إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search
سلسلة تبسيط الدعوة - الحلقة الأولى

امدرمان - مدينة المهدية
٢٧ أغسطس ١٩٧٧

الجزء الثالث

نحن حريصون على أن يكون الأمر دا واضح لاعتبارات .. الاعتبارات بترد في أحاديثنا المقبلة، إن شاء الله .. لكن أهمها أنُّ إذا كان لابد من عودة الدين يجب أن يكون واضح أنُّ الدين ما بيعود بالشريعة .. وإنما بيعود بالسنة .. ودا ما أعطاه وأفاده الحديث: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء .. قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها» .. ويمكن أن نقول، وبتوكيد شديد، أنُّ السنة، جماعها، هي تجويد النبي للكلمة «لا إله إلا الله» .. وهو قد ارتفع بها إلى مستوى دونه ببعيد مستوى الأمة ..

والأمة ندبت لتسير لهذا المقام الرفيع الذي حققه النبي الكريم .. نحن بنسمع أنُّ الناس يقولوا: «الأمر دا خاصية من خواص النبي نحن ما مكلفين بها» .. دا كتير ما يقولوه الفقهاء ويدفعوا بِهُ في وجهنا عندما ندعو نحن الناس ليسيروا بطريق النبي ويطمحوا إلى منازل الكمالات التي حققها النبي .. يقولوا: «دي خاصية من خواص النبي» .. أنا أفتكر أنُّ دي أخطر كلمة تقال، وأجهل كلمة .. خطرها في أنُّ بيقعد بهمم الناس من أن يسيروا في المراقي المطلوبة لِهم والتي، في حقيقة الأمر، هم مكلفين بها .. وخطأها جائي وجهلها جائي من أنُّ وظيفة النبي لِنا مجهولة بصورة مضرة .. النبي ما جُعل مَلك .. لو جُعل مَلك، الناس يقولوا أنُّ دا من عنصر غير عنصرنا، نحن ما بنقدر نحقق الكمالات الحققها .. قد يقولوا كدا يعني، لأنه بقى عنصر مختلف .. لكن النبي بشر يأكل الطعام ويمشي في الأسواق .. ولكنه بشر ربنا رقّاه بالمنهاج اللي جعله لِنا نحن منهاج .. رقّاه، ورفّعه، وقرّبه، وعلّمه .. بعدين قال، ليطمئننا نحن، وليوكد في أذهاننا أنُّ الكمالات العند النبي الكبيرة البنشوفها دي، والعظيمة البنشوفها، هي ميراثنا وهي حظنا .. ولذلك قال: لقد جاءكم رسول من أنفسكم .. «لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم» .. لقد جاءكم رسول من أنفسكم ..

فالأمر دا أهميته كبيرة جدًا في أن نوكد أنُّ الكمالات التي أحرزها النبي هي كمالات بشرية وهي في طوقنا نحن .. بل الحقيقة نحن مأمورون بها .. وجائي الأمر فيها: «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله» .. دا أمر!! «فاتبعوني»، دي زي «وأقم الصلاة» .. أمر!! «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله» .. ووارد فيها، «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة» .. فنحن النبي مجعول لِنا نموذج لنقلده وأسوة لنتأسى بها وعكست كمالات إلهية نحن مأمورون بتحقيقها .. والقول، بأنُّ «دي خاصية من خواص النبي»، يجب أن تقف يجب ألا يلقي لها أي عاقل أي بال وألا يسمعها وأن يردع البيقولوها .. والبيقولوها لسوء التوفيق ولسوء الحظ، البيقولوها العلماء البيتصدروا تعليم الناس .. فنحن مأمورون بأن نسير إلى الكمالات النبوية .. نحن مأمورون بأن ندخل في السنة النبوية بالتقليد وبالتجويد وأن نطمح للمقامات النبوية .. والنبي ما واقف عند مقام حتى نقول أنُّ الإنسان البيطمح لِدا عائز يكون زي النبي؟! ولعله يكون برضوا يقولوا لِه، «أنت عائز تزيد على النبي؟!» .. النبي هو الطليعة اللي ما وقف عملها وترقيها بيوم التحق بالرفيق الأعلى .. بل الحقيقة النبي في كل لحظة من لحظات وجوده اليوم، حياته اليوم، هو مترق وهو زايد .. لكنه هو العمدة وهو السند اللي على أساس تقليدنا له وتأسينا به بنبلغ المقامات العلية النحن مأمورون بها ومطلوبة مننا ..

وفي أمر المستويات التلاتة .. الشريعة والسنة والدين .. برضو يرد حديث آخر يقول فيه نبينا: «قولي شريعة وعملي طريقة وحالي حقيقة» .. دي مستويات تلاتة تقابل برضو، بوجه من الوجوه، المستويات بتاعة الشريعة والسنة والدين .. القول، زي ما بيَّنا، بعضه .. قول النبي، بعضه شريعة وليس سنة .. دا ورد بيانه .. بعدين عمله في خاصة نفسه طريقة .. والطريقة والسنة شيء واحد .. الطريقة سنة، وفي نفس الوكت دا وارد فيها تعبيرنا أنُّ الطريقة أو السنة شريعة وزيادة .. وبعدين النبي قال، «حالي حقيقة» .. هنا الشريعة والطريقة بيأدن لحال .. الحال هو الحقيقة .. والحقيقة هي مطابقة الواقع .. ممكن الزول يقول فيها بالصورة دي .. الحقيقة هي مطابقة الواقع ..
والإنسال الحالته الحقيقة هو الإنسان البيكون راضي بالواقع، ماشي وراء الله ما بيتقدم عليه ما بيسخط ما بيعترض .. دي الحكاية الأشار لِها النبي بـ ، «حالي حقيقة» .. «قولي شريعة»، دي نبوته، و«عملي طريقة»، دي سنته .. من السنة، بعض السنة بيكون مشترك مع الشريعة لأنُّ الشريعة والسنة متداخلات والاختلاف بيناتهن إختلاف مقدار .. يبقى مثلاً، الصلوات الخمس شريعة للأمة وشريعة للنبي .. يمكن أن نقول سنة للنبي بتكتمل لمن تنضاف ليها صلاة التلت ليبقى النبي سنته الصلوات الخمسة زائد صلاة التلت من الليل البيقوم بعد نوم فيها ويصليها ثلاث ركعات أو خمسة أو سبعة أو تسعة أو إحدى عشر أو ثلاث عشر .. لا يزيد عليها لا في رمضان ولا في غير رمضان .. وهو، بطبيعة الحال، ما كان بِيَصلي صلاة التلت دي في أول الليل، زي ما بيعملوا الناس الآن بالتراويح .. التراويح دي ما صلاة القيام .. في بعض الناس يقولوا، لمن يقوموا لصلاة التراويح: «صلاة القيام أثابكم الله» .. دا خطأ .. صلاة القيام، صلاة يقوموا لِها الناس بعد نوم .. وهي السنة وهي بتُصلى في البيوت وصلاة فردية .. الإنسان بيصليها في بيته لوحده ما ها صلاة جماعية .. دي، صلاة التلت دي هي الزيادة على الشريعة، بِها تجيء الطريقة أو السنة ..

إذا كان الأمر دا أصبح واضح عند السامعين، أنُّ الشريعة شيء والسنة شيء آخر والدين شيء تالت والاختلاف بيناتهن اختلاف مقدار .. يعني الشريعة لمن نزلت لأرض عامة الناس دي بقت قاعدة .. الطريقة زادت عليها فجاءت مرحلة نحو الدين .. الطريقة أدخل في الدين .. الطريقة معناها السنة، أدخل في الدين من الشريعة .. الشريعة لعامة الناس .. السنة لخاصة النبي .. العمل بالشريعة وبالطريقة أو السنة يثمر حال هي يقين القلب بالله .. بعد الإيمان العمل يوكده ليصبح إيقان .. نحن بنعمل بإيمان بانُّ النبي صادق .. والنبي قال: «بني الإسلام على خمس» .. وأن الله أمرنا أن نصلي .. بعد الشهادة المثنية .. أن نصلي، وأن نصوم، وأن نحج، وأن نزكي إذا وجد عندنا المال أو في حالة الحج إذا استطعنا السبيل إلى الحج .. دا بنعمل فيه بإيمان .. العمل دا يرسخ الإيمان ويزيده ليكون إيقان .. حالة القلب من الله اليقين البيبلغه الإنسان عن طريق العمل بالشريعة، فإذا زاد عليها، دخل في السنة، بيبقى عمله تابع للنهج النبوي .. شريعة منفتحة على طريقة أو على سنة والسنة تثمر الحال، حالة القلب اللي هي اليقين بالله اللي قال عنه النبي، «حالي حقيقة» ..

نحن همنا الأساسي أن يكون في توكيد، أنُّ الشريعة والسنة يختلفوا اختلاف مقدار. وأنُّ النبي لمن قال، «الذين يحيون سنتي»، يعني عمله في خاصة نفسه .. ودا، بطبيعة الحال، واضح إذا نحنا لاحظنا أنُّ المجتمع في الوكت الحاضر، بعد أربعة عشر قرن من الزمن في التطور في معترك الحياة، أصبح مؤهل لأن يفهم عن النبي أكثر من المجتمع في القرن السابع .. ومشاكله نفسها ما بتنحل بالشريعة اللي شرعت للناس في القرن السابع بكل صورها ..

لا يمكن أنت عقلاً ولا دينًا أن تعتقد أنُّ مشكلة الإنسان المشى للقمر اليوم تنحل بنفس المقادير ونفس النصوص ونفس الزكاة الانحلّت بِها مشاكل الإنسان البترحّل بالناقة في القرن السابع .. لكن الناس بيجيء وهمهم من أنُّ دا مراد الله .. الناس بيخافوا من أن يفكروا في تطوير التشريع لأنهم بيخافوا أنُّ دا مراد الله .. إذا كان دا مراد الله، الله أعرف بمصالحنا مننا وإلا لما كان شرع لِنا في المستوى دا .. الحاجة النحن عائزين نطمئن الناس عليها أنُّ دا ما مراد الله، إلا في المرحلة .. الله أراد للناس أنُّ يسيروا لِهُ منزلة منزلة من لدن آدم وإلى محمد وكلها دي في مضمار الإسلام .. لكن يحكم التشريع ما عليه الناس من حالة تقدم أو تأخر .. ولا يمكن أن يشرع الإسلام في كل ما يريد لِنا ربنا للناس الفي القرن السابع .. الحكمة في التشريع أن تتنزل وتتقيد بطاقة الناس وبحاجة الناس .. فطاقة الإنسان الفي القرن العشرين أكبر من طاقة الإنسان الفي القرن السابع .. حاجة الإنسان الفي القرن العشرين أكبر من حاجة الإنسان الفي القرن السابع .. إذا كان القرآن ما أعد لِها إعداده كان الدين انتهى، والناس خرجوا ليشوفوا حل مشاكلهن في مسائل مدنية .. لكن الدين أعد العدة بما سمي آيات الأصول .. وآيات الأصول عاش عليها النبي وهي عمدة السنة ونزل من آيات الأصول لآيات الفروع وعاشت عليها الأمة ..

نحن هسع بنقول إذا كانت السنة هي من الرفاعة بالصورة دي، ونحن لنعيد الدين لابد أن نبعث السنة، يبقى لابد لِنا أن نرتفع من مستوى عامة الأمة إلى مستوى النبي، من مستوى الشريعة إلى مستوى السنة .. ودا عنده عمدته ودليله البيوجهه ليكون ساير مسدد وما بيقفز في الفضاء ولا بيسير مغمض العينين .. هو مهدي ومرشّد .. بيسير من آية في القرآن إلى آية في القرآن .. بيسير من آية فرع إلى آية أصل .. بيسير من الشريعة للسنة .. بيسير من مستوى الأمة لمستوى النبي .. الأمر دا واضح جدًا إذا كان الناس خلوا بالهم منه .. والحقيقة دا جوهر دعوتنا، نحن الجمهوريين، لبعث الإسلام ..

بعث الإسلام بيعني الارتفاع من نص فرعي في القرآن، خدم غرضه حتى استنفذه، إلى نص أصلي كان قبيل أكبر من قامة الناس وأُعتبر منسوخ بالنص الفرعي .. أو ما يمكن أن يقال القرآن المكي والقرآن المدني .. القرآن المدني قرآن فروع نزل بعد الهجرة وهو في مستوى حاجة الناس وطاقة الناس .. القرآن المكي بُدء بِهُ الإنزال وخوطبوا بِهُ الناس وعجزوا عن قامته وما أوفوا بِهُ .. وعندما ظهر ظهور عملي أنهم عاجزين عنه، أُمر النبي بالهجرة وبدأ إنزال القرآن المناسب لقامتهن وأُعتبر القرآن المكي أو قرآن الأصول منسوخ بقرآن المدينة أو قرآن الفروع لأنه أكبر من طاقة الناس في المجتمع الماضي ..

ولا يمكن أن يكون النسخ إبطال سرمدي وإلا الحكمة تتخلف لأنُّ يصبح أفضل ما في ديننا منسوخ بما هو دونه، أصبحت الفروع مفضلة على الأصول ودا تفضيل المفضول على الفاضل وهو عمل أخرق وليس عمل حكمة ولا يمكن أن يستقيم مع حكمة ربنا ..

إذا وضح من حديثنا الماضي أنُّ السنة أرفع من الشريعة ووضح أيضا، بنص الحديث، أنُّ الإسلام ما بيعود ببعث الشريعة وإنما بيعود ببعث السنة، أصبح علينا نحن كدعاة إلى بعث الإسلام أن نلتزم السنة في شريعتنا الفردية بتقليد النبي في منهاج عبادته وفي منهاج عادته .. وفي شريعتنا الجماعية بتطوير التشريع من مستوى الشريعة إلى مستوى السنة .. الشريعة قائمة على فروع القرآن والسنة على أصوله .. وتطوير تشريعنا بيعتمد على القرآن .. ننتقل من نص إلى نص، من نص فرعي إلى نص أصلي .. النص الأصلي هو موضوع الرسالة التانية البنتكلم عنها كتير ..

الحديث عن الرسالة التانية سيكون موضوعنا المقبل، إن شاء الله، ولكن ما يمكن أن يقال هنا لنختم بِهُ هذا الشريط هو أنُّ الرسالة التانية ليست شيء غير السنة .. الرسالة التانية من الإسلام هي السنة النبوية عائدة لتكون شريعة للجماعة لأنُّ المجتمع الكوكبي الحاضر أصبح بيعقل عن النبي أكثر من مجتمع القرن السابع ..