((١))
رئيس الجلسة: أيها السادة يسرنا أن ... خير ما نفتتح به هذه الليلة القرآن الكريم من الزميل حسن مجذوب.
حسن مجذوب:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
(والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى * وللآخرة خير لك من الأولى * ولسوف يعطيك ربك فترضى * ألم يجدك يتيما فآوى * ووجدك ضالا فهدى * ووجدك عائلا فأغنى * فأما اليتيم فلا تقهر * وأما السائل فلا تنهر * وأما بنعمة ربك فحدث)
صدق الله العظيم.
رئيس الجلسة: الأستاذ محمود محمد طه، ضيوفنا الكرام، أقدم لكم الزميل عثمان عبد الله رئيس الاتحاد العام لأبناء أرض الحجر في كلمة قصيرة.
عثمان عبد الله: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. الأستاذ المحاضر ليس غريبا بيننا، ولعلي لست في حاجة لتقديمه اليكم بإسهاب.. ويكفي أنه طوال السنوات الطويلة الماضية ظل شعلة تضيء وتحترق لتضيء مرة أخرى في صحراء الفكر المجدبة في بلادنا.. فالرجل صاحب رأي، وصاحب فكر، وجاهر برأيه وبفكره يوم أن كانت المجاهرة بالرأي كفرا وإلحادا.. فلا تمر مشكلة بهذا البلد إلا ولهذا الرجل رأى في الدين وفي الدولة.. والحق أقول: أنه أمين، ونزيه، وشجاع، وجريء.. فمن أميز صفاته أنه لا يجيد المراوغة في العمل العام، ولا يعرف أن يحني رأسه للعواصف لتمر بسلام.. ولكنه دائما كالطود الشامخ يقابل كل عاصفة، وكل ريح عاتية. ويسر الاتحاد العام لأبناء أرض الحجر أن يقدم لكم العالم الجليل الأستاذ محمود محمد طه
وشكرا
الأستاذ محمود:
بسم الله الرحمن الرحيم
نتحدث في موضوعنا، وقبل البدء في هذا الحديث، لابد من إعلان عظيم سروري بهذه الفرصة التي أتيحت لي في نادي الإخوان ابناء أرض الحجر. ولابد من الإشارة إلى الثناء المستطاب من السيد رئيس الإتحاد.. والنفس في الحقيقة دائما تهش لأن تسمع الثناء عليها، وإن كان الإنسان بجاهد ألا يهتم كثير بالثناء، لكن ما قاله السيد رئيس الاتحاد في هذه الجلسة هو أحسن ما سمعت في الإيجاز والنظرة إلى المعاني التي تسر نفس السامع المطري.. وأنا، أحيل، جزاءه، على هذه الكلمات الطيبة، على الله ليتولاه. ثم إن هناك عبارة سرتني بصورة خاصة، هي مسألة صحراء الفكر المجدبة في بلادنا.. هذه الكلمة جيدة، ومتقنة، وحقيقية.. وانا أعتقد أنه ما في مجتمع من المجتمعات التي نعرفها في مستوى يمكنها أن تتحسن ثم هي عاجزة عن التحسن، زى بلادنا نحن.. وسبب عجزها عن التحسن انه الفكر مجدب.
والشاعر قال: ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام
فالسودانيين قادرين على التمام ثم ناقصين.. وانا افتكر نقصهم يلتمس في إنه الفكر مجدب، الى الحدود الأنه الجهل يستعلن ويحارب الفكر ثم يجد من يسمع له.. وما في دخيرة للبلد ليتغير وضعه من هذا الجدب في الفكر، إلا الشباب المثقف.. وما في أداة لتعين الشباب المثقف على الفكر، وتجويد الفكر، وتصفية الفكر، كالنهج الإسلامي.. ونحن في اتجاهنا في هذا الحديث نتجه اتجاها إسلاميا في مسألة الحقوق الأساسية.
الحقوق الأساسية في الدستور الدائم ما هي، وكيف تصان، هو موضوع حديثنا.. ومسألة الحقوق الأساسية هي مسألة الحرية كلها، الحقوق الأساسية هي الحرية.. والإنسان منذ أن وجد، قبل الأديان، كان عنده شعور بالحاجة للحرية.. الحاجة للحرية حاجة مودعة فينا، مش شيء بنتكلفه ولا هو ترف ولا هو نافلة.. شيء مودع فينا، زي حاجتنا للطعام. حاجتنا للحرية زي حاجتنا للطعام.. الجسد والمعدة بتجوع، والعقل بجوع. غذاء المعدة الطعام، وغذاء العقل الحرية. لكن الإنسان بطبيعته لنشأته الحيوانية بشعر بحاجة المعدة قبلما يشعر بحاجة العقل.. وبطبيعة الحال، من أجل ده، كتير من الناس بسخَروا عقولهم لإشباع معداتهم.. حتى الإنسان يبيع كرامة فكره بحطام الدنيا البشبع معدته.. ده طبعا الجانب الحيواني فينا. لكن ما من شك نحنا كل مرة نحنا بنرتفع من الجانب الحيواني لنشرَف الجانب الإنساني. والمجتمع البشري في جميع عصوره كل أنواع صراعاته ليحرز الحرية.. ما في ذلك أدنى شك.. لأنه الحاجة دي وإن كانت خامدة، ونايمة، لكنها بتعمل عملها.
أها نحنا في المجتمع الحاضر، مجتمع القرن العشرين، الحرية هي شعار اليوم.. نحنا السودانيين إتحررنا، أو قول استقلينا.. هي في المرحلة دي إمكن تسميها الاستقلال.. والاستقلال وسيلة للحرية إذا أحسنا استعمال الاستقلال.. فنحن استقلينا وأكتر من تلاتين دولة في أفريقيا وحدها استقلت في الزمن القصير ده. عشان تعرفوا أنه العصر ده عصر الحرية.. وأول خطواتك نحو الحرية أن تستقل.. الاستقلال معناها ألا يكون عليك حاكم أجنبي.. الحرية معناها أن يكون عليك حاكم رشيد إلى الحدود اليخطط ويهيئ الظروف الإنت تعيش فيها حر.. وفي الغالب، وده وضع الحرية لنفاستها وعزتها، في الغالب ما في حاكم يمكن أن يخطط ليك لتعيش انت حر إلا إذا كنت انت رقيب عليه. أي حاكم ليكون وصي عليك وانت منتظر منه أن يحررك، لا يمكن أن يحررك.. لأسباب كثيره جدا حتى الحاكم لو كان عارف، ولوكان نزيه، وقوي الخلق، يكون في عجز طبيعي، إنساني، في أنه الإنسان يشعر بحاجة الإنسان الآخر.
أها هنا تجي الحقوق الأساسية في مستوى عصرنا، هي في مستوى الديمقراطية.. والحقوق الأساسية دائما، الكلام عنها من الناحية الفنية، يجيء في منطقة الدستور.. والدستور هو عنوان الحكم الديمقراطي. المجتمعات عاشت بدون دساتير معروفه في الماضي.. ما في مجتمع عاش بدون قانون.. لكن المجتمعات عاشت بدون دساتير. بمعنى انه الناس حكموا بحكم مطلق.. حكموا حكم الملوك، وحكموا حكم الدكتاتوريين، وحكموا بأنواع الاستبداد المختلفة، كلها قائمه على قوانين.. والقوانين جائرة.. لأنه المجتمع البشري كأنما خرج من قانون الغابه.. قانون الغابة نهاية الجور، قائم على القوي يأكل الضعيف.. زي حكاية السمك.. السمكة الكبيرة تأكل السمكة الصغيرة.. ده سمي قانون الغاب. والمجتمع البشري باستمرار بغربل في قوانينه ليخرج عن قانون القوة، ليعطي الضعيف حق.. ليجيء لقانون الحق والعدل.. الصور دي من القوانين هي البتطور باستمرار، لغاية ما جاء الوقت اليكون فيه أبو القوانين.. القانون الأساسي، الدستور.. عندما تتحدث أنت عن الحقوق الأساسية، بتتحدث عن الدستور.. عندما تتحدث عن الدستور بتتحدث عن الحكم الديمقراطي.. والدستور مش هو القانون، العادي، هو القانون الأساسي.. يمكن للتمييز بينه وبين القانون العادي، انه القانون العادي ينسق علاقة الإنسان بالإنسان الآخر في الوطن الواحد.
في المرحلة الحاضرة، من مرحلة التطور البشري القوانين سارية داخل الحدود الإقليمية.. فالقانون هو النهج البيه تتنسق العلاقة بين المواطنين. الدستور هو القانون البيه تتنسق العلاقة بين الدولة والفرد. في الماضي، الفرد ما كان عنده حق على الدولة.. لغاية ما جاء الوقت الأصبح فيه الحكم الديمقراطي.. الحكم الديمقراطي بقوم على الدستور، والدستور ينسق علاقة الفرد بالدولة.. الحقوق الأساسية بتكون مطلوبة رعايتها من جانب الدولة. الحقوق المدنية أو الجنائية بكون مطلوب رعايتها من جانب الأفراد فيما بينهم. لكن الحقوق الأساسية بتكون مرعيه من جانب الدولة، ودي بنسقها الدستور في الوقت الديك بنسقها القانون العادي.. والقانون العادي تفريع على الدستور.. الدستور سمي القانون الأساسي. الأساس العليه بتنبني التشاريع الأخرى.. وسمي، الدستور سمي القانون الأساسي، لأنه بنص على الحقوق الأساسية. وانتو بتلاحظوا أنه الهيئة البتضع الدستور مش هيئة تشريعية، هيئة تأسيسية.. نحنا انتخبنا مرتين جمعية تأسيسية.. الجمعية التأسيسية الفاتت لمن ما استطاعت أن تضع الدستور وحصل الخلاف في عمرها المدَّته بعد السنتين، إنحلت قبل أن تضع الدستور، قامت جمعية تأسيسية أخرى.. الجمعية التأسيسية، سميت تأسيسية، لأنها بتضع الدستور، بتضع القانون الأساسي.. وهي فوق الهيئة التشريعية.. الهيئة التشريعية بتضع القانون الفرعي.. ودي بتقابل ثلاثة هيئات في الدستور: الهيئة التشريعية، والهيئة القضائية، والهيئة التنفيذية.. لكن الهيئة التأسيسية فوق لى ديل. وفي الغالب في البلاد الواعية بتكون الهيئة التأسيسية مرة في العمر.. لأنها بتضع الدستور وبتنتهي.. إما أن تنحل أو تصبح هيئة تشريعية.. بعدين الدستور البتضعه الهيئة التأسيسية، ليستمر لقدام بكون في طريقه لتعديله. الدستور بيوضع مرة في العمر.. والهيئة التأسيسية بتكون مرة في العمر، عند الناس الرشداء. لكن نحنا كانت عندنا مرتين لأنها عجزت عن أن تضع الدستور في المرحلة الأولانية، ولذلك أعدنا انتخابها مرة ثانية.. والدستور سمي القانون الأساسي لأنه بلف حول الحقوق الأساسية.. سمي القانون الأساسي لأنه بنصص وينظم الحقوق الأساسية.. الحقوق الأساسية بدورها سميت أساسية لأنها ما بتعطى، ولا بتسلب، إلا في شريعة الغابة.. لكن في الشرعة العادلة، الحقوق الأساسية ما بتجيك منحه من إنسان.. ولا بيسلبها إنسان إلا بالحق والعدل.. بالقانون.. الحقوق الأساسية بالصورة دي، هي مجرده في حق الحياة وحق الحرية.. حق الحياة، وحق الحرية.. وحق الحرية في الحقيقة بيولد مع الإنسان، الإنسان ما في إنسان بيهبه الميلاد أو بيهبه الحياة.
أها حق الحرية مولود معاها لأنه حياة الإنسان مش حياة الحيوان.. الحيوان ماعنده فرصه للحرية ولا ضرورة للحرية ولا حاجة ليها.. ما بشعر بالحاجة ليها.. حريته أن يعلف، وان يستغل.. يعلف ليستغل.. الإنسان، حرية فكره، حق موروث مع حياته.
أنا بتسرني دائما الكلمة القالها عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص، في مصر، لمن قال ليه: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟".. قرن الحرية بحق الميلاد.
أها هنا الحقوق دي بتتفرع دائما، كلما المجتمع كان رفيع، الحقوق تتفرع، وتبقى دقيقة، تبقى سمحة، فيها نوع من السماحة ليمكن من الحرية.. مثلا في المجتمع الرأسمالي، الديمقراطي الرأسمالي في حرية.. لو انت أخذت مثلا الديمقراطية الغربية بتلقى أنه في حرية في الديمقراطية بمعنى أنك أنت ممكن تنتخب الإنسان البيحكمك. لكن الجانب التاني في رزقك، في إهمال فيه، انت قد تكون موظف، او عامل تحت صاحب عمل.. صاحب العمل من مصلحته أن يجئ في جهاز الدولة نوع معين من الرجال.. صاحب العمل الرأسمالي عنده الفرصة ليصنع الرأي العام بوسائل الإعلام العنده.. بالصحافة، بالإذاعة، بالسينما.. يمكن أن يلقي في روعك وفي روعي أنه مصلحتنا في الاتجاه المعين ده، في الوقت التكون هي في الحقيقة دي مصلحته هو.. في كأنه مستوى من الحرية لكنه ناقص. المجتمع لمن يمشي لي قدام عايز يكون في كفالة لحاجتك الاقتصادية، ما يخليك محتاج.. لتجيء من طريق الحاجة تستعبد، أو تسحب حريتك. أعطيت حرية باليمين تسحب بالشمال زي ماهي في النظام بتاعهم.. ولذلك تلقى الحقوق دي بتتسع شويه في نظام مثلا اشتراكي.. كأنه بقول ليك، انت عندك حرية، لكن عمليا ما ممكن تمارس حريتك دي إذا كنت انت محتاج.. ولذلك على الدولة أن تنظم بالصورة التكفيك الحاجة.
أها تجئ كمان التعليم.. الجاهل برضو حريته بتكون ناقصة.. لأنه الحرية في الديمقراطية بتتمثل في حسن الاختيار.. ورقة الانتخاب الانت بتاخذها، رمز لحريتك، لأنها بتديك الفرصة لتوزن بعقل حر بين زيد وعبيد، ياتو أصلح، ياتو أعرف.. وده كونك انت تختار بين زيد وعبيد، بيقتضي فعلا وعي سياسي.. لازم انت تكون مشغول بالمسائل العامة، بتعرف الناس بقولوا شنو وبيعملوا شنو وبيسلكوا كيف.. لذلك تلقى أنه الديمقراطية بتتركز فعلا على الحرية، والوعي، بالصورة دي.. وتمشي مع أن تكمل حريتك أن تكون عندك فرصة لتتعلم وفرصة ليكون في رأي عام منقول بوسائل الإعلام الكثيرة. جهاز الدولة كله موظف ليعلم الشعب.. لابد أن تكون مثلا حاجتك الاقتصادية مكفيه، ما في زول عنده سلطان عليك زي ما هي في النظام الرأسمالي.. فالمسائل إذن، مسائل الحرية باستمرار بتطور.. مفاهيم الحرية بتطور وتدق وتتسع للإنسان ليكون في قمة من ممارسة الحرية.
الحقوق الأساسية في جذرها، وفي أصلها، حق الحياة وحق الحرية بيتفرع منها شيء ما ليه حد من الحقوق، كلما المجتمع إترقى.. والإنسان يمكن من اتجاه الفكر الإسلامي أن يقول حاجة توري المدى البيتطور فيه الحق الأساسي في الحرية.. أنه، المجتمع، في التفكير الإسلامي وسيله للفرد. وانه الفرد حريته بتبتدي من المحدود وتمشي للمطلق.. ما في إطلاقا حد على حرية الفرد.. إلا أن يعجز هو عن ممارسة الحرية دي.. يعني حدك من الحرية، هو، مقدرتك على ممارستها.. وكل إنسان لمن يعجز عن ممارسة الحرية بتصادر بطبيعة حاله.