الأستاذ محمود: بسم الله الرحمن الرحيم.. مما يسرني أعظم السرور أن أجد نفسي مرة ثالثة، زي ما قال السيد رئيس الجلسة، في الجيلي أتحدث إلي الإخوان عن موضوع من المواضيع التي تهمنا جميعاً.. وموضوعنا في هذه الليلة: المجتمع السليم.
المجتمع عبارة عن الجماعة تعيش مع بعض، تتعاون وتسعي بالوسائل الكثيرة لترقِّي نفسها لتصل لطور المجتمع السليم.. ويمكن الإنسان يقول أنه جميع محاولات المصلحين ورسالات الرسل جات عشان تصل لتحقيق المجتمع السليم، ليْكون طريقَة منها الإنسان يصل لسلامته هو في نفسه.. المجتمع السليم هو غاية الحركة البنراها في الإصلاح كلها.. رسالات الرسل، نبوءات الانبياء، فلسفة الفلاسفة، محاولات المصلحين في جميع الاوقات كانت بتحاول أن تجد المجتمع السليم.. والمجتمع السليم بيعتبر زي الوالد الشرعي للإنسان السليم.. والمجتمعات بطبيعة الحال مرت بظروف كثيرة خالص، يعني تاريخها طويل بصورة مزعجة.. على أي حال يمكن الانسان أن يتصور المجتمعات البدائية الساذجة الموجودة هسع في الغابات، والفي الاحراش، حتى لو إتصورنا المجتمعات الموجودة وبتعيش على الرّعَى، ترعي بهايمها وتسكن في الحنَّاي.. الصور دي قديمة والمحاولات مستمرة دايماً لأن تتطور المجتمعات لتكون مجتمعات راقية، مجتمعات مهذبة، مجتمعات قوانين.. الناس مروا بحروب كثيرة وبعداوات كثيرة وبفقر كثير ومرض كثير، بجوع، مرض، موت.. ماشين باستمرار ليصلّحوا أوضاعهم ليصلوا للمجتمع السليم..أل.. كل ما الناس مشوا لقدام بيرحلوا من حالة الغابات، من حالة السكن في الحّناي والمتابعة للقش لرعي البهايم، ليسكنوا في المدن وفي القرى ليكونوا مزارعين.. ليكونوا صناعيين عمال وكل ما اتحركت المسألة في اتجاه الصناعة وفي الزراعة نلقى أنه المجتمعات مشت في تطوراتها الكبيرة.. ما كان الإنسان مزارع دايماً.. بدأ صياد، يصيد الحيوان.. بدأ يشعر بأنه اوقات كثيرة ما بلقي الحيوان البصيدو فبقي يألف حيوان من الحيوانات البرية البرّة، يدخلها في زريبته ويعلفها، عندما يقمح من الصيد في الخارج ويحتاج للأكل يضبح من بهايمه دي.. اتحول لأن يكون راعي.. اتحول لأن يكون مزارع.. اتحول لأن يكون صانع، وباستمرار هو ساعي لأن يصل للمجتمع البنسميه المجتمع السليم..
المجتمع سليم من شنو؟.. أهم حاجة سليم من العداوات والحروب لأنه دي الحكايه اللي عشنا عليها طول الوقت، ولغاية الآن ما نشوفه نحن مهدد المجتمعات ومهدد كيانا كلنا هي الحروب، لغاية ما وصلنا لدرجة أنه الحرب بقت تعني الموت المحقق لكل الناس - الناس المشتركين، الناس الما مشتركين، الناس المسلحين، الناس العزل، حتى الناس الأبرياء.. اذا قامت الحرب بالسلاح الحاضر – اللي هو القنبلة الهيدروجينية والقنبلة الذرية ويمكن تكون الغازات السامة والوسائل الحديثة - معناه أنه المجتمع ما بلقى سلامة حتى في دمُّه.. اذا كانت مسألة الحروب أمْكن أن نتغلب عليها بتكون في مسائل ضرورية لتجعل المجتمع سليم ومسائل ضرورية لتجعل ذاتو أن نجتنب الحروب.. اجتنابنا للحروب ممكن.. لأنه مجرد إنت ما تحب السلام ما بتصل للسلام.. إذا كان مثلا المجتمع فيهو الناس الفقراء خالص، وفيهو الناس الأغنياء خالص، دا ما بكون مجتمع مسالم.. والعداوات من بدايتها قامت حول المسائل دي - ناس مظلومين وناس ظالمين، ناس أغنياء، ناس فقراء، ناس عندهم سلطة، ناس ما عندهم سلطة، ناس أسياد وناس عبيد.. وبطبيعة الحال الفقير، المُستعبد، المستضعف، ما برضى بوضعو دا.. النزاع بجي هنا.. النزاع المستمر بجي من أنه الناس المستعبدين، الناس المستضعفين، الناس الفقراء، بحاولوا أن يجدوا فرص الغنى وفرص الحرية.. المجتمع، اذا كان قلنا المجتمع سليم مثلا من الحروب، برضو تجي مرحلة يكون المجتمع سليم من الفقر.. إذا كان في مجتمع فيه ناس أغنياء وفي ناس فقراء دا ما بكون سليم.. زي الجسم المعتل طرف منه، زي الجسم المشلول طرف منه، ماهو سليم بالمعنى دا.. هنا العداوات ما بتقيف.. إذا كانت السلامة في المحل الاول أن تكون من الحروب - من الحروب يعني من العداوات - يبقى ما يمكن ان يكون في سلامه للمجتمع اذا كان في ناس أغنياء خالص وفي ناس فقراء خالص.. حتى اذا كانوا الناس متساوين في الفقر، المجتمع ما سليم برضو، لأنه الفقير محتاج.. المحتاج الحاجة تسوقه الي المرض.. تسوقه الي الجهل بطبيعة الحال.. يبقى السلامة فارقته.. فالمجتمع يكون سليم من الحروب، يكون سليم من الفقر.. إذا كان المجتمع سليم من الفقر هو الحقيقة بكون قريب أن يكون سليم من الحروب.. زي بتأثر المجتمع بحالة الناس العايشين فيه.. إذا كان الناس حالتهم الاقتصادية كويسه.. الفقر مافي، الفقر المدقع الملجيء للغش والنفاق والكذب والتدليس والعداوات، إذا كان دا اتحسنت الحالة منه بتبع أنه المجتمع دا قريب من أن يتعلم لكن برضو بحتاج لمجهود ليتعلم.. المجتمع السليم برضو المجتمع الناسو متعلمين مجتمع يكون سليم من الجهل.. وأنا افتكر أنه دي النقطة الأساسيه اليمكن ان تبني عليها كل شئ.. المجتمع السليم من الجهل كل أشياؤه تاني بتبقي سليمة.. لأنه السلامة من الجهل بتنبني على مسائل كمقدمات وبتجي وراها نتائج.. المقدمات أهمها أنه الناس ماهم فقراء.. ماهم فقراء محتاجين بالصورة المدقعة.. برضو المجتمع يكون سليم من المرض.. إذا كان المجتمع سليم من الحروب، سليم من الفقر، سليم من الجهل، سليم من المرض، برضو في حاجة، يكون سليم من الخوف.. الخوف يمكن أسوأ أعداء الانسان.. والخوف نحن عشنا معاه زمن طويل لآخر درجة، من بدايتنا في الغابة، بإستمرار طريقنا محفوف بالخوف والمهالك، وبنحب دايماً بتنظيمنا في الجماعة أن ننتصر على الخوف، أن يجي الأمن.. إذا كان المجتمع عنده المسائل دي كلها أنا بفتكر أنه ممكن يكون سليم.. سليم من الحروب، سليم من الجهل، سليم من الفقر، سليم من المرض، سليم من الخوف، دا يمكنك أن تسميه مجتمع سليم.. المسأله دي موش ساهلة.. كل مجهود الحكومات مقّصِر دون المسأله دي، على إطلاقها.. لغاية اليوم مافي حكومة استطاعت أن تصل للمجتع السليم.. بس إذا كان إتصورنا المسألة دي يمكن أن نتصور كيف مسألة المجتمع السليم عزيزة.. الحكومات في محاولاتها المختلفه تحقق جانب من سلامة مجتمعها وتقصر عن جانب تاني.. ونحن في الوقت الحاضر بنعيش في مجتمع غريب، قبل كدا ما حصل.. ما حصل أنه المجتمع بِقى مربوط ببعض زي ما هو مربوط الآن.. زمان كان حتى في السودان ماتستطيع أن تسمى حالتنا حالة مجتمع.. مشايخ قبايل أو ملوك صغار، مقاطعات مختلفه، إدارات مستقلة مفككة.. بلاد العالم كله ما كان فيهو إتجاه لأن يكون المجتمع موحد.. لكن بإستمرار الناس ماشين للتوحيد دا.. يمكنك أن تقول أنه ديانات التوحيد من غرضها توحيد المجتمع لتصل لتوحيد الفرد.. التوحيد موش هي عبارة مثلاً "لا إله إلا الله محمد رسول الله".. دي عندها فعل في نفوس الناس.. حتى التطور في ناحية التوحيد، الآلهة قبل ديانات التوحيد كانت متعددة، لمن كانت الناس على عبادة الأوثان.. كل ناس عندهم وثن.. حتى قد يحصل أنه الاسرة الواحدة كل زول يكون عنده صنمو.. وبعدين الأصنام الصغيرة تخضع للصنم الكبير.. آ.. هنا تجي المسأله ماشة للتوحيد بالصورة دي.. لامن تقوم حروب، القبيلة المنتصرة آلهتها منتصرة على آلهة القبيلة المهزومة، ودا معناه سير للتوحيد، لغاية ما جات ديانات التوحيد ونحن ماشين في المضمار دا، والمجتمعات ماشه لتتوحد لتنجب الانسان الموحَّد، الإنسان الصميم، الانسان الكامل.. الشوط دا ماهو ساهل.. يمكن أن الواحد يفكر ليبلغ صعوبته أنه تاريخنا كله اليمكن أن تقول عليه مليون سنه.. يقدر الإنسان عايش في المجتمع بنحو مليون سنه.. كلُ دا نحن سايرين للنقطة دي.. لكن المجتمع الحاضر، مجتمعنا الحاضر، عايز حل سريع للنقطة دي، عايز المجتمع السليم بسرعة، لأنه إذا كان المجتمع السليم زي ما قلنا هو المجتمع السليم من الحروب وقلنا أنه الحروب في الوقت الحاضر معناها الموت للناس المشتركين والما مشتركين.. فالحروب في الوقت الحاضر ما فيها زول منتصر.. زمان كانت الحروب ما بتقّتِل ناس كثيرين بالصورة دي.. بجوا جيشين بيقيفوا صفوفهم موازية لبعض، الفرسان من هنا ومن هنا بطلبوا المبارزة، لعله إذا كان برز قائد الجيش دا مع قائد الجيش دا، واحد من القواد قتل التاني انتهت المشكلة.. الجيش اللي قائده انقتل أو ملكه انقتل أصبح مهزوم والدماء حقنت، وداك ليه أن يحكم بما شاء ويملي ما شاء.. المسائل دي ما عادت في الوقت الحاضر بالصورة دي.. بقت الحروب تأخد كثير جداً من الأرواح.. لغاية ما وصلنا الى السلاح اللو انطلق في تقدير بأنه لعله البشرية كلها تفنى.. ثم إذا ما فنيت البشرية، البفضل منها من حالات الإشعاعات الذرية البتطلع من الأسلحه الذرية دي، تخلي التشويه في النسل يمكن لميات السنين.. آ.. هنا المجتمع دا هسع واقف على حافة الحرب زي ما انتوا شايفنو.. مافي سلام.. الناس خايفين من الحرب.. نحن مما إنتهت الحرب الماضية ما عايشين في سلام.. مافي حرب إلا لأنه المجتمع البشري عرف ضرر الحرب وخايف من الحرب.. إذا كان الروس خايفين من الحرب لأنه الأميركان زي نُددا ليهم.. إن ما اتفوقوا عليهم موش أقل.. إذا كان الأميركان خايفين من الحرب لأنه العدو الثاني نديد ليهم من ناحية التسلح، من ناحية الإقتصاد، من ناحية الخبرة والعلوم.. بقى الحالة بتاعة السلام النحن عايشين فيها هسع سببها الخوف من الحرب.. والخوف من الحرب قد يمنع الحرب لكن قد يحصل سوء تقدير في أي طرف والمجتمع البشري يلقى نفسه في حرب بدون ما يكون محسِب ليها ومدبر ليها.. من أجل دا قام الاتصال التلفوني اللي بيربط واشنطون مع موسكو، عشان يكون في تفاهم سريع في الموضوع دا.. دي كلها محاولات لشعور الناس بأنه الحرب خطرها كبير لآخر درجة.. المجتمع دا فعلا عايز أن يصل للسلامة بسرعة.. المجتمع اللي خلاه واحد وقريب من بعض بالصورة دي، المواصلات.. كل أجزاء الأرض مربوطة هسع ببعض، ربط سريع وشديد.. أنا أفتكر أنه المسألة اللي خلتنا، زي اثنين وعشرين سنه مما إنتهت الحرب، ما وصلنا لسلام، هي أننا ما عارفين كيف نصل للسلام.. ما من شك أنه إذا كان إنت زي ما قلنا عايز ما تكون في حروب، بعدين أنا فقير وإنت غني، إنت بتتصّدق علي أو ما بتتصّدق ما بيعمل فرق كبير في الحقيقة، الفقير دا لايمكن أن يكون مسالم للغني.. ما تشوف العبارات المطلية ومغطية.. في داخل نفسية الفقير حقد وضغينة وكراهية للغني.. دي الكراهية والحقد والضغينة إن وجدَت فرصتها لأي صورة من العمل بتبرز.. إن ما وجدت فرصتها بتظل مكبوتة.. لكن العداوة المكبوتة هي في الحقيقة عداوة نشيطة، إذا كان نحن غفلنا عنها نكون غافلين، بنكون زي حكاية النعامة لمن تدفن راسها تفتكر لأنها ما بتشوف، ما بشوفوها.. العداوة موجودة معناها الحروب موجودة.. وإذا كان لابد أن يكون المجتمع سليم لازم يكون الفرد قلبه سليم.. لازم يكون في محبة، وئام، تعاون، ودا ما بجي إلا إذا كان في فعلاً محاربة للفقر في المكان الأول.. و.. الحكاية الوصل ليها المجتمع هسع أنه محاربة الفقر تقوم على أساس أنه الناس ينتجوا كثير.. كل الناس يعملوا.. كل زول قادر على العمل يعمل وينتج.. بعدين يكون في عدل في التوزيع للإنتاج دا.. ماتكون إنت صاحب عمل وأنا عامل عندك، مهما كان الأجر البتديني ياهو كبير.. العدالة الوصلت ليها الإنسانية هسع فيما سمي بالإشتراكية وقدم ليها السيد رئيس الجلسة هنا هي أنه الناس يكونوا أشراك في الخير.. أنا وإنت عمال وأصحاب عمل.. النتيجة البنطلع بيها، إنت تاخد منها أُجرتك وأنا آخد منها أُجرتي، لكن أنا وإنت عمال وأصحاب عمل، موش إنت صاحب عمل وأنا أجير.. بعدين ما يزيد عن إستهلاكنا نحن بيُعَطي منه الإنسان الما قادر ينتج لأنه عنده علة، لأنه عنده شيخوخة، لأنه عاجز، لأنه طفل.. يُعطي منه نصيبه في كرامة تامة، ماها صدقة ليهو.. حق.. بفضل المواطنية بصرف النظر عن عقيدته، بصرف النظر عن ملته.. دي الحكاية الوصلت ليها الإنسانية ودي ما سميت بالإشتراكية.. وما يمكن لإنسان واعي إلا أن يرى أنه دا وضع سليم تماماً.. والإشتراكية لسوء الحظ، فيما أعني البلاد الاسلامية، الاشتراكية زي اتربطت بالشيوعية أو بالماركسية.. الماركسية اللي هي أفكار كارل ماركس العليها الشيوعيين في الروس أو في الصين.. وعندنا أولادنا كثيرين بطبيعة الحال فيها وعندنا الحزب الشيوعي منها.. لكن الإشتراكية أوسع من مسألة الشيوعية العليها الصينيين أو عليها الروس.. الإشتراكية عمل إنساني قبل ما يجوا زعماء روسيا، - كارل ماركس اللي هو زعيم الفكرة بتاعة روسيا - قبل ما يجي، الاشتراكية موجودة، وبعد ما هو قال رأيه هنا في ناس إشتراكيين بيختلفوا عنه.. بس نحن هنا في السودان يجوز في الأقطار العربية على العموم، بيوهمونا الشيوعيين أنك انت إذا تتكلم عن الاشتراكية أنت لازم تكون شيوعي ماركسي.. طبعاً الشيوعية الماركسية مشى معاها الإلحاد.. الإلحاد أصِل في الماركسية.. وكثير طبعاً من الإخوان الشيوعيين بحاولوا يوروا أنه الشيوعية أو الماركسية ماها ضد الإسلام.. أو هم ما ضد الإسلام.. الكلام دا بكون كلام باطل.. إذا كان انت ماركسي او البعيد ماركسي لابد أنه ملحد دا أصِل من أصولها.. لكن كونو الاشتراكية اللي هي العمل المجيد الإنساني دا يرتبط بعمل إلحادي - بفكر إلحادي - دا الخطأ العندنا نحن.. الماركسيه خطأ، وهي داعية للاشتراكية.. يمكن نرمي الماركسية بعيد - نصحح الماركسيه - ثم نكون إشتراكيين بدون ما نكون ماركسيين.