النبوة والرسالة
إن كل ما نسبه السيد عفيفي من أقوال هي أقوال لم يعها كما هي، ومن ثم لم ينقلها بالدقة المطلوبة.. وكانت آخر عباراته التي نسبها للأستاذ محمود هي: ((قلت: ألم يكن محمد هو خاتم النبيين والمرسلين؟ قال: لا، لم يكن خاتم الرسل ولكنه خاتم النبيين وفرق كبير بين الرسالة والنبوة)).. هذا ما نسبه السيد عفيفي للأستاذ محمود.. إن وضع السؤال بهذه الصيغة، والإجابة عليه بهذا الإقتضاب، والحرفية، يخل بالمعنى والمبنى على السواء.. فهو يساءل عن الرسالة، وعن النبوة بمعناهما المصطلح عليه.. الرجل يجيئه الملك، ويبلغه عن الله شرعا ليعمل به في خاصة نفسه، فهذه هي النبوة.. ثم يأتي الملك لهذا النبي بشرع عن الله، يأمره بتبليغه لأمته فهذه هي الرسالة.. والنبوة بهذا المعنى قد ختمت.. ولكن يظل في الأمر نظر فيما يتعلّق بالرسالة، وهذا ما كان يقتضي دقة في سوق ما جرى بشأنها من حديث.. ذلك بأن القول بأن النبوة ختمت، وأن الرسالة لم تختم، لا يعني الرسالة بالوصف الذي يقرنها بالملك، وإنما يعني التلقي عن الله بغير واسطة الملك.. يعني التلقي عن الله، والتعلّم من القرآن على قاعدة: ((واتقوا الله ويعلّمكم الله)).. فنحن إذا سلكنا السلوك المجوّد في العبادة وفي المعاملة، وفق سنّة النبي صلى الله عليه وسلّم، فإننا نفهم من أسرار القرآن، ونعلّم العلم الذي يتكامل حتى يصبح به الرجل عالما بالهه ومعلّما علمه للناس، فإذا بلغ الأمر حد البعث الإسلامي الكبير المرتقب، فإنه يصدق أن يوصف من يجري على يديه بأنه رسول، بالمعنى الذي سقناه آنفا – فهم عن الله، من القرآن، ما أهلّه لهذه الوظيفة.. هذا هو معنى أن الرسالة لم تختم.. هل هذا فهم جديد؟؟ نعم هو كذلك، ولكنه فهم، بدليله، وبرهانه.. فمن إعترض عليه فليأت ببرهانه!
الرسالة الثانية بين المحتوى والشكل
كما قلت فإن نقل السيد عفيفي مخل، ومشوّه وليس أدل على ذلك من القول الذي نسبه للأستاذ محمود عن أمر ختم الرسالة، وفي مقابله نورد ما قاله الأستاذ محمود فعلا وذلك في كتاب الرسالة الثانية من الإسلام (ص 10) الطبعة الرابعة، يقول الأستاذ محمود:
((والحق أن كثيراً ممن يعترضون على دعوتنا إلى الرسالة الثانية من الإسلام لا يعترضون على محتوى هذه الدعوة، بل إنهم قد لا يعيرون محتوى الدعوة كبير اعتبار.. وإنما هم يعترضون على الشكل.. هم يعترضون على أن تكون هناك رسالة، تقتضي رسولا، يقتضي نبـوة، وقد ختمت النبـوة، بصريح نص، لا مرية فيه.. وإنه لحق أن النبـوة قد ختمت، ولكنه ليس حـقا أن الرسالة قد ختمت: ((ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله، وخاتم النبيين.. وكان الله بكل شيء عليما)).. ومعلوم أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا.. ولكن النبوة ما هي؟؟ النبـوة هي أن يكون الرجل منبأ عن الله، ومنبئاً عن الله.. أي متلقياً المعارف عن الله بواسطة الوحي، وملقيا المعارف عن الله إلى الناس، على وفق ما تلقى، وبحسب ما يطيق الناس.. فبمرتبة التلقي عن الله يكون الرجل نبياً، وبوظيفة الإلقاء إلى الناس يكون رسولا.. هذا هو مألوف ما عليه علم الناس.. ولكن هناك شيئا قد جد في الأمر كله، ذلك هو معرفة الحكمة وراء ختم النبوة بمعناها المألوف.. لماذا ختمت النبوة؟؟ أول ما تجب الإشارة إليه هو أن النبـوة لم تختم حتى استقر، في الأرض، كل ما أرادت السماء أن توحيه، إلى أهل الأرض، من الأمر.. وقد ظل هذا الأمر يتنزل على أقساط، بحسب حكم الوقت، من لدن آدم وإلى محمد.. ذلك الأمر هو القرآن.. واستقراره في الأرض هو السبب في ختم النبوة.. وأما الحكمة في ختم النبوة فهي أن يتلقى الناس من الله من غير واسطة الملك، جبريل - أن يتلقوا عن الله كفاحا - ذلك أمر يبدو غريبا، للوهلة الأولى، ولكنه الحق الذي تعطيه بدائه العقول، ذلك بأن القرآن هو كلام الله، ونحن كلما نقرؤه إنما يكلمنا الله كفاحا، ولكنا لا نعقل عنه.. السبب؟ أننا عنـه مشغـولون.. قال تعالى في ذلك: ((كلا!! بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا!! إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون)).. وإنما جاء القرآن بمنهاج شريعته، ومنهاج طريقته، وبأدبه في كليهما، ليرفع ذلك الريـن، حتى نستطيع أن نعقل عن الله ما يحدثنا في القرآن، فإذا وقع هذا الفهم لرجل فقد أصبح مأذوناً له في الحديث عن أسرار القـرآن، بالقدر الذي وعى عن الله..))
لا تعارضوا بغير علم
إن أمر الدين أمر عظيم لا يجوز الخوض فيه بغير علم، وبغير هدى: ((ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع، والبصر، والفؤاد، كل أولئك كان عنه مسئولا)) وإن ما نقدمه نحن الجمهوريين هو فهم جديد، للدين القديم، فهم يستند على نصوص القرآن، ويقوم على حياة النبي الكريم.. وهو جد لا هزل فيه.. هو الإسلام هو الدين.. فما ينبغي أن يقابله أحد على هينته كما قد فعل السيد عفيفي.. ولا تجدي مقابلته بمثل قوله: (أن هذا بعيد كل البعد عن حقيقة الإسلام).. وإنما يجب أن يعمل الفكر فيه بعمق وبحيدة.. فما أضرنا نحن المسلمين مثل تعطيل فكرنا، ووضع أصابعنا في آذاننا: ((وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم، ولعلهم يتفكرون))..
عبد اللطيف عمر حسب الله
ص ب 1151 أم درمان