إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
الأستاذ محمود في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته (١٠)
خالد الحاج عبد المحمود
بسم الله الرحمن الرحيم
الأستاذ محمود محمد طه في الذكرى الثانية والعشرين
محاولة للتعريف بأساسيات دعوته
(10)
القرآن
نحن هنا سنتحدث عن القرآن، حديثاً محدوداً، في إطار قضيتنا الأساسية.. فالقرآن هو كتاب الإسلام الأساسي، وما من قضية من قضاياه، إلا وترجع إليه، فالقول بأن العصر الذهبي للإسلام أمامنا، ينبغي أن يكون له سنده الواضح من القرآن، وإلا أصبح قولاً باطلاً، وليس له سند، من الدين.. والقول بأن العصر الذهبي للإسلام أمامنا يعني بالضرورة، أن هنالك فهماً جديداً يمكن أن يعطيه القرآن، وإلا إذا كان القرآن قد استنفدت معانيه تفسيراً وتطبيقاً، فلا مجال بعد ذلك للحديث عن أن هنالك عصر ذهبي للإسلام، ينتظر البشرية في مقبل أيامها.. وهنالك بالفعل من المسلمين، من يعتقد أن القرآن قد كمل إنزالاً وتبياناً، وتطبيقاً، وذلك استناداً إلى قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً).. وقوله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون)..فعند هؤلاء الدين قد كمل، حسب ما يعطيه ظاهر الآية الأولى، والنبي صلى الله عليه وسلم مأمور بتبيان القرآن كله، حسب ظاهر الآية الثانيةً، وقد فعل.. فهؤلاء لا ينتظرون أي أمر مستأنف في أمر الإسلام.. فعلينا نحن أن نبين بياناً واضحاً، الوجه الذي به نقول أن هنالك أمراً مستأنفاً في أمر الدين، مع وجود هذه النصوص، ووجود مثل هذا الفهم الذي أشرنا إليه، خصوصاً وأن النبوة قد ختمت، والوحي قد انقطع عن الأرض بصورة نهائية!! ففي هذا الإطار يجئ حديثنا عن القرآن.. فنحن في هذا الكتاب، وفي جميع ما ورد من دعوة الأستاذ محمود للإسلام، لا توجد قضية نتعرض لها، إلا وتأخذ سندها، الأساسي من القرآن، ومن السنة كتفسير وتطبيق له.
والقرآن هو كلام الله الموحي به إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في القرن السابع الميلادي، والذي به ختمت النبوة، فلن يعود جبريل بوحي لأحد من البشر، وهذا أمر لا خلاف حوله بين المسلمين.. ولكن الخلاف بينهم حول فهم القرآن، والدعوة له خلاف كبير.. وكلمة وحي في معناها اللغوي تشير إلى أي علم من أحد لغيره، يقول ابن فارس في معجمه: وحي أصل يدل على إلقاء علم من أحد لغيره، فالوحي الإشارة، والوحي الكتاب، والرسالة والإلهام، والصوت، وكل ما ألقيته إلى غيرك فعلمه، فهو وحي.. فالوحي يطلق على الحركة التي تكون بين الملقي والملقى إليه، وهي الإلقاء، كما أن الوحي، يطلق أيضاً ويراد به اسم المفعول، وهو الشيء الموحى به، فيسمى وحياً.. وقد قيد البعض الوحي بالخفاء والسرعة، فعرفوا الوحي بأنه الإعلام الخفي السريع.. وتستخدم كلمة إيحاء في علم النفس الحديث بمعنى مشابه.
وقد وردت كلمة (وحي) في القرآن، بمعان مشابهة لما ذكرناه هنا.. منها قوله تعالى عن سيدنا زكريا، عليه السلام: (فخرج على قومه من المحراب، فأوحى إليهم ان سبحوا بكرة وعشياً) مريم الآية (11).. وجاء في القرآن، عن الشياطين، قوله تعالى: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) الأنعام (121) ونحن عندما نتحدث عن القرآن، إنما نتحدث عن الوحي من قبل الله، وهذا في معناه العام، ليست له كيفية واحدة، ولا هو قاصر على الأنبياء من البشر.. فعن الوحي لغير البشر يقول تعالى: (وأوحى ربك إلى النحل، أن اتخذي من الجبال بيوتاً، ومن الشجر، ومما يعرشون) النحل (68).. وعن الوحي للبشر من غير الأنبياء، يجئ قوله تعالى: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه..) القصص (7) أما الوحي للأنبياء من البشر، عن طريق الملك المختص ـ جبريل ـ فهو المعنى الاصطلاحي لكلمة وحي، والآيات الواردة عنه في القرآن مستفيضة ومنها، مثلاً، قوله تعالى: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح، والنبيين من بعده، وأوحينا إلى إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، والأسباط، وعيسى، وأيوب، ويونس، وهارون، وسليمان.. وآتينا داوؤد زبوراً * رسلاً قد قصصناهم عليك من قبل، ورسلاً لم نقصصهم عليك، وكلم الله موسى تكليماً) النساء (163-164) هذا هو الوحي بمعناه الاصطلاحي، وهو بنزول القرآن قد اكتمل، ولذلك ختمت النبوة، وانقضت وظيفة جبريل في هذا المجال، بصورة نهائية، ونحن لنا إلى حكمة ختم النبوة عودة.