الخلفيات التاريخية لدعوة (الوهابية)
كانت قد ظهرت في القرن الرابع الهجري جماعة من (الحنابلة) يصفون أنفسهم (بالسلفيين)، وكانوا يزعمون أن (جملة آرائهم تنتهي الي الامام أحمد بن حنبل الذي أحيا عقيدة السلف وحارب دونها). (وقد تعرض هؤلاء الحنابلة للكلام في التوحيد وصلة ذلك بالاضرحة كما تكلموا في آيات التأويل والتشبيه) وقد تجدد ظهور هذه الجماعة في القرن السابع الهجري علي يد ابن تيمية ..
تصورهم للتوحيد
ينظر هؤلاء (السلفيون) الي الوحدانية علي أنها الاساس الاول للاسلام، وذلك حق لا مجال فيه للريب، ويفسرون معني الوحدانية تفسيرا في جملته يتفق مع ما يقره المسلمون اجمعون ولكن يفرضون ان امورا تنافي الوحدانية لا يقرهم جمهور المسلمين عليها: (فهم مثلا يعتقدون ان التوسل الي الله باحد من عباده الذين مضوا الي ربهم مناف للوحدانية ويعتقدون ان زيارة الروضة الشريفة مستقبلا لها مناف للوحدانية ويعتقدون ان اقامة شعائر حول الروضة الشريفة مناف لذلك وان التوجه بالدعاء الي الله تعالي مستقبلا ضريح نبي أو ولي مناف للوحدانية) 229 - تاريخ المذاهب الاسلامية – الجزء الأول ..
(وعلي ذلك يقرر (ابن تيمية) ان مذهب السلف هو اثبات كل ما جاء في القرآن من فوقية وتحتية واستواء علي العرش ووجه ويد ومحبة وبغض وما جاء في السنة من ذلك ايضا من غير تأويل وبالظاهر الحرفي فهل هذا هو مذهب السلف حقا؟ ونقول في الاجابة عن ذلك لقد سبقه بهذا الحنابلة في القرن الرابع الهجري كما بينا وادعوا ان ذلك مذهب السلف وناقشهم العلماء في ذلك الوقت واثبتوا انه يؤدي الي التشبيه والجسمية لا محالة وكيف لا يؤدي اليهما والاشارة الحسية اليه جائزة ولذا تصدي لهم الامام الفقيه الحنبلي الخطيب (ابن الجوزي) ونفى ان يكون ذلك مذهب السلف ونفى ايضا ان يكون ذلك رأي (الامام أحمد) وقال (ابن الجوزي) في ذلك:-
(رأيت من اصحابنا من تكلم في الاصول بما لا يصلح . فصنفوا كتبا شانوا بها المذهب ورأيتهم قد نزلوا الي مرتبة العوام فحملوا الصفات علي مقتضي الحس، فسمعوا ان الله خلق آدم علي صورته فاثبتوا له صورة ووجها زائدا علي الذات ...... وقد أخذوا بالظاهر في الاسماء والصفات فسموها بالصفات تسمية مبتدعة ولا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل ولم يلتفتوا الي النصوص الصارفة عن الظواهر الي الواجبة لله تعالي ولا الي القاء ما توجبه الظواهر من صفات الحدث ولم يقنعوا ان يقولوا صفة فعل حتي قالوا صفة ذات ثم لما اثبتوا انها صفات قالوا لا نحملها علي توجيه اللغة مثل يد علي نعمه وقدره ولا مجيء واتيان علي معاني بر ولطف ولا ساق علي شدة بل قالوا نحملها علي ظواهرها المتعارفة والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين والشيء انما يحمل علي حقيقته ان أمكن فان صرف صارف حمل علي المجاز ثم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من اضافته اليهم ويقولون نحن أهل السنة وكلامهم صريح في التشبيه وقد تبعهم خلق من العوام وقد نصحت التابع والمتبوع وقلت يا اصحابنا انتم اصحاب نقل واتباع وأمامكم الأكبر (أحمد بن حنبل) رحمه الله يقول وهو تحت السياط كيف أقول ما لم يقل .. فاياكم ان تبتدعوا من مذهبه ما ليس منه ثم قلتم في الأحاديث تحمل علي ظاهرها فظاهر القدم الجارحة ومن قال استوي بذاته المقدسة فقد أجراه سبحانه مجري الحسيات وينبغي الا يهمل ما ثبت به الأصل وهو العقل فانا به عرفنا الله تعالي وحكمنا له بالقدم فلو انكم قلتم نقرأ الاحاديث ونسكت ما أنكر أحد عليكم وانما حملكم اياها علي الظاهر قبيح فلا تدخلوا في مذهب هذا الرجل السلفي ما ليس فيه) وقد شنع فقهاء الحنفية علي اصحاب هذا الاتجاه الغريب حتي قالوا فيمن قالوا به (لقد شان أبويعلي الحنابلة شينا لا يغسله ماء البحر) وقالوا عن القائل الآخر (ان في قوله من غرائب التشبيه ما يحار فيه النبيه) (وهكذا استنكر الحنابلة ذلك الاتجاه عندما شاع في القرن الرابع والقرن الخامس ولذلك استتر هذا المذهب حتي أعلنه ابن تيمية في جرأة وقوة وزاد آراؤه انتشارا اضطهاده بسببها) 33، 34، 35 تاريخ المذاهب الاسلامية، وجاء فيه في صفحة 245 -246: (وقد بني (ابن تيمية) حامل لواء ذلك المذهب الذي اتسم بسمة السلفيين ثلاثة أمور:
أولها منع التقرب الي الله بالصالحين والاولياء
وثانيها منع الاستغاثة والتوسل بالموتي وغيرهم
وثالثها منع زيارة قبور الصالحين والانبياء للتيمن وللتقديس)
(ولذلك يقرر ان زيارة قبر النبي صلي الله عليه وسلم للتبرك لا يجوز وذلك لأن النبي صلي الله عليه وسلم نهى عن ان يتخذ قبره مسجدا حتي لا يزار) وقد تعلل ببعض الاحاديث) 248 (ت.م)
(ولقد خالف (ابن تيمية) بقوله هذا جمهور المسلمين بل تحداهم في عنف بالنسبة لزيارة قبر (النبي صلي الله عليه وسلم) ونحن قد نوافق الي حد ما علي قوله في زيارة قبور الصالحين والنذر لها ولكن نخالفه مخالفة تامة في زيارة الروضة الشريفة وذلك لأن الاساس الذي بني عليه منع زيارة الروضة بقصد التبرك والتيمن هو خشية الوثنية وان ذلك خوف في غير مخاف) 249 – (ت.م)