أشهادة القاضية نصف شهادة حاجب محكمتها؟
جاء في كتاب
((تطوير شريعة الأحوال الشخصية
)) للأستاذ محمود محمد طه ما يلي:
((والآن فإنا، بفضل الله، ثم بفضل هذا ((المعروف)) الذي تواضعنا عليه، والذي أملته علينا طبيعة الحياة المعاصرة، حيث أخذنا بتعليم الفتاة في أعلى المراحل، قد أصبحنا نعيش تناقضا واضحا مع شريعتنا السلفية.. لدينا اليوم، في الخرطوم، قاضية شرعية، تخرجت من كلية الحقوق، بجامعة الخرطوم.. وهذا يعني أنها تمارس، أو من حقها أن تمارس حقها في تطبيق الشريعة الإسلامية على المتحاكمين إليها، على قدم المساواة مع زميلها الذي تخرج معها.. ولكن هذه الشريعة تقول إن شهادة هذه القاضية إنما هي على النصف من شهادة زميلها هذا.. أكثر من هذا!! فإن شهادتها إنما هي على النصف من شهادة رجل الشارع!! فهل هذا قول سليم؟؟ لعمري!! إن الخلل ليس في الدين، ولكنه إنما هو في هذه العقول التي لا يحركها مثل هذا التناقض لتدرك أن في الأمر سرا.. هذا السر هو ببساطة شديدة، أن شريعتنا السلفية مرحلية.. وأنها لا تستقيم مع قامة الحياة المعاصرة.. وأنها، لتستطيع استيعاب هذه الحياة، وتوجيه طاقتها الكبيرة، لا بد لها من أن تتفق، وتتطور، وترتفع من فروع القرآن إلى أصوله.. هذا ما تعطيه بدائه العقول، بله حكمة الدين))..
إذا أدركنا هذا، فانه يحق لنا أن نتساءل عما ستفعله اللجنة العامة لمراجعة القوانين، لتتمشى مع الشريعة، فيما يخص أمر شهادة المرأة.. فهل ستدعونا الى أن نطبق، في محاكمنا المدنية والجنائية، ما تنص عليه الشريعة من أن شهادة المرأة على النصف من الرجل، فلا تقبل شهادة احداهن الاّ إذا دعمت بأخرى؟ وهل سيمتد هذا حتى يشمل من يتولين منصب القضاء عندنا، فتكون شهادة القاضية، مثلا، نصف شهادة حاجب محكمتها؟ وكيف، يا تري، توفق اللجنة بين أحكام الشريعة الموروثة وبين ما نص عليه الدستور في المادة 38 التي تقول:
((الناس في جمهورية السودان متساوون أمام القضاء
))؟؟
وزيرة ولا تملك حق الطلاق!!
ان لجنة تعديل القوانين، لتتمشى مع الشريعة، ستواجه بقوانين الأحوال الشخصية وهي
((شريعة
))، فماذا ستفعل حيالها؟ هل ستنظر فيها بالرغم عن كونها شريعة، أم أنها ستغفل أمرها باعتبار أنها كاملة ولا تحتاج الى تعديل؟
مهما يكن الأمر، فإن هذه اللجنة مطالبة بأن تواجه التناقض القائم بين شريعة الأحوال الشخصية وبين مكتسبات المرأة من الحياة المدنية، ومن
((الدستور المدني
)).. فعلى سبيل المثال، استطاعت المرأة أن تتبوأ أرفع المناصب التنفيذية حتى أصبحت وزيرة تصرف أمور الناس على مستوى القطر كله، ومع ذلك لا تملك حق الطلاق الذي يستأثر به زوجها وحده، الاّ إذا فوضها فيه.. أكثر من هذا، ومن الناحية النظرية على الأقل، يستطيع الرجل الواحد أن يعدد فيتزوج أربع وزيرات أو أن تكون بين زوجاته المهندسة والطبيبة والمحامية مجتمعات في بيت واحد.. فهل هذا أمر يرضاه الله، أو يقبله العقل السليم؟
ان واقع المرأة المعاصرة، والحياة الحديثة، ومراد الدين، كلها تستوجب بعض صور الشريعة الإسلامية وذلك بالارتفاع الى أصول القرآن حيث توسع، وتقنن، دينا، حقوق المرأة في المساواة التامة مع الرجل أمام القانون.. وهذا هو السبيل الى ازالة التناقض القائم في العقليات السلفية التي تجهل حقيقة الدين، كما تجهل طبيعة ثقافة العصر الحاضر، وحاجاته، وطاقاته، ومع ذلك تريد ان تفرض صورا من الشريعة خدمت غرضها أجل خدمة، خدمته حتى استنفدته.. فهل تستطيع اللجنة العامة لمراجعة القوانين أن تلج هذا السبيل الذي يقوم على تطوير التشريع الإسلامي ليقوم على أصول القرآن التي جسدها، في حياته، في خاصة نفسه، النبي الكريم، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؟