إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
نموذج من خريجي الجامعات السعودية: دكتور شوقي بشير عبد المجيد
كان نموذج دكتور شوقي عبد المجيد من أسوأ نماذج الدراسات الجامعية العليا، التي أطلعنا عليها، وهي تقف دليلا قاطعا على عدم كفاءة محاضري تلك الجامعات الإسلامية السعودية، وعدم كفاءة طلابها، وعدم تقيدهم بمتطلبات البحث العلمي والأمانة العلمية. وسنورد هنا مقتطفات من بحث الدكتوراه الذي قدمه طالب الدراسات العليا، يومئذ، شوقي بشير لنيل درجته في العقيدة، من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في "جامعة أم القرى" في مكة المكرمة، كما أوردها الأخ عبد الله الفكي البشير في كتابه: "صاحب الفهم الجديد للإسلام... محمود محمد طه والمثقفون، قراءة في المواقف وتزوير التاريخ". وهو كتاب يمكن الرجوع إليه للتوسع في رؤية المستوى الأكاديمي المتدني لهؤلاء المشايخ، الذي تسموا بالأسماء والألقاب الحديثة بغير حقها، أمثال شوقي بشير وتلاميذهم الذين أخذوا العلم عليهم من أمثال الباقر عمر السيد. ونحن هنا لسنا بصدد نقاش الافتراءات، وسوء الفهم، وسوء التخريج، والاتهامات الجزافية التي اتسمت بها رسالة هذا الشيخ الوهابي، وإنما بصدد التعرف على طرق بحثه الذي خلط فيه بين الحزب الجمهوري، الذي أسسه الأستاذ محمود محمد طه، وثلة من رفاقه، في أكتوبر1945، وبين الحزب الجمهوري الاشتراكي الذي أسس في عام 1951 وكان إبراهيم بدري أمينا عاما له.
ففي أكثر من 100 صفحة من بحثه أورد الباحث شوقي بشير معلوماته عن الحزب الجمهوري من وثائق تشير إلى الحزب الجمهوري الإشتراكي، وهما حزبان لمن يعرف تاريخ السودان مختلفان تمام الإختلاف. ولكن بما أن الباحث والمشرفين على بحثه لا يعرفون شيئا عن ذلك، وبما أنهم كانوا يعملون في جو مشحون بالعداء للإستاذ محمود، والتآمر عليه، لقتله أو سجنه، ومصادرة كتبه، ومنع نشاطه، لم تجد أخطاءهم وأكاذيبهم مصححا من بين المشايخ المنحازين أصلا ضد الفكر الجمهوري وصاحبه الأستاذ محمود محمد طه.
أورد الدكتور عبد الله البشير في كتابه سالف الذكر تفاصيل مفارقة بحث الدكتور شوقي بشير وتلاميذه لقواعد البحث العلمي فقال:
"نال الطالب (آنذاك) شوقي بشير عبد المجيد درجة الدكتوراه عام (1403ه/ 1404ه-1983م/1984م)، وكانت رسالته بعنوان: فرقة الجمهوريين بالسودان وموقف الإسلام منها. أتبع شوقي نيله للدكتوراه بنشر العديد من الكتب والأوراق، منها كتابان الأول بعنوان: موقف الجمهوريين من السنة النبوية، والكتاب الثاني بعنوان: منهج الجمهوريين في تحريف القرآن. وعدد من الدراسات منها: "التأويل الباطني عند فرقة الجمهوريين بالسودان"، و"الجمهـــوريين ومشايخ الصوفية"، و"فرقة الجمهوريين في السودان". كما ساهمت أطروحة شوقي في تصميم المقرر الدراسي بجامعة أم القرى عن الجمهوريين كواحدة من الفرق المعاصرة. أيضاً، قُدمت رسالة ماجستير بعنوان: نقض نظرية الإنسان الكامل عند الجمهوريين. من إعداد الطالب: الباقر عمر السيد، بجامعة أم درمان الإسلامية
تمثلت كذلك جهود المؤسسات الإسلامية في نشر الدراسات التي أُعدت ضد الأستاذ محمود وتلاميذه، مثلما وصى الشيخ عبد العزيز بن باز بطباعة كتاب أعده شوقي بشير عبد المجيد، فطبعته رابطة العالم الإسلامي. يقول شوقي بشير عبد المجيد، "... كتابي موقف الجمهوريين من السنة النبوية، (الذي طبعته سلسلة دعوة الحق- برابطة العالم الإسلامي- 1987م بتوصية من الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - أيام الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الله عمر النصيف"
وفي صفحة (17) يقول: "والحزب الجمهوري الاشتراكي الذي بحث له عن قاعدة دينية صوفية أو باطنية يعتمد عليها بعد شعوره بأن عدم الاعتماد على السند الديني أو القبلي يؤدي بالحزب إلى نهايته..."، وفي صفحة (42) يقول: "كما أن الحزب الجمهوري الاشتراكي قد نشأ – منذ اللحظة الأولى - داعياً إلى الحفاظ على المؤسسات الموجودة والتي خلفها الاستعمار عاملاً على إبعاد الدين من الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية منادياً بإقصاء الدين حتى عن دوائر الأحوال الشخصية". الشاهد أن ما ذهب إليه الباحث في حديثه عن نشأة الحزب الجمهوري الإشتراكي، لا صلة له البتة بالإخوان الجمهوريين. فنواة الإخوان الجمهوريين التي أشار إليها الطالب هي الحزب الجمهوري الذي نشأ يوم 26 أكتوبر 1945م وليس الحزب الجمهوري الاشتراكي الذي نشأ عام 1951م، ودعا إلى استقلال السودان، وقيام جمهورية اشتراكية مستقلة، وكان إبراهيم بدري (1897م-1962م) أمينه العام، ومكي عباس (1909م-1979م)، أحد مفكريه ومنظريه، إلى جانب آخرين. لقد ظل هذا الخلط ملازماً للطالب في جل صفحات أطروحته، بل تجرأ في صفحة (53) وكتب بلا ورع علمي أو وازع أكاديمي قائلاً:
لا بد لنا من الحديث عن الحالة الاقتصادية حتى تتضح لنا صورة نشأة فرقة الجمهوريين كاملة وإن كنا نرى أن الحالة الاقتصادية في السودان ليست ذات أثر واضح في نشأة هذه الفرقة أو غيرها من الأحزاب السياسية الموجودة، وإن كان لها أثر فأثرها منحصر في الشعارات التي يرفعها حزب من الأحزاب للكسب السياسي أو في التسمية التي اختارها الحزب الجمهوري الاشتراكي في بداية نشأته، فقد اختار الجمهوريون هذه التسمية في البداية إشارة إلى أنهم سيطرحون في برامجهم الانتخابية بعض ملامح الفكر الاشتراكي الاقتصادي، وأنهم سيعتمدون على الحلول الاشتراكية في أحيان كثيرة. وبالفعل طرح محمود محمد طه – بعد الاستقلال - مبدأ المساواة الاقتصادية كطريق لتحقيق العدالة الاجتماعية التي يراها...
وفي صفحة (57) أضاف الطالب لاسم الحزب مفردة "السوداني"، إذ كتب قائلاً: "إن أول نواة لفرقة الجمهوريين، هم مجموعة من السودانيين الذين انتموا إلى الحزب الجمهوري الاشتراكي السوداني، للمساهمة والاشتراك في الحياة السياسية قبل استقلال السودان... وكانت بداية نشأة الحزب الجمهوري الاشتراكي في آخر أكتوبر 1945م بزعامة محمود محد طه". ليس هذا فحسب، فقد شطح الطالب بخياله، شطحاً تسنده التصورات المسبقة، أكثر من الوثيقة التاريخية أو المعلومة الدقيقة، فذهب بعيداً في تحليلاته واستنتاجاته المُخجلة والفاسدة علمياً ومنهجياً بسبب غياب الحد الأدنى من المعلومات الصحيحة، ففي صفحة (66) كتب قائلاً:
ولقد أطلق الجمهوريون على أنفسهم اسم (الجمهوريين) للملابسات التي نشأ فيها الحزب الجمهوري الاشتراكي، وللاتجاه العام للحزب فقد هدفوا منذ البداية إلى تمييز أنفسهم من بقية الاتجاهات السياسية الموجودة وهدفوا إلى الدعاية السياسية فسموا أنفسهم بهذا الاسم إشارة إلى أنهم هم الذين ينادون بنظام جمهوري إشتراكي يسير عليه نظام الحكم في السودان بعد أن ينال استقلاله، ويكون الاتجاه المميز للحكم أيضاً الاتجاه الاشتراكي، والغريب في الأمر أن الجمهوريين عندما يتحدثون عن حزبهم الآن لا يذكرون كلمة (الاشتراكي) هذه." انتهى الاقتباس من كتاب الدكتور عبد الله البشير..
هذا فقط نموذج واحد من فيض من النماذج التي وظفتها حكومة الاخوان المسلمين وجعلتها في قمة النظام التعليمي العالي في السودان كأساتذة للجامعات والمعاهد العليا يخربون عقول أبنائنا وبناتنا الطلاب ويوزعون الشهادات العليا والألقاب، الغير مستحقة، على أمثالهم من حملة الهوس الديني وأصحاب الفكر المعطوب. ليس هذا فحسب بل فتحت لهم وسايل الإعلام من صحف وقنوات فضائية ينشرون من خلالها جهلهم وهوسهم في الوقت الذي ضيقت فيه الخناق على الأحرار والمفكرين وضايقتهم في معايشهم بتعطيل الصحف التي تنشر لهم..
فلا غرو إذن أن امتلأت هذه الجامعات بالوهابية (أنصار السنة) وعلا صوتهم في منابرها ينشرون الجهل فيها ليل نهار.. ولا غرو أن التحق عدد من طلابها الذين يدرسون في كلياتها "العلمية" بحركات الهوس الديني الاقليمية كتنظيم "داعش" ليلقى بعضهم حتفه في المناطق التي يحارب فيها التنظيم من أجل قيام دولته المزعومة..