إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
إذا كانت الصلاة والصيام وسيلة إلى تهذيب النفوس وتنويرها – وسيلة إلى صفاء العقل، وسلامة القلب – فيحسن أن نقف عند الصوم في شهر الصوم هذا، حتى نستفيد منه، حتى نحسن التوسل به إلى رياضة نفوسنا، ومعرفته، ومن عرف نفسه فقد عرف ربه كما جاء في الحديث الشريف.. وللصيام الصحيح آداب منها: أن نحب وقت الصيام، وأن نستقبل شهره الكريم بالاستعداد، والتوبة والتشمير، وأن تدخل في صومك بنية، وأن تكون النية متنقلة، فلا يكن صيام عن الأكل والشراب فحسب، ولكن فليكن صيامك استعانة بترك الأكل، والشراب، على يقظة الشعور، وشحذ الفكر لتقوم بالمراقبة على جميع حركاتك، وسكناتك في اليوم.. فليكن صومك فطماً لنفسك عن الرغبة في كل ما سوى الله.. ومن آداب الصوم أن تعجل بالفطور ولا تعجل نفسك عن الأخذ بحاجتها منه فأقبل على الفطور إذاً، وخذ حاجتك منه، في غير إسراف، قبل أن تنهض لصلاة المغرب.. فأنت إنما تفعل ذلك حتى تقبل نفسك على الصلاة وهي في جمعية لا تتلفت إلى الطعام والشراب.. قال المعصوم: (إذا قدم العشاء فابدءوا به قبل أن تصلوا المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم) ومن قلة الفقه، يتورط في الخطأ كثير من الناس الآن في رمضان، حيث يجلسون إلى الفطور فيتناول أحدهم "بلحة" واحدة، ويجرع جرعتين من الماء المطلق، ثم ينهض لصلاة المغرب، ثم هم بعد الصلاة يقبلون على الأكل والشراب.. فبمثل هذا الصنيع تنقص الصلاة، لأن حاجة النفس إلى الطعام والشراب، وقد صامت عنها طول النهار، وهما حاضران أمامها، وتنبعث منها رائحتهما الشهية، حاجة النفس إلى الطعام هذه تجعل النفس موزعة، كثيرة التلفت، مما ينقص حظها من الحضور.. والفقه يقتضي علينا بأن نتفرغ للصلاة بتناول حاجتنا من الطعام، لا أن نتفرغ للطعام بالتخلص من الصلاة.. ومن آداب الصوم ألا يجري الاستعداد لرمضان بأطايب الأكل والشراب وبالإسراف الذي نرى الناس عليه اليوم، فإن الناس في الوقت الحاضر يأكلون في رمضان أكثر مما يأكلون في غيره من الشهور.. ومن آداب الصيام ألا نتخذ الصوم ذريعة (لتقليل العمل) فنظهر رمضان كأنه موسم للتبطل، والكسل، والنوم، وقلة الإنتاج.. إنك بذلك تعرضه للذم وهو أبرك الشهور وأبعدها عن الذم.. وحين تصوم صوماً صحيحاً، تتوخى فيه الحضور، والفكر وحفظ جوارحك، ومراقبتها، والاستعانة على كبح شهواتك، ونزواتك، بترك الأكل والشراب، فإن روحك ستقوى ومن هنا تجيء حاجتك للاجتهاد في الصلاة وتقوم العلاقة بين الصوم والصلاة.. وصلاة القيام – قيام الثلث – كانت سنة النبي الكريم في رمضان، وفي غيره، ولكن رمضان كان موسم تشمير، واجتهاد، وذلك للقرينة القائمة بين رمضان والقرآن (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن).. فقم الثلث وأطل القيام.. وأكثر من قراءة القرآن في الصلاة.. وكرر القراءة في الصلاة إن شئت فإن قراءة القرآن في الصلاة أفضل العبادة.. والقرآن يعطي أسراره في رمضان، أكثر مما يعطيها في غيره من الأزمان..
صلاة التراويح:
إن صلاة القيام الواردة في السنة والمطلوبة بصورة أوكد في رمضان، إنما هي صلاة الثلث الأخير من الليل التي يقوم لها المصلي بعد نوم، وفي هدوء الليل، وفي ظلامه، وبعد أن أخذت النفس راحتها، يقوم المصلي (إن ناشئة الليل هي اشد وطئاً وأقوم قيلا) يعني يواطيء فيها القلب اللسان، فيستقر القول، ويستقيم الخاطر، ويطمئن القلب، وتستوي لكل أولئك الفطرة.. وصلاة القيام هذه، كما هي في السنة، كانت بين ثلاث ركعات وهي أدناها وثلاثة عشر ركعة، وهي أعلاها.. وهذه الصلاة عظيمة !! عظيمة!! ولذلك كان النبي الكريم يواظب عليها، ولا يتركها حتى في السفر.. وإن فاتته لعذر قضاها بالنهار، وقضاؤها بين ركعتين واثنتي عشرة ركعة.. أما صلاة التراويح التي يصليها الناس منذ صدر الإسلام، والى عهدنا الحاضر، في أول الليل، في رمضان، ويسمونها (صلاة القيام)، هي ليست بصلاة قيام على الإطلاق، وبالتالي ليست سنة.. وإنما هي بدعة، ابتدعها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.. إن الذي جرى من النبي الكريم للناس أنه صلى بهم ليلتين أوقفها بعدهما.. وقال لمن كان ينتظر خروجه إليهم من الأصحاب لأدائها، خشيت أن تكتب عليهم.. ثم إن الناس أخذوا يصلونها فرادى.. وفي عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أطلع عليهم ذات مرة وهم يصلونها في المسجد.. فوجد بعضهم يشوش على بعض باختلاط قراءاتهم.. فقال: (لو جمعناهم على إمام).. فجمعهم على أبي بن كعب.. ثم أنه أطلع عليهم ذات ليلة، وهم يصلونها خلف إمامهم هذا فقال: (إنها لبدعة، ونعمت البدعة، وإن كان الذي ينامون عنه، أفضل من الذي يقومونه)..
يعني الوقت من الليل الذي ينامون عنه، هو الثلث الأخير، أفضل من الوقت الذي يقومونه منه وهو أوله.. وقد ظلت بدعة "التراويح" تمارس إلى يومنا الحاضر.. وقد آن لها أن تقف.. ذلك بأن حكم الوقت اليوم، يقتضي بإيقاف كل البدع الحسنة، فإنه وقت التزام "السنة" لا وكس ولا شطط، فلم تغادر "السنة" صغيرة ولا كبيرة نحتاجها في أمر معاشنا، وأمر معادنا، إلا وجهت فيه توجيهاً سديداً..
لا تصل "التراويح" ولا تنم الثلث من الليل، ولا تزد في صلاة الليل عن الثلاث عشرة ركعة، لا في رمضان، ولا في غير رمضان.. وإن فاتتك صلاة القيام في الثلث لنوم غلبك، فأقضها في الضحى، وصلها شفعية: اثنتين، أو أربعاً، أو ستاً إلى اثنتي عشرة ركعة.. تأتي من ذلك ما تطيق، فإن ذلك يورث النفس من الندم على فواته ما يوقظ فيها رقيباً عليها ينهضها من الليل..
وفي الختام أود أن أشير إلى ظاهرة صلاة التهجد، التي تقام في المساجد في العشرة الخواتيم من شهر رمضان آخر الليل، وتبث عبر مكبرات الصوت في جميع الاتجاهات.. إن هذه الصلاة لا علاقة لها بالسنة النبوية وإنما هي بدعة، وصلاة القيام كما أسلفنا، هي صلاة الثلث الأخير من الليل، وهي صلاة فردية ليست صلاة جماعة.. ومن آدابها أن تصلى في المنزل، في جو مظلم، وفي هدوء الليل فيستغفر المصلي باستعراض شريط يومه كاملاً، ويشكر الله إن أحسن ويستغفره إن كان في عمله إساءة.. إن عادة صلاة التهجد بالصورة التي تتم في المساجد الآن ما ينبغي أن نتردد في إيقافها، لأنها تضعف الحكمة التي شرعت من أجلها صلاة الثلث الأخير عند من يظنونها صلاة القيام المفروضة في السنة وما هي بذلك.. يضاف إلى ذلك ما تسببه من ضوضاء تنتج من تضارب القراءات التي تأتي من المساجد المختلفة في جوف الليل والناس نيام.. ونحن نرى أن صلاة الثلث الأخير كما كان يؤديها النبي الكريم تعتبر فرض كسائر الصلوات الأخرى، وهذا مبدأ أساسي في الدعوة الجمهورية، بل هو الحد الفاصل بين الجمهوري والآخرين.. ذلك لأن الإسلام إنما يبعث ببعث السنة التي طبقها النبي في خاصة نفسه.. قال تعالى: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً).. هذه هي صلاة القيام الحقيقية التي تؤدى بصورة فردية وليست صلاة جماعة بأي حال من الأحوال.. خلاصة القول إن الدين هو المعاملة، والواجب علينا دينا، ألا نصر على الخطأ البين ونستمر فيه على تعصب وعدم مسئولية..(إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب) الآية ..