بسم الله الرحمن الرحيم
(قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا؟؟)
صدق الله العظيم
المقدمة
ان المسلمين، اليوم، قد أدركتهم النذارة النبوية، فأصبحوا كغثاء السيل، وتفرقوا فرقا كلها هالكة، الا واحدة .. وهم مقيمون علي هذه الحالة المنفرة، بينما حاجة الانسانية المعاصرة، كلها، للاسلام، حاجة حياة، أو موت .. وهي، هي، حاجتها للسلام .. وحالة المسلمين، اليوم، تنفر عن الاسلام، وتسيء اليه .. ولا مخرج للانسانية مما تعاني، الا اذا عرف المسلمون بعدهم، ونقصهم، وجهلهم، بالاسلام .. والا اذا عرفوا (السنة)، ورجعوا اليها .. فالسنة وحدها، دون سائر المذاهب، والفلسفات، هي القادرة علي حل مشاكل مجتمع، وأفراد انسانية القرن العشرين .. ولكن (السنة) اندثرت حتي اصبحت، هي نفسها مجهولة، فالفقهاء يخلطون بينها وبين الشريعة، بينما دقة الفهم، ودقة التمييز، توضحان أن (السنة) هي عمل النبي في خاصة نفسه، وهي قد كانت علي مستواه، وأما (الشريعة) فهي شريعة مجتمع البعث الأول .. (فالسنة) قامت علي أصول القرآن – الايات المكية – بينما قامت (الشريعة) علي فروع القرآن: الآيات المدنية، ويكفي الأمر تمييزا أن يكون الفرق بين (السنة) و (الشريعة) هو الفرق بين مستوي النبي ومستوي الفرد من أمته .. وقد أوسعنا هذا الأمر الدقيق تفصيلا في كتبنا، خاصة كتاب (الرسالة الثانية من الاسلام) ..
والأسوأ من تخليط الفقهاء، هو دعوة (الوهابية) التي تتصور الاسلام تصورا جافا، وغليظا، ومتخلفا .. ثم تقدم هذه الصورة على اعتبار انها (السنة)، وأنها الاسلام ..
وهذه الحركة المشوهة تجد دعما من الخارج، فهي تنظيم واسع، مما يجعل الاسلام مواجها بتشويه خطير، يبعد الناس عنه كل يوم جديد .. ولما كان وقت بعث (السنة) قد اظلنا، ولما كانت حاجة الانسانية اليها كما وصفنا، فقد وجب فضح زيف هذه الدعوة، وتبرئة الاسلام و(السنة) من جهلها، وجفافها، وغلظتها، خاصة وقد اصبحت تجد الطريق ممهدا في الصحف، وفي الاذاعة السودانية، مما ينذر بتضليل شعبنا، وجيله الناشئ على وجه الخصوص ..
كما ان دعوة (الوهابية) – يسمون (أنصار السنة) في بلدنا – أخذت تكثف نشاطها في مساجدها، ودورها وفي شتى المجالات، بل أخذت تخطط، وتوجه، وتعمل لتعويق العمل الجاد في نشر الوعي الاسلامي ..
ولقد أصبح واجبا مباشرا، مواجهة هذه الجهالة التي تنطوي عليها دعوة (الوهابية) والتي تعوق بعث الاسلام .. وانما في سبيل الاضطلاع بهذا الواجب ننشر هذا الكتاب .. ونبغي به، فيما نبغي، أن نقول لدعاة (الوهابية)، قولا بليغا في انفسهم، حتى ننبههم الى الهلكة التي يتورطون فيها، ويورطون البسطاء من الناس معهم فيها..
ان (الوهابية) بعيدون عن معرفة الاسلام – هم بعيدون عن روحه، وعمقه .. بل إنهم لهم بعيدون حتى عن الذوق الانساني العام الذي يرعى قيمة الآثار، والمشاهد الدينية، ويرعى حرمتها، ويرى فيها الانسانية بدل الوثنية..
والوهابيون هم أبعد ما يكونون عن التوحيد، اذ يتصورون ان التوحيد هو محاربة الموتى، ومهاجمة الأضرحة، ومناكفة الناس البسطاء، في غلظة، وجفاء، في هذا الشأن، لصرفهم للاشيء .. وصورة الحكم الاسلامي عند (الوهابية) صورة متخلفة، فهم لا يتصورون الا ان الحكم الاسلامي مجرد حدود تقام وعقوبات تطبق بمعزل عن الاصلاحات الشاملة ..
لقد سعينا كثيرا لاستلاف مراجع هذه الدعوة، مثل (الفتاوي) و(الرسائل الكبري) لابن تيمية، ومؤلفات محمد بن عبد الوهاب الموسعة، من جماعة الوهابية، وكان أحد زعمائهم قد وعدنا، ثم رفض، بحجة أننا نريد أن ننتقدهم .. فسألناه وهل لديهم ما يخفونه، أو يخشون نقده؟ - (سنورد صورة قلمية لحوارنا معه في موضع آخر من هذا الكتاب) –
ولذلك فإنا، في هذه الدراسة العاجلة، سنرجع أساسا لكتابي محمد أبي زهرة: (تاريخ المذاهب الاسلامية) والجزء الثاني في (تاريخ المذاهب الفقهية) .. وأبوزهرة هذا معجب بابن تيمية، كما أن المسألة تتعلق بالرواية التاريخية ..
ان دعوة (الوهابية) دعوة سطحية لا عمق لها، ولا جذور في الدعوة الاسلامية ، ومع ذلك فانا سنتابع مراجع هذه الدعوة في دراسة متأنية مستقصية وسنوالي كشف زيفها حتي نقطع شأفتها، ونبين بجلاء براءة الاسلام منها، ومن التوائها..
وأما هذا الكتاب الذي نقدمه الآن، فانا سنركز علي اتجاهات دعوة (الوهابية) الانصرافية، ومواقفها المنافية لنهج القرآن، والبعيدة عن حقيقة (السنة) وعن ظاهر الشريعة أيضا!! يحدونا في ذلك حماية تراثنا الروحي من أن تمسخه هذه الدعوة الوافدة، المنبتة، والتي أخذت تتجه الي تعويق البعث الاسلامي الواعي، محاولة صرف الناس بجهالة جاهلية تتلفع ثوب (السنة) الشريفة، والسنة منها براء ..
وعند الله نلتمس التسديد، والهدى ..