إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
في ذكري الاستقلال:
كيف تمكن الاستاذ محمود محمد طه من انتزاع حقوق السجين السياسي؟؟
د. محمد محمد الامين عبدالرازق
نشأ الحزب الجمهوري في اكتوبر 1945م ، وكانت البداية في اجتماع تحت شجرة بالمقرن ضم عشرة من المثقفين الوطنيين، تلاقت أفكارهم وهم يتدارسون قضايا الحركة الوطنية.. وهؤلاء الرجال هم: محمود محمد طه، أمين مصطفي التني ، منصور عبدالحميد، إبراهيم المغربي ، محمود الازهري، أحمد محمد خير، إسماعيل محمد بخيت ، صالح عبدالقادر ، عبدالقادر المرضي وحسن طه.. وفي الاجتماع الثاني بمنزل الاستاذ محمود بالموردة في يوم 30/10/1945م ، انتخب المكتب السياسي للحزب كما يلي: محمود محمد طه رئيساً ، إبراهيم المغربي نائباً للرئيس ، عبدالقادر المرضي سكرتيراً ، احمد محمد خير اميناً للصندوق وعضوية بقية المجتمعين.. وفيما بعد انضم للحزب امين محمد صديق وتولي السكرتارية ومحمد فضل الصديق وآخرين..
من المبادئ التي اتفق عليها وشكلت برنامج الحزب السياسي:
1/ الجلاء التام للانجليز والمصرين علي السواء ، والعمل علي تحقيق ذلك بالصراع المباشر، حتي يتحقق استقلال السودان إذ أن الحرية حق للشعوب تنتزعه انتزاعاً وليس منحة من أحد..
2/ أعتماد النظام الجمهوري كنظام حكم للسودان.. وكان هذا أمراً غريباً في حينه، بل يعتبر شاذاً وذلك لأن كل الاحزاب السودانية كانت ترى ان النظام الملكي هو الذي يناسب السودان، وأن الشعب السوداني غير مؤهل للنظام الجمهوري..
3/ واجب المرحلة المباشر والأساسي هو سد فراغ الحماس الوطني، فقد نعى الحزب علي الأحزاب الأخرى لجوءها لأسلوب المذكرات والمؤتمرات، وعدم التوجه للشعب لاثارة حماسه وشحذ حسه الوطني..
انطلاقاً من هذه المبادئ، اتجه الحزب إلي اصدار المنشورات والكتيبات، والخطابة في المساجد والاماكن العامة ودور السينما والمقاهي، يندد بالاستعمار ويكشف اساليبه ، ويطالب بالجلاء التام.. كان كل ذلك يتم في وضوح شامل، وعمل مكشوف يستهدف في الشعب حسه الوطني وعاطفته الدينية لإثارته وتحريكه ضد المستعمر.. وكان الجمهوريون ينتقدون الأحزاب التقليدية، ويحاولون تحريكها بالاتصال المباشر من أجل تصعيد العمل الوطني..
في عام 1946م أصدر المجلس الاستشاري لشمال السودان قانون منع الخفاض الفرعوني .. فأخرج الحزب الجمهوري منشوراً بإمضاء رئيسه يهاجم فيه المجلس الاستشاري ويوضح فيه رأيه في القانون وفي موضوع الخفاض..
قال الاستاذ محمود لطلاب معهد الدراسات الافريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم وهو يلخص المنشور: ( إن لكل أمة عادات حسنة وعادات سيئة، وعادة الخفاض الفرعوني عادة سيئة .. لكن العادات السيئة في الشعوب لا تحارب بالقوانين، وإنما تحارب بالتنوير والتعليم والاقناع .. الانجليز لم يكن غرضهم من اصدار القانون كرامة المرأة ، وهم في الحقيقة فتحوا لها سوق النخاسة وكل الابواب التي لا تكون بها كريمة.. فغرض الانجليز الحقيقي من إثارة موضوع الخفاض، وقد أثير ذلك في البرلمان البريطاني، أن يقولوا للعالم في رد علي حركتنا الوطنية ، أن السودانيين لايزالون همجيين يمارسون عادات متخلفة كهذه ولذلك فإنهم لم يبلغوا الرشاد الذي يؤهلهم لحكم أنفسهم، ليستمروا في البقاء بالبلاد)..
هذا هو ملخص محتوي المنشور .. وبالفعل كان المنشور مثيراً وأحدث رد فعل مباشر من جانب الانجليز ، فأرسلوا الخطابين التاليين إلي الاستاذ محمود:
1/ الخطاب الاول:
مكتب التحريات الجنائية 36هـ/م ت ج ص.ب 288
الخرطوم في 24/3/1946م
محمود محمد طه .. تاجر .. امدرمان
السيد المحترم: بموجب هذا مطلوب حضورك بمكتب التحريات الجنائية الساعة التاسعة يوم 25/3/1946م للاجابة علي أسئلة تتعلق بمنشورات يعتقد أنها صدرت عن الجمهوريين .. أرجوا التكرم بالتوقيع لاستلام هذا الخطاب ..
المخلص ج.أ.س يرايس
ملاحظ مكتب التحريات الجنائية
2/ الخطاب الثاني:
( ورقة تكليف بالحضور للإدلاء بمعلومات تتعلق باحتمال الاخلال بالسلام) (انظرالمادتين 81 و84)..
إلي محمود محمد طه، مقاول أمدرمان
بما انه قد تبين لي بمعلومات موثوق بها أنك قد أصدرت منشوراً يعتقد أنه من المحتمل أن يثير الشعور بالكراهية ضد الحكومة، ويؤدي إلي الاخلال بالسلام أو إلي إزعاج الطمأنينة العامة.. فأنت بموجب هذا مطلوب حضورك شخصياً للمثول أمام محكمة الجنايات في يوم 2/6/1946م الثامنة صباحاً لتوقع علي كفالة مالية قيمتها خمسون جنيهاً، وأيضاً لتوقع علي كفالة بواسطة ضامن واحد بمبلغ خمسون جنيهاً علي ان تحفظ السلام وتمتنع لمدة سنتين عن القيام بالأعمال غير المشروعة والتي من المحتمل أن تخل بالطمأنينة العامة، أو تبين السبب الذي يمنعك عن التوقيع علي هذه الكفالة وهذا الضمان.. و.س. ماكدوال قاضي جنايات الخرطوم 29/5/1946م
يلاحظ في الخطابين أن الانجليز تعمدوا تجاهل مخاطبة الاستاذ محمود بوصفه رئيساً لحزب سياسي، وهو اتجاه لعدم الاعتراف بالاحزاب التي تخرج علي الخط المهادن للانجليز.. هذا وقد شغلت أنباء مواجهة الجمهوريين للانجليز صفحات الصحف في تلك الايام، وهذا نموذج:
(الرأي العام -3/6/1946م: مثل الاستاذ محمود محمد طه المهندس أمس امام قاضي الجنايات المستر ماكدوال متهماً من بوليس الخرطوم تحت قانون التحقيق الجنائي لتوزيعه منشورات سياسية من شأنها الاخلال بالامن العام، وقد أمره القاضي أن يوقع علي صك بكفالة شخصية بمبلغ خمسين جنيهاً لمدة عام لا يشتغل خلالها بالسياسة، ولا يوزع منشورات أو يودع السجن لمدة سنة إذا رفض ذلك .. ولكن الاستاذ محمود رفض التوقيع مفضلاً السجن، وقد اقتيد لتوه إلي سجن كوبر) انتهي..
وفي داخل السجن أشتعلت المواجهة مع الانجليز ، فقد حكي السيد نصر الدين السيد أحداث دخول الاستاذ محمود للسجن في اللحظات الاولي ، عندما التقي بوفد الجمهوريين المتحرك بالجنوب ، وهو كان يشرف علي انتخابات مجلس الشعب الاخير في نهايات مايو ، قال: اقتيد الاستاذ محمود إلي السجن بواسطة أثنين من الضباط السودانيين، وعندما وصلوا مكتب التسجيل أطلق الأستاذ يديه بقوة وانتزع دفتر التسجيل وضرب به وجه الضابط الانجليزي المسؤول!! ثم رفض القيام للضباط الانجليز على عينك يا تاجر!!، وعندما عاتبه أحد الضباط المصريين محتجاً علي عدم القيام له رد عليه الاستاذ: ( أنا لو كان بقيف للزيك الجابني هنا شنو!!)..
ويواصل السيد نصر الدين، الذي كان ضابطاً برتبة ملازم آنذاك: رفض الاستاذ محمود أن يلبس زي المساجين ، فكلف الانجليز أحد الضباط السودانيين بأن يلبسه إياه بالقوة، لكن الضابط قال للاستاذ محمود بعد أن وضح له المهمة المكلف بها إنه لن ينفذها حتى لو يقلع الكاكي ويذهب إلي منزله !! فنظر إليه الاستاذ محمود ملياً ثم قال له: إذهب وقل لهم قال سيلبسه غداً بعد نهاية يوم العمل، وقال السيد نصر الدين : الغريب أن الانجليز فرحوا لهذا الرأي!!
قال الاستاذ محمود لطلاب الدراسات الافريقية حول هذه الاحداث:
عندما دخلت السجن قررت لابد من أن أحدث حاجة في داخل السجن، وهي المخالفة لتعاليم السجن، وقوانين السجن وأوامر السجن.. وضباط السجن كانوا اثنين من الانجليز قلت لهم : أنا ماعندي معاكم أنتو حاجه شخصية .. الحكومة مابتعترف بالمسجون السياسي ، لكن دا سجن سياسي بطبيعة حاله، كونها مابتعترف بيهو دا مابغير الحقيقة دى ، ويبقي حقكم تعرفوها وتحترموها.. إذا كان أنا مسجون سياسي وأنا بقول للحاكم العام أنت تخرج من البلد لايمكن أن اطيع أوامركم وانتو موظفين صغار وإنجليز!! وفعلاً فهموها بالصورة دى فلمن يمروا أنا ما بقوم ليهم ودى كانت بتقتضي أن أعاقب بزنزانه .. في الزنزانة أنا بصوم ما يسمي بالصيام الصمدي عند الصوفية.. الجمهوريون في الخارج يرفعوا المسألة بأني مضرب عن الطعام لسوء المعاملة بالسجن) .. أنتهي
استمرت هذه المواجهة داخل السجن طيلة شهر يونيو ، ومما جاء في الصحف عن ذلك هذا البيان:
الرأي العام 26/6/1946م بيان رسمي من مكتب السكرتير الاداري عن رئيس الحزب الجمهوري: ( أظهرت بيانات في الصحف المحلية حديثاً بخصوص محمود محمد طه الذي هو الآن تحت الحراسة بالخرطوم بحري نتيجة لرفضه أن يمضي كفالة المحافظة علي الأمن .. وهذه البيانات قد احتوت علي معلومات غير دقيقة ، والحقائق كالآتي: لمدة يومين رفض محمود أن يشتغل وهذا يخالف قوانين السجن ، فلم يعمل له أي شئ في اليوم الاول، أما في المرة الثانية فقد حكم عليه بالبقاء ثلاثة أيام بالزنزانة والأكل الناشف .. ولو أنه رفض أيضاً ان يقف عند الكلام مع ضابط السجن فإن العقوبة التي نالها الآن لم تعط له لهذه المخالفة لنظام السجن ، وبهذه المناسبة يجب ان يعلم أن كل المساجين مهما كانت جنسياتهم يجب أن يقفوا إلي ضابط السجن إنجليزياً كان أو سودانياً) انتهي..
كان هناك اتصال بين الاستاذ محمود وأعضاء حزبه بالخارج للتنسيق في العمل داخل وخارج السجن وكان الاستاذ محمود يرفض أن يكون مجرماً كما أشار هو، ويعتبر نفسه سجين سياسي ويجب أن يعامل معاملة السياسيين ..
هذا نموذج للخطابات التي كان يتم تبادلها مع الجمهوريين بالخارج وكان ينقل هذه الخطابات بعض الضباط السودانيين الشرفاء الذين يقفون مع الوطنيين وهم في الخدمة:
(أخي أمين : تحية لك ولأخوانك وشوقاً وبعد.. فهذا الجواب اتجاه موفق ما في ذلك شك والله أسأل ان يسدد الخطأ والخطى.. إدارة السجن مضطربة جداً لتحركاتكم وأصبح الحكمدار يحاول التودد بكل سبيل.. معاملتهم لي فيها كثير من الحذر الشديد، وقد أخبرني أنه جاء في عمل شئ ينقذ الموقف لأني مصر علي ألا أقف لمدير الخرطوم وخلافه فسألني: اتعتقد أنك بوقوفك مع المساجين عند زيارة المدير تجعل من نفسك مجرماً معهم؟ فقلت: ذلك حق ولكنه ليس كل الحق.. فأني بوصفي رئيس حزب سياسي يناضل من أجل بلاده سيحط من الجهاد الوطني إن رضيت أن أقف لأي رجل إجلالاً له.. قال : ذلك معقول ، ثم فكر وقال: إنه يريد أن يجعل لي مقاماً خاصاً في السجن لاقيم فيه وذلك لئلا تسري الروح هذه في باقي المساجين.. فهم لا يرون أن يعترفوا للمسجون السياسي بأي حق.. إن الحكومة الآن تقبض علي الجمر وتود بكل سبيل أن لو أمضي لها التعهد لتخرج من الحرج ببقية الكرامة لأنها تشعر أن ما ارتكبت من خطأ سيحيي الجهاد الوطني ويضعفها هي في نظر المجاهدين.. ومن المحقق أن الحكومة لا تريد أن تعترف بمكانة للسياسي السوداني، ولا للأحزاب السودانية.. وفرصة وجودي هنا ستخدم هذه النقطة بالذات خدمة لا حد لها، إذا استغل استغلالاً حسناً.. فأنا سأضغط علي إدارة السجن، فلا أقبل أي معاملة أقل من معاملة المسجون السياسي، وأن اقيم في مكان مميز وأن توفر لي وسائل الراحة والقراءة والكتابة، وألا ألبس ملابس السجن وألا أقيد إلا في الحدود التي تكفل للحكومة عدم نشر آرائي السياسية مثلاً، وان أحترم من رجال البوليس والإدارة في كل هذه الحدود.. وهذه أشياء تؤذي الحكومة أبلغ الإيذاء.. فأري أن تطالبوا أنتم بها في الخارج ، وبعدها تطالبوا بإطلاق سراحي.. فإنه من غير المعقول أن تطلق الحكومة يدها في أعدائها كيف تري؟ وحيث ترى.. ذلك بأن رجال السياسة السودانيين هم عتاد البلاد ومسلكهم أعداء للحكومة وحرب عليها.. ويمكنكم أن تحتجوا أكثر من هذا بأن تذكروا بأن الحكومة تستعين علي أعدائها رجال السياسة الوطنية بالجراثيم.. فإنها قد أدخلتني في زنزانة يسكن فيها مرضي السل، وكان بالقرب مني مريضان في الطور الاخير من المرض وقد منعت الماء في ليلة، فاضطررت لأخذ ماء الوضوء منهم ومن أزيارهم .. وقد كانا يحضران ويتحدثان معي جزءاً من الوقت ، ويقفان عند باب الاودة بكل حسن نية وهما طليقان يقفان في كل مكان بالحوش من غير مراقبة مثلاً .. كل هذه أشياء تستطيعون أن تكبروها وتهللوا بها وتوجهوها إلي صدر الحكومة.. وستطلق سراحي يوم أصبح متعباً لهم في الداخل وأنتم في الخارج.. وإني بعون الله وتوفيقه لن أمكث طويلاً هنا، ولكني سوف أخرج يوم أخرج والنضال الوطني مركز جداً بفضل مجهودكم في الخارج ومجهودي في الداخل) أنتهي .... من مذكرات امين محمد صديق ..
من وحي هذا الصراع أستشار الحاكم العام السيد الدرديري محمد عثمان الذي كان زميلاً للاستاذ محمود بكلية غردون ، فقال له الدرديري أنه يعرف الاستاذ محمود منذ الصبا فهو لا يتنازل عن رأي يراه الحق حتي لو أدي ذلك إلي موته .. فأصدر الحاكم العام قراراً باطلاق سراح الاستاذ محمود دون قيد أو شرط بعد خمسين يوماً فقط فلم يكمل العام المقرر في الحكم الاساسي .. وذلك بسبب الاثر الذي تركته المواجهة داخل وخارج السجن .. نشر الخبر في الصحف فانهالت البرقيات والرسائل علي مكتب الحزب الجمهوري بالتهنئة لهذا النضال المشرف للسودانيين ، وإليك نماذج من تلك البرقيات:
* سكرتير الحزب الجمهوري - أمدرمان
كان سجن الرئيس درساً قيماً لشباب الجيل في الايمان والروح وقد سررنا لخروجه لا شفقة عليه ولكن ليواصل الجهاد الوطني..
حسن بابكر القضارف 24/7/1946م
* محمود محمد طه – الحزب الجمهوري – أمدرمان
تأكل النار الصدأ واللمما وبها يسمو كريم الذهب
ويرى الحر العذاب المؤلما لذة في الحق ياللعجب
ياسجيناً قدره قد عظما وسما حتى جثا في السحب
أحمد محمد عثمان – عطبره 29/7/1946م
* الاستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري – أمدرمان
أعضاء جبهة المؤتمر الوطني بالابيض يرون في خروجك من السجن آية واضحة للإيمان بالوطنية الصادقة ويعدون جهادكم رمزاً للكرامة السودانية، فبقلوب مفعمة بالغبطة يشاركون اخوانهم الجمهوريين السرور بعودتكم لميدان الجهاد. السكرتارية 24/7/1946م
* أمين صديق ، البوستة الخرطوم للرئيس
دخلته رجلاً وغادرته بطلاً وضربته مثلاً
علي عبدالرحمن – الابيض 27/7/1946م
* سكرتير الحزب الجمهوري – الخرطوم
إن جميع اعضاء الجبهة الوطنية بسنجة مستبشرون بالإفراج عن رئيس حزبكم العظيم وهم جميعاً يبتهلون إلي الله أن يسدد خطاكم ويتمنون للرئيس العافية وحسن الجهاد..
سكرتير عام الجبهة الوطنية- سنجة 2/8/1946م
* محمود محمد طه أمدرمان
عرفنا فيك المثل الأعلي منذ عهد الطلب، فسرنا أن يعرف القاصي والداني هذا القلب الكبير.
صديق الشيخ – كوستي 30/7/1946م
*محمود محمد طه – أمدرمان
اوفيت كرامة السودان وإبائه حقهما – فلتعش رمزاً صادقاً للوطنية الخالصة- لك تقديرنا واعجابنا.
أتحاد طلبة كردفان- الابيض 23/7/1946م
* محمود محمد طه – أمدرمان
لقد سجلت بعزمك القوى وإيمانك الصادق فخراً للأجيال فالتعش مرفوع الرأس – لك مني التهاني.
الطيب حسن / عطبره 24/7/1946م
لم يتوقف الصراع مع الانجليز بنهاية هذا السجن الاول ، فقد ذهب الاستاذ محمود إلي رفاعه بعد اطلاق سراحه ، في اغسطس 1946م ، وقاد ثورة رفاعه ضد الانجليز عندما اعتقلوا امرآة خفضت بنتها بموجب قانون منع الخفاض .. وثار الجمهور خلفه إلي سجن الحصاحيصا وأخرج المرأة بالقوة .. نتيجة لهذا حكم عليه مرة أخرى بالسجن لعامين كاملين قضاهما بين مدني وكوبر ، وسار نفس السيرة فأضطر الانجليز هذه المرة، إلي وضعه في "غرفة خاصة"، وفكان هذا أول اعتراف من جانب الإنجليز بأن الأستاذ ليس مجرما، وإنما هو سجين سياسي!!
ومن هنا برزت النواة التي انبني عليها وأسس حق السجن السياسي لمن يعمل بالسياسة من السودانيين لاحقا ..
وبهذا النضال، كان الأستاذ محمود أول سجين سياسي في الحركة الوطنية التي انطلقت بمؤتمر الخريجين عام 1938م، وهو كما رأينا قد انتزع هذا الحق انتزاعا بقوة عزيمته وإصراره على الحق مهما كلفه من ثمن..