ننظر الى الشريعة الإسلامية الموروثة بعين مفتوحة، وبصيرة، وشجاعة، ثم كانت لدينا المقدرة على التمييز الدقيق بين الشريعة والدين، بين فروع القرآن التي انبنت عليها الشريعة وبين أصول القرآن التي لم تشرع للمجتمع الماضي، وانما التزمها النبي الكريم في خاصة نفسه..