إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الأستاذ محمود محمد طه والمثقفون (١٥)

عبدالله الفكي البشير


الأستاذ محمود محمد طه والمثقفون (15)


الأستاذ محمود في مذكرات معاصريه (هـ)

عبدالله الفكي البشير

في عام 1968م أهدى الأستاذ محمود محمد طه (1909م-1985م) كتابه: زعيم جبهة الميثاق الإسلامي في ميزان: 1. الثقافة الغربية 2. الإسلام، إلى الشعب السوداني، قائلاً: (إلى الشعب السوداني: الذي لا تنقصه الأصالة، وإنما تنقصه المعلومات الوافية.. وقد تضافرت شتى العوامل لتحجبه عنها).


مذكرات الأستاذ يحيى محمد عبدالقادر



تعريف بالأستاذ يحيى


وُلد الأستاذ يحيى في مدينة شندي عام 1914م. وجاء إلى الخرطوم في عام 1935م، فأشترك في تأسيس أول صحيفة يومية في السودان، هي جريدة النيل، لسان حال آل المهدي. يُعد الأستاذ يحيى من الرعيل الأول من الصحفيين، كتب في بداية الثلاثينات في مجلة "روز اليوسف"، وعمل محرراً في جريدة "النيل"، ومراسلاً لصحيفة "الأهرام" المصرية ومديراً لمكاتبها في الخرطوم (1936م-1952م). أصدر عدداً من الصحف منها: صحيفة "المستقبل" الاسبوعية وصحيفة "السوداني" اليومية خلال الفترة من عام 1949م إلى عام 1952م، وصحيفة "أنباء السودان" اليومية (1953م-1969م). كما نشر ثلاثة كتب هي: (الديمقراطية والديكتاتورية)، وكتاب: (شخصيات من السودان: أسرار وراء الرجال)، (ثلاثة أجزاء)، إلى جانب (مذكراته). كان الأستاذ يحيى من مؤسسي الحزب الجمهوري، الذي ترأسه الأستاذ محمود محد طه، ثم تركه وشارك في تأسيس الحزب الوطني برعاية الخليفة الشريف عبدالرحمن الهندي (؟؟؟-1964م). تولى سكرتارية الحزب الوطني حتى اندماجه في الحزب الوطني الاتحادي الذي نشأ برئاسة السيد إسماعيل الأزهري (1900م-1969م)، بعد التوقيع على وثيقة الأحزاب المؤتلفة عام 1953م في القاهرة. وكان الأستاذ يحيى من ضمن الموقعين على الوثيقة.

مذكرات الأستاذ يحيى


صدرت مذكرات الأستاذ يحى بعنوان: (على هامش الأحداث في السودان)، من الدار السودانية للكتب، الخرطوم (بدون تاريخ نشر). تقع المذكرات في ثلاثمائة وإحدى وخمسين صفحة من القطع المتوسط. تهيكلت بعد المقدمة في ستة محاور هي: شخصيات، وصحافة، وفي تركيا، وفي بيروت، وفي السعودية، واجتماعيات. تحدث الأستاذ يحيى عن تلك المحاور من خلال خمسة وتسعين عنواناً، تناول تحتها بعض الشخصيات وتحدث عن سماتها وأدوارها، وعرض الأحداث ومناخها. ذكر الأستاذ يحيى أنه سبق وأن نشر هذه المذكرات في سلسلة مقالات قبل جمعها في كتاب، وأشار إلى ذلك في مقدمته قائلاً: (الفصول التي جمعتها وأودعتها بين دفتي هذا الكتاب، كانت قد نُشرت مسلسلة على شكل ذكريات في صحيفتي "أنباء السودان". ورغم الطابع الشخصي الذي تتسم به، إلا أنها تشتمل على معالم من تاريخ السودان، منها ما يتصل بالشخصيات التي تولت مقاليد الأمور في البلاد، وتلوينها، ومنها ما يتصل بمجرى الأحداث نفسها وتقييمها، ومنها ما يتصل بالمناخ الذي وقعت فيه الأحداث، وتفاعلاته). وعن الهدف من نشر مذكراته كتب الأستاذ يحيى قائلاً: (ولعلي بنشر هذا الكتاب قد أساهم في إيضاح بعض الحقائق، وإنارة بعض المنعطفات، بل قد أساهم في تقديم "خامات" تصلح "على وجه ما" –بعد صقلها- لكي يستعين بها مؤرخ الغد).

الأستاذ محمود في مذكرات الأستاذ يحيى


أفرد الأستاذ يحيى نحو أربعين عنواناً من عناوين مذكراته الخمسة والتسعين للحديث عن شخصيات ساهمت في معالم تاريخ السودان، وأثرت في الحياة السودانية ولونتها كما ذكر. تحدث عن كل شخصية من تلك الشخصيات من خلال معرفته بها، ومعايشته لها، وتناول سماتها وأدوارها، وسجل بعض الأحداث التي صنعتها أو شاركت فيها. ولم يكن من بين تلك الشخصيات الأستاذ محمود. لقد استهل الأستاذ يحيى حديثه بالسيد علي الميرغني (73/79/1880-1968م)، ثم السيد عبدالرحمن المهدي (1885م-1959م)، فالشريف يوسف الهندي (1865م-1942م). ثم تناول طلائع المتعلمين فبدأ بالسيد إسماعيل الأزهري، ثم السيد محمد نورالدين (1894م-1964م)، والسيد ميرغني حمزة (1895م-1973م)، والسيد عبدالله خليل (1892م-1971م)، والسيد محمد أحمد المحجوب (1908م- 1976م)، والأستاذ مبارك زروق (1914م-1965م)، والسيد يحيى الفضلي (1911م-1974م)، والسيد محمود الفضلي (1910م-1992م)، والشاعر التجاني يوسف بشير (1912م- 1937م)، والأستاذ أحمد عثمان القاضي (1883م-1961م)، والسيد مكي عباس (1909م-1961م)، والأستاذ أحمد يوسف هاشم (1903م- 1958م)، وهكذا حتى قارب العدد الأربعين شخصاً. أنطلق الأستاذ يحيى في حديثه عن تلك الشخصيات من معرفته الشخصية بها، وكان في أغلب الحالات يستهل حديثه مبيناً كيف وأين ومتى تعرف على الشخص، قائلاً على سبيل المثال: (عرفت السيد علي في عام 1936م عندما...)، أو (قابلت الإمام عبدالرحمن لأول مرة ضمن...)، أو (عرفت المرحوم السيد محمد نورالدين الزعيم السياسي الكبير عام 1939م...)، أو (عرفت حسن نجيلة في عام 1938م عندما...)، أو (عرفت الأستاذ مكي عباس للمرة الأولى في عام 1945م عندما...)، وهكذا.

الأستاذ محمود في المذكرات: مجرد إشارات عابرة


لقد وردت في مذكرات الأستاذ يحيى إشارات عن الأستاذ محمود، إلا أنها إشارات كانت ضمن حديث عن آخرين وفي سياق حوارات معهم، أو في سياق تبرير أو توضيح لبعض المواقف التي تخص الأستاذ يحيى. ومن نماذج تلك الإشارات عن الأستاذ محمود والحزب الجمهوري، ما ورد ضمن حديث كان عنوانه: "صورة من الحوار بين زميلين" في الصفحات (259-262). كان الحديث بمثابة رد من الأستاذ يحيى على هجوم شنه أحد زملائه الصحفيين عليه، حينما قام برحلة إلى تركيا في شهر يوليو 1958م، وبعد عوته هاجمه زميله بمقال تحدث فيه عنه وعن رحلته إلى تركيا، ووجه نقداً لصحيفته "أنباء السودان"، وأشار في معرض نقده إلى مقال كتبه الأستاذ محمود في صحيفة "أنباء السودان" وإلى قضايا أخرى تخص الأستاذ يحيى. رد الأستاذ يحيى على تلك القضايا التي أثارها زميله، برد قاسي، وعنيف، ولكن ما يهمني، في هذا المقام، ما يتعلق بإشارته للأستاذ محمود ضمن ذلك الرد. قال الأستاذ يحيى ضمن رده أن زميله –لم يسمه- رجل كاذب أشر فهو يقول: (أن الأستاذ محمود محد طه قال في حديثه الاسبوعي أن محرري الصحف السودانية جهلاء وفقراء النفوس والجيوب). بينما قال الأستاذ محمود (...إلا أن "بعض" محرري الصحف السودانية، فقراء الجيوب والنفوس). ويمضي الأستاذ يحيى قائلاً: (وفرق كبير بين المعنيين و ........ (يقصد زميله) هنا لم يكذب فحسب ولكنه دلس أيضاً بغرض الإثارة وبعث الفتنة والاستعداء... وتلقف ...... للطاقيه التي أرسلها الأستاذ محمود محد طه وشعوره بأنها على مقاسه، وثوراته وتشنجه.. هو وحده (يقصد زميله) دلالة تضاف إلى عشرات الدلالات على الوحل الذي تردى فيه. ولأمر ما قال المثل السوداني "ال في قلبه حرقص براه بيرقص"). ومن نماذج الإشارات أيضاً، ما جاء ضمن حوار تم بين الأستاذ يحيى والسيد عبدالرحمن المهدي، وسجله الأستاذ يحيى ضمن حديثه عن السيد عبدالرحمن. ذكر الأستاذ يحيى في صفحة (17) أنه كان عضواً بالحزب الجمهوري وألتقى السيد عبدالرحمن المهدي، فاعتذر له صراحة عن إنضمامه لحزب الأمة، متعللاً بعمله مراسلاً لصحيفة الأهرام المصرية، فقال له السيد عبدالرحمن المهدي: (ألا ترى أن عضويتك في الحزب الجمهوري الآن قد تعرضك أيضاً للمتاعب في الأهرام. إن مصر الآن تطالب بأن يكون ملك مصر ملكاً على السودان).

التجاهل رغم المعرفة اللصيقة


الشاهد، أنه على الرغم من إشارات الأستاذ يحيى إلى الأستاذ محمود في مذكراته، إلا أن اللونية الغالبة هي التجاهل، إذ لم يكن اسم الأستاذ محمود من بين الشخصيات التي أفرد لها عنواناً للحديث عنها على الرغم من معرفته اللصيقة به. مما يصعب معه فهم التجاهل للأستاذ محمود. لقد كانت معرفة الأستاذ يحيى بالأستاذ محمود معرفة سابقة بل أوثق وأطول من معرفته لكثير ممن تحدث عنهم، سواء بحساب السنين أو بحكم العمل المشترك. لقد شارك الأستاذ يحيى في تأسيس الحزب الجمهوري عام 1945م، الذي ترأسه الأستاذ محمود. وكانت المراسلات الواردة للحزب الجمهوري تأتي عن طريق عنوانه، وقد أشار إلى ذلك في صفحة (17) من مذكراته قائلاً: (وكانت رسائل الحزب الجمهوري تأتي عن طريق عنواني في جريدة النيل). وأشار أيضاً، في صفحة (162) قائلاً: (يتهمني الكثيرون بأنني –صحفي متقلب- وهي عبارة مؤدبة لمعنى –صحفي معدوم الضمير-، وقد بدأ هذا الإتهام عندما كنت أعمل في جريدة النيل لسان حال آل المهدي، وهي استقلالية، مع احتفاظي بمراسلة الأهرام، وهي صحيفة مصرية، يفترض فيها الدعوة للوحدة بين مصر والسودان، واشتراكي في نفس الفترة في تأسيس الحزب الجمهوري- محمود محمد طه-... وأن أُعلن في جريدة النيل الناطقة بلسان آل المهدي أن الرسائل الواردة للحزب الجمهوري تُعنون باسمي، وهو حزب منظور إليه كخصم لدود لحزب الأمة). يضاف إلى ذلك أن الأستاذ محمود كان يكتب حديثاً أسبوعياً وينشره في صحيفة "أنباء السودان"، وهي صحيفة الأستاذ يحيى. مما لاشك فيه أن مشاركة الأستاذ يحيى في تأسيس الحزب الجمهوري، واشتراكه في اجتماعات الحزب ونشاطاته، ووصول مراسلات الحزب عن طريقه، ونشر الأستاذ محمود لحديثه الأسبوعي في صحيفة "أنباء السودان"، قد أكسبت الأستاذ يحيى معرفة لصيقة بالأستاذ محمود تسمح له بالحديث عنه في مذكراته، كما فعل مع نحو أربعين شخصاً من طلائع المتعلمين، إلا أن ذلك لم يحدث.

التجاهل: سوء تقدير أكثر من كونه سوء نية


في تقديري، أن عدم حديث الأستاذ يحيى عن الأستاذ محمود من خلال عنوان كما فعل مع نحو أربعين شخصاً من طلائع المتعلمين، لم يكن موقفاً متعمداً، ولا يعود تجاهله للأستاذ محمود إلى سوء نية، بقدر ما هو سوء تقدير واختلاف في المعايير. فالثابت أن الأستاذ يحيى لديه رأي جيد في الأستاذ محمود، عبر عنه بوضوح واحترام، وهو رأي لا يصدر إلا بمعرفة لصيقة ووثيقة. وقد ضمَّن الأستاذ يحيى رأيه هذا، في كتابه الذي نشره لاحقاً بعنوان: شخصيات من السودان: أسرار وراء الرجال، (ثلاثة أجزاء)، في الصفحات (144-146). أصدر الأستاذ يحيى هذا الكتاب وهو كتاب يصنف ضمن كتب التراجم والمعاجم، وهي كتب تعرف حياة عدد كبير من الأفراد البارزين في المجتمع من العلماء والأدباء والمهنيين ورواد الفكر والمشاهير من الساسة والأعيان ...إلخ، وترتب بطريقة محددة (هجائية/ الميلاد/ الوفاة...إلخ). ومن نماذج كتب التراجم كتاب: (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان) لابن خلكان (8 مجلدات)، و (كتاب الطبقات في خصوص الأولياء والصالحين والعلماء والشعراء في السودان)، لمحمد بن ضيف الله (1728م-1810م)، الذي كان أول المعاجم في السودان. ومن نماذجها أيضاً، كتاب: (معجم الشخصيات السودانية المعاصرة) لأحمد محمد شاموق الذي صدر عام 1988م، وكتاب البروفسير محمد إبراهيم أبو سليم (1927م-2004م) (أدباء وعلماء ومؤرخون في السودان)، الذي صدر عام 1991م. وغيرها. تناول الأستاذ يحيى في كتابه التعريف بحياة مئات الشخصيات، كان من بينها الأستاذ محمود. وصف فيه الأستاذ محمود وصف العارف اللصيق به قائلاً: (محمود محمد طه مفكّر عميق التفكير كثير التأمّل، يؤمن بالإنسانية وحدة لا تتجزّأ. يرى، أن الإسلام سبيلا للنجاة لهذه الإنسانية الضاربة في التيه بين تفريط المادية الغربية وإفراط الروحانية الشرقية). وقال أيضاً، وهو يتحدث عن الأستاذ محمود: (يحسبه الذين لا يعرفونه متعصّباً دينياً ولكنه في الواقع حر الفكر واسع الأفق يعتمّد على المنطق ويفهم الحياة فهماً جيداً وهو يعتقد أن الإسلام يتطوّر مع الزمن... ولعل خير ما يقال عنه أنه أخلص القادة للقضية وللسودان.. بل وللعالم الواسع).
الشاهد أنه برغم المعرفة اللصيقة، فقد يبدو تجاهل الأستاذ يحيى للأستاذ محمود، مثل تجاهل معظم طلائع المتعلمين الذين كتبوا مذكراتهم. وكان في تجاهلهم للأستاذ محمود كأنما هناك اتفاق جماعي بينهم غير مكتوب، وكان هدف ذلك الاتفاق في حده الأدنى تهميش الأستاذ محمود، وتغييبه عن الذاكرة الجمعية. وفي تقديري، أن الأستاذ يحيى لم يكن جزءاً من هذا الاتفاق، ولم يكن من الساعيين إلى تهميش الأستاذ محمود أو تغييبه من الذاكرة الجمعية. وربما كان الأمر لدي الأستاذ يحيى يعود إلى أسباب كان الأستاذ محمود قد أشار إليها في كتبه. قال الأستاذ محمود: (... والناس لا يزالون أطفالاً، يحبون أن يحمل غيرهم عنهم مسئوليتهم، ويطيب لهم أن يظلوا غير مسئولين.. أو هم إن احتملوا المسئولية فإنما يحتملونها في القطيع، وعلى الطريق المطروق أما أن يكون المسئول وتراً، وأن يطرق طريقاً بكراً، فإنه أمر مخيف، ولا يجد في النفوس استعداداً، ولا ميلاً). (محمود محمد طه، نحو مشروع مستقبلي للإسلام، ثلاثة من الأعمال الأساسية، المركز الثقافي العربي، بيروت، ودار قرطاس، الكويت، ط1، 2002م، ص 187).
خلاصة القول، أنه على الرغم من تجاهل الأستاذ يحيى للأستاذ محمود في مذكراته، والإشارة إليه إشارات عابرة، إلا أن ما أورده لاحقاً في كتابه: (شخصيات من السودان) آنف الذكر، يجعل احتمال سوء النية في التجاهل ضعيفاً بل معدوماً. فقد شهد الأستاذ يحيى في حق الأستاذ محمود بشهادات عظيمة وواضحة وقوية كما أوردت آنفاً.
في الختام لابد من الإشارة إلى أن مذكرات الأستاذ يحيى، تميزت بميزات لا نجدها في معظم المذكرات التي كتبها طلائع المتعلمين. فقد اتسمت مذكرات الأستاذ يحيى بالصراحة والاعتراف في بعض جوانبها. وكتبت بلغة أدبية رفيعة، وكانت نصوصها سلسة وممتعة. تضمنت آراءه الصريحة في بعض زملائه، وفي الأحداث التي شهد وقوعها. كما ذكر الكثير من المواقف والطرائف الممتعه والمحزنة في آن واحد. فقد تحدث بوضوح عن كيف كانت تحاك المؤامرات والدسائس بين طلائع المتعلمين، وأشار إلى أشخاص ومواقف بعينها. وتحدث من خلال مواقف بعينها أيضاً، عن كيف كان يلجأ بعض طلائع المتعلمين إلى أسلوب البلطجة والضرب من أجل حسم بعض الصراعات أو الانتصار على المنافسين أو تأديبهم. وأشار إلى حالات ووقائع محددة كانت تهدف إلى الانتقام وتدمير البعض. كما تميزت المذكرات كذلك بأن الأستاذ يحيى لم يجنح فيها إلى تضخيم دوره في الأحداث، بل كان يعترف ويصف نفسه بأوصاف صريحة وهو يتحدث عن مواقفه وذكرياته مع بعض طلائع المتعلمين. فقد تحدث عن المواقف التي كان يبذل فيها بعض النفاق أو تتطلب منه بعض القطيعة. وأشار إلى بعض الحوادث التي كان فيها متخاذلاً وضعيفاً. وذكر أنه في مواقفه مع بعض طلائع المتعلمين كان حينما يحتد النقاش معه أو حينما يتصاعد غضب الطرف الثاني كثيراً ما ينصرف سريعاً، خوفاً من تطور الموقف بما لا تحمد عقباه، خاصة وأنه -كما ذكر- كان يحب الشجاعة في القول والعمل ولكنه لا يمارسها في الواقع إلا نادراً. وفي تقديري، أن هذه حكمة وحلم منه أكثر من كونها خوفاً أو جبناً.

نلتقي يوم الخميس القادم، لنقف على النموذج الخامس من نماذج محورنا: "الأستاذ محمود في مذكرات معاصريه".

(نقلاً عن صحيفة الأحداث، الخميس 2 ديسمبر 2010م)