إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
عندما طالعت "أنصاف حقائق" الدكتور خالد المبارك المنشورة بجريدة الرأي العام، 18 نوفمبر 2002م، طالعني أول ما طالعني دعوة الأستاذ محمود لإعادة تعليم المتعلمين، ذلك امر نحن أحوج ما نكون له اليوم أكثر من أي وقت مضي، خاصة و قد تصادف تاريخ النشر مع مرور أربعة و ثلاثين عاماّ علي مهزلة محكمة الردة الأولي التي ذهبت أدراج الرياح. لقد ظل الدكتور خالد المبارك يردد أنصاف حقائقه هذه و قد نشرها من قبل في جريدة الحياة اللندنية و تم الرد عليه في حينه و لكن لا ضير أن يتم الرد مرة أخري لمن عسي يحتاجون لتكرار.
إن "حادثة رفاعة" المشار إليها، إتخذها الأستاذ محمود سبباّ لإزكاء روح النضال ضد المستعمر الإنجليزي، و قد كان رأي الأستاذ محمود أن مثل هذه المسائل الإجتماعية المعقدة لا تتم معالجتها و لا محاربتها عن طريق القانون، و إنما عن طريق التربية و طالب الإنجليز بفتح المدارس للفتيات بدلاّ عن سن القوانين. و لم يفت عليه أن الإنجليز إنما رموا لذلك بتصوير الشعب السوداني علي أنه شعب متخلف يستحق الوصاية لإطالة أمد إقامتهم بالبلاد. هذا بإختصار ما كان من أمر "حادثة رفاعة" و لمن أراد التفاصيل أرجو مراجعة كتاب "الخفاض الفرعوني" المشور بإسم الإخوان الجمهوريين.
يقيني أن دكتور خالد المبارك إنما يريد مجداّ أكاديميا، متقمصاّ لذلك روح أبي العلاء "و إني و إن كنت الأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الاوائل" ، ذلك ديدن طلاب المجد في غير محله، وتكون موجدتهم أكبر علي أصحاب الفكر الحر، كما عبر التجاني يوسف بشير "و إنما للناس موجدة علي أصحابه". كأني بالدكتور يريد أن يقول للناس " أتيت لكم بالديب من ديلو"، ذلك معمي بكثير تحذلق أكاديمي و أمثال عامة الإنجليز و لكن لا ضير فإن دعوة الأستاذ محمود تتجذر الآن في عقول و قلوب ملايين المحبين من "كوستي" إلي "كوستاريكا" و من "جاكارتا" إلي "ألسكا" و تعاد الآن طباعة كتبه بالعديد من اللغات الحية و تقام له و لدعوته أقساماّ خاصة في مراجع الجامعات و سيظل "النعام" دافناّ رأسه في رمال السودان و سيظل "ريش النعام" لا يرواح مكانه بين متحف التاريخ الطبيعي و دار جامعة الخرطوم للنشر، و ل "مربع" طول السلامة.
عبدالله عثمان- واشنطون
* نشر هذا المقال في باب "بأقلام القراء" بصحيفة "الرأي العام" في 13 ديسمبر 2002