إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
يقول وقيع الله (وقد فسروا قول الله تعالى: «قل الله» بقولهم: «كن الله»، وفسروا: «والتين والزيتون وطور سنين»، بأن التين هو العقل، والزيتون هو القلب، وطور سنين هو النفس، وإلى آخر تلك التخرصات التي لم يقرهم عليها مجادلوهم من المثقفين الذين انصرفوا عن الحوار معهم لافتقاد المنهج في الحوار)(الإنتباهة 1/2/2013م). هذه العبارة، نموذج لسائر كتابة وقيع الله، فهي على قصرها، تحوي الكذب، والتخليط، وعدم الوعي بما يقول الآخر، والنقل الخاطيء للنصوص التي يراد نقدها. فالأستاذ محمود لم يقل ان هذا تفسير، بل قال إنه تأويل. وكانت الأمانة تقتضي أن يورد وقيع الله ذلك، ثم ينتقد التأويل بما شاء، أو ينكر وجود التأويل، كما يفعل سائر الوهابية.. أما النقل الخاطيء، الذي قد يكون سببه التعجل، وعدم الرجوع الى المراجع، فقد دل عليه لخبطته للعبارات التي نقلها، على غير الوجه الذي وردت به في مصادرها.. فقد جاء أن التين اشارة الى النفس، والزيتون الروح، وطور سينين العقل، والبلد الأمين القلب. والجمهوريون لا يجادلون معارضيهم بالتأويل، حتى ينصرف عنهم من لا يقبل أو لا يفهم التأويل، كما ادعى وقيع الله. ولا يطالبون الناس بقبول ما جاء من تأويل، في كتب الأستاذ محمود، لأن ذلك من علم الباطن، وسائر الناس لا حظ لهم فيه، إلا من شمّر في طلبه.. ومعلوم أن للقرآن ظاهر وباطن، لأنه كلام الله، والله تبارك تعالى ظاهر وباطن، وقد قال عن نفسه (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (للقرآن ظاهر وباطن وله حد ومطلع).. ولكن الجمهوريين يطلبون من الناس أن يقبلوا تطوير التشريع، بالانتقال من نصوص الوصاية الى تحقيق الديمقراطية، والاشتراكية، والمساواة التامة بين الرجال والنساء.. وهذا ما يدور حوله الجدل، لأن يقوم على ظاهر القرآن، الذي بنيت عليه الاحكام، التي يصلح بها شأن المجتمع..
ولكن يجب ألا ينكر التأويل من حيث هو، ويقفل بابه، لمجرد أننا لا نفهم معانيه، التي لا تتقيد دائماً باللغة العربية، وذلك لأن فيه حقائق الدين الكبرى، والتي منها تنزلت حكمة التشاريع والاحكام.. ولأن كثير من الآيات، لا يمكن ان تفهم، بمجرد الأخذ بمعاني الكلمات الظاهرة، كما هي في اللغة العربية، ولا بد من تأويلها.. ومن ذلك مثلاً، قوله تعالى (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا* وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)، ففي اللغة العربية إنما يجئ الغائب، تقول: جاء زيد الى البيت، معناه أنه لم يكن فيه من قبل. فهل هناك مكان لم يكن الله فيه حتى يجئ إليه؟!
ومن التأويل المشهور، تأويل ابن عباس لقوله تعالى (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا). إذ قال: الماء القرآن والأودية القلوب. فهل درس وقيع الله تأويل ابن عباس هذا في الجامعة الإسلامية، وقبله أم اعتبره (تخرصات)، مثل قول الاستاذ محمود ان التين النفس والزيتون الروح؟!
ينكر الاحاديث ويأخذ بالظنون:
وكعادة الوهابية، في إنكار كل حديث لا يفهمون معناه، أخذ وقيع الله يصف الأحاديث التي وردت في كتب الجمهوريين، بأنها موضوعة، فقد قال (اما حديثا ما وسعتني أرضي ولا سمائي... إلخ و«تخلقوا بأخلاق الله» فهما حديثان موضوعان، وقد أنكرهما علماء الحديث، ولا يستطيع الجمهوريون أن يقدما لهما أصلاً من أي من كتب الحديث الصحاح)(الإنتباهة 25/1/2013م). إن الذي يقرأ كلام وقيع الله هذا، يظن أن صحيح البخاري وصحيح مسلم استوعبا كل الاحاديث الصحيحة. وأن أي حديث لا يوجد فيهما لابد أن يكون موضوع أو ضعيف. وهذا من جهل وقيع الله، بما انفق عمر في دراسته.. لأن البخاري ومسلم، ذكرا أنهما لم يجمعا في كتابيهما كل الاحاديث الصحيحة!! فقد جاء (قال السخاوي في فتح المغيث: قد صرح كل منهما بعدم الاستيعاب. فقد قال البخاري فيما رويناه عن طريق ابراهيم عن معقل عنه: ما ادخلت في كتابي الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحيح خشية ان يطول الكتاب. وقال مسلم: إنما اخرجت هذا الكتاب وقلت هو صحاح ولم أقل ان ما لم أخرجه من الحديث فيه ضعيف. وقال النووي في مقدمته على شرح صحيح مسلم: لم يلتزما استيعاب الصحيح، بل صح عنهما تصريحهما بانهما لم يستوعباه، وإنما قصدا جمع جمل من الصحيح، كما يقصد المصنف في الفقه جمع جمل من مسائله، لا انه يحصر جميع مسائله)(مركز الفتوى - موقع الشبكة الإسلامية على الانترنت: تحت هل جمع البخاري كل الاحاديث الصحيحة).
إن منهج علماء الحديث، في الاعتماد على سلسلة الرواة، لمعرفة صحة الحديث، وإن خدم غرضه في الماضي الى حد كبير، ليس منهجاً دقيقاً.. لأن الحديث لم يجمع في عهد الصحابة، ولا التابعين، وإنما جمع في عهد بني أمية، وبعد الفتنة الكبرى، وتفرق المسلمين، وحاجة كل جماعة لأسانيد لدعم مواقفها.. والذي يضع الحديث على النبي صلى الله عليه وسلم، لا يعجزه ان يضع سلسلة قوية لذلك الحديث، يأخذ بها المصنفون. وسبب نكران الاحاديث الصحيحة، ما يرد فيها من معرفة دقيقة، تصادم تصورات العوام، وعند ذلك يمكن ان ينكروا على الصحابي نفسه- دع عنك أحد رواة السلسلة- ما حدث به، مما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.. ولذلك قال أبوهريرة، فيما روى البخاري (أخذت من رسول الله وعاءين فأما احدهما فقد بثثته. وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم) وهذا يعني انه أمسك نصف ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يروه، حتى لا يقتله الناس، لشدة استنكارهم تلك الاحاديث، لعدم فهمهم لمعانيها. بل ان الأصحاب أنفسهم، رضوان الله عليهم، قد يستنكروا ما لا يوافق فهمهم، وإن سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة!! ومن أمثلة ذلك، ما روى البخاري، عن ابي هريرة (ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينا رجل يركب بقرته إذ قالت له: ما خلقنا لهذا وإنما خلقنا للحرث والضرع!! فقالوا: أبقرة تتكلم يا رسول الله؟! قال: أنا أؤمن بذلك وابوبكر وعمر)!!
إن المنهج القويم لمعرفة صحة الحديث، هو نسبته الى القرآن.. فإذا وافق القرآن فهو صحيح، وإن لم يوافق القرآن فهو غير صحيح، مهما كان حظه من الرواية. فهل الاحاديث التي انكرها وقيع الله تجد سندها في القرآن؟!
أما حديث (ما وسعني أرضي ولا سمائي وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن)، فيدعم شطره الأول قوله تعالى (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)، ويدعم شطره الثاني، أن قلب المؤمن يسع القرآن، قال تعالى (بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ). والقرآن كلام الله، وكلامه صفة قديمة، قائمة بذاته، والقرآن لدى التناهي، ليس غير الذات الإلهية.. ولذلك قال في حقه (حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)، فهو في القاعدة جعل باللغة العربية، ولكنه في القمة، في أم الكتاب، وصف بأنه العلي الحكيم. فإذا وسع القلب القرآن، فقد وسع الله، سعة معرفة، وليست سعة مكان.
وأما حديث (تخلقوا باخلاق الله إن ربي على صراط مستقيم)، فيدعم شطره الثاني، قوله تعالى(إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). ويدعم شطره الأول، أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم، والناس من بعده، بالاستقامة، وهي الثبات على الصراط المستقيم.. وذلك في قوله تعالى (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). فما دام الله على الصراط المستقيم، ونحن أمرنا ان نكون على الصراط المستقيم، فقد أمرنا ان نتخلق باخلاق الله. ويدعم ذلك أيضاً قوله تعالى (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ).. والإسلام دعا المسلمين الى حسن الخلق، فقد جاء في الحديث (روى الحسن عن أبي الحسن عن جد الحسن إن أحسن الحسن الخلق الحسن)، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (حسن الخلق خلق الله الأعظم)، فهم إذاً قد دعوا الى التخلق باخلاق الله.
ولقد انكر وقيع الله حديث المعراج، وهو طويل، ومنه (...رأيت ربي في صورة شاب أمرد فوضع يده على كتفي فاحسست ببردها بين ثديي وعلمني علوم الاولين والآخرين... الخ) ولأن الحديث جاء في باب التشبيه، أنكره العديد من السلفيين، واعتبروه من الاحاديث الموضوعة، ولكنه صحيح. ويدعمه من القرآن ما جاء عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لله في المعراج، قال تعالى (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى* أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى؟!)، وهذه رؤية لحظة الشهود الذاتي، ثم رآه في تنزل عن ذلك، قال تعالى (وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى* عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى).. وفي هذا التنزل، جاءت الصورة البشرية، التي اشار إليها الحديث. ولقد اشار اليها القرآن، في مواضع كثيرة، منها قوله تعالى (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ).
وحين لم يجد وقيع الله، من كتب الاستاذ محمود والجمهوريين، ما يشوه فكرتهم، بالقدر الذي يطمح إليه، أخذ ينشر ظنه السئ بهم، ويحاسبهم عليه!! فقد قال (ويظن محمود، كما يظن أتباعه، أن آية أخرى القرآن الكريم تحدِّث عنه شخصياً، وهي الآية التي تقول: «ويبعثك ربك مقاماً محموداً». فها هو اسم «محمود» يذكر على التحديد في القرآن الكريم! وبجانب ذلك يظن محمود كما يظن أتباعه أن الإنسان الواصل إلى درجة الحلول والاتحاد مع الإله، لا بد وأن يكون أسمر اللون)(الإنتباهة 27/1/2013م) كيف عرف وقيع الله ذلك الظن؟! ولماذا لم يورد مصدره إن كانت له اشارة في كتب الجمهوريين؟! وهل سمع وقيع الله، وهو يزعم أنه باحث، بباحث ناقد، يورد ما يعتبره ظن الكاتب، ثم يقوم بنقد ذلك الظن؟! ومن أخبر وقيع الله بأن الجمهوريين يؤمنون بالحلول والاتحاد؟! هل هذا مستوى نقد لمثل الفكرة الجمهورية؟! اسمعه يقول (ولما كان سيدنا آدم، عليه السلام، أسمر اللون، لأن اسمه اشتق من الأدمة، فقد استنتج الجمهوريون أنه كان إفريقياً)(المصدر السابق). فهل آدم كان أسمر اللون، لأن اسمه اشتق من الأدمة، أم أن اسمه اشتق من الأدمة، لأنه كان اسمر اللون؟! بعبارة أخرى، هل أوجد آدم أولاً، أم اسمه؟! لقد خلق آدم اسمراً، ولذلك سمى آدم، وليس العكس. نعم لما كان آدم اسمر، فقد استنتجنا انه نشأ في افريقيا، فهل يعلم وقيع الله إنه اسمر ثم استنتج أنه كان في شمال أوربا؟! ثم إذا سلمنا بأن وقيع الله جاهل بعلوم الأحياء، والأنثروبولوجي، لأنها لا توجد في الجامعة الإسلامية، ألم يشاهد برامج الجغرافيا الطبيعية، في التلفزيون، عندما كان في أمريكا، فيعرف من كل ذلك، ان افريقيا هي الموطن الأول للإنسان؟!
يقول وقيع الله عن الجمهوريين (قالو ان أول انسان "واصل" سيبعث في افريقيا وانه سيبعث عند ملتقى النيلين الافريقيين الابيض والأزرق لأن الله تعالى يقول "مرج البحرين يلتقيان"... سيبعث عند مدينة الخرطوم الأفريقية لان الله سبحانه وتعالى يقول "سنسمه على الخرطوم")(المصدر السابق) أين قال الجمهوريون كل هذا الكلام؟! في اي كتاب أو في أي محاضرة أو في أي مقال؟! ما هو هدف وقيع الله من كل هذه الاكاذيب؟! إذا كانت الفكرة الجمهورية باطل فهل يقضى عليها بالحق أم بالكذب؟؟
موضوع الصلاة:
يقول وقيع الله (أن فكرة واحدة من أفكارهم مثل رفع الصلاة، كانت كفيلة بنسف الأفكار الأخرى للحزب، وتنفير الناس منها)(الإنتباهة 1/2/2013م). فإذا كان وقيع الله، بملكاته الذهنية المتواضعة، التي تطالعنا في هذه المقالات، قد اكتشف حقيقة ان موضوع الصلاة، قد نفر الناس من الفكرة الجمهورية، فهل يمكن ان يغيب ذلك على الاستاذ محمود؟؟ فلماذا لم يطرح بقية الفكرة، ويتبع في أمر الصلاة تصور عامة المسلمين، حتى يكسب الكثيرين، ولا ينفر الناس من الفكرة؟! الجواب: لأنه صادق، ويعلم بأن ما يقول به هو الحق، وان خالفه، ونفر عنه بسببه الناس.
يقول وقيع الله (يفرِّق محمود محمد طه بين نوعين من الصلاة: الأولى، وهي صلاة التقليد، والثانية وهي صلاة الأصالة. أما صلاة التقليد فهي تلك التي يقلد فيها المؤمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم ودليلها: «صلوا كما رأيتموني أصلي». وأما صلاة الأصالة فهي تلك التي يؤديها المسلمون ابتداءً من القرن العشرين».... راجع: محمود محمد طه، رسالة الصلاة، الخرطوم، 1972 م، ص77) (الإنتباهة 28/1/2013م). هذا ما ذكره وقيع الله، وهو لم يرد في كتب الجمهوريين، ولم يرد في المرجع الذي اشار اليه، والى صفحته، ويمكن للقراء الرجوع الى المصدر في موقع الفكرة، ليروا مبلغ جرأة وقيع الله، على الكذب الصراح!! ويقول أيضاً (وهكذا أصبحت الصلاة، وسيلة للوصول إلى مرتبة الأصالة "وهي مرتبة الاتحاد مع الله" نعوذ بالله العظيم - ومتى ما حققت هذه الغاية، بطلت مهمتها وانتهى دورها، وأصبح للمرء صلاة خاصة لم يشرحها لنا محمود)(المصدر السابق). أين قال الجمهوريون إن مرتبة الاصالة هي مرتبة الاتحاد مع الله؟! إن كان هذا فهم وقيع الله، فهو فهم سقيم، كان ينبغي عليه ان يصبر عليه، ويرجع الى المراجع، ويتحقق، حتى لا يورد نفسه المهالك، بمثل هذه الجهالات (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ).
للصلاة قاعدة ولها قمة. قال تعالى (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ). ففي القاعدة، فإن الصلاة تعين صاحبها على تجنب الفواحش، والترقي الى مكارم الاخلاق.. ولكن الذكر اكبر منها، وهو غايتها، والذكر هو الصلاة في القمة، ويعني الحضور مع الله بلا غفلة عنه. والصلاة وسيلة لتحقيق الذكر، قال تعالى (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي).. ولقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم، الصلاة في القاعدة، صلاة المعراج، فقال (الصلاة معراج العبد الى ربه). وسمى الصلاة، في القمة، صلاة الصلة، فقال (الصلاة صلة بين العبد وربه). ولقد أتى جبريل عليه السلام، بصلاة المعراج، وشرح كيفيتها للنبي بمكة، ولكن صلاة الصلة، تمت للنبي صلى الله عليه وسلم في المعراج، بعد ان توقف عنه جبريل، وسار الى الله وحده، فتم له الشهود الذاتي، وكان ذلك هو قمة صلاة الصلة، ولم يكن جبريل حاضراً تلك الصلاة، ولا يعرف عنها شيئاً.. وصلاة الصلة، ليست نقطة، وإنما هي حال، يبدأ ببداية الحضور، داخل صلاة المعراج، التي هي الصلوات الخمس المعروفة.. وكلما زاد الحضور في الصلاة، زادت صلاة صلتنا، في صلاة معراجنا، حتى يمتلئ هيكل صلاتنا بالحضور، فلا نغفل عن الله في الصلاة، أبداً.. فإن تم ذلك، وهو عزيز المنال، إنتقل الحضور خارج الصلاة، لمعاملة الخلق بين الصلوات.. وكلما زاد حضور العبد مع الله، في معاملته للخلق، زادت صلته بالله، وعلمه به على نحو مختلف عن علم الآخرين، وتغير تبعاً لذل سلوكه، حتى كان له أسلوبه الخاص، الذي يسير به حياته، وفق مرضاة الله، حسب ما وعى عنه، وهذه هي اصالته.. وهي تتحقق له في إطار تقليده للنبي صلى الله عليه وسلم. وهذا هو المعنى المقصود، مما ورد في سائر كتب الأستاذ محمود والجمهوريين، من ان صلاة التقليد (صلاة المعراج) وسيلة الى صلاة الاصالة (صلاة الصلة). والاصالة التي تحقق للعباد المجودين، داخل إطار التقليد النبوي الشريف، هي الحالة العامة، التي يجب ان يبشر بها المسلمون، ويسعون لاتقان صلاة معراجهم، ليحققوها.. أما قمة الاصالة، التي يتم بها سقوط التقليد، فإنها لا تتأتى إلا بعلم، يحقق رؤية شاملة، غير مسبوقة، وهي تتعلق بفرد، يستطيع هو، وحده، ان يدفع عن أصالته، ولا يجوز لغيره من المقلدين، أن يتحدث، في غيابه، عن أصالته.. والذي يهمنا، هو وجود مبدأ الأصالة في الإسلام في الصلاة، وانها مطروحة، وممكنة التحقيق، بل أنها غاية الصلاة، التي نؤديها الآن، وهذا هو محل الحوار، والجدل، لا اصالة الاصيل الواحد.