إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

حوار مع الاستاذ سعيد شايب عن الفكر الجمهوري

أجرى الحوار: عيدروس عبد العزيز


صحيفة الأيام | صفحة ٩ | العدد ١١٦٧٣
٢٥ ربيع الثاني ١٤٠٦ هـ الموافق ٦ يناير ١٩٨٦

الجمهورية هي الديمقراطية.. والديمقراطية هي منهج الإسلام واسلوبه
إغتيال الأستاذ محمود محمد طه أشعل نار الانتفاضة
الحكومة الإنتقالية مطالبة برد الإعتبار للشهيد محمود محمد طه



لم يكتف نظام مايو المباد بتخريب الحياة العامة.. وتخريب الإقتصاد الوطني بل تعدى ذلك إلى محاربة الفكر واغتيال المفكرين وما حدث صبيحة الثامن عشر من يناير 1985 ليس ببعيد عن الأذهان.
ونحن اليوم نتنسم عبير الحرية.. وبعد أن أعلنا استقلالنا التام من عبودية مايو "المباد" فالمجال رحب لكل مفكر ليعبر عن ذات نفسه بحرية تامة.

وفى اطار الاحتفالات بمرور عام على اغتيال الأستاذ محمود محمد طه.. وفى عاصمة الإقليم الأوسط (ود مدني) حط رحالنا حيث حللنا بمنزل سعيد شايب.. احد تلاميذ الأستاذ محمود محمد طه حمل الفكرة لأكثر من أربعة وثلاثين عاما.. ودار معه حوار طويل نسجله فيما يلي:

* سؤال: غياب الأستاذ محمود محمد طه ترك فجوة واثرا فى مسار الفكر الجمهوري.. ما رأيكم فى ذلك؟ وكيف تفسرون بعض الشائعات التى تروج عن ترك البعض للفكرة الجمهورية؟!

* سعيد شايب:
صحيح أن غياب الأستاذ محمود محمد طه الحسي قد ترك فجوة وأثراً فى مسار الفكرة الجمهورية وهذا الأمر كان لا بد أن يحدث فى مثل هذه الحالة الفريدة والكبيرة.. وهو علامة صحة وليس ظاهرة مرض.. بدليل أن الأستاذ قد حقق بعلمه وحياته قمة شامخة يتقاصر عنها كل متطاول وأنه ليصح أن يقال ان المقارنة تكاد تنقطع بينه وبين أرفع تلاميذه. فإن كان ذلك صحيحا، وهو عندنا صحيح، فإن الإجابة على سؤالك على هذا النحو الذى جرى تصبح بديهية أليس كذلك؟ أما الشق الثاني من السؤال عن الشائعات التى يروجها البعض عن ترك بعض الأخوان للفكرة الجمهورية يسرني أن أؤكد أنها شائعات كاذبة مغرضة ولا أساس لها فى واقع الحال.


*سؤال: من هو الذى سيخلف الأستاذ؟

*سعيد شايب:
لعل الإجابة على هذا السؤال قد وردت ضمناً فى الإجابة على السؤال الأول.. يمكنني أن أضيف هنا أن الفهم الشائع والذى تجري فيه وعليه الممارسة فى أمر الخلافة لا ينطبق فى حال الأستاذ وفى حال الفكرة الجمهورية التى أنشأت مجتمعا قام أفراده على نكران ذواتهم وعلى معرفة قدر أنفسهم... وعليه فلا يوجد اليوم بين الجمهوريين من يحلم بترشيح نفسه لمقام خلافة الأستاذ.. ويأتي السؤال عن كيفية العمل للمحافظة على هذا المجتمع الجمهوري وعلى هذا التراث العظيم؟ وتجئ الإجابة بان تربية الجمهوريين قد أسعفتهم، وهى من ثم صمام الأمان فى الحفاظ على هذا التراث وعلى السير بالمجتمع الجمهوري حتى يبلغ غاياته..


*سؤال: بدأت الفكرة الجمهورية كحزب سياسي عادي وبدليل الاسم الذى حملته مجموعتكم "الحزب الجمهوري" ثم تحولت فيما بعد إلى فكرة دينية.. ما قولكم فى هذا

* سعيد شايب:
لم تكن الفكرة الجمهورية فى يوم من الأيام حزباً سياسياً بعيداً عن الدين، ولكن ملاحظتك التى وردت فى السؤال لها ما يبررها إذا علمنا أن الجمهوريين حينما اجتمعوا على الحزب الجمهوري فى اكتوبر عام 1945م لاحظوا فراغ الفكرة وفراغ الحماس (على وجه) العموم وفى الأحزاب السياسية على وجه الخصوص..فقرروا ملء الفراغين ولكنهم ــ ولاعتبارات مرحلية ــ ركزوا على إثارة روح الحماس الوطني ولقد كان لهم ما أرادوا حيث أشعلوا الحماس فى نفوس المواطنين بالمواجهة الصادقة والصلبة للأنجليز، وخطبوا فى الجماهير فى الشوارع وفى المقاهي وفى المنتديات المتاحة، وكتبوا و وزعوا المنشورات المتلاحقة فى كشف ألاعيب الإنجليز وعلى نحو فريد فى العمل السياسي حيث كانوا يوقعون بأسمائهم على هذه المنشورات الملتهبة ويوزعونها بأيديهم على المواطنين أمام أعين الإستعمار المتربصة، حتى شرف العمل الوطني الأستاذ محمود محمد طه كأول سجين سياسي بالبلاد.. وخلال كل هذا النشاط لم تكن الفكرة الدينية غائبة وإنما كانت حاضرة تساق فى المنشورات وفى الندوات إلى أن أزف لها الوقت حينما قلت الحاجة للحماس وبرزت ضرورة للفكرة واسم "الحزب الجمهوري" الذي اجتمعوا عليه كان اسماً دينياً أكثر منه اسم سياسي، ذلك أن الجمهورية هى الديمقراطية وهى من ثم حكم الشعب بواسطة الشعب ولمصلحة الشعب، وهذا هو منهج الإسلام واسلوبه فى الحكم..


* سؤال: نرجو مزيداً من التفصيلات حول الحدث الأكبر وهو "إعدام" الأستاذ محمود محمد طه؟!!

* سعيد شايب:
كلمة إعدام هذه ليست حبيبة إلى نفسي وهى أيضا ليست علمية وأصح منها وأنسب كلمة "إغتيال" ولا أحتاج أن أقول فى الإجابة على هذا السؤال أكثر مما يعلم كل الناس، إذ ليس هناك أى لبس وانما كانت مؤامرة الإغتيال السياسي مكشوفة ووثائق نميري وبطانته المهووسة قد نشرت على الناس مما أضفى وضوحا فى الرؤية على عدم عدالة المحاكمة واجراءاتها وإدانة لنميري وبطانته لتزييفهم المكشوف للعمل القضائي فى البلاد وعلى استغلالهم للدين سلاحا للتصفية الجسدية للخصوم السياسيين... أعتقد أن هذه الإجابة تكفي لأن البيان مهما بلغ قاصر عن تغطية هذا الحدث العظيم بأكثر من الفهم السائد عند جميع المواطنين ولا استثنى أعداء الأستاذ وأعداء فكرته فانهم يعلمون قبل غيرهم تآمرهم وغدرهم وعلى الباغي تدور الدوائر.
وما كان للمتآمرين أن يعلموا أن الأستاذ محمود محمد طه قد ذهب إلى ما ذهب إليه مختاراً وحيث أباح هذا السر ونعى نفسه لتلاميذه وللحاضرين فى الليلة السابقة لاعتقاله الأخير، حيث تحدث فى ختام مؤتمر احتفاله بعيد الإستقلال وفى الطريق العام عن ضرورة الفداء للشعب حتى يذهب نميرى الذى أصبح "الدجال" الذي يقف عقبة أمام مجد الإسلام ومجد السودان.. وحديثه عن الفداء كان واضحا حينما عدد عددأً من الأخيار الذين فدوا الأمة السودانية فى الماضي ولولا ضيق المجال هنا لذهبت فى استقصاء ذلك الحديث الذى تداوله الناس فى حينه!!


* سؤال: أين دفن جثمان الشهيد محمود محمد طه الآن؟ وما هو مصير منزله المصادر؟؟

* سعيد شايب:
أحيل الإجابة لهذا السؤال بدوري إلى حكومة الإنتفاضة التى أوقد الأستاذ محمود محمد طه شرارتها وأشعل فتيلها ثم أنها "أعني حكومة الإنتفاضة" لم تلتفت ولم تشر ولو عرضاً لهذا الحدث العظيم ولهذا الدور العملاق، الذى لم يسبق له مثيل، ليس فى تاريخ السودان فحسب وانما فى تاريخ الإنسان حيث وجد الإنسان!! ومثل هذا الموقف الضعيف الذى تقفه حكومة الإنتفاضة لا يجد عذرا عند عاقل، حيث كان العقلاء ينتظرون أن تبدأ برد الإعتبار للأستاذ محمود محمد طه ابن السودان البار حقا لا زوراً عن كل ما لحق به من أذى وان تحقق فى اغتياله ومكان دفنه ولكنها آثرت أن تلوذ بالصمت وبالفرار من ميدان المعركة ابتغاء للسلامة.. أما عن مصير منزل الأستاذ تتصل الإجابة عليه بالإجابة التى وردت وتتركز فى تقصير الحكومة الإنتقالية عن أولى واجباتها فى تصحيح أخطاء مايو المباد وإلا فقل لى بربك، هل تجد هذه الحكومة عذراً من أحد فى هذه اللامبالاة التى تتعمدها خوفاً من اثارة بعض المصاعب وبعض المشاكل فى وجهها من حلفاء نميري الذين بايعوه على "قتل" الأستاذ وعلى استباحة دمه!!
أن الأستاذ محمود محمد طه لم يحمل فى يوم من الأيام هماً لدنياه وكذلك لم يحمل هماً لأسرتيه الكبيرة والصغيرة ومن ثم فإن مصادرة منزله لم تشغلنا لحظة واحدة، ذلك ان الدنيا كلها عرض زائل ولكن يجب ألا تكون حكومة الإنتقال (الثورية) امتداداً لحكومة مايو.


* سؤال: ما رأيكم فى الإنتفاضة الشعبية وعما يدور فى الساحة السياسية اليوم؟

* سعيد شايب:
رأينا أنها قد جاءت على قدر فى ساعة الصفر وحيث ضاق كل اهل السودان بالنظام المباد. ثم أنها قد كانت تعبيراً صادقاً عن ضمير الأمة الحي الذى يكره الذل والهوان كما يكره الضيم والإستبداد.. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فقد أكدت ما أكدته ثورة أكتوبر من أن شعب السودان دائما أكبر من قادته، وأنه شعب عملاق يتقدمه أقزام على حد تعبير الأستاذ الكبير، ثم أنه قادر بفضل الله ثم بفضل وحدته الرائعة على قهر كل طاغية يحلم بالإستبداد وبالتسلط على مكتسبات الشعب.. وهنا لابد من الإشارة إلى الوحدة العاطفية التى انتظمت الشعب فى انتفاضتي أكتوبر وأبريل، ليست العاطفة كافية فى تأمين المسيرة من أطماع الطامعين، والمطلوب أن نرقى بهذا الإجماع العاطفي إلى مستوى الإجماع الفكري حتى تتوحد غايتنا ويتوحد اسلوبنا لبلوغ تلك الغاية.. وهذا يقودنا إلى الإجابة على الشق الثاني من السؤال، وهو رأينا عما يدور فى الساحة السياسية اليوم؟ وأجيب بأن الذى يجري وعلى وجه التعميم ليس مرضيا، ذلك ان أحزابنا السياسية لم تأت بجديد عما كانت عليه قبل مايو من حيث المزايدات السياسية والدينية وما يتصل بهما من تفويت لفرص الوعي المتاحة الآن للشعب بدلا من هذا الدجل السياسي وهذا الهوس الديني الذى نراه والذى يغري كل مغامر على المجازفة للقفز على السلطة بليل، والتاريخ الآن يعيد نفسه وليس فرق المقدار بين ظروف انقلاب 17 نوفمبر 1958 وانقلاب 25 مايو 1969 وبين الظروف المشابهة الآن كبيرا.. والخطر الآن ماثل ومحدق بالبلاد ان لم نتدارك مواضع أقدامنا.. ومن حسن الاستدراك أن نراجع علاقتنا الماضية بأحزابنا فلا نصر على التبعية العمياء لها تعصبا أو غيرة بل انما يتعين علينا واجب مباشر فى مواجهتها ومطالبتها بتقديم الفهم الذى يجمع الشعب ولا يفرقه والقادر على حل مشاكلنا الفردية وعلى تنظيم ظروفنا الجماعية بما يحقق الحرية ويشيع السلام فى نفوسنا وبين ربوعنا.


* سؤال: ما هو مفهومكم للديمقراطية؟!!

* سعيد شايب:
مفهومنا للديمقراطية أنها تعني المساواة السياسية التامة بين جميع المواطنين، بمعنى أن المواطنين جميعا شركاء فى السلطة فلا تمييز فيها لرجل على امرأة ولا لمسلم على مسيحي أو على وثني وانما الكل أمام القانون الذى ينظم الحقوق ويحدد الواجبات سواء.. ومن مفهومنا للديمقراطية أنها لا تقوم على وجهها الصحيح بعيدا عن الإشتراكية إذ هما كجناحي الطائر لا يطير ولا يستقيم إلا بهما معاً.. هذه هى الديمقراطية على مستوى التطبيق، أما فى المستوى الفكرى والفلسفي، فهى تعني حق الخطأ، لأن فضيلة السلوك الديمقراطي إنما تكتسب بالممارسة الديمقراطية للعمل.. لا بالإحجام عن العمل. وفى خضم الممارسة يجرى العمل على توكيد القيم السليمة، وعلى تصحيح أخطاء الممارسة بما يثري التجربة الديمقراطية.. والديمقراطية أيضا هى وسيلة تجعل التطور نحو الاحسن ممكناً من غير عنف وهنا يبرز سؤال هام إذ كيف يمكن ان نصون ديمقراطيتنا من الإستغلال ضد الخصوم وضد العنف بهم، والجواب أنه لا بد لقيام الديمقراطية من أسلوب علمي وعملي يتربى عليه المواطنون بحيث يجسد لهم المثل الأعلى الذى يطلبونه، وفى الفكرة الجمهورية فإن المثل الأعلى هو النبي محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وأن طريقه هو النهج المعين والمحقق لبلوغ هذه الغاية.. هذا يكفي فى هذا المقام.


* سؤال: هل ستخوض الفكرة الجمهورية المعركة كحزب وهل ستنزل ساحة الإنتخابات؟!!

* سعيد شايب:
الفكرة الجمهورية موجودة فى الساحة منذ عام 1945م ولا تزال تسعى لبلوغ أهدافها، وهى ليست حزباً سياسياً بالمعنى المألوف عند الناس اليوم، وإنما هى دعوة لإخراج الناس من ظلام الجاهلية الثانية إلى ضياء الإسلام، وهى من هذا المنطلق سياسية ولكنها تحاول أن تجعل من ممارستها فى العمل العام وفق الحق والصدق، منهجاً سياسياً جديداً يتوافى عنده الناس بدلا من هذا الضياع الذى يعيشونه باسم السياسة غير المسؤولة وغير الملتزمة إلا لمصالح أحزابها وقياداتها.. أما الفقرة الثانية من سؤالك والخاصة بنزولنا الإنتخابات أجيبك بأن الجمهوريين لم يشتركوا فى الإنتخابات الماضية لا بمرشحين ولا بناخبين، ولا أرى أن جديدا قد طرأ لتغيير هذه السياسة التى يلتزمونها وكلمة هذا الموقف أننا لا نشارك فى عمل ناقص، وإنما ننتظر العمل الكامل الذى يأتي باجماع المواطنين ومن أجل ذلك فقد وظفنا أنفسنا دعاة للثورة الفكرية التى تتحد عندها مشاعر كل المواطنين وتلتقى عندها أفكارهم وآمالهم، فحتى يأتي ذلك اليوم سنكون بمنأى عن ساحة الإنتخابات.


* سؤال: ما رأيكم فى الحكومة الإنتقالية؟ وفى تمثيلها القوى الحديثة فى الإنتخابات القادمة؟! وفى قانون القصاص الشعبي..

* سعيد شايب:
من المؤكد ان الحكومة الإنتقالية قد ورثت تركة مثقلة بالمشاكل وانها تحاول جاهدة مواجهة تلك المشاكل ولكنها لن تبلغ من ذلك ما تريد بسبب عدم التجانس الفكري واختلاف مشارب وزرائها وهى من ثم أضعف بكثير عن مستوى المسئوليات المناطة بها.. ورأينا فى تمثيل القوى الحديثة فى الإنتخابات أنه سعى جيد وراشد من أجل تأمين مصالح هذا الشعب التى يخشى ان تصبح نهبا مقسما بين الأحزاب.. أما عن قانون القصاص الشعبي فلم اطلع بعد على النصوص المقترحة له وعليه فلا أملك فرصة الآن للحديث المحدد عنه ولكن من وجهة النظر العامة هى محاولة واعية لحراسة مصالح الشعب بإيقاظ الضمائر الميتة التى "تخاف ولا تخشي" ويأتي الخوف من استغلال هذا القانون كسلاح لارهاب الخصوم السياسيين وعلى ذلك لابد من الحذر الكافي حتى لا يؤخذ الناس بالشبهات، ثم إنى لا أرى حكمة فى التعميم مما يشمل كل من عمل فى الأجهزة السياسية والتنفيذية والتشريعية لمايو.. وأنما يجب أن يطبق على المفسدين منهم وعلى الذين استغلوا مراكزهم ونفوذهم ضد مصالح المواطنين.


* سؤال: وماذا عن مشاكل السودان الإقتصادية ومشكلة الجنوب وكيف ترون الحلول؟

* سعيد شايب:
المشكلة الإقتصادية معقدة وليس من السهل اقتراح حلول لها فى مثل هذه العجالة "وبيت القصيد" فى انعدام المذهبية الراشدة.. وهى الفكرة التى يتربى عليها المواطنون حتى يتعلق همهم بهموم الوطن و المواطنين فيقبلون على الإنتاج بهمة لا تعرف الكلل ولا تعرف الملل ثم يقللون من استهلاكهم حتى يجئ الفائض الواسع الذى يغطي حاجيات العاجزين عن الإنتاج ويوفى بالمتجدد من مطالب الخدمات، هذا بالطبع فى المدى البعيد، أما فى مثل ظروفنا الحاضرة فلا بد من كشف حقائق الموقف الإقتصادي للشعب بكل صراحة وموالاة ذلك بالشرح وبالبيان الوافي ليلم أقل الناس علماً بحقيقة الموقف ومن ثم نشد الأحزمة على البطون ويجرى العمل من ثم على قاعدة الجمهوريين الذهبية (ساووا السودانيين فى الفقر إلى أن يتساووا فى الغني) وهى قاعدة ذهبية بحق لمثل ظروفنا الحاضرة بل ليس لنا عنها مندوحة..
أما عن مشكلة الجنوب فمن الأقوال الجارية المنسوبة للأستاذ محمود محمد طه قوله: "حل مشكلة الجنوب فى حل مشكلة الشمال"، ومشكلة الحكم فى الشمال هى مشكلة المشاكل فى الوقت الحاضر أولا: لانعدام المذهبية التى تقوم عليها تربية الأفراد كما يقوم عليها تنظيم الجماعة.. ثانيا: بسبب عدم جدية الأحزاب وعدم جدية المواطنين التابعين لتلك الأحزاب برغم فراغها المذهبي وبرغم حرصها المتكالب على سوقهم من أجل الوصول بهم للسلطة وإلى كراسي الحكم هذا طبعا فى اتجاه الحل الدائم أما على المستوى المرحلي فلا بد من النظر إلى مشكلة الجنوب الحالية بجدية زائدة ومن اولى الخطوات الجادة العمل على إزالة المعوقات التى قادت إلى سوء التفاهم القائم والذى جعل المدفع وسيلة للتخاطب أكثر من الكلمة.. ثم لنبدأ فورا بإلغاء قوانين سبتمبر المشئومة ثم لنؤكد حرصنا جميعاً على قيام سودان موحد على وحدة موضوعية، وليس على وحدة عاطفية كهذه التى تلوكها الألسن من غير محتوى وللوحدة الموضوعية لا بد من اقتناعنا جميعاً بضرورة الحكم الإقليمي الفدرالي لكل أقاليم السودان، تحت مظلة دستور علماني ديمقراطي يجد فيه كل المواطنين على اختلاف عقائدهم وأقاليمهم فرصاً متساوية للعمل السياسي العام وإلى الوصول إلى أرفع المراكز القيادية فى الدولة وحتى يكون هذا ممكناً ومقنعاً للجميع، لا بد من اتاحة كل الفرص لجميع المواطنين للتعبير عن آرائهم من الأجهزة المختلفة وعلى عقد المؤتمرات التى تعين على تصحيح المسار السابق.