فرية حماية العقيدة
كان الشيخ عبد الحليم محمود، قد تعرّض لنقد، وهجوم من مجلة روز اليوسف وحين مٌس شخصه الكريم قال ان الهجوم عليه شيوعية، وأن خطط الشيوعيين، هي التقليل من مكانة رجال الدين، وبعد التجربة الشخصية التي مر بها الشيخ، قرر أن يناهض الشيوعية في أخريات عمره، وقال إنه أخذ يسأل نفسه ((لم لم تكتب عليها من قبل مبينا للناس حقائقها؟ لم سكت عليها للآن؟ ما عذرك أمام الله سبحانه وتعالى، وأمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، الى متى تترك المسلمين جاهلين بحقيقتها، إنها تحاد الله ورسوله، وتحارب الله ورسوله، وتسعى في الأرض فسادا، وذلك منذ عشرات السنين)).. كما قرر: ((والكتابة عن الشيوعية الآن فرض على كل قادر، انها فرض على كل مسلم يزعم اخلاصه لدينه، ويزعم حبه لرسوله)).. فماذا سيقول عن الشيوعية من لم ير فيها رأيا الا بعد أن حركته هذه الدوافع؟ يقول ((أما الشيوعية فإنها اختراع بشرى من اختراعات اليهود الذين ديدنهم وشعارهم افساد الإنسانية دينا، وتشريعا، وأخلاقا))..
ومما يقوله شيخ الإسلام عن الشيوعية: ((يتعارض الإسلام مع الشيوعية جذريا في الاقتصاد، وذلك أن الإسلام يقر الملكية الفردية ولا يضع في طريقها عقبات ما دامت في إطار المبادئ الإسلامية، أما الشيوعية فقد نسفت الملكية نسفا)).. ويقول شيخ الإسلام ((لقد ألغت الشيوعية الملكية، وهي بذلك تتعارض جذريا مع الإسلام، وذلك أن الإسلام يقر الملكية الفردية دون حدود ما دامت في إطار المبادئ الإسلامية)).. وشيخ الإسلام في رده على الشيوعية يعوّل على الشخصيات الحاكمة فهو يستدل بأقوال السيد جمال عبد الناصر، والملك فيصل، ولم ينس الملك خالد، والأمير فهد..
والشيوعية كمذهبية تدّعى الاهتمام بمصير الكادحين والبؤساء، وتتبنى مصالحهم، ومطالبهم، وهي في حقيقتها ضرة للدين.. والدين الإسلامي هو الوحيد القادر على تصفيتها، وتقديم البديل المتفوق عليها، حتى في الميّز التي تدّعيها، وتتقى بها في الجوانب الاقتصادية.. ولكن المستوى الذي تبدى عنه شيخ الإسلام، يجرّد الإسلام من فعاليته ويخلى الميدان تماما للشيوعية لتدّعى حل مشاكل المسلمين أنفسهم.. فهذا هو شيخ الإسلام، والناطق الرسمي عنه يقول: ((لقد ألغت الشيوعية الملكية، وهي بذلك تتعارض جذريا مع الإسلام، وذلك أن الإسلام يقر الملكية الفردية دون حدود ما دامت في إطار المبادئ الإسلامية)) وشيخ الإسلام يشرح المبادئ الإسلامية بانك يمكنك أن تملك وسائل الانتاج، على أن يكون كسبك حلالا، وتؤدى حق الله فيه. والحق أن من يطّلع على البرنامج الاقتصادي، الذي تتقدم به الشيوعية لشعوب العالم، وللشعوب الإسلامية خاصة، ويقارنه بالبرنامج الإسلامي، الذي يتقدّم به الأزهر، وشيخ الأزهر، لحل قضايا المسلمين، بتطبيق حد السرقة، يدرك أن الشيخ داعية للشيوعية بأبلغ مما يفعل الشيوعيون أنفسهم، وإذا كان الدين هو الحائل الوحيد بين الشعوب والشيوعية، فإن من يقدم الدين بهذا المستوى للأذكياء، وللكادحين، يكون قد صرفهم عن الإسلام، ودفعهم الى الشيوعية دفعا، وقد يوافقنا القارئ الكريم في أن هذه الصورة مشوهة للإسلام، ومنّفرة عنه، ولكن هذه هي صورة الفهم التقليدي السلفي، وهو الفهم السائد، الذي فرض نفسه بالقداسة، وبالإرهاب، ولكن هناك كاتب عصرى مثل مصطفى محمود قد يكون للإسلام وجه آخر عنده، في هذه النواحي العملية، ولكن هو الآخر أمره عجب، فهو يرفض الاشتراكية متعللاً بأنها انتهت ((الى مجرد كلمة مفرغة من المحتوى، يستعملها جميع الفرقاء لجميع المعاني المتناقضة، وأصبحت تدل على الشىء وعلى ضده، وتعني الشيء كما تعني عكسه))
وكان من المنتظر، والصحيح، أن نرد للاشتراكية محتواها، ونحدد دلالتها، ولا نتركها لأنها قد أسيء مدلولها، أو تطبيقها، ومن كل ذلك ننتهي الى أن ما يدور في مصر هذه الأيام، باسم الإسلام، لا يمثل الإسلام في شيء، وانما هو مفهوم متخلّف، يعلنه رجال يعطون أنفسهم المكانة، والقداسة، والحصانة، ثم هم يجهلون كل شىء. يجهلون الإسلام، ويجهلون السياسة، والاقتصاد، ويجهلون طاقة، وحاجة عصرهم، الذي يعيشون على هامشه، وهم على ذلك يحتكرون فهم الإسلام، ويرهبون كل مخالف لهم.
والغريب أن محاولات التجديد في مصر تتجه للتجديد في الأسلوب، وللحديث في القضايا الخلافية العامة، أما عند المحك العملي، والحديث عن قضايا الناس اليومية، فإن هذه المحاولات لعدم أصالتها، ترتد الى الأسلوب التقليدي السائد، وتنسجم معه، كما رأينا في موقف الدكتور مصطفى محمود.
والمثقفون يخادعون هذه القوى، ويرهبونها، بل يسلمون لها بأن ترهب الآخرين، وذلك ناشئ عن عجز المثقفين عن تحمّل مسئولية الثقافة وعن تحمّل واجب التوعية، ولنقص معلوماتهم الدينية، فانهم لا يستطيعون أن يقفوا في وجه المشائخ، ولذلك يرهبونهم أشد الرهبة.. وقد رأينا نماذج من ذلك في صحيفة الاهرام، وهذه الرهبة شائعة بين المثقفين، وفي كل دور الصحف، ومن ذلك فإن الماركسيين واليساريين يحاولون أن يتمسحوا بالإسلام خوفا من موجة الإرهاب، وهذه الصورة القاتمة لا تناسب اسم مصر ولا تشرّف أي مثقف وهي قطعا لا تمثّل الإسلام في شيء