((٢))
إذن الحقوق الأساسية، في الحقيقة، في جانب الحرية لا حدَّ لها. لكن القيود بتجي في التطبيق العملي الممكن، وفي الطاقة الإنسانية في ممارسة الحق. ولا بد أن يكون في حد للحرية بالقانون. إذا كان ما في قانون ليحدّ الحرية، بتبقى الحرية فوضى. فهنا لمَّن يكون في قانون بكون في فاصل بين الإطلاق والفوضى. الحرية البنظِّمها القانون، مش حرية مُعوّقة، حرية مُنظمة. لأنه القانون من شأنه أن يوسِّع الحرية، مش يضيِّقها، من شأنه أن يجعل الحرية عمليا ممكنة. زي مسألة لعبة الكُرة. لعبة الكُرة إذا كان ما فيها قانون بتبقى فوضى. المجتمع بالصورة دي، عنده قوانين لتمكِّن الأحرار من ممارسة الحرية. فإذن الحقوق الأساسية في الحقيقة باستمرار بتتطوَّر وتتغير. ففي المستوى الديمقراطي، في القاعدة زي ما قلنا عليها هي حق الحياة وحق الحرية. نحن هنا في بلدنا، عرفنا الدساتير بعد الحكم الوطني. الناس المن جيلي أنا ما سمعوا بالمرة عن حاجة اسمها الدساتير إلا فيما يقرأوهٌ في التاريخ، لكن في بلدنا ما كان في كلام عن الدستور لسبب واحد بسيط هو أنه الشعب كان قاصر، وعليه وصي. الاستعمار لمَّن جاء وهزم أهلنا في كرري، كأنه بقول إنكم إنتو سودانيين قاصرين عن أن تحكموا أنفسكم، نحن جينا لنهذبكم ونرقيكم، نحن أوصياء عليكم. أها مجرد من جات الوصاية بكون ما في دستور. هم مطلقين، حكمهم مطلق، ليعرفوا هم مصالحنا ويسيروا فيها. دا معنى الكلام في مفهوم الاستعمار باستمرار. لمَّن نحن استقلينا أصبحنا جمهورية، أها الجمهورية عايزة دستور لأنه ما دام نحن استقلينا معناها أننا نحن رشيدين لأن نحكم أنفسنا. فبدأت مسألة الدستور بدستور السودان المؤقت. دستور السودان المؤقت استمر لغاية ما جوا العساكر عطلوه في سنة ٥٨ ثم ظل نائم أو معطل ستة سنين جاءت ثورة أكتوبر في سنة ١٩٦٤، عُدِّل الدستور وسمي دستور السودان المؤقت المعدل لسنة ٦٤. ده الدستور العندنا في الوقت الحاضر. الدستور دا فيه الحقوق الأساسية، فيه المادة ٥/١ تقول لكل مواطن الحق في حرية العقيدة. المادة ٥/٢ تقول لكل مواطن الحق في حرية الرأي وحرية تكوين الجمعيات والأحزاب تحت ظل القانون. المادة ٥/١ فيها تحت ظل القانون، زي ما قلنا قبيل، أصلو ما في حرية إلا بنظِّمها القانون. المادة ٥/١ و ٥/٢ بينصّو على حرية العقيدة وحرية الرأي وتكوين الجمعيات والأحزاب تحت ظل القانون. الدستور في نواحيه التانية بكون فيه نقص كتير. ما هو في المستوى اللي يقول أنهُ إنت لتكون ديمقراطي أحسن لازم الدولة كمان تكون اشتراكية. يعني الدولة لازم تكون ديمقراطية اشتراكية لتمكن المواطن من ممارسة حقوقه بدون رغبة أو رهبة أو تهديد يجي من صاحب المال، صاحب العمل ليحمله على أن يصوِّت في غير الاتجاه العايزو، أو ما يكون المواطن محتاج حتى يبيع صوته مثلا. المواطن إذا إنت تركته محتاج وأديته الصوت، إنت في الحقيقة خليت حريته كأنها حبر على ورق. في دستورنا المؤقت ما في كلام عن الاشتراكية. هو في الحقيقة دستور سمي مؤقت لينقلنا للدستور الدائم اللي بنتكلم عنه نحن دائما في وضعنا واللي قامت الجمعية التأسيسية وانبعثت منها اللجنة القومية لتضعه. ففي الدستور المؤقت الحقوق الأساسية مجردة بالصورة دي موجودة وكاملة؛ حق حرية الرأي وحرية العقيدة. ودا طبعا حق الحياة موجود في الوضع دا. نحن عندنا هسع مواجهين بأن نمرر توصيات سنة ٦٧. توصيات سنة ٦٧ وضعتها اللجنة القومية المنبثقة من الجمعية التأسيسية الأولى. أو قول إن أردت الدقة: وضعتها لجنة فنية انبثقت من اللجنة القومية المنبثقة من الجمعية التأسيسية. والتوصيات دي أوشكت أن تكون دستور في الجمعية التأسيسية الأولى. قرئت القراءة الأولى والقراءة الثانية وفضلت ليها مرحلة اللجنة وكانت بتصبح دستور. انحلت الجمعية التأسيسية. التوصيات دي في محاولة لتمريرها، في اللحظة الحاضرة وبسرعة. في الناس البتكلموا عن أنهُ اللجنة القومية الحاضرة تنحل وتمر التوصيات دي بسرعة على الجمعية التأسيسية. هنا في اختلاف أساسي بين الدستور المؤقت المعدل لسنة ٦٤ وتوصيات سنة ٦٧. الاختلاف الأساسي يقوم على تعديل المادة ٥/٢، التعديل المشهور اللي كنتيجة ليهو انحل الحزب الشيوعي، وقُفِّلت دوره وصودرت جريدته، وطُرد نوابه التمانية من الجمعية التأسيسية الأولى. تعديل المادة ٥/٢ كان المقصود منه أن يعطي الفرصة للهيئة التشريعية لتسن تشاريع تحرِّم النشاط الشيوعي. التعديل دا رُفع للقضاء، لأنه في كل بلد ديمقراطي بِيُعتبر حارس الدستور القضاء. القضاء يقول القانون الفلاني دستوري أو ما دستوري. دا معني حرسه، كونه حارس للدستور معناه أن يشوف دستورية القوانين أو أن يشوف أي اعتداء على الدستور يتكلم فيه. المسألة دي لمَّن رُفعت للقضاء قال أنهُ التعديل غير دستوري. تعديل المادة ٥/٢ غير دستوري. أساسا الرأي جاي من أنهُ المادة ٥/٢ هي روح الدستور. إذا عُدِّلت بيصبح الدستور ممسوخ أو منسوخ. وهو في الحقيقة المسألة في أول مرة بتبدو هينة، خصوصا لمَّن اتولتها الأحزاب لتخلي الشعب يستسيغها. يستسيغ التعديل دا. قيل مثلا أنه الحزب الشيوعي حزب ملحد مثلا. ونحن لنحمي عقيدة الشعب يجب أن نحله. ما كان يمكن أن يحلوه بدون ما يعدلوا الدستور. بمعنى أنه لو الهيئة التشريعية سنَّت قانون لحل الحزب الشيوعي ببقى القانون دا دستورا خطأ والمحاكم ما بتحكم بيه. فقاموا عدلوا الدستور ليجي القانون دستوري. أو قول نزَّلوا الدستور لمستوى القانون المطلوب. نحن والآخرين من الشعب بتمر علينا اللعبة دي لكن النقطة الحقيقية أنه تعديل الدستور في الحقوق الأساسية ضرره يخص كل مواطن. مش مسألة الحزب الشيوعي ملحد لازم ينحل ونحن نعتقد إنه ينحل. النقطة مش هي حل الحزب الشيوعي، النقطة أنه الدستور انمسخ وما أصبحنا نحن ديمقراطيين. إذا إنت نظرت ليها من الصورة دي كل مواطن يجب أن يناهض المسألة دي. لكن نحن ما نظرنا ليها بالصورة دي بل في بعض الناس اللي قاموا وسيَّروا المظاهرات وعايزين من النواب موقف حازم. وحصل التعديل دا. فالمادة ٥/٢ اتعدَّلت في الدستور المؤقت وقامت عليها توصيات سنة ٦٧. فتوصيات سنة ٦٧ من الناحية دي ماها دستور، لأنها قايمة على الحقوق الأساسية (المنسوخة) المنقوصة. في الناس البطالبوا بتوصيات سنة ٦٧ لتمر هم دعاة إسلاميين برضو [أيضا]. دعاة الفكر الإسلامي منهم الناس الحريصين على توصيات سنة ٦٧ لتمر. توصيات سنة ٦٧ برضو ماها دستور إسلامي. هو الحقيقة بيعرفوا النقطة دي. بيعرفوه لأنه في مداولات اللجنة القومية الإنبثقت منها توصيات سنة ٦٧ في نص في أنه الدستور الإسلامي الكامل انهزم. فأصبحت توصيات سنة ٦٧ ماها دستور إسلامي ولا هي دستور علماني. وأنا أفتكر إنه في تمريرها في ضرر كبير جدا على الناس بيقع.
تجي مسألة الدستور الإسلامي. الدستور الإسلامي زي الواحد يقدر يقول عنده وجهين. العبارة بتاعة الدستور الإسلامي عندها الوجه القريب مننا المألوف اللي هو يقول إنه الدستور الإسلامي بيجي من إعطاء الشريعة السيادة. الولاية العامة تكون للشريعة. دي الدعوة اللي عايزة حتى توصيات سنة ٦٧ تمر. ليه؟ ليه هم اعتبروها إسلامية؟ لأنه في المادة ١١٣ و١١٤ و١١٥، بتقول أنه، في جملة ما تقول، دي يعني الخلاصة بتاعتها، إنه أي تشريع في البلد ما يتفق مع الشريعة الإسلامية يُعتبر باطل. من الناحية دي رضوا عنه دعاة الفكر الإسلامي، واعتبروه، إذا كان مش الدستور الإسلامي الكامل، مرحلة ليجعل الحكم المقبل حكم إسلامي. كأنه دستور ممكن أن يقبل على اعتبار أنه بينص على أن يكون أي قانون تسنه الهيئة التشريعية ما يكون متفق مع الشريعة الإسلامية بيُعتبر باطل. دا وجه من الفهم عن الدستور الإسلامي. الحاجة النحن عايزنها تتوكد هنا أنه ما بكون عندنا دستور في مستوى الشريعة الإسلامية. في مستوى الشريعة الإسلامية ما في دستور. لسبب واحد بسيط هو أنه الشريعة الإسلامية عندما شُرِّعت، الحكم ما كان ديمقراطي. الفهم ذاتُه للديمقراطية وللدستور ما كان موجود. نحن العبارة اللي بنكون عايزنها تكون دقيقة في أذهان الناس هي أنه الإسلام ديمقراطي لكن الشريعة الإسلامية ما ديمقراطية. ودي بطبيعة الحال بتقتضي تمييز. التمييز دا قد يكون شيء جديد. يعني الناس الفقهاء عندنا لمَّن يتكلموا عن الشريعة أو يتكلموا عن الإسلام بتكلموا عن حاجة واحدة. الحقيقة غير دي. إنه الشريعة مش هي الإسلام. الشريعة هي طرف الإسلام اللي نزل قريب للناس. بمعنى إنه الإسلام سرمدي. الإسلام هو الحبل النازل من السماء إلى الأرض اللي قال عنه: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا". الحبل النازل من السماء إلى الأرض هو التوحيد؛ لا إله إلا الله." واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" ولا تفرقوا دي توديك ضهر التوحيد من التشتت. هنا التوحيد أوله عند الله في إطلاقه، في سماه، في علياه، في إطلاقه. "شهد الله أنه لا إله إلا هو". كأنه الله في إطلاقه قال "لا إله إلا الله". ثم نحن في الأرض نقول "لا إله إلا الله". فإذن إنت ممكنك تشوف البداية وتستطيع أن تتصور النهاية. ما بتشوف النهاية. "شهد الله أنه لا إله إلا هو" الله قال عن نفسه "لا إله إلا الله"، والبشر قالوا عنه "لا إله إلا الله". ودا الحقيقة الدين، دا الإسلام. والعبارة النبوية "خير ما جئت به أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله". والعبارة القرآنية تقول: "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه، كبر على المشركين ما تدعوهم إليه، الله يجتبي إليه من يشاء، ويهدي إليه من ينيب". شرع لكم من الدين ما وصى به نوح لغاية نبينا دي "لا إله إلا الله"، ودي نفس العبارة اللي جاء فيها الحديث "خير ما جئت به أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله." دا الدين. الدين لا نهاية له. لكن الشريعة هي طرف الحبل النزل لأرض الناس. يعني لمن الناس قالوا في الأرض "لا إله إلا الله"، الشريعة قامت على مستوى قولهم دا. بعدين أمروا بأن يسيروا إلى الله. السير لي الله في "لا إله إلا الله" سرمدي. الناس ما بطوِّروا الدين. الناس بيتطوروا في الدين كلما فهموه فهم جديد، لكن بيُطوِّروا الشريعة. فالشريعة مش هي الدين بمعنى أنها هي طرف الدين، هي المدخل على الدين. والحقيقة في اللغة ذاتها الشريعة المُشرع. يعني تقول شرع شريعة إلى الماء فتح ديداب وطريق ليرد بيه الموية . إذا كان النقطة هي دي واضحة يبقى الدين لمَّن نزل للمجتمع في القرن السابع نزل لمستوى المجتمع. مستوى المجتمع في القرن السابع ما كان مستوى ديمقراطي. مش مستوى الناس الرشداء اللي بيستطيعوا أن يمارسوا الديمقراطية. أنحن ممكن نترك الحكاية دي هنا بس لنقول الناس البطلبوا الدستور الإسلامي من الشريعة مخطئين. والسبب الأساسي في الخطأ مع الملابسات دي، أنه الشريعة ما فيها الحقوق الأساسية. يعني حق الحرية، وحق حرية العقيدة والحرية مش في الشريعة. الشريعة قايمة على أنه نبينا أُمر أن يقاتل الناس. جات مثلا آيات الإكراه. وجات آية الشورى. الناس البيتوهموا المسألة دي وبيخطئوا فيها بيفتكروا إنه الشورى ديمقراطية. لكن الشورى هي مشاورة الوصي للقاصر، والوصي يملك حق المخالفة. الشورى ما ملزمة. شورة القاصر ما ملزمة على الوصي الرشيد. لكن بيشاور ليرشد الناس ليعلمهم كيف يتمرسوا بحل مشاكلهم. ليدِّيهم اعتبار إنساني لنفوسهم. يحترمهم. لكن إذا كان الرأي في الآخر ليه هو ورأى رأي غير رأيهم ما ملزم. وأنا أفتكر دي ما بتحتاج لفهم كبير لأنه عندنا في البداهة المعاشة في. نحن عندنا في السودان هنا سنة ٤٥ المجلس الاستشاري لشمال السودان. لمَّن كانوا الانجليز شعروا بالحركة الوطنية بدت تطالب بالاستقلال وتطالب بالاتحاد مع مصر والوحدة مع مصر، قاموا يقولوا إننا نحن راح نطوِّر البلد ليستأهل الحكم الذاتي في مرحلة معينة ليستقل في مرحلة معينة، فجابوا المجلس الاستشاري لشمال السودان مكون من ٣٠ نائب، ١٨ منهم منتخبين و١٢ معينين. المجلس الاستشاري دا ما يمكن يجتمع إلا إذا كان الحاكم العام طلبه ليجتمع، لأنه هو ليشير على الحاكم العام. ثم الأجندة بتاعو اللي بيتباحث فيها بيضعها الحاكم العام، ثم إذا أجمعوا الـ ٣٠ على رأي، الحاكم العام عنده حق الفيتو عليهم. وكل واحد منكم بيعرف أنه ما في هيئة استشارية يمكن أن تكون شورتها ملزمة. لعدم الحقوق الأساسية، اللي هي حرية الرأي وحرية العقيدة، في الشريعة يبقى ما فيها دستور. دا راح نرجع ليهو فيما بعد. لكن الحقيقة الخطر كبير جدا في أن يقوم دستور إسلامي ما هو إسلامي في الحقيقة. من ناحية جهل بالإسلام عند بعض الناس، ودا عامة الشعب، نحن عواطفنا كبيرة جدا مع الإسلام، ولمَّن يجي واحد يقوم يقول نحن عايزين دستور الكتاب والسنة لا يمكن أي واحد أن يعارض فيه، لكن هو شنو نحن ما عارفين. يمكن لأي إنسان أن يضللنا. عُلمانا ما عارفين. أفتكر دي النقطة اللي راح نجي عليها فيما بعد. في ناس قد يكونوا أنا أفتكر قلَّة إذا صح الواحد أن يقول كدا. أنا بفتكر إنه الجهل هو العنصر البصرفنا عن أن نصل إلى حقيقة الدستور الإسلامي. الجهل عامة. لكن الواحد ما يستبعد أنه بعض الناس يكونوا منتفعين بوضع دستور إسلامي يدّي شرعية لبقائهم الحاضر. إذا كان نحن قلنا عن الدستور الإسلامي، اللي ما بكون إسلامي في الحقيقة، لأنه فيه جهالة كتيرة، يبقى الخطر قائم في أن يمر لأنه الشعب عامة متجه ليه. في ناس من الأذكياء عارفين أنه الدستور الإسلامي الجاهل بالصورة دي أو قد يكونوا عارفين أنه الحكم الماضي ما فيه دستور. أفتكر إنتو قريتوا لناس من المثقفين في بلدنا، أنا ما أحب أنه الناس بسرعة يصرفوا كلامهم دا على اعتبار أنهم مغرضين أو مُضلَّلين. أنا بفتكر أنه الكلام الكتبو التقلاوي، والكلام الكتبو محمد سليمان بحتاجو من الناس المفكرين المسئولين إلى تعمق حقيقي في المسألة.