أمة المؤمنين وأمة المسلمين
والشيخ الدكتور يستنكر تمييزنا بين أمة المؤمنين وأمة المسلمين.. ولكنه لم يقل لنا الخطأ في هذا التمييز.. ولكنه ينفق مما عنده فيحرّف حديثنا ويورده مبتورا هكذا ((((أمة البعث الأول اسمها المؤمنون لدي الدقة وإنما أخذت اسم المسلمين الذي ينطلق عليها عادة من الإسلام الأول وليس على التحقيق من الإسلام الأخير. وأنت حين تقرأ قوله تعالى: "إن الدين عند الله الإسلام" يجب أن تفهم أن المقصود الإسلام الأخير وليس على التحقيق الإسلام الأول وذلك لأن الإسلام الأول ليس به عبرة)) وهكذا يقف من النقل في هذا الموقف ليوهم القاريء أننا نقول أن تدّين أمة البعث الأول ليس به عبرة.. والغريب أن الشخ يصّر على هذا التضليل المقصود، وقد سبق أن أورد هذا النص مبتورا في عريضة العلماء بزعمهم، فرددنا عليهم، وأتممنا النص لنوّضح تضليلهم، وعدم أمانتهم.. وها هو الشيخ يورد النص ناقصا ليخدع الجريدة، ويخدع القاريء المصري، بعد أن كشفنا هنا هذه الألاعيب في كتابنا ((علماء بزعمهم)) الجزء الأول والثاني..
واليكم النص كاملا: ((وأمة البعث الأول - أمة الرسالة الأولى - اسمها المؤمنون، لدى الدقة، وإنما أخذت إسم المسلمين، الذي ينطلق عليها عادة، من الإسلام الأول، وليس، على التحقيق، من الإسلام الأخير.
وأنت حين تقرأ قوله تعالى((إن الدين عند الله الإسلام )) يجب أن تفهم أن المقصود الإسلام الأخير، وليس على التحقيق، الإسلام الأول، ذلك بأن الإسلام الأول ليست به عبرة، وإنما كان الإسلام الذي عصم الرقاب من السيف، وقد حسب في حظيرته رجال أكل النفاق قلوبهم، وانطوت ضلوعهم على بغض النبي وأصحابه - ثم لم تفر ضلوعهم عن خبئها، وذلك لأن المعصوم قد قال((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا، عصموا مني دماءهم، وأموالهم، إلا بحقها، وأمرهم إلى الله)) وجلية الأمر أن الإسرم بداية ونهاية.. والإسلام الذي هو بداية دون الإيمان ومقتضاه قولك لا إله الاّ الله محمد رسول الله، والعمل بالجوارح في العبادات، وفي العادات، وآيته من كتاب الله: ((قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا أسلمنا، ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم)) ثم يدخل الإيمان في القلب فيجيء طور الإيمان، ثمّ الإحسان.. وهذه الدرجات الثلاث هي درجات الإيمان، وقد بيّنها جبريل في حديثه المشهور حين جاء ليبيّن لأمة المؤمنين دينها ((أتاكم يعلمكم دينكم)).. وحين يسمى المسلمون في المجتمع اليهودي ((الذين هادوا)) وفي المجتمع النصراني ((النصارى)) فإن أمة البعث الأول تسمى المؤمنون أو ((الذين آمنوا)).. قال تعالى ((إن الذين آمنوا، والذين هادوا، والنصارى، والصابئين، من آمن بالله، واليوم الآخر، وعمل صالحا، فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم، ولا هم يحزنون)) ولقد ندب مجتمع المؤمنين ليكونوا مسلمين فلم يطيقوا ذلك حيث قال تعالى: ((يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الاّ وانتم مسلمون)) فنزل الى مستوى ما يطيقون وجاء الخطاب ((فاتقوا الله ما استطعتم، واسمعوا، واطيعوا وانفقوا خيرا لأنفسكم، ومن يوق شحّ نفسه فاؤلئك هم الفلحون)) فإلاسلام ليس قصاراه درجات الإيمان وإنما فوقها درجات الإيقان الثلاث: علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين، ثم الإسلام الأخير.. ودرجات الإيقان هذه مطوية في القرآن قال تعالى: ((كلا لو تعلمون علم اليقين، لترون الجحيم، ثم لترونها عين اليقين)) وقال تعالى ((وانه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم)) وبعد درجات الإيقان يجيء الإسلام الذي هو نهاية وهو يعني الإستسلام، والإنقياد الواعي، الراضي بالإرادة الإلهية، وآيته من كتاب الله ((ومن أحسن دينا ممّن أسلم وجهه لله وهو محسن، وأتبع ملة ابراهيم حنيفا، واتخذ الله ابراهيم خليلا)) ولما كان الإسلام الأخير هو ملة ابراهيم، فإن قصة سيدنا ابراهيم حاسمة في التمييز بين مستوى الإيمان، ومستوى الإيقان.. قال تعالى: ((وإذ قال ابراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى، قال: أولم تؤمن؟ قال بلى، ولكن ليطمئن قلبي)) فهو مؤمن ((قال بلى)) ولكن يريد الطمأنينة باليقين.. وبعد أن سار في مدارج اليقين قال تعالى ((وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين)).. قال ((ليكون من الموقنين)) ولم يقل ليكون من المؤمنين.. ثم بعد درجات الإيقان أسلم، الإسلام الأخير: ((إذ قال له ربه اسلم، قال أسلمت لرب العالمين)) وهذا الإسلام الأخير الذي عجز عنه المؤمنون كان النبي يعيش في قمته، فقال له تعالى ((قل إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)) فالدين ليس ثابتا على حالة واحدة، كما يتخيّله المسلمون، فيقفون في أول السلم، وإنما هو تطوّر في مراحل الإسلام السبع، وتنقّل في مستويات الكمال التي لا تحد، فهو حين يدعو المؤمنين ليسلموا إنما يدعو للتطوّر المستمر، ولا يقر الناس على الثبات في مرتبة واحدة.. فالمؤمنون هم مرحلة معينة من مراحل سير الأمة الحاضرة، إلى الأمة الاسلامية المستقبلة التي يقوم تشريعها على آيات الأصول، فقد اشتاق النبي الكريم إلى أمة المسلمين فقال: ((وا شوقاه لأخواني الذين لما يأتوا بعد!! فقال ابو بكر "أولسنا أخوانك يا رسول الله؟" قال: بل أنتم أصحابي)) ثم قال ثانية: ((وا شوقاه لأخواني الذين لما يأتوا بعد!)) فقال أبو بكر: "أولسنا إخوانك يا رسول الله؟" ((قال: بل أنتم أصحابي)) ثم قال ثالثة: ((وا شوقاه لأخواني الذين لما يأتوا بعد)) قالوا: ((من إخوانك يا رسول الله؟)) قال: ((قوم يجيئون في آخر الزمان للعامل منهم أجر سبعين منكم)) قالوا: (منّا أم منهم)) قال: ((بل منكم)) قالوا: ((لماذا؟)) قال: ((لأنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون على الخير أعوانا)).. وحديث المسلمين هذا مأخوذ، بمعناه، وبتعبيره، من الآيات الكريمات ((يسبّح لله ما في السموات، وما في الأرض، الملك، القدوس، العزيز الحكيم، هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم، يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب، والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم، وهو العزيز الحكيم، ذلك فضل الله، يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم))
والشيخ الدكتور يقول: ((كما إدّعى أن هذه الصلاة التي يصليها المسلمون سقطت عنه لأنه صاحب شريعة جديدة جعلته لا يصلح له أن يقلد النبي صلى الله عليه وسلّم في هذه الصلاة وأخرج كتابا في ذلك سمّاه: "رسالة الصلاة")) وهو يظن أن ذكره لإسم كتابنا سيجعله محل ثقة، وأنه يأخذ ما يقول عنّا من كتبنا وهذا الشيخ أمره كله عجب، فهو يروي عنا أننا نقول بسقوط الصلاة، وهو نفسه قد أورد عنّا بمحكمة الردة المزعومة أننا نقول ((ويصبح شأن الآية – إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا – مع المسلم الذي يمر بمرحلة الإيمان الذي هو مرتبة الأمة الأولى ان الصلاة الشرعية في حقه فرض له أوقات تؤدى فيها – فإذا ارتقى بحسن أدائها، وبتجويد تقليد المعصوم، حتى ارتقى في مراقي الإيمان، التي ذكرناها، حتى بلغ حق اليقين، وسكن قلبه، وأطمأنت نفسه، فأسلمت، طالعه المعنى البعيد لكلمة "موقوتا" في الآية "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا" وذلك المعنى، في حقه هو، ان الصلاة الشرعية فرض، له وقت ينتهي فيه، وذلك حين يرفع السالك إلى مرتبة الأصالة، ويخاطب بالإستقلال عن التقليد، ويتهيأ ليلأخذ صلاته الفردية، من ربه بلا واسطة، تأسيا بالمعصوم.. فهو حينئذ، لا تسقط عنه الصلاة، وإنما يسقط عنه التقليد، ويرفع من بينه وبين ربه، بفضل الله، ثم بفضل كمال التبليغ المحمدي، الحجاب الأعظم.. الحجاب النبوي)).. هذا ما نقله المدّعي من كتاب "رسالة الصلاة" وهو نقل مخّل، ولا يعطي الصورة، ومع ذلك فإنه يظهر مبلغ تزييفه وتمويهه للحقائق، وهو هنا ينقل عنّا ((فهو حينئذ، لا تسقط عنه الصلاة، وإنما يسقط عنه التقليد)) ويكتب للجردة المصرية ((كما إدّعى أن هذه الصلاة التي يصليها المسلمون سقطت عنه لأنه صاحب شريعة جديدة)) ويوهم القاريء أننا ذكرنا ذلك في كتابنا "رسالة الصلاة" ألم نقل لكم أن هذا الرجل ليس له وزن عند الله ولا عند الناس؟