الحــرية لنا ولســـوانا
اللجنة القومية للإحتفاء بيوم حرية التفكير والتعبير
تحيي ذكرى شهيد الفكر والصمود والبطولة الأستاذ محمود محمد طه وتقدم ملفاً خاصاً في ذكرى إستشهاده
مقالات .. قصائد .. مقتطفات من أقواله ومواد أخرى متنوعة
الإهــداء
إلى الشعب السوداني الطيب ، الذي أنجب الأستاذ محمود ، والذي سيظل ينجب الأحرار ، وينجب المفكرين . ثم إلى العالم الذي أضحت حاجته إلى الفكر الثاقب ، الذي به يتوحد الكوكب ، وبه يتحقق السلام ، والعدل ، والرخاء ، حاجة حياة . نهدي هذا الملف الخاص بذكرى إستشهاد رجل الفكر والسلام والحرية . الذي عاش مفكراً ، حراً ، فـذاً ، رائـداً ، في إبراز الوجه السلمي ، الحضاري ، للإسلام . والذي مات كأكرم ما يموت الرجال ، حيث قدم روحه الطاهرة فداءً لشعبه الطيب ، شعب السودان ، وهو يبتسم راضياً مسروراً .
اللجنة القومية للإحتفاء بيوم حرية الفكر الثامن عشر من يناير من كل عام الحرية لنا ولسوانا
18 يناير ذكري فداء العريس
صحيفة الحرية 22/12 / 2001 م مسارب الضي الحاج وراق
تتحدد الأخلاق في المجتمع التقليدي ليس وفقاً للضميرالفردي الحر، ولا العقل اليقظ، وإنما تتحدد كقالب سلوك نمطي معطي كبداهة غير قابلة للتساؤل (هذا ما وجدنا عليه آباءنا) ! فللزوج نمط سلوك محدد، ونمط للزوجة، وللأبناء، وكذلك أنماط سلوك عند الميلاد، وفي الزيارات، والعزاء، وفي الزواج، والوفاة إلخ وهي أنماط سلوك مكررة ورتيبة بحيث تتحول الي طقس (طبيعي) مثلها مثل مواسم الطبيعة .. ويراعي المجتمع التقليدي الإلتزام بأنماط السلوك هذه بمحدودية أعداد أفراده وعلاقات القرابة في الدم والمكان الذي تربط بين أفراده بما يفضي الي غياب الخصوصية وبما يوفر من إمكانات الرقابة الجماعية على سلوك أفراده، وبآليات العقوبة والعزل الإجتماعي التي توقع على العناصر المنفلتة أو عصية الضبط .... وهكذا فإن السلوك لا يحدده الإختيار الشخصي فى الخطأ والصواب، ولا تحدده المشاعر والأفضليات الشخصية وإنما مطلوبات " الرقيب الجماعي" ( أنا من غزية، إن غزت غزيت! ) . ولذلك فإن القيمة التي يلح عليها التقليد ليست الفضيلة في ذاتها وإنما "السترة" .... والمسافة بين الإختيار الشخصي وبين مطلوبات التقليد تسدها "المجاملة" "والمنافقة" -أي تناقض الظاهر مع الباطن! ولذلك كان الأستاذ محمود محمد طه أصيلاًََ واحداً وإستثنائياً في بحر القيم التقليدية المتلاطم في البلاد. دعا إلي " التوحيد" ليس كلفظة تردد بلا روح وإنما كتوحيد بين الظاهر والباطن .. ودعا إلي الإنسان الحر – وهو بحسب تعريفه – الذي يقول كما يفكر ويفعل كما يقول ثم لا تكون نتيجة قوله وفعله إلا براً بالأحياء وبالأشياء . وكان بأسلوب حياته كلها، وبرحيله كذلك، موحداً وحراً . أعطي مثالا ًعز نظيره في تطابق القول والممارسة . سمعته يقول "سيأتي نموذج الإنسان الذي يهزم تجربة الموت ويمشي الي الله مشياً.." وكان قوله فعله.... مشى في لجج الموت نازعاً حتي غريزة البقاء، وليس أقوى منها غريزة ، مشى هادئاً مطمئناً، بل وباسماً – إبتسامة الرضا برؤية إكتمال المسير خلف غبار الجزئي والمؤقت والعابر والشرير. مسير تحقق الحرية المطلقة والخير المطلق والجمال المطلق . وهو مسير كان منذ البدء، "حتماً مقضياً"، وعلي عكس ما يفهم الطغاة والأشرار ومروجو القبح فإن أفعالهم ذاتها بعض من ضرورات إكتمال المسير!!! ولذلك كان أيضاً يبتسم ساخراً من جهل الأشرار: يظنون ذواتهم وأفعالهم ومؤسساتهم تدوم الي قيام الساعة ولا يعرفون بأنهم عابرون ككلام عابر! إبتسامة التوحيد والرضا والمعرفة والجسارة كانت أيضاً إيذان ميلاد فجر جديد ، وكما إبتسامة الموناليزا عنوان نهضة أوروبا فإن إبتسامة الأستاذ/ محمود ستظل عنواناً لنهضة إهل السودان. عنوان إستحقاق العطاء: فلا حرية بلا فداء، والتاريخ لا يرقى في مدارج التقدم إلا علي مهاد التضحيات ، وقتها دفع المهر مع سخاء الإبتسام، وكان المهر العريس نفسه .. هلّل "الرجرجة" في سوق الموت، ولكن لأن الموت كان إعلان حياة جديدة، فإن هتافات الشماتة والهوس كانت بعضاً من إكتمال النشيد، ولم يقو حتى زعيقه الناشز علي إخراس زغاريد التاريخ بالزفاف! أثمرت الحروب الدينية في أوروبا فكرة التعايش مع الإختلاف، وأفضي إستبداد الحق الإلهي المدّعى وإصطياد الأفكار الجديدة وتفتيش الضمائر الى الأزمنة الحديثة – أزمنة الحرية. والكنيسة التي حّرقت العلماء وجرّمت الأفكار وصادرت الكتب ... كرّت عليها سنان المقاصل لترشد وتتواضع وتستعيد المشروعية. ودفعت البشرية أثماناً باهظة في الارواح في حروب الاستعمار وحربين عالميتين وما تزال لتكتشف قداسة الحياة الانسانية وضرورة السلام.... وهكذا دوماً نعاني ونبذل فنتعلم، ونصعد .... و18 يناير رغم شرور القتلة أذن بإلحاح لأهمية حرية الإعتقاد والضمير، وبهذا سيظل معلماً لا يزول في مسيرة أهل السودان والمسيرة الإنسانية قاطبة. ولأن حرية الضمير – بمعني حرية أن تعتقد ما تشاء – هي بداية كل حرية، وانتقاصها هو انتقاص كل حرية ، فإن 18 يناير جدير بالتوقير و الإحتفاء. وفي سبيل ذلك، وحتي يأخذ 18 يناير قيمته الإنسانية والتربوية فإنني أقترح أن تتضافر جهود جميع منظمات حقوق الإنسان محلياً وإقليمياً ودولياً لتأسيس جائزة دولية سنوية باسم : (جائزة الأستاذ/ محمود محمد طه لحرية الضمير) تمنح سنوياً للاشخاص والموسسات التي تقدم لمبدأ حرية الإعتقاد. أتمنى وأعشم في تبني المجموعة السودانية لحقوق الإنسان ورئيسها الاستاذ/ غازي سليمان لذلك.
صحيفة الحرية 20/3/2002 مسارب الضي الحاج وراقالحرية لنا ولسوانا
كتب الصحفي/ مكي المغربي مقالاً في صحيفة (الحوار) يهاجم فيه إحياء ذكرى حرية التفكير والتعبير الذي نظمه عدد من مؤسسات المجتمع المدني، والتي تختلف في الموقف من الفكر الجمهوري ولكنها تتفق في مبدأ واحد وهو حق الفكر الجمهوري في التعبير عن نفسه، ومن ثم فإنها جميعاً تدين إغتيال الأستاذ/ محمود محمد طه بإعتباره تعدياً بغيضاً وهمجياً على حرية الفكر والتعبير.... ولأن الإنسان لا يحتاج الي القناعة بالحرية لتمهيد السبيل للآراء التي يتفق معها فإن صدق قناعة كل انسان بمبدأ الحرية انما يتجلى في موقفه العملي من حرية التعبير عن الآراء التي لا يتفق معها . إن الموقف الديموقراطى الحق يلتزم ما قاله فولتير( قد أختلف معك في الرأى ولكني علي إستعداد أن أبذل روحي كي تعبر عن رأيك ). وتعدى الصحفي مكي / الحديث عن الذكري، ليجري تقويماً شاملاً لنشاط الحاج وراق ........ ولم تلفت إنتباهي الانتقادات العديدة التي ذكرها، لأنني لم أرجو أصلاً أن يتطابق نشاطي ومنظورات أنصار السنة، ولكن اللافت للانتباه حقاً أنه سود صفحة في النقد وظل مع ذلك ملتزماً أدب الخصومة الفكرية، فلم يجنح للتهتر أو اللداد، وهذا ما يحمد له، وهذه هي بوابة الدخول علي الحرية، ولعلها بوابة الخروج من هناك، للدخول الى آفاق التجديد والإستنارة. وإستثار مقال/ مكي المغربي رداً من الأستاذ / ابراهيم يوسف – وهو من قيادات الفكر الجمهورى – جاء فيه « .. لو ان السلفيين تتلمذوا علي مدرسة التقوى وأعطاهم القرآن من دقائق حقائقه لعلموا أن حقوق الإ نسان ودعوات الحرية ماهي إلاّ إرهاص واشارة للطاقة والحاجة لأصول القرآن التي ستوجه وتتوج حقوق الإنسان الحاضرة وتؤصلها دينيا،ً و لدعوا مع الصوفى : « اللهم لا تجعل فيّ رائحة ربوبية علي أحد من خلقك ». ولكن كاتباً سلفياً ضاق بالاحتفال بمبدأ الحرية لنا و لسوانا، بل ضاق بمساحة الحرية الضيقة المتاحة الآن للنشاط السلمى و المقاومة المدنية فقال « و لكن ياليته كان خصماً سياسياً شرساً همه انتزاع السلطة أو القسمة فيها فإن الامر سيكون عندها قاتلا و مقتول، للاسف جاءت صيغة المقاومة المدنية بما هو أسوأ ... رعاية و حماية لفرقة حكم علي صاحبها بالردة » و هذا الحكم الذي يهز به الكاتب السلفي قد ابطلته المحكمة العليا الدائرة الدستورية وأوضحت انه حكم سياسي, إذ أن المحكمة كانت ( انتهجت نهجاً غير مألوف و اسلوباً يغلب عليه التحامل مما جعل الاطمئنان الي عدالة حكمها امراً غير ميسور و عرضه للمعايير السياسية التي لا شأن لها بالأحكام القضائية ). و اذا كان تحامل الكاتب سببه الجهل فإني ادله علي مرجع حكم المحكمة العليا فهو صادر في القضية م ع / ق د / 2 / 1406هـ. اما اذا كان يعرف حكم القضاء الأعلى و يهز مع ذلك بالحكم الملغي، فانه بذلك يحكم علي نفسه لا علي الآخرين. أما حكمه الجزافى وزعمه « ان محمود محمد طه دعا الناس الي ترك الصلاة التي يصليها المسلمون .... » فإن من يظن بنفسه الدين و يتوهم أنه من دعاته بل حماته عليه أن يتذكر أن الدين هو الصدق والأمانة والبعد عن الخصومة الفاجرة. فافكار الاستاذ محمود مؤلفة في كتب عديدة تكررت طباعتها و كانت الامانة و المسؤولية الدينية توجب عرض افكاره من مصادرها كاملة و محاولة لانقاذ الكاتب مما تورط فيه أهديه فقرات من كتاب الاستاذ محمود ( تعلموا كيف تصلون ): ( هذا الكتاب يحاول ان يجعل تحقيق ( رسالة الصلاة ) ممكناً وهو ما من أجله جعل اسمه ( تعلموا كيف تصلون ) والصلاة اشرف عمل العبد فانه اذا كانت اعلي العبادات اللفظية هي « لا اله الا الله » فان أعلي العبادات العملية هي ( الصلاة ) .. وكيفية الصلاة غير معلومة لدي الناس بصورة كافية و قيمة الصلاة مجهولة عند الناس تماماً .. وإنما أردنا بهذا الكتاب الي تبيين الكيفية بصورة جلية والى اظهار القيمة من الصلاة اظهاراً كافياً يعيد اليها بعض ما تستحق من الكرامة و التفضيل » ص 25. وفي صفحتي 128 - 129 ورد « للعلماء و الفنانين و المثقفين و الاذكياء نقول صلوا !! فإنكم بالصلاة أولي !! صلوا !! فإنكم بالصلاة تحرزون الحياة الكاملة المتمثلة في حياة الفكر وحياة الشعور ذلك لأن بالصلاة تتم وحدة الجسد والعقل والقلب .. صلوا !! وعلى منهج هذا الكتاب وستحمدون سعيكم إن شاء الله » كتاب ( تعلموا كيف تصلون ) و في الختام اذا كان من احتفلوا بالحرية لنا و لسوانا كانوا مستظلين بالآية الكريمة « وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر » ومدعي حماية الاسلام لم يجد من الاسلام العظيم ما يبشر به انسانية حقوق الإنسان وحرية العقيدة الاّ الدعوة الي حكم الرده فإى الفريقين ضد الإسلام؟ !! و أخيراً فإن السيد وزير الارشاد الديني قد وعد بأنه سيدعو لتاسيس حق المواطنه المتساوية لجميع المواطنين رغم اختلاف اديانهم و عقائدهم وأنه سيقيم حواراً اسلامياً - اسلامياً وحواراً اسلامياً مسيحياً لتحقيق مبدأ حق المواطنة المتساوية ونأمل ان ينجز وعده .. و حتي لو لم نكتشف بعد وجه الاسلام السلمي العاصم من الهوس و المقدس للحرية فان الأسلم لنا ان تتجه الدولة و ان يتجه الوزير اتجاهه الاخير هذا وقد صاح السيد محمد طه في قومه، إن كان هناك من يسمع، بجريدة الوفاق منذ 24 / 1 / 2002 فقال « لماذا تتراجع السلطة لارضاء شرائح صغيرة تتحرك بعواطفها فقط كشأن بعض الجماعات الدينية التي تتناسى أن في البلاد دستوراً يجب أن يحترم وأن السودان ليس معزولاً عن العــالم وليس مسـتعداً لتلقي الضربـات التي تلقاها الملا عمر في افغانستان من الداخل ومن الخارج» كما قال. ان الرئيس البشير قد قال « نحن نعي جيداً المتغيرات في العالم بعد احداث سبتمبر » !!ابراهيم يوسف
صحيفة الرأى العام 25 يناير 2002
تحقيق سياسى : أى قضاء تحمي ... جامعة النيلين ؟
أعلنت جامعة النيلين انها ستظل تحافظ علي التشريعات الديمقراطية والحريات السياسية التي تنتهجها الدولة. وهذا اعلان عظيم سيما وانه يصدر من مؤسسة اكاديمية الاصل فيها رعاية الحريات وكفالة حق البحث وصيانة حق التعبير .. ولكن المفارقة التي تلجم ألسنة المراقبين والمفكرين علي حد سواء ان هذا الاعلان انما جاء ضمن حيثيات اخرى لتبرر رفض الجامعة قيام ندوة عن ( الفكر و الحرية ) مما يثير الف استفهام عن مدى جدية الجامعة في التزامها بما اعلنته او ما اذا كانت الجامعة تعني بتلك التشريعات الديمقراطية تلك القوانين التي يعتبرها ( المعارضون ) مقيدة للحريات . وقالت الجامعة كذلك انها تضم اكبر كلية للقانون تخرج منها اغلب القضاة و المحامين و المستشارين و تاسيساً علي ذلك فلن تكون الجامعة منبراً لسب القضاء او التشكيك في نزاهته . وهذا قول معقول و مسؤول ولا يمكن الاختلاف معه او حوله. ولكن يبقى السؤال هو اي قضاء تعني الجامعة ؟ هل تعني محكمة الموضوع التي نشأت استثناء بقانون للطواريء ام محكمة الاستئناف التي استجلت حيثيات قضية اخرى غير تلك التي رفعت لها لتؤسس عليها حكما جديدا ؟ ام تعني رئيس الجمهورية آنذاك الذي تجاوز سلطاته المنصوصة في التاييد أو التخفيض أو الالغاء وحول الى جزء من الهيئة القضائية يناقش الحيثيات و يصدر الاحكام ؟ ثم ألا ترى الجامعة في اولئك النفر الذين اجتمعوا بعد ذلك و قضوا ببطلان الحكم جزءاً من الهيئة القضائية التي يجب احترامها و توقيرها ؟. و في رأي المراقبين ان بيان الجامعة الذى برر الغاء الندوة بحجة عدم السماح بسب القضاء لا يختلف كثيراً عن المبررات السياسية التي قادت محمود محمد طه الي المقصلة بحجة الخروج عن الملة !! ما ميز محمودا عن الآخرين انه قال ما قاله و السلطان في قمة سطوته ... و كلهم لحقوا محمودا بعد ذلك في ادانتة ( قوانين سبتمبر ) .. حتى الذين كانوا يدافعون عن تلك القوانين اقروا بتعديلها و اصلاحها لاحقا .. و الذي ميز محمود انه قال كلمته و استظل بها حتى دفع روحه واقفا ثمنا لها . فاذا كان محمود قد اغتالته السياسة ... فأشبه بها تلك التي وأدت ( ندوة الفكر و الحرية ) . محمد لطيف
صحيفة أخبار اليوم25 / يناير 2002اللجنة القومية للاحتفال بيوم الفكر ترد على بيان جامعة النيلين الحاج وراق ينتقد الغاء ادارة الجامعة لندوة محمود محمد طه
إتصل بـ « أخبار اليوم » أمس السيد الحاج وراق الأمين العام لحركة حق و مقرر اللجنة القومية لإحياء ذكرى يوم حرية الفكر و التعبير معقباً علي البيان الذي أصدرته جامعة النيلين أمس الأول ونشرناه بعدد الأمس حول ملابسات إلغاء ندوة الفكر والحرية والتي كان من المفترض أن تقام بالجامعة بمناسبة مرور 17 عاماً علي إعدام محمود محمد طه.. حيث قال البيان ان الجامعة ظلت تتيح العمل السياسي الحر للتنظيمات المعارضة و الموالية للحكومة و أن الجامعة بها اكبر كلية قانون بالسودان وتخرج منها اغلب قضاة السودان و محاميه و مستشاريه لن تكون منبراً لسب القضاء او التشكيك في نزاهته او النيل من هيبته وأن الجامعة ستظل منبراً للحوار الفكري القويم و الصراع السياسي الملتزم كما أنها لن تكون منبراً للتهريج السياسي الذي وأد الأنظمة الديمقراطية في نهاية الستينات و الثمانينات . و قال الحاج وراق لـ « أخبار اليوم » إن اللجنة القومية المشار إليها تضم طائفة واسعة من مؤسسات المجتمع المدني منها الجمعية السودانية لحقوق الإنسان – جمعية التنوير الثقافية – مركز الدراسات السودانية و مركز الفنار وعدد من المؤسسات السياسية . و أضاف بأن اللجنة القومية المشار إليها انتخبت الأساتذة على محمود حسنين رئيساً و غازي سليمان رئيساً مناوباً و الحاج وراق مقرراً. و اضاف بأن اللجنة خاطبت اتحاد طلاب جامعة النيلين عبر جمعية الشروق الثقافية ووافق الاتحاد علي قيام الفعالية يوم 22 يناير الماضي بساحة النشاط وهي تابعة للإتحاد. وأضاف قائلاً: وفوجئنا يوم 22 يناير الماضي صباحاً بإغلاق مقر النشاط الطلابي " بأقفال" جديدة وعلمنا بأن الاتحاد إستفسر حول هذا الأمر عميد الطلاب بالجامعة ولكنه أفاد بأن القرار أصدره المسؤول عن الحرس الجامعي وبالرجوع إليه أفاد أنه تلقى أوامره من لجنة الأمن العليا بولاية الخرطوم لإيقاف هذا النشاط. وقال وراق إنهم بعد هذا الموقف انسحبوا وقاموا بعقد مؤتمر صحفي بمكتب الأستاذ غازي سليمان المحامي. و حول ما ورد بالبيان من رفض إدارة الجامعة لتحويل المنبر لمنبر سب للقضاء , قال وراق إن هذا يتناقض مع الحقيقة وشرح بأن المحكمة العليا عام 1986م ألغت الحكم الذي صدر بإعدام محمود محمد طه واعتبرته كيداً سياسياً. واضاف قائلاً وحتي إذا تجاوزنا هذا الأمر فمن أين علمت إدارة الجامعة بأننا سنتعرض للقضاء؟ وهذا بمثابة إستباق للأحداث ومحاكمة للضمائر وهي نفسها التي حوكم بها محمود محمد طه. وقال الحاج وراق إن هدفهم من الندوة لم يكن التعرض لأفكار محمود محمد طه وإنما يريد أن يرسخ لفكرتين أساسيتين.. الأولى: حق الإنسان في أن يعتقد ما يشاء ويعبر عن ذاته.. الثانية: إدانة قتل المفكرين أياً كان موقفنا من أفكارهم. إذا أننا لم نستطع أن نحتمل مسلماً في أفكاره فكيف يمكن أن نحتمل الأديان ألاخرى وكيف يمكن أن نقيم دولة تبنى فيها الدولة علي المواطنة؟ وفي معرض رده علي سؤال من(أخبار اليوم) حول ما تردد عن خروج هذا العمل من أهدافه وأن الغرض منه هو محاربة النظام القائم ومحاكمة رموزه بإعتبار أن الحركة الإسلامية كانت متحالفة مع النظام المايوي عندما تم إعدام محمود محمد طه.. أجاب الحاج وراق: الهدف الأساسي هو إعلاء قيمة الفكر والتعبير ونحن نتمنى أن يرتفع الإسلاميون لهذه القيمة . وفي سؤال آخر بأن هذا التجمع هو تجمع لليسارين وأصحاب المواقف المتطرفة ضد الحكومة مما يشير الى أن أهدافه سياسية معادية.. قال الحاج وراق: رئيس اللجنة هو القيادي بالحزب الإتحادي الديمقراطي الأستاذ علي محمود حسنين ولقد كان إختيارنا للمشاركين في تلك الندوات مبني على معايير شخصية تنبني على مواقف من حرية الفكر والتعبير أو من لهم صلة بالواقعة المشار اليها ولقد إخترنا بعضاً ممن هم محسوبين على الإنقاذ مثل د. مالك حسين والسيد فيلوثاوس فرج للمشاركة بالحديث.
صحيفة الحرية20 ديسمبر2002مسارب الضي الحاج وراق المثقفون السودانيون هل يسهرون لحماية حقوق الإنساناداء لمسؤلية الثقافة ووفاء لدين الشعب الذي علمهم؟
الأخ الكريم الحاج وراق إنني أهتم بجريدة "الحرية" خاصة باب "مسارب الضي" والأمل أن نسعى ليعم الضياء وتشرق الأرض بنور ربها فيتحقق الموعود بأن تملأ الارض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً . وما أبشع الظلم خاصة عندما يقع على طلائع الإنسانية الذين يقودونها لمستقبلها العظيم مثل الأستاذ محمود محمد طه الذي نستقبل ذكرى إستشهاده في يوم 18 /1 ونحن نمر بيوم الإحتفال بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد كان إغتيال الأستاذ محمود جريمة همجية روعت العالم وهزت الضمير الإنساني فاستنكرها العالم وفي مقدمته المنظمات العربية والأفريقية والدولية وتناولت صداها البشع كل وسائل الإعلام العالمية، كما كانت شجاعة الأستاذ محمود وجهره بكلمة الحق أمام السلطان الجائر محل تقدير وإكبار عالمي ومن نماذج ذلك قول الاستاذ فتحي رضوان رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان " يشرف المواطن العربي أن يوجد بين إخوانه في هذا الوطن من يواجه طغيان الحكام بثبات ورباطة جأش رافضاً أن يتعاون مع هذا الطراز من المحاكم والقضاة وأن يتمسك برأيه ولا يخاف حتى حينما يصل الأمر إلى التهديد بالموت". ونشرت صحيفة العرب القطرية عن " تعاطف الطبقات السياسية والمثقفة في السودان مع غاندي أفريقيا " كما وصفت، وأذاعت وكالة الأنباء الفرنسية أن الأستاذ " قابل الموت وهو يبتسم" ونعتته الصحف الأفريقية بأنه قديس " قال للطاغة لا" وقالت سيدرك المسلمون قريباً ان الرجل قد كان قديساً " لأنه قبل أن يموت من أجل أن يعيش أخوانه بصورة أفضل " كما قالت صحف أتاوا " أن محمود جزء من آلام المخاض المتأجج لأفريقيا الحديثة" كما دفعت فداحة المأساة وصدور الحكم الجائر إلى مجاهرة أثنتي عشر نقابة سودانية بمعارضة السلطة وتوالت النقابات والتنظيمات الساسية وهنا ولد التجمع الذي قاد الإنتفاضة التي أسقطت النظام بعد 76 يوماً كما حركت المأساة المنظمة العربية لحقوق الإنسان واتحاد المحامين العرب والمحامين المصريين لارسال وفد للسودان لاستنكار ذلك الحكم. الاحتفالات بالاستاذ محمود وذكرى استشهاده يوم لحقوق الانسان في الوطن العربي كان من المبادرين بالاحتفال الاحزاب البريطانية الثلاثة العمال والمحافظين والاحرار. وقد أقيم الاحتفال بمجلس العموم وقد قال متحدثهم ان ما حصل لمحمود ينقص من قيمتنا نحن المجتمعين ومن قيمة أي انسان على "ظهر البسيطة" قال هذا بحسه الانساني بدون أن يعلم الآية الكريمة "أنه من قتل نفساً بغير نفس أو افساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً" واستقبلت القاهرة ندوة جامعة، في أكبر تجمع لم تشهده القاهرة منذ السبعينات وكان من أهم توصيات هذه الندوة إعتبار يوم إستشهاد الاستاذ يوماً لحقوق الانسان في الوطن العربي، كما نشرت منظمة حقوق الانسان العربي ملفاً كاملاً عن المحاكمة وأفكار الاستاذ والادانات لما حصل كما استقال نائب من برلمان وادي النيل احتجاجاً. وحتى عام 1994م قد واصل الاخوة المصريون إهتمامهم بموقف الاستاذ فقد نشرت مجلة "الفكر والفن المعاصر – القاهرة – العدد 134 يناير 1994م " حيثيات المحاكمة وتداعياتها كاملة وقالت " في اطار إهتمام القاهرة بحقوق الانسان وايمانها بالدفاع عن حرية الرأى والحوار الخلاق بين أي من اطراف المنظومة الاجتماية ننشر هذا النص الذي يصور حالة من الحالات الفريدة في تاريخ العرب السياسي والفكري، حالة يشيب لهولها الولدان، هي حالة الاغتيال المعنوي والمادي للمفكر الاسلامي السوداني المرموق محمود محمد طه الذي لم يمارس عنفاً ولا حمل سلاحاً" وقد استخرجت الحيثيات من شريط فيديو المحاكمة للمخرجة السينمائية الشهيرة عطيات الابنودي. حيث أعدت فيلماً تسجيلياً عن الاستاذ بعنوان "القتلة يحاكمون الشهيد" وقالت الاستاذة عطيات "إني احس بعد كل هذه السنوات بأن الاستاذ محمود محمد طه وافكاره ملك لنا وليس للسودانيون فقط. أو كما كان يسمى بحركة "الاخوان الجمهوريون" لقد اصبح ملكاً لكل من انتمى للثقافة العربيةالاسلامية ملكاً للمسلمين وغير المسلمين في اوطاننا المتحدثة باللغة العربية وهو أولاً وأخيراً ملك للتجربة الانسانية جمعاء" كما ان مركز دراسات حقوق الانسان بمصر يحتفل بذكرى استشهاد الاستاذ سنوياً ويقدم شريط مواجهة الاستاذ للمحكمة والسلطة. هذه بعض مواقف المنظمات المصرية الشقيقة اما في السودان فرغم ان الاستاذ قدم على المسرح العالمي نموذجاً اسطورياً للشجاعة السودانية وقدم نفسه فداء للمستضعفين الذين لم يجدوا من الاسلام على يد قوانين سبتمبر الا السيف والسوط كما قال. كما قدم الاستاذ نموذجا من السودان أمكنه أن يهزم الموت بالعلم بالله وبحقائق الوجود وبحقائق الموت التي قال الاستاذ إن من يعلمها يصبح الموت عنده أحب غائب ولان التوحيد عند الاستاذ محمود هو وحدة الفكر والقول والعمل ، فقد طبق الاستاذ قوله هذا عملياً على منصة الاعدام مجسداً بذلك التحرر من الخوف، ورغم كل ما قدمه الاستاذ لشعبه الذي كان يحبه ويكبره ويقول انه شعب عملاق يتقدمه أقزام ورغم ان جهره بكلمة الحق عالية امام السلطان الجائر قد خلص امته من عار الصمت عن الحق فان الاحتفال واحتفاء الاخوة المصريين بالاستاذ اكثر من احتفالنا نحن كسودانيين مع ان الاحتفال بالاستاذ هو احتفال بحقوق الانسان وبالحرية لنا ولسوانا، فهل السبب لان المثقفين اقاموا بمصر مؤسسات مجتمع مدني راسخة وبها العديد من مراكز حقوق الانسان المستقلة أم لاننا لا نتهم بطلائعنا مهما قدموا من مواقف مشرفة أم لاننا أسرى لنظرة الفرق الدينية المتعصبة ولم نرتفع بعد للنظرة القومية التي تعتبر أي انجاز سوداني هو رصيد وفخر للامة السودانية وأين نحن من إحتفال جامعة أوهايو بامريكا بالاستاذ كبطل أفريقي في فبراير2001 م. كان التجمع يحتفل بالاستاذ وبذكرى استشهاده في نادي اساتذة جامعة الخرطوم ايام كانت لنا مجتمعات مستقلة وفاعلة ثم ساد الصمت ولم تنقذنا عن الصمت عن هذا الامر العظيم الا جمعية الثقافة والتنوير "حق" التي احتفلت بذكرى الاستشهاد العام الماضي كما ان عددا من الصحف قد فتحت صدرها للمقالات. إن احداث امريكا المأساوية قد أظهرت عجز الحضارة الغربية في قمتها عن حفظ الأمن الداخلي خلي عنك عن أمن وسلام العالم "القرية" كما أن فشل تجربة طالبان الدينية السلفية قد دل على أن المسرح قد اصبح خالياً من أية مذهبية متكاملة تقود العالم "القرية" للسلام وهذا يقتضي ويؤكد حاجتنا لاعادة النظر في كل الفلسفات وفي فهمنا للاسلام خاصة ذلك لان الاسلام في حقيقته وهو مدنية المستقبل الانساني ولم لا ندرس فكر الاستاذ فمن يدري فلعل الحجر الذي رفضه البناءون هو حجر الزاوية. إبراهيم يوسف
صحيفة الحرية 18/ يناير/ 2002
آمـال عبـاس
قررت تجمعات المجتمع المدني والناشطون في مجال حقوق الإنسان الاحتفال بذكرى اعدام الشهيد الاستاذ محمود محمد طه واتخاذ اليوم الثامن عشر من يناير من كل عام يوماً لحرية الرأي والتعبير.. وذات اليوم سبق أن اعلنته منظمة حقوق الانسان العربي يوماً لحقوق الانسان في الوطن العربي. قرر اجتماع عقد بمنزل الاستاذ غازي سليمان المحامي ضم المجموعة السودانية لحقوق الانسان ومركز دراسات التنمية الاجتماعية ومركز الدراسات السودانية وجمعية التنوير الثقافية والناشطين في حقوق الانسان وبعضاً من تلاميذ الشهيد وتم إختيار الاستاذ الحاج وراق مقرراً للجنة القومية والاستاذ حيدر خيرالله منسقاً للبرامج. وتم تكليف جمعية التنوير بالاتصال ببقية هيئات ومنظمات المجتمع المدني كما كلفت المجموعة السودانية لحقوق الانسان بالاتصال بمنظمات حقوق الانسان الاقليمية والدولية... وأقر المجتمعون الجائزة السنوية التي تحمل "جائزة محمود محمد طه لحرية التفكير والتعبير" وقد تقرر احياء الذكرى أمسية الثلاثاء 22 يناير 2002م. جميل أن يحدث هذا وعظيم جداً أن يتنادى الاحرار في سبيل إعلاء شأن قيمة الحرية في التفكير والتعبير من أجل أن تتواصل مسيرة الانسان السوداني نحو مجتمع العدل والحرية والنور. في مثل هذا اليوم الثامن عشر من يناير عام 1985 اهتز الضمير الانساني والعقل السليم في السودان بصورة خاصة وفي العالم باطلاقه .... اهتز ضمير الذين يدركون بشاعة أن يحاكم الفكر في اطار معطيات التقلبات السياسية. كان من المخجل والمؤسف أن يوصم بالكفر من يحاول ممارسة الفكر وأن يكون التكفير هو عقاب التفكير.. وهو جريمة في أى مجتمع وفي أية لحظة تاريخية.. وبالمقابل كانت هناك على الدوام عقول متوهجة وضمائر يقظة آثر أصحابها التضحية بحياتهم ثمناً للفكر الحر لوجه الله وفي سبيل حياة أفضل للانسان خليفة الله على الارض. اقامة محكمة للاستاذ محمود محمد طه والحكم باعدامه كانت سقطة مايو الكبرى وجريمتها السياسية البشعة في العقد الاخير من القرن الماضي.. القرن العشرين.. فقد كان الامر ليس امر دفاع عن الاسلام بقدر ما هو اغتيال سياسي رتبت له بعض الجماعات السياسية الملتحفة بالاسلام والتي في الاساس كانت مستهدفة ايجابيات ثورة مايو وللاسف فقد استطاعت أن تدفع برئيس الجمهورية الرئيس نميري الى ممارسة الاختلاف الفكري في قاعات المحاكم وأعواد المشانق بدلاً من المنابر. ولأن الفكر لا يموت وان طالت يد الغدر السياسي حياة اصحابه وسمعتهم وعقيدتهم فالفكر أعظم ما كرم الله به الانسان وعلى مخلوقاته كافة ، كان الاستاذ الشهيد محمود محمد طه يمارس فضيلة التفكر والتأمل المسؤول في الشأن الانساني. يسبر غور الدين الاسلامي الرسالة الخاتمة للإنسان.. رسالة أن يعم الخير ويسود العدل.. ولكن مازالت بعض الجماعات وبعض الاصوات ترفع راية الدين الاسلامي وتخرج على الناس بدعوى أنهم وحدهم المسلمون الناجون من النار وغيرهم كفرة وزنادقة مثواهم النار وبئس المصير.. انهم يسيئون للاسلام ولثورة الاسلام المتقدة دوماً من أجل العدل والمساواة.. والقائمة اساساً على الفكر والعقل لا على البندقية والسكين والفوؤس. ستبقى ذكرى الاستاذ محمود محمد طه قيمة نضالية تمجد الصمود وتدين ممارسة التكفير في وجه التفكير. هذا مع تحياتي وشكري
صحيفة الحرية 18 يناير 2002 سكناب .. أبوبكر الأمين
في ذكرى استشهاد الاستاذ محمود محمد طه
قذف بعض التلاميذ وصغار السن بتحريض من بعض القوى السياسية التقليدية مجموعة من حملة الكتاب الجمهوري بمدينة كوستي في عام 1975 على ما أظن وكان الاخوان الجمهوريون يقومون حينها بحملة كبيرة في المدينة موجهة لمواطنيها أجمعين، كانت الواقعة التي بدت لنا عادية محل اهتمام الاستاذ محمود محمد طه وقد توقف عندها بالتامل ورآها كظاهرة خطيرة تنذر بشر عظيم لأنها متعلقة بالأجيال القادمة ولانها متصلة بالعنف في الحياة الفكرية والسياسية. ومثلما كان شهيد الفكر يلتقط دائماً أول الخيط ويدهشك بمقدار من العمق والتناول غير المسبوق ويطرح كل ذلك في بساطة ومباشرة وسهولة اقترح الجمهوريون عقد ندوة حول هذه الظاهرة وارسلت الدعوات بسرعة للعديد من وجهاء وأعيان ورموز مدينة كوستي وكنت وصديقي فاروق بلول نقضي اجازة بالمدينة وكانت صلتنا بالاخوة الجمهوريين وطيدة ولم ينس الذين حملوا الدعوات أن يضمونا الى قائمة هؤلاء الوجهاء والاعيان. وجلسنا في مقاعد الندوة نستمع الى طرح شامل صارت فيه تلك الواقعة حدثاً جللاً لابد من تلافي عواقبه قبل أن تتخرج على أيدي المحرضين اجيال مشربة بالعداء والعنف ولا تعرف فضيلة المناقشة والحوار. وكنت قد لاحظت أن الشهيد الاستاذ كان وهو يرد على الاسئلة والمداخلات يحرص على ذكر اسم السائل وخطر لي أن هناك من يبعث اليه بورقة يعرفه فيها باسم المتحدث لكني لم أرى مثل تلك الورقة ومضى بي التفكير (الواقعي) الى أن الاستاذ يعرف معظم الحضور بسبب علاقته السابقة بالمنطقة عندما كان يعمل مهندساً في المشاريع الزراعية بالنيل الابيض ولكني أفقت من هذه (الواقعية) عندما ناداني باسمي وهو يرد على سؤالي الذي كان مصاغاً بطريقة تعلمناها في دروس المساجلات الطلابية التي تهدف الى ارباك الخصم لا الى كمال الحجة والمنطق، قلت للاستاذ الشهيد: أنتم الآن تحتجون على بعض الصبية الذين قذفوا الجمهوريين بالحجارة وتغضون الطرف عن أكبر المجازر التي لا عنف أكبر منها عندما علق أنبل الرجال على المشانق من أمثال عبد الخالق محجوب وتؤيدون نظام مايو الذي مارس ذلك العنف... وبهدؤ شديد واطمئنان شامل قال لي كلمات وان كنت لا اتذكر الآن نصها بالضبط إلاّ أنه ذكر ما معناه انني اناقش مسألة مهمة هي ذاتها التي يطرحونها للنقاش حتى لا يكون حسم الخلاف عبر العنف والفرق اننى أتحدث عن الماضي وهم يتحدثون عن المستقبل وأنا أتحدث في السياسة وهم يتحدثون في التربية التي هي عاصم الآجيال الجديدة عن اقتراف تلك الاخطاء وقال كلمات خيّرة في حق الشهيد عبد الخالق وعرفت في لحظة قصيرة ما لو قضيت العمر كله ما عرفته عن مفكر سوداني كان خلاصة أخيرة لصوفية خلاويها موغلة في القرون وبهمة كما قال الشيخ تاج الدين البهاري (تصلح لإقامة الدين).
صحيفة الوفاق 15/2/2002 لله والحرية - محمد طه محمد احمد
عودة الروح للجامعات ورفض تحول الطلاب الى نباتات ظل (1) واجب المكاشفي والمهلاوي الدفاع عن حكمهما الذي نقضته المحكمة العليا ندوة الاسلاميين في قلب الشارع زادت حرج البروفسير عوض حاج علي
في الوقت الذي كانت فيه ادارة جامعة الخرطوم بالتعاون مع لجنة الطلاب تنشط في تنظيم سمنار دراسة أسس اعادة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في الفترة من 12 الى 13 فبراير الجاري كان الطلاب الاسلاميون الوطنيون في جامعة النيلين يفتتحون اسبوعهم السياسي في الشارع خارج مباني جامعتهم الممتدة في ساحاتها ومساحاتها وبدأ اسبوع الاسلاميين بندوة عن الفكر الجمهوري واعدام داعية هذا الفكر المهندس محمود محمد طه في يناير 1985 بعد ادانته بالردة عن الاسلام. وما بين سمنار جامعة الخرطوم الباحث عن اتحاد الطلاب (كوسو) واسبوع الاسلاميين في الصيوان المنصوب في الشارع تختلف عقلية ادارتي الجامعتين العريقتين في السودان،، جامعة الخرطوم التي وضع بذرتها المحتل البريطاني حينما اسس كلية غردون التذكارية ثم مدرسة كتشنر الطبية وجامعة القاهرة فرع الخرطوم التي اسسها المصريون منذ مدرسة فاروق الثانوية التي تحمل اسم ملك مصر والسودان كما يجب ان يطلق على نفسه فهو فاروق بن فؤاد ملك مصر والسودان. ان الجامعتين العريقتين في السودان قامتا بجهد دولتي الحكم الثنائي الانجليزي المصري وان شئنا فلنقل ان الجامعتين قامتا في ظل الاحتلال وان كان المصريون يقولون ان احتلال بلادهم للسودان كان اكذوبة وكانت مصر محتلة من بريطانيا مثلها مثل السودان المهم ان الجامعتين قامتا بارادة غير سودانية فلا تفسدهما او تعوق طريقهما الارادة السودانية سواء كانت ارادة سياسية او اكاديمية . ان الارادة السياسية قد تظن وتسرف في الظن انها اذا سدت ابواب النشاط الفكري والسياسي في الجامعات فهي تكسب بذلك طول البقاء والاستقرار والاستمرار لان كل النظم الحاكمة في السودان هزها واطاح بها النشاط المعارض الذي تحصن بالجامعات والمدارس العليا وانطلق منها. نعم ان بريطانيا نفسها عجلت برحيلها عن السودان وفقدت اغلى لؤلؤة التاج البريطاني منذ بدأ مؤتمر الخريجين في خوض ساحات العمل العام ومنه انبثقت المنظمات والاحزاب السياسية كما شجع على فكرة المنظمات النقابية وهكذا بدأ نضال (القوى الحديثة) في السودان والتي جذبت القوى التقليدية للساحة فانضم المتصوفة والطوائف والجماعات الدينية للمنظمات السياسية للحركة وللجبهة الاستقلالية فنشأت احزاب الاتحادي الديمقراطي والامة والشيوعي والاخوان المسلمين والحزب الجمهوري الاشتراكي وهكذا. نعم كان من الممكن منذ البداية للانجليز ان يتركوا السودان في جهله وتخلفه يزرع اهله القطن والقمح والذرة ويطقون الصمغ ويحصدون النخيل ويرعون الجمال والابقار ويذهب انتجاهم لبريطانيا العظمى فتدور مصانعها في لانكشير ولكن لندن فتحت نوافذ اطل منها نور التعليم وكذلك فعلت مصر فكانت المدارس العليا التي تحولت فيما بعد الى جامعتي الخرطوم وجامعة القاهرة بالخرطوم او النيلين في عهد البروفسير حجر والبروفسير عوض الحاج علي. المهم ان التعليم النظامي كله هو هدية خارجية لنا فلا نفسده بحسابات سياسية ضيقة وهي حسابات يقول العقل انها خاطئة وهي السم الذي يطبخه الطباخ ثم يتذوقه وفيه هلاكه قبل ان يهلك خصومه. ان الاستاذة امال عباس السياسية الناشطة في عهد مايو 69 – 1985 قالت وهي تتحدث في ندوة الطلاب الاسلاميين الوطنيين الذين نصبوا صيوانهم في الشارع قالت (انها تحمد للطلاب الاسلاميين ان جنبوا مدير جامعتهم الحرج حينما اقاموا اسبوعهم في الشارع لانه سبق ان منع ندوة في ذكرى اعدام المهندس محمود محمد طه بدار الاتحاد). ولكن السؤال هل جنب الطلاب الاسلاميين المدير البروفسير عوض الحاج علي ام احرجوه اكثر واكثر حينما نجحت الندوة عن الفكر الجمهوري وتمت بصورة حضارية وبهدوء كامل واحترام واضح من الطلاب للمتحدثين ومن الطلاب للطلاب فلم يقذف احد بحصاة دعك من الطوب ولم تستخدم عصا خيزران لضرب احد دعك من السيخ ولم يحدث عراك يقتضي تدخل قوات النجدة والعمليات لتطلق الغاز المسيل للدموع بل ولم يلاحظ احد وجود رجل شرطة واحد ولو على بعد 100 متر من الندوة. كلا كل شئ يتم بسلام وتتفرغ الشرطة لحراسة البنوك والمؤسسات ومطاردة العصابة التي نهبت في وضح النهارالبنك الاهلي بام درمان ووضعت الموظفات والموظفين تحت تهديد السلاح الناري ثم خرجت بالرزق الحرام. نعم كل شئ هادئ في الشارع الواسع في جامعة النيلين ولذلك فان الاسبوع السياسي للطلاب الاسلاميين الوطنيين احرج المدير الحالي لجامعة النيلين البروفسير عوض الحاج علي وهو من الجيل الثاني في الحركة الاسلامية ودرس في جامعة الخرطوم ثم اصبح مديراً لجامعة النيلين وهو من اصحاب العقليات الاكاديمية ولو كان سياسياً لما دخل في البداية في حرج وضع قيد على ندوة فكرية سياسية بدعاوي انهن ستحدث الفتنة وتسب القضاة وهذا تكهن ونبوءة بما سيحدث في المستقبل وتنقيب داخل نوايا المتحدثين تماماً كما تنقب تلسمان الكندية عن النفط في كاب الجداد بالجزيرة. نعم اعظم ما فعله الاتجاه الاسلامي في جامعة النيلين انه فصل اوراقه عن ادارة الجامعة وعلى رأسها احد كوادر الاتجاه الاسلامي البرفسير عوض الحاج علي ثم فصلوا ارادتهم عن ارادة التحكميين في السلطة الذين يظنون ان نهاية التاريخ هي الوصول للسلطة ويجهلون ان الدعوة والارشاد والحركة سابقة للوجود في السلطة وبدون ذلك فلن تستقر سلطة او تستمر. والعجيب ان مدير جامعة النيلين حينما منع الندوة في يناير وقامت نفس الندوة في فبراير في الشارع كان منطقه انه لن يسمح بنقد القضاة ولكنه جلب النقد لنفسه ولو استشار مدير الجامعة عميد كلية القانون لقال له العميد ان حكم القاضي المهلاوي والقاضي المكاشفي بالاعدام على المهندس محمود محمد طه قد تعرض للنقد والنقض في المحكمة العليا وهذا الحكم يدرس في كليات القانون كسابقة للاحكام الخاطئة التي تمت على عجل واعدمت انساناً بعجلة سياسية لا علاقة لها بالتروي والصبر والحكمة واعطاء فرصة لمن ادين بالضلال ان يتوب ويلحق لركب الهداية وهي نفس الفرصة التي منحها النميري لنفسه منذ عام 1969 حتى عام 1983 حينما كان ضالاً قبل اعلان وتطبيق الشريعة الاسلامية وقال في بياناته وتصريحاته الاولى ( لقد مزقنا الوريقة الصفراء وريقة الدستور الاسلامي). ثم لماذا لم يترك البرفسير عوض الحاج علي للدكتور المكاشفي والقاضي المهلاوي ان يدافعا عن حكمهما في ندوة باليوم التالي وتعقد في الجامعة ويحضرها اساتذة القانون والقضاة الذين انتقدوا ونقضوا حكم الردة واعدام المهندس محمود محمد طه؟. المهم ان صحوة مشرقة بالجامعات تبدأ بالجامعتين العريقتين جامعة الخرطوم وجامعة النيلين. الاولى تريد اعادة اتحاد طلابها لعهوده الزاهرة المثمرة والثانية تنشط في الشارع وبمبادرة من الطلاب الاسلاميين والوطنيين الذين قالوا ( من حق خصومنا ان ينتقدونا من فوق منابرنا ) وهذا عظيم. نعم لرفض الوصاية وقد كان النشاط العام يمارس منذ المدارس الاولية، ومن العجيب ان يخطط احد لتحويل الطلاب لنباتات ظل وهم نفس الطلاب الذين نستنفرهم للجهاد وقتال العدو. ويفوت علينا ان نبات الظل لا يصلح لعيدان الفؤوس وقنوات الحرب ومؤخرة الكلاشنكوف بل ان نبات الظل لا يصلح حتى لانضاج طعام المقاتلين، لا يصلح للوقود. يجب مباركة هذه الصحوة في الجامعات السودانية حتى تتعافى السياسة السودانية وتعود الى الينابيع الصافية.
صحيفة الوفاق 18/2/2002 لله والحرية - محمد طه محمد أحمد
عودة الروح للجامعات ورفض تحول الطلاب لنباتات ظل (4). المقارنة مطلوبة بين بيت الجالوص الذي عاش فيه القتيل وقصور الزعماء. اشتعلت الفتنة الدموية بين الجماعات الدينية وبكى أبوزيد يوم حكم الاعدام
في اسبوع الطلاب الاسلاميين الوطنيين بجامعة النيلين كان الطلاب يستمعون للمعلومات والحقائق كما هي تنبثق من المتحدثين، كما ينبثق نوار اشجار المانجو في الشتاء، وهذه هي مميزات الحوار الذي تتفتح به العقول، وتنضج، في الجامعات. ان الحقيقة تبقى ابنة شرعية للجدل، وقد استيقظ اسحاق نيوتن من نومه، وطردت تفاحة من عيونه النعاس، حينما سقطت فوق رأسه فاكتشف قانون الجاذبية الارضية. نعم دعوا الف زهرة، وزهرة تتفتح. ان ما كانت تتخوف منه، او تخوف به، ادارة جامعة النيلين من ان الحديث في ذكرى اعدام المهندس محمود محمد طه سوف تتم فيه الاساءة للقضاة الذين اعدموه، وتحدث فتنة وصراع وعراك .. ان هذا التخويف او التخوف لم يحدث لقد مر كل شئ بهدوء وسلام، ولنفترض انه حدث، فيجب الا يوقف الحوار. ان الملائكة احتجوا في حضرة المولى الخالق عز وجل حينما اراد ان يخلق آدم عليه السلام ويجعله خليفة في الارض وكان احتجاجهم يقول (واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة.. قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال اني اعلم ما لا تعلمون). وتم خلق آدم وعهد اليه الخالق ألا ياكل من تلك الشجرة، ووسوس الشيطان فنسئ ادم العهد وضعف عزمه وتناول ثمار الشجرة المحرمة وانزل الى الارض واصبحت ذريته تفسد وتسفك الدماء ولكن رغم هذا فان الحكمة الالهية مع الحوار، ان الآدميين يترقون شيئاً فشيئاً بفضل الوعي، يتذكرون علم الله الأول الذي علمه لوالدهم الاول، ومع الترقي والوعي تجفف ينابيع الفساد في الارض ويعم السلام كبديل لسفك الدماء. ان الملائكة مخلوقات بلا شهوة ولذلك فهي لن ترتكب المعصية اما الانسان فهو مخلوق من الطين نفخت فيه الروح فهو بين المعصية والتقوى يبحث عن الكمال. المهم ان الحوار يجب ألا يقف بدعاوي ان الفتنة سوف تحدث فيه، نعم ألم يقل الملائكة ان ما قالوه اثبتت الايام انه حقيقة فها هو قابيل بن آدم يقتل هابيل وهاهي البشرية تتفانى بالحروب. ان ما قالوه كان في علم الله ( قال اني اعلم ما لا تعلمون ). وقد كان الطلاب في الجامعات يتقاتلون والحوار يتم وتقاتلوا اكثر واكثر في غياب الحوار... ولكن الحوار يعمل على ترقيتهم فتكون الكلمة هي بديل اللكمة ... ان حلبات وميادين الملاكمة تتحول بفضل الحوار لساحات للحوار. ان مستشار الامن القومي اللواء الدكتور الطيب ابراهيم محمد خير قال في سمنار اعادة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم ( ان الاحزاب لم تعد تهتم بتدريب طليعتها السياسية في الجامعات وحتى الاتجاه الاسلامي والحزب الشيوعي استسلما للكسل ). ولكن الاتجاه الاسلامي يا سعادة اللواء لن يتدرب اذا كان لا يخوض مباراة ودية مع الفريق الآخر ان الحوار ظل ممنوعاً في الجامعات وحتى في 18 يناير 2002م فان مدير جامعة النيلين استعان بقوات النجدة والعمليات واغلق دار اتحاد الطلاب ليمنع نقاش فكر رجل دفن في قبر مجهول هو المهندس محمود محمد طه بدعاوي انه يخاف على الاحياء، من المقتول، يخاف على القضاة الذين اعدموا المهندس محمود محمد طه من ان يتعرضوا للاساءة وتحدث الفتنة او هكذا قال البروفسير عوض الحاج علي مدير جامعة النيلين. ان اوربا التي فتحت المجال للبروفسير عوض الحاج علي للتخصص في علم الكمبيوتر، اكتسبت علمها بالجدل قبل وبعد ان علق مارتن لوثر كنج احتجاجه الشهير على جدران الكنائس. ان الحروب الاهلية والدينية دارت في اوربا ولكن بالحوار تم بسط رايات السلام، ونقول للبروفسير عوض الحاج علي مدير جامعة النيلين ان منع استخدام السيارات في شوارع الخرطوم سوف يحافظ على البيئة من التلوث فلا غبار ولا دخان ولا زحام ولا صدام ولا حوادث مرور يموت فيها الناس ولكن لا بديل عن استخدام السيارة. وكذلك يمكن للجدل ان تنشب بسببه معركة بالايادي او حتى بالهراوات ولكن لا بديل للجدل، وبمرور الزمن يترقى السلوك الانساني. ان القضاة الذين يقول مدير جامعة النيلين انهم يجب ألا يتعرضوا للنقد اعدموا رجلاً ودفنوه في قبر مجهول، فماذا يعتبرهم اذا وصل الجدل حول حكمهم الى انهم اخطأوا أو اصابوا ؟؟ انهم احياء يرزقون، بعد ان اعدموا زعيم حزب ظل يعيش في بيت جالوص في الحارة الاولى بالثورة- ام درمان. ان القضية ليست هي فقط اعدام المهندس محمود محمد طه فقط لانه يطرح فكراً صوفياً شاطحاً او متطرفاً يقول فيه انه يرجو ان يكون الانسان الكامل تماماً كما قال الحلاج؟ ان الطلاب يريدون ان يعرفوا لماذا نجح زعيم حزب سياسي في ان يرسخ على الاقل القدوة في معاشه ووسط تلاميذه، فعاشوا اشتراكية حقيقية بينما فشلت كل القوى السياسية في ذلك وبحثت عن الرفاهية ورغد العيش؟ لماذا نجح محمود محمد طه في ان يعيش في بيت الجالوص، وهو اول مهندس في السودان؟ وكيف استطاع اقناع تلاميذه بان يعيشوا في مجتمع نموذجي مثل الاشعريين الذين كانوا اذا وجدوا طعاماً اقتسموه بالسوية؟؟ ان القيم مطلوبة وفي السيرة النبوية فان الرسول صلى الله عليه وسلم قال عن الاشعريين انهم منه وهو منهم وقد بارك الرسول صلى الله عليه وسلم حلف الرجال الكبار في الجاهلية الذين تعاهدوا على نصرة المظلوم ورد حقوقه اليه، فقال عليه الصلاة والسلام عن هذه الحلف الذي يشجع قيم مناصرة الضعفاء ( لو دعيت اليه في الاسلام لاجبته ). ان ذكرى محمود محمد طه تضغط لترسيخ الدعوة للقيم، ولو كانت قيمة السكن في بيت الجالوص، فتوفر سكن الدور الفسيحة ومساحتها افدنة وافدنة وتحولها من سكن مسؤول واحد، لسكن الطالبات القادمات من الولايات. ان المهندس محمود تم دفنه في قبر مجهول ولكن داره، دار الجالوص ما زالت موجودة في الحارة الاولى ام درمان لا يمكن دفنها في قبر مجهول. لقد اعجب الناس بغاندي زعيم الهند الكبير حينما عاش على لبن ماعزته، واستطاع المهاتما طرد الانجليز بتوعية شعبه وعاش بالقدوة والصبر. وما زال الجدل محتدماً حول حقيقة الحكيم بوذا، اهو بني ادم صالح، وهو الذي قال ( لست اعرف شيئاً عن سر الاله ولكنني اعرف الكثير عن بؤس الانسان ). ولم يكن بيت الجالوص هو الذي تبقى بعد دفن صاحبه في قبر مجهول، وانما تبقت العظة والعبرة. ففي الحارة الاولى نفسها حدثت اكبر جريمة في تاريخ السودان حينما قاد شخص قيل انه ينتمي الى جماعة دينية، قاد مجموعة من الناس وهم يحملون اسلحة نارية، وهجموا على مسجد انصار السنة وقتلوا المصلين يوم الجمعة. وتكررت نفس المأساة في مسجد انصار السنة في الجرافة بام درمان. وما بين جريمة عبد الرحمن الخليفي وجريمة عباس الباقر برزت حقيقة مهمة وهي ان الجمهوريين طوال نشاطهم منذ عام 1946 لم يقذفوا بحجر واحد تجاه انصار السنة او اي جماعة دينية. وبكى الشيخ ابوزيد محمد حمزة نائب المرشد العام لجماعة انصار السنة المحمدية يوم اعدام محمود محمد طه وقال ( لقد كنت ارجو له الهداية ). ان العنف والفتنة وكل ما تخوف منه البروفسير عوض الحاج علي لم يتم في ندوة الاسلاميين الوطنيين عن الجمهوريين ولكن العنف والفتنة وكل ما تخوف منه مدير جامـــــعة النيلين حدث في صــراع الجمــاعات الدينية ضد بعضها البعض ، ومع ذلك فان الصـراع الشرس يتم امتصاصه بالصراع الفكري الهادي وتتفتح الف زهرة، وزهرة، فوق اكوام الرماد.
صحيفة الوفاق 26/1/2002 خفايا - محمد طه محمد أحمد
لماذا اعتذر حزب الامة عن استضافة ندوة اعدام زعيم الجمهوريين الدكتور النعيم رفض المعاملة غير الانسانية لسجناء القاعدة وطالبان (1)
كان الدكتور عبدالله احمد النعيم منذ شبابه الباكر، ثم نيله لشهادة الدكتوراة في القانون، ورئاسته لقسم القانون الجنائي بكلية القانون جامعة الخرطوم، كان وما زال الدكتور النعيم ملتزماً بالحزب الجمهوري الذي أسسه المهندس محمود محمد طه. وبعد اعدام زعيم الحزب الذي شكل صدمة لرفاق المهندس محمود وتلاميذه هاجر الدكتور النعيم للولايات المتحدة الامريكية واستقر وعمل هناك بمؤهلاته العلمية، ثم منح الجنسية الامريكية. وحينما انتهت امريكا من حملتها الضارية ضد بلاد الافغان، وتم اسر قيادات من حركة طالبان وتنظيم قاعدة الجهاد الذي يقوده اسامة بن لادن وايمن الظواهري وتم نقل الاسرى للسجون والمعتقلات في كوبا ونشرت وسائل الاعلام ما يتعرض له الاسرى من تعذيب وهوان، فان اول صوت ارتفع كان هو صوت الدكتور عبدالله احمد النعيم وسرعان ما دعمته منظمات حقوق الانسان وطالبت بمعاملة انسانية كريمة للاسرى وتحدثت وسائل الاعلام في العالم كله عن النعيم وقالت انه مواطن امريكي من اصول سودانية وعمل من قبل استاذاً في جامعة الخرطوم بكلية القانون. ولابد ان يقف كل الناس طويلاً امام موقف الدكتور النعيم الذي تدمغ بعض الجماعات الاسلامية حزبه بالكفر وتدعم الحكم بالاعدام على من يعتنقون هذا الكفر ان فكر الدكتور النعيم يريد الحياة الكريمة للسلفيين من تنظيم قاعدة الجهاد وحركة طالبان ورفض ان يصمت والكلام يكلفه غالياً وواشنطن تتربص اجهزتها الاستخبارية بكل صوت يبدو متعاطفاً مع طالبان وقاعدة الجهاد. رفض الدكتور عبدالله النعيم ان يعمل باضعف الايمان وكان في امكانه ان يلجأ لفقه تغيير المنكر بالقلب فقط فيحافظ على مصالحه في امريكا ولكنه اختار ان يصدع بكلمة الحق. ان سلوك الدكتور النعيم هو اعظم هدية للجماعات الاسلامية في السودان التي تقول (لابد من ابادة التنظيم الجمهوري بعد اعدام زعيمه المهندس محمود عام 1985) وعجزت هذه الجماعات من ان تفهم ان الخلق منذ ان خلق الله ابليس، وآدم ان خلق في حوار مستمر مع الله عز وجل ولم تتم الابادة في مناخ الحوار. ان ابليس رفض الامر الالهي رفض السجود لادم وقال انا خير منه وقد خلقت من النار وخلق من الطين. ورغم هذا العصيان لم تتم ابادة ابليس وانما نال الخلود والتحدي امام البشر الا يتبعوا تضليل الشيطان وانما عليهم اتباع مصابيح الهداية وتعاليم الرحمن الرحيم. ان الجماعات الدينية عليها الانتباه جيداً واذا كانت الرسالة الاسلامية هي رسالة حوار وليست رسالة سيف او مشنقة فان الحوار لا نهاية له ولا يمكن ان تكون نهايته الابادة. وفي السودان تخلى جمهوريون عن فكر المهندس محمود بعد اعدامه مثل الاستاذ عوض الكريم موسى عبد اللطيف وانضم للمؤتمر الوطني واذا طبقنا مفاهيم 1982 الي سارعت لاعدام المهندس محمود وكان من الممكن اعدام عوض الكريم موسى عبداللطيف فسوف نفهم ان فترة الهداية لا تحدد ب3 ايام كما فعل ذلك نميري وصمت الفقهاء والمحامون والمفكرون الاسلاميون بكل مدارسهم . صمتوا جميعاً.. وحتى اذا رفض محمود محمد طه الدفاع عن نفسه وقال انه لا يعترف بمحكمة القاضي المهلاوي لانها غير مؤهلة فنياً او اخلاقياً. ورغم رفض المهندس محمود للدفاع عن نفسه فكان من المفترض ان يتم توفير محام له يقدم كل دفوع الفقهاء الذين قالوا ان الردة ليست حداً يعاقب عليه بالاعدام في الدنيا والمقصود بحديث قتل المرتد هو المرتد المقاتل وحتى من قالوا بان الردة حد قالوا ان التوبة عنها تبقى في فترة مفتوحة غير محدودة فربما تاتي الهداية من الله. المهم ان محامياً واحداً لم يدافع عن المهندس محمود محمد طه. ولكن هاهو استاذ القانون الجنائي السابق بجامعة الخرطوم الدكتور عبدالله احمد النعيم يدافع عن اسرى حركة طالبان وقاعدة الجهاد.
الصحافي الدولي 19 يناير 2002شهادات فكرية في ذكرى إعدام الأستاذ محمود محمد طهاتجاهات علاء الدين بشير
مرت أمس الذكرى السابعة عشرة لاعدام الأستاذ محمود محمد طه بتهمة الردة كما جاء في حيثيات الحكم الهزيل والمحكمة الاكثر هزالاً، والتي وصف الاستاذ قضاتها بانهم غير مؤهلين فنياً، وضعفوا اخلاقياً عن ان يضعوا انفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستعملهم لاضاعة الحقوق واذلال الشعب وتشويه الاسلام واهانة الفكر والمفكرين واذلال المعارضين السياسين. ان الثامن عشر من يناير 1985 م اعاد الى الاذهان احلك صفحات التاريخ الانساني سواداً . واخزى ايامها عاراً حينما كان القتل هو ترياق الافكار وجزاء المفكرين في حلباتهم على ايام محاكم التفتيش الكاثلوكية في اوروبا. لقد هز اعدام الاستاذ محمود العالم الحر قاطبة في مشرقه ومغربه، وجعل سؤال حرية الفكر والتعبير حاضراً في اجندة المثقفين والمفكرين خاصة في العالم العربي والاسلامي، الامر الذي حفزهم على اتخاذ يوم الثامن عشر من يناير يوماً لحقوق الانسان العربي وقد يختلف الكثيرون مع الاستاذ محمود وفكره، ولكن تبقى حقيقة احترام مأثرته الفكرية ومواقفه وشعاره الذي جسده لحماً ودماً: (الحرية لنا ولسوانا) اذ لم يحمل عصا حتى ليتوكأ عليها، وانما كان شاهراً فكره مجادلاً بالتي هي احسن محترماً في الناس اغلى ما يملكون وهو عقولهم. لتبقى حقيقة توجب العرفان والتقدير والاحتذاء والنقد وذلك واجب المثقفين والمفكرين عوضاً عن البكاء والنحيب. ان ذلك المهندس السابق قد كان في قلبه ان يعيد للاسلام وجهه الانساني، ولكن الحكم الصادر لقضاة مدينتنا في مجلسه المرموق، عالجه بالموت، فصعد الى مشنقته مبتسماً وهو اكثر حرية من مغتاليه وهذه شهادات فكرية في ذكراه حول شخصه وفكره ومواقفه. * البرفيسور حسن مكي: قتل محمود محمد طه جريمة شاركنا فيها جميعاً سواء بالتواطؤ أو السكوت. كما كان الدكتور محمد عبد الحليم اطال الله في ايامه التي اتسمت بالتعقل والموضوعية، وعدم مجاراة اية موجة حزبية، ومثلما كان مثلاً احمد محمد صالح شاعراً فذاً، وكان المحجوب شاعراً وسياسياً مرموقاً، وكان اسماعيل الأزهري رجلاً استثنائياً في تاريخ السودان، استطاع ان يرفع العلم ويجمع قلوب النخب والجماهير حوله. ومثلما كان مثلاً عبد الخالق محجوب طاقة تنظيمية ورائداً من رواد الحركة اليسارية. ومثلما كان الدكتور الترابي مجدداً للحركة الاسلامية السودانية. ومثلما كان مثلاً البروفيسور داؤود مصطفى علماً من اعلام الطب في السودان، والتجاني الماحي كذلك. فمحمود محمد طه لا يقل عن هؤلاء الرجال. ومع اننى لا اتفق مع ارائه، وارى في آرائه كثيراً من الشطحات، ولكن هذه الشطحات موجودة في الفكر الاسلامي في تفريعاته وفي لحظات سقوطه، الا انني اعتقد ان قتل محمود محمد طه جريمة شاركنا فيها جميعنا، سواء أكان ذلك بالتواطؤ، أو بالسكوت، ولكن ستظل كتابات محمود محمد طه محفورة في جدران الفكر الانساني، لانه قد كتبها فاصبح من اهل الكتاب، ولانها مقولات رددت من قبل حول ثنائية الفكر الاسلامي، وحول تجاوز الشريعة الاسلامية وغيرها، اتفقنا معها واختلفنا فيها. ورغم الحملة الكبيرة على الرئيس نميري، فانني ارى انه حلقة مهمة من حلقات التاريخ السوداني، فقد كانت له انجازاته الكبيرة، حيث استطاع توحيد الجبهة الداخلية، وتجاوز الطائفية، واستطاع الاعتماد على النخب واعطاءها دوراً قائداً في تحريك المسيرة السودانية، ونجح في تحقيق السلام في جنوب السودان ولمدة عشر سنوات، كما استطاع الحفاظ على العلاقات السودانية المصرية في ظرف صعب وهو كامب ديفيد، مثلما للرئيس نميري اشراقات تمثلت في القضاء على الدعارة والبارات، وجعل من الشريعة الاسلامية امراً واقعاً في السياسة السودانية، كما انه من بناة النهضة السودانية، فالبترول تفجر في ايامه، وكنانة بنيت والطرق امتدت وقاعة الصداقة ومجلس الشعب وغيرها من الصروح التنموية التي شيدت في حقبته، الا انني اعتقد انه تعجل في مسألة محمود محمد طه. الاخوان الجمهوريون يعرفونني منذ ايام دراستي بحنتوب الثانوية، وقد كنت اتردد على منزل محمود محمد طه بمدينة الثورة. وعندما توفى والدي في عام 1970 م، الحزب الوحيد الذي ارسل وفداً للعزاء كان هو حزب الاخوان الجمهوريين. ومع ان كثير من اراء واجتهادات محمود محمد طه قدتبناها بعض القادة العرب الآن، مثل السلام مع اسرائيل وغيرها، ومثل العلمانية الاشتراكية التي انزل الاستاذ محمود بعض تعاليم الدين في اطارها، الا انني اعتقد ان الفكر الجمهوري يحتاج لمراجعات كبيرة، وليت الاخوان الجمهوريين يقومون بغربلة الفكر الجمهوري، ولا اقول فكر محمود محمد طه لانه لا يمكن ان نغربل فكر انسان فهذا هو فكره، ولكنهم اذا ما ارادوا تاسيس حزب او حركة لابد لهم من المراجعة، والا تصبح مقولات محمود محمد طه مرجعية نهائية وانما ياخذون منها ما يتفق مع الدين والعصر ويبعدون منها ما يتضارب مع اصول الدين وما يمكن ان يكون قاصمة ظهر لاية حركة تجديد سياسي، حتى يستطيعوا ان يسهموا، وياسسوا في دفع حركة النهضة السودانية. * الاستاذ كمال الجزولي نقد محمود للماركسية اتسم بعفة المقصد ورصانة الطرح والتزام النهج الحواري البناء لقد تجاوز الشهيد محمود كمفكر طليق العقل والوجدان والفقه والعبارة، كافة الاسوار والحواجز التي عكف علي نصبها حكام وفقهاء عصور التخلف في التاريخ الاسلامي على مدى الف عام. ولعل اهم ما ينبغي التأكيد عليه هنا، هو ان الرجل لم يزعم لنفسه قدسية كما يدعي البعض، بل ظل يضع محاكماته في مستوى الاجتهاد البشري بحساسية خاصة، تتقاطع اصلاً مع اية محاولة للخلط والتخليط بين النص والرأي، كما وانه ظل يميز دائماً بين الشريعة وبين القائمين بامرهاالذين قد يتربعوا على منابر المرجعيات الروحية او الفقهية او القضائية، سواء في البلدان الاسلامية، او البلدان التي يشكل المسلمون اقليات فيها، دون ان يكون ثمة مسوغ نقلي او عقلي في الاسلام لادعاء هذه المرجعيات بانها انما تنزل الناس على حكم الله، لا على مجرد رأيها او اجتهادها البشريين ومع ذلك فقد كان من رأيه دائماً ان هذه المرجعيات ملزمة في جميع الاحوال بانتهاج النظر العقلي الذي يستصحب مصلحة الجماعة الاسلامية، ودفع الضرر عنها بالاخص. وعندي ان نظره هذا ينهل من منابع منهج المصلحة لدى الصحابة الاجلاء رضوان الله عليهم، ذلك المنهج الذي كان يستند الى مكانة العقل في القرآن والسنة. وينزه النص المقدس عن ان يستحيل الى رمزية جامدة ينكفئ عليها المؤمنون بلا تبصر او تدبر. ولعل ابرز ذلك ما يمكن التماسه في منهج الفاروق عمر (رضي الله عنه) والذي ارتقى اجتهاده العقلي الى مستوى شفافية البصيرة، وافقته فيه نصوص الوحي فيما عرف بموافقات عمر، وامثلتها كثيرة ابتداء من رأيه في احتجاب نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وحتى امتناعه عن توزيع الغنائم، والى ذلك تعطيله لحد السرقة عام الرمادة بفقه يتقصى مقاصد النص، ولا يتوقف عند ظاهره. سعى الشهيد محمود بهذا المنهج كي يسهم في الاجتهاد المطلوب من اجل اخراج الامة الاسلامية من ازمتها على اعتاب القرن الحادي والعشرين، تخليص الفكر الاسلامي في مجالات الاقتصاد والسياسة والاجتماع والعلاقات الدولية، والفنون وقضايا المرأة وغيرها من المحنة التي اوقعته فيها ذهنية الجمود، وشكلانية التعامل مع النصوص المقدسة، فشمل جهد الشهيد قضايا الشورى والديمقراطية، والاشتراكية والعدل الاجتماعي، وتحرير المرأة من سيطرة فقه الجمود، الى جانب قضايا التعايش بين الاديان والثقافات والملل والنحل المختلفة. لقد تناول الشهيد محمود الماركسية بالنقد، ورأى من موقعه في فضاء الفقه الاسلامي اوجهاً للقصور فيها، مثال محاولتها الاعلاء من شأن الوازع الروحي الوضعي المتمثل في التربية والقيم والمثل الاشتراكية، الامر الذي رأى انه عاد بها الى نظرية (الحافز) في النظام الاقتصادي الرأسمالي، وعلى الرغم ان ثمة ما يمكن ان يقال حول ما اذا كان مثل هذا النقد خليقاً بان يوجه الى الماركسية، أم الى نموذج محدد في التطبيق الاشتراكي في روسيا، ثم الاتحاد السوفيتي، ثم المعسكر الاشتراكي في وقت لاحق، فان عفة المقصد ورصانة الطرح والتزام النهج الحواري البناء، وليس السجالي الممجوج هو كله وغيره مما يحمد لفكر الشهيد محمود، ويضعه موضع المثال والقدوة. لقد كان محمود مهتماً جداً بردم الهوة التي كان يراها في نماذج التطبيق السائدة بين الاشتراكية وبين الدين ورأيي انه وفق في تأسيس مشروع مستنير لا يزال يحتاج الى الاستكمال. ان الذين اغتالوا محموداً فعلوا ذلك خوفاً من فكره ومنهجه، ولا يستطيع كل المعجم الثيلوجي الذي استخدموه في تبرير ذلك الاغتيال اخفاء شئ ولو قليل من الطبيعة السياسية لفعلتهم الشنعاء تلك. لقد كان اغتيالاً سياسياً بكل حرفية المعنى، لقد كان الشهيد رائداً في مجاله وسباقاً فيه لدرجة ادخلت الرعب في نفوس طلاب السلطة باسم الاسلام، ولذا ارادوا ازاحته من طريقهم، وقد فعلوا ذلك، لا باساليب الفكر والمنازلة الفقهية والسياسية التي دعاهم لها، وانما بالتآمر عليه بليل وطبخ جريمة اعدامه طبخاً غير مسبوك، الامر الذي فضحه بجلاء قرار المحكمة العليا التاريخي بعد الانتفاضة باعلان بطلان محاكمة الشهيد واعدامه. يحسن مثقفو السودان وبخاصة ابناء الجماعة العربية أو المستعربة المسلمة منهم، صنعاً لذكرى الشهيد وسيرته العطرة وبطولته السامقة، اذا لم يكتفوا فقط بالتفجع على مأساة اعدامه، واقدموا بقدر معتبر من استنارته ومأثره الفكرية على مجابهة التحديات الشاخصة في افق الفكر الاسلامي في هذا الراهن المأزوم، الذي يعيش فيه العالم الاسلامي باسره والسودان من بينه، وذلك بمستوى من الجدية يسمح برؤية بصيص من ضوء الابتداع في نهاية نفق الاتباع المظلم. بهذا نسدي جميلاً لانفسنا ولمساكنينا في الوطن من غير المسلمين، وللفكرة الجليلة التي مهرها الشهيد حياته حين صعد الى مشنقة وهو أكثر حرية من جلاديه.
ماذا قال العالم عن اعدام الاستاذ محمود محمد طه؟!
مصر
أوردت صحيفة الشعب لسان حال حزب العمل الاشتراكي بياناً للحزب بتاريخ 30 ربيع الثاني 1405هـ تحت عنوان ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ). نورد منه ما يلي : إن وحدة المصير بين مصر والسودان تدعونا الى متابعة ما يجري تاكيداً على ان الخلاف في الرأي لا يدعوا الى الحكم بالاعدام على الرأي الآخر. وإذا كنا ندعوا إلى تطبيق الشريعة الاسلامية فإن علينا أن نلتزم بحكم الله الذي ورد في القرآن (اشارة الى الآية التي تصدرت البيان).. ولا نتصور ان تفسير هذه الآية يعني قتل من يختلف في الرأي حول اسلوب تطبيق الشريعة الاسلامية نفسها.
مجلة حقوق الانسان العربي : أوردت المجلة خبر تلقي الاستاذ فتحي رضوان رئيس المنظمة العربية لحقوق الانسان خطاباً من السيد توماس هامربرج أمين عام منظمة العفو الدولية بتاريخ 17 /1 /1985 م جاء فيه: (إن المنظمة الدولية تعتبر محمود محمد طه وزملائه سجناء رأي وضمير، وأنهم اتهموا بسبب افكارهم التي يدعون لها سلمياً، وأن الهدف من محاكمتهم هو اجبارهم على التنازل عن معتقداتهم وأن هذه هي المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه المحاكمة في السودان). وتوسعت صحيفة الاهالي في سرد وقائع الحدث ونشر بيانات الاحزاب المصرية الشاجبة للحكم.
الكويت تناولت الصحف الكويتية أخبار المحاكمة بصورة موسعة ناقلة الخبر، ومضيفة بالتعليقات والتحليلات نورد بعض منها: القبس جاء فيها بتاريخ 19 /1 /1985 م تحت عنوان ( رغم ضغوط مصر على نميري لتخفيف الحكم، شنق طه وهو يبتسم )، ناقلة تفاصيل ومشاهد الاعدام عن وكالة الثقافة الفرنسيةالتي عرضتها بصورة آسرة. وكالة الصحافة الفرنسية: قالت: لقد كان لاعدام الاستاذ محمود محمد طه وقع المفاجأة على جميع المراقبين المحلين والأجانب في السودان وكان الأمل يراود الجميع في البداية أن يصدر نميري قراراً بتخفيف العقوبة مراعاة لكبر سنه، ولأنه أصدر عفواً منذ بضعة أيام عن مجموعة إتهمت بالتآمر ضد الحكم يتزعمها الاب فيليب غبوش. وأضافت الوكالة أن المتشائمين المحوا بأن غبوش طلب العفو من نميري في حين أن طه رفض الاعلان عن (التوبة) وكانت آخر لفتة منه لدى صعوده الى المشنقة ابتسامة ساخرة. ويربط كثير من المراقبين بين اعدام طه والمآخذ الشخصية التي اخذها عليه نميري من حيث أنه كان يعارض بشدة باسم الاسلام محاولة الرئيس السوداني اصدار دستور اسلامي يجعل منه اماماً للسودان.
قطر: صحيفة العرب: نشرت الصحيفة نقلاً عن مراسلها في الخرطوم بتاريخ 25 ربيع الثاني 1405هـ تحت عنوان: ( تعاطف الطبقات السياسية والمثقفة في السودان مع غاندي أفريقيا ). أشارت فيه الى تعاطف هذه الطبقة مع الأستاذ محمود وأعوانه الذين حكم عليهم بالاعدام لاتهامهم بالكفر والتحريض على الاطاحة بالنظام وتوزيعهم منشوراً يطالب بالغاء قوانين سبتمبر 1983م. أبوظبي: صحيفة الخليج: أوردت الصحيفة سرداً لخبر الحكم بالاعدام مع خلفية عن الفكر الجمهوري وعدائه المزمن مع الاخوان المسلمين.. وأضافت أن الاستاذ محمود قد وضع مؤلفات عديدة في الفقه الاسلامي. وبتاريخ 19 /1 /1985 م نقلت الصحيفة مشهد الاعدام مع أسف اللجنةالدولية لرجال القانون في جنيف والبيت الأبيض لتنفيذ حكم الاعدام. ونشرت الصحيفة خلفية مسهبة عن نشاط الفكر الجمهوري.
تونس: صحيفة الصباح: تحت عنوان (خلصوا الاسلام من المشانق) بتاريخ 28 /1 /1985 م كتبت الصحيفة مقالاً تستنكر فيه الاعدام وترى أن الاسلام قد استغل لأهداف سياسية. واستفاضت الصحيفة في تقديم البراهين والحجج الرافضة لمثل هذا العمل الشنيع.. كما تناولت ذات الخبر في تونس كل من مجلتي حقائق ، والموقف وصحيفة الصدى.
المغرب: صحيفة البيان: استنكرت الصحيفة في عددها الصادر بتاريخ 20 /1 /1985 م على السلطات السودانية اقدامها على اعدام المفكر الاسلامي الاستاذ محمود محمد طه. وقالت الصحيفة أنه منذ اعلان تطبيق الشريعة في السودان ظلت سلسلة من التجاوزات والاجراءات القمعية التي لا تمت بصلة للفهم الصحيح للشريعة الاسلامية. وتناولت صحيفة (أنوال) المغربية في مقالين خبر اعدام الاستاذ محمود محمد طه مستنكرة وشاجبة للفعل.
السعودية: الصحف السعودية ودون استثناء قابلت خبر الاعدام بالرضا باعتبار انه يساير الاتجاه الديني الذي يسود فيها.. صحيفة عكاظ أوردت بعض الأسباب التي ذكرتها بعض المؤسسات الدينية في بعض الدول الاسلامية والازهر التي تؤيد حكم الاعدام. الشرق الاوسط تابعت باهتمام الحدث منذ اعتقال الاستاذ محمود محمد طه وحتى التصديق بحكم الاعدام من قبل الرئيس نميري ونقلت فقرات من بيانه الذي صادق فيه على الحكم، وانتقد فيه من يتوسطون في مثل هذه الحدود؟.
لندن: صحيفة تايمز: تناولت الخبر بتاريخ 18 /1 /1985 و19 /1 /1985 و21 /1 /1985 م وتحدثت عن سيرة الاستاذ محمود الذاتية وعن نشاطه السياسي خلال الاربعين عاماً الماضية، وأوضحت أن حكم الاعدام يعني الملجأ الاخير لكبح جماح الشعب السوداني ولبلد تزداد مآسيه عمقاً يوماً بعد يوم. صنداي تايمز: تحت عنوان نميري يلجأ الى المشنقة كتبت عن أن اعدام الاستاذ محمود جاء نتيجة معارضته قانون الشريعة الاسلامية في منشور اعتبره الرئيس انتقاداً لحكمه. القارديان: أوردت الصحيفة مقالاً بتاريخ 19 /1 /1985 م بعنوان: (السودان يعدم قائداً مسلماً) أشارت فيه الى أن المنشور سبب الاعدام والذي وزعه الجمهوريون كان يحث نميري على ايجاد حل سياسي للاقليات غير المسلمةفي جنوب البلاد بدلاً عن تصعيد الحرب ضد جيش تحرير شعب السودان، وبتاريخ 21 /1 /1985 م أوردت الصحيفة خبراً عن تنفيذ الاعدام، ومطالبة بريطانيا والولايات المتحدة بالعفو عن الاستاذ محمود. وبتاريخ 29 / 1/1985 م أوردت الصحيفة احتجاج الخارجية الامريكية وهجوم منظمة العفو الدولية على عملية الاعدام والمحاكمة الموجزة، وانتقادها لتهديدات التوبة والموت لأعضاء الحزب الجمهوري. وتناولت أيضاً الصحف والمجلات العربية التي تصدر في بريطانيا خبر الاعدام شاجبة ومستنكرة له كصحيفة العرب والدستور وغيرها.
جلسة مجلس العموم البريطاني: أوردت مجلة الدستور تقريراً في عددها الصادر بتاريخ 11 /2 / 1985 م عن الاجتماع الذي نظمته الاحزاب البريطانية في الثلاثين من يناير 1985 م للتنديد بالجريمة البشعة التي ارتكبها النظام السوداني بتنفيذ حكم الاعدام بالشهيد محمود محمد طه.. ترأس الاجتماع السير غراهام توماس أحد كبار الموظفين السابقين بحكومة السودان وقد لخص أهداف الاجتماع في ثلاث كلمات هي (الحزن والأسى والتقدير) وقد تحدث في الجلسة السيد سيريل تاونسند عضو المجلس وممثل حزب المحافظين ورئيس جمعية تعزيز التفاهم العربي البريطاني فقال: والجريمة التي تمثلت في شنق هذا الرجل المسن بهذه الطريقة البشعة ودون أن يحظى بمحاكمة عادلة هي جريمة تقلص من قيمتنا نحن المجتمعون في هذه القاعة، ومن قيمة كل انسان يوجد على سطح البسيطة. وتبارى ممثلو احزاب الاحرار والعمال، وبعض نواب مجلس العموم في الحديث منددين بالجريمة البشعة ومرتكبيها ومعددين مآثر الشهيد ومواقفه، وتحدث ممثل منظمة العفو الدولية، ومواطن بريطاني وممثل لرئيس اساقفة بريطانيا.
فرنسا: تناولت الصحف الفرنسية نبأ اعدام الاستاذ محمود وتفاصيل محاكمته وتلاميذه الأربعة. لومند: بتاريخ 20 /1 /1985 م أوردت كلمة جاء فيها(إن اعدام الاستاذ محمود هو الأول من نوعه منذ تطبيق الشريعة الاسلامية في السودان). لومتان: نشرت في عددها الصادر بتاريخ 21 /1 /1985 م مقالاً تحت عنوان (اعدام غاندي افريقيا العجوز) تناولت فيه المحاكمة والفكر الجمهوري وظروف وملابسات الحكم. مجلة جون افريك: خصصت المجلة ذات الانتشار الواسع في افريقيا الناطقة بالفرنسية غلاف عددها الصادر بتاريخ 30 / 1 / 1985م لخبر الاعدام بعنوان ( الجريمة: اعدام محمود محمد طه غاندي افريقيا بسبب أفكاره).. وقالت المجلة إننا لا نعرف عنه شيئاً كثيراً.. ولكن استشهاده قد مسنا عميقاً.. واضافت اننا نأمل من المسلمين الذين أساساً يجهلون عبادة الشهداء، ألا يأخذوا زمناً ليعرفوا في محمود محمد طه رجلاً قديساً.. رجلاً يقبل أن يموت من أجل أن يعيش اخوانه بصورة أفضل.
امريكا: نيويورك تايمز: أوردت تقريراً بتاريخ 19 /1 / 1985 م لمراسلها في الخرطوم قالت فيه ان السودانيون والغربيون المقيمين في الخرطوم ينظرون الى تنفيذ حكم الاعدام على الاستاذ محمود على أنه تحذير وانذار من الرئيس نميري للمعارضين الدينيين والسياسيين، وأضافت ان الدبلوماسيين والسودانيين دهشوا بتنفيذ حكم الاعدام لمجيئه في وقت يصادف فيه الرئيس نميري تزمراً داخلياً متزايداً بسبب حالة المجاعة في البلاد. لوس انجلوس: في مقال كتبه (ج هـ) جانسون قالت الصحيفة بتاريخ 27 / 1/1985 م ان حادثة تنفيذ حكم الاعدام على الاستاذ محمود لا تمثل اجهاضاً للعدالة الإسلامية وحسب، وانما تمثل أيضاً الشعور المتزايد بعدم الاستقرار من جانب المتعصبين المسلمين الموجودين بالسلطة.. وقال كاتب المقال انه تحدث مع الاستاذ محمود قبل فترة ويعتقد انه من المخلصين لجوهر الاسلام.. ولذلك فانه عارض الطريقة القاسية التي طبقت بها قوانين الشريعة الاسلامية.
باكستان: صحيفة المسلم: قالت انه من المؤسف اعدام (شيخ عالم) لمجرد خروجه عن الخط الرسمي، وقالت ان ذلك مخاف لروح الاسلام.. وإن التزام الاستاذ محمود بالإسلام لم يكن أمراً مستجداً. صحيفة (دون): أبدت اسفها لتطبيق حكم الاعدام الذي كان لأسباب تتعلق بانتقاده اسلوب نميري القاسي في تطبيق القوانين الاسلامية، وأضافت ليس من المقبول الحكم باعدام من يفسر الشريعة على خلاف التفسير الرسمي واتهامه بالزندقة، واضافت ان اتجاه العالم الاسلامي لمحو اثار قرون من القهر الاستعماري واحياء تراثه المفقود لابد أن يصاحبه اختلاف في الرأي حول التطبيق الاسلامي في عالمنا المعاصر، وهذا هو الواقع في السودان حالياً.
كينيا: صحيفة الديلي نيشن: أوردت في عددها الصادر في 22 /1 /1985 م نبأ اعتقال الاستاذ محمود محمد طه واربعمائة من تلاميذه تعرضت لنبأ الاعدام مشيرة للفكر الجمهوري الذي يرتكز على تحديث تطبيق الشريعة الاسلامية ومعارضتهم لتطبيق الشريعة الاسلامية الذي اعلن في سبتمبر1983 م. الاكونمست: قالت: ان شنق الاستاذ محمود محمد طه زعيم الاخوان الجمهوريون والبالغ من العمر 76 عاماً يثير هذا التساؤل المهم : ( هل يمكن ان يكون هناك مجال لفهم جديد للاسلام في الدول الاسلامية الحديثة؟ ) إذا حاول الحكام المتسلطين – مدعي الاسلام – كتم انفاس الافكار الجديدة قد يتحجر الفكر لاسلامي وهو المحتاج لامثال الاستاذ محمود من المتفردين الاحرار.
جريدة المواطن: أتاوا: أوردت: ( تم في يوم الجمعة 18 /1 1985 م بمدينة الخرطوم المغسولة بأشعة الشمس وببرود تام، الشنق لشيخ كبير مسالم، وكان الشنق علناً، وجزاء لجرأته على اخبارهم انهم مخطؤون). ولد هذا الشيخ عام 1910 م ولقد سجنه الانجليز للمشاكل التي سببها لهم في عام 1946 م. وأطلق سراحه بعد ثلاث سنوات، وفي فترة السجن فرض على نفسه نظام للاطلاع والتفكير الروحي والصلاة، وقد استمر على ذلك الحال لمدة عامين بعد اطلاق سراحه. اسمه؟.... محمود محمد طه، لكن هذا غير مهم.. انه جزء من آلام المخاض المتأجج لافريقيا الحديثة.
صحيفة الحرية ابراهيم يوسف
سيرة الاستاذ محمود محمد طه في التوعية والدفاع عن الاسلام والشعب في وجه الطائفية والهوس الديني ومحاكمه منذ 1945 حتى 1985م.
( ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى الى الاسلام والله لا يهدي القوم الظالمين ) صدق الله العظيم.
قال الاستاذ قد تكون الحزب الجمهوري لملئ فراغين في الحركة الوطنية هما فراغ الحماس اذ ان الحركة الوطنية بدلاً من مناجزة الاستعمار بشقيه المصري والبريطاني توزعت بين لكوندات مصر ومؤسسات الاستعمار وفراغ المذهبية اذ كانت الاحزاب طائفية وليست لها مذهبية ولا برامج وعن فراغ المذهبية قال الاستاذ رشحنا الاسلام بعد رده الى المعين المصفى قال الاستاذ والاسلام الذي نعنيه (موش هو اسلام الازهرولا اسلام المعهد العلمي ولا اسلام الفقهاء ولا القضاة الشرعيين دي صور خالية من المحتوى اسم بلا محتوى الروح ماتت فيه لابد من البعث والتجديد وقال الاستاذ كان اسهل علينا من تفاصيل ذلك ملئ فراغ الحماس فكانت مناجزة الاستعمار بصورة سافرة وجريئة ادت الى تشريد الجمهوريين وسجنهم وسجن الاستاذ نفسه سنة اضطر الاستعمار لاختصارها بفعل مقاومة الاستاذ داخل السجن ومقاومة الجمهوريين والوطنيين في الخارج وهكذا وضعت الحركة الوطنية موضع المواجهة بعد ان فتح الاستاذ باب السجن السياسي للسياسين كما ان الاستاذ والجمهوريين كانوا ينعون على المثقفين ارتماءهم في احضان الطائفية لسندها الشعبي بدلاً من ان يتجهوا لشعبهم لتنويره وتجنيده لمواجهة قضية حريته ومصيره فكان الحزب الجمهوري كما قال السيد التيجاني عامر في جريدة الصحافة 16 /4 /1975 م ( قد يكون الحزب الجمهوري من اقدم الاحزاب السياسية بحساب الزمن وهو اول حزب صغير يعمل خارج نطاق النفوذ الطائفي باصرار بل مناجزة وصدام واسمه يدل على المبدأ الي انتهجه لمصير السودان ومؤسس الحزب هو الاستاذ محمود محمد طه الذي كان من ابرز الوجوه الوطنية في مستهل حركات النضال....) ومن مناجازة الاستاذ والحزب للطائفية بيان قد جاءكم نذير الصادر عام 1945 م مما جاء فيه ( يا جماعة الاشقاء ويا جماعة الامة ايها القاسمون البلاد باسم الخدمة الوطنية ايها القادحون قادحات الاحن فيما بين ابناء الامة ايها المذكون ثائرات الفتن والتفرقة والقطيعة ايها المرددون النغمة المشؤومة نغمة الطائفية البغيضة انكم لتوقرون امتكم وقراً يؤودها....) ( والبلاد بينكم انتم، وانتم على شفا مهواة ومهانة). ( وليتدارك الله ديناً باسمه يحيا اناس في برد العيش وقرار النعمة ورخاء الدعة وهم باسمه لابنائه يكيدون..) وحينما منع مفتي السودان بايعاز من الانجليز الخطابة في المساجد الا لاغراض دينية في حدود احاديث الصلاة والصيام رد الاستاذ والحزب على ذلك عام 1946 بقولهم ( فما بال مفتينا يحرم علينا ما امر الله به ان يفعل؟ ان الدين لا يأمر بالتخاذل والرضا بالذل والهوان ) وكان الأستاذ قد اشعل ثورة رفاعة الشعبية من المسجد بخطبة مما جاء فيها ( ليس هذا وقت العبادة في الخلاوي والزوايا ايها الناس وانما هو وقت الجهاد فمن قصر عن الجهاد وهو قادر عليه ألبسه الله ثوب الذل وغضب عليه ولعنه ايها الناس من رأى منكم المظلوم فلم ينصفه فلن ينصفه الله من عدو ومن رأى منكم الذليل فلم ينصره فلن ينصره الله على عدوه آلا ان منظر الظلم شنيع. آلا ان منظر الظلم فظيع ومن رأى مظلوماً لا ينصف من ظالمه ومن رأى ذليلاً لاينتصر على مذله فلم تتحرك فيه نخوة الاسلام وشهامة الاسلام الى النصرة والمدافعة فليس له من الايمان ولا قلامة ظفر) الجمعة سبتمبر 1946 وهكذا الاسلام عند الاستاذ جدية وايجابية في نصرة المظلوم.. والدفاع عن القيم. ومما يدل على خط الاستاذ المبدئي في تحرير الشعب من الطائفية ومن جماعات الاسلام الخالية من المحتوى والفكر حتى لا ينفروا الشباب والمثقفين من الدين وحتى لا يستغلوا الشعب باسم الدين مناهضة الاستاذ للطائفية المستمرة كما قال عن رجال الدين عام1954 بجريدة الحزب (الجمهورية): (وإني لشديد الثقة بان هذا الشعب لن يتحرر مهما بلغت محاولاته الا عن طريق الاسلام وابادر فاطمئن الشباب المثقف اني لا اعني الاسلام الذي احترفه المجلببون بجبب شرف الانجليز انما اعني الاسلام الذي يقوم على روح القرآن ويستنبطه الذين يعلمونه وقد وظفت نفسي للدعوة اليه ولن يهدأ لي بال حتى أرى الانسانية قاطبة وقد قام ما بينها وبين ربها على الصلاة وبينها فيما بينها على الصلةوعلى الله قصد السبيل) كما احرج الجمهوريون منشوراً عام 1965 بمناسبة فتوى الهيئة الشرعية وبيانها بان الشخص المنسوب للحزب الشيوعي الذي كان سبباً في الثورة والهياج ضد الحزب الشيوعي افتت الهيئة بان الشخص المذكور لا تقبل توبته ديناً وهكذا يوظفون الدين للفتنة فكان رد الاستاذ عليهم: (ان رجلاً يقفل باب التوبة باسم الدين لا يحق له ان يتحدث عن الدين وان جهل رجال الدين بالدين هو الذي جعل شبان هذا الجيل شيوعيين فان اردتم ان تعرفوا من المسؤول عن نشر الانحراف من الدين في هذا البلد فانهم رجال الدين والطائفية ايها القضاة الشرعيون انكم ببيانكم الردئ الممعن في الردائة والجهل تحرضون على الفتنة وقتل الابرياء ولقد عهدناكم دائماً تسيرون خلف السلطة مما افقد الشباب احترامكم وساقهم ذلك خطأ وجهلاً الى عدم احترام الدين) وبمناسبة الحرب على الحزب الشيوعي اصدر الاستاذ كتاب زعيم جبهة الميثاق الاسلامي في الميزان ومما جاء فيه: (والحق ان الخطر الماثل على البلاد انما هو الطائفية ومحاربة الشيوعية بهذه الصورة الذرية يصرف الناس من خطر ماثل الى خطر بعيد فلمحاربة الشيوعية حاربوا الطائفية ان تزييف الطائقية للدين قد ايأس شبابنا من الدين وجعلهم يلتمسون حلول مشاكل بلادهم في مذهبيات اخرى وعلى رأسها الشيوعيةفالطائفية مسؤولة مسؤولية غير مباشرة ولكنها مسؤولية فعالة عن نشر الشيوعية والترابي وقبيله سمحوا لانفسهم ان يكونوا ذيلاً للطائفية فهم يحاربون الطائفية باللسان وينشرونها بالفعل)..
مناهضة الدستور الاسلامي المزيف: كان الشعب السوداني العملاق عندما تخطى القيادات والزعامات التقليدية قد تجلت فطرته السليمة فانجز ثورة أكتوبر الشعبية عام 1964 التي بها اصبح الشعب السوداني معلماً للشعوب فخرج الشعب من ثورته بروح عالية وتوق للاصلاح ورفض للزعامات القديمة حتى كان من شعارات الثورة ( لا زعامة للقدامى ) ولتلحق الاحزاب الطائفية بهذا الوعي والمد الثوري وتحتويه لجأت لاستغلال عاطفة الشعب الدينية وذلك بالدعوة للدستور الاسلامي لتتحصن من النقد والمعارضة بالقداسة وكان الاستاذ قد تصدى لكشف هذه المؤامرة التي استهدفت الشعب والاسلام نفسه وكان يقيم المحاضرات عن الدستور الاسلامي المزيف وليعوقوا التوعية التي يقوم بها الاستاذ ويشوهوه عند الشعب تجمعت اشتات الطائفية وجماعات الاسلام السلفي من وهابية واخوان مسلمين وجامعة امدرمان الاسلامية فوظفوا القضاء الشرعي خارج اختصاصه لاخراج مهزلة محكمة الردة عام 1968 التي كانت تمثيلية فجة وساذجة تسترت باسم القضاء وباسم الشريعة نفسها اذ يصرح المدعي الاول في الدعوى في كتابه المسمى ( نقض مفتريات محمود محمد طه وموقف القضاء منه ) الطبعة الثانية ص 45، فيقول انه اتصل بقاضي القضاة والقاضي الذي سترفع اليه الدعوى ووجد منهما قبولاً وموافقة على رفع الدعوى حسبة اكثر من هذا وجد موافقة القاضي الذي سينظر الدعوى في الوقوف بجانب الحق كما يراه المدعي كما انه قبل اسبوعين من المحكمة ينقل المدعي الاول خطاباً من زعيم طائفي كان احد اعضاء مجلس السيادة يستعدي على الاستاذ محمود ويقول (وارجو ان يتخذ الاجراء الرادع ضده) وقامت المحكمة واصدرت حكماً بردة الاستاذ محمود مصادرة بذلك حرية العقيدة وحرية التعبير معلنة عجز القوى السلفية عن مقارعة الاستاذ فكرياً في ميادين الحوار والمنابر العامة التي كان يتصدرها الاستاذ. وكان من مهازل تلك المحكمة انها قبلت دعوى المدعيين بدون فحص وتثبت مع ان خطبة اتهامها تطفح بعدم الامانة فالمدعي الاول يورد من منشور الاستاذ (نجد ان حظ المرأة في التشريع الاسلامي الذي بين ايدينا حظ منقوص) ويسقط بداية المنشور التي تقول (وحين نجد حظ المرأة في القرآن من المسؤولية الفردية مساوياً لحظ الرجل مساواة مطلقة نجد ان حظها الخ). كما انه يسقط حديث المنشور عن حكمة نقص حقوق المرأة عن الرجل وسبب ذلك، اذ يقول المنشور رداً على السؤال لماذا؟؟ وهنا تبرز عوامل التاريخ الموروث من سوالف الحقب فقد عاشت البشرية حيناً من الدهر تحت قانون الغابة حيث القوة هي التي تصنع الحقوق وهي التي تتقاضى هذه الحقوق وفي مثل هذا المجتمع فان الفضيلة لشدة الاسر وقوة العضلات وليس للمرأة هنا كبير حظ.. الى ان يقول (واذ ورث الاسلام هذا المجتمع الجاهلي فلم يكن مقبولاً لا عقلاً ولا عملاً الا ان بقيد من حرية المرأة مهما بلغ من تحريرها ولقد بلغ من تحريرها بالنسبة لما وجدها عليه من الذلة مبلغاً يشبه الطفرة) ثم انه اشار حيث قيد من حريتها الى اسباب تلك القيود (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم) فالقوامة معلولة.. ويمضي المنشور الى القول بان القوامة حين تزول بزوال عللها فان القوامة تعطي مكانها للمساواة بلا ادنى ريب لان ميدان المنافسة سينتقل الى معترك جديد السلاح فيه ليس قوة العضلات وانما قوة العقل والخلق وليس حظ المرأة من ذلك بالحظ المنقوص.. ولكن المدعي الاول يسقط اول المنشور وآخره ويقتطع منه ما يصل به الى غرضه المبيت وهو الاتهام بالردة. ان هذا المستوى من عدم الامانة ومن التضليل المتعمد للمحكمة وللرأي العام ليجلب العار كل العار على من يتورط فيه خاصة وهو يتحدث عن الدين.. أما المدعي الثاني فهو الاخر ينغمس في مستويات من التشويه والتضليل تجلب العار لاقل الناس احتفالاً بامر الاخلاق.. فهو يقول عن الاستاذ نقلاً عن كتابه الرسالة الثانية من الاسلام صفحة 87 النص الآتي ( وما من نفس الا خارجة من العذاب في النار وداخلة الجنة حين تستوفي كتابها من النار، وقد يطول هذا الكتاب وقد يقصر حسب حاجة كل نفس الى التجربة، ولكن لكل قدر اجل ولكل اجل نفاذ والخطأ كل الخطأ ظن من ظن ان العقاب في النار لا ينتهي اطلاقاً وجعل بذلك الشر اصلاً من اصول الوجود وما هو بذاك وحين يصبح العقاب سرمدياً يصبح انتقام نفس حاقدة) ويقف عند هذا الحد من النقل من كتاب ( الرسالة الثانية من الاسلام ) من صفحة 87 ليبرر لنفسه اتهام الاستاذ بالردة بقوله عن الاستاذ ( فهو بذلك يصف الله تعالى بالحقد) ولو كان هذا المدعي اميناً ابسط انواع الامانة لوفر على نفسه هذه الهلكة التي تورط فيها الى اذنيه لان تمام النص الذي اقتطعه يقول ( وحين يصبح العقاب سرمدياً يصبح انتقام نفس حاقدة لا مكان فيها للحكمة وعن ذلك تعالى الله علواً كبيرا). راجع كتاب ( الرسالة الثانيةمن الاسلام صفحتي 87 و88 الطبعة الثانية ) هذا ما كان من المدعيين اما المحكمة (الشرعية) كما يزعمون لها فانها رفعت الجلسة لمدة ثلث ساعة اصدرت بعدها اخطر حكم تصدره محكمة سودانية وثلث الساعة هذا لا يكفي لمجرد قراءة اقوال المدعيين واقوال شهودهما فضلاً عن فحصها وتقييمها مما يدل دلالة قاطعة على ان الحكم كان معداً وجاهزاً قبل انعقاد المحكمة كما انه معلوم انه ليست هناك محكمة تستحق اسمها – يمكن ان تصدر حكماً بمصادرة الحق الدستوري في حرية العقيدة وحرية التعبير ولا المحكمة العليا التي ما مهمتها الا حراسة حقوق الانسان خلي عنك المحكمة الشرعية التي ينحصر اختصاصها في شؤون ( الاحوال الشخصية ) وذلك ما وضحه الاستاذ محمد ابراهيم خليل في تعليقه على ذلك الحكم وهو القانوني البارز والذي كان مرة وزيراً للعدل اذ قال ان اختصاص المحاكم الشرعية قد حددته المادة السادسة مما وضح انه ليس من اختصاص المحاكم الشرعية في السودان أن تحكم بكفراحد أوردته، جريدة الايام 21 /11 /1968 كما ان المحكمة نفسها كانت تشعر بعدم اختصاصها ولذلك اعلنت صرف النظر عن مطالب المدعيين من2 الى 6- التي تعني الاثار المترتبة على الحكم بالردة مكتفية باعلان الردة بقصد تعويق دور الاستاذ في التوعية ضد الطائفية وكشف ربائبها من السلفيين. وعن موقف الاستاذ من تلك المحكمة المهزلة يحدثنا الاستاذ بشير محمد سعيد عليه رحمة الله ورضوانه في بابه منوعات جريدة الايام 18 /11 / 1968 اذ يقوا (التقيت امس بالاستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري ومن كبار رجال الفكر والعلم والاخلاق في بلادنا. التقيت به على اثر الامر الذي وجهته له محكمة الخرطوم الشرعية العليا للمثول امامها لمواجهة ابشع اتهام يوجه لمسلم الردة وكان محمود كعهدنا به اكبر من ان يهزه مثل هذا الموقف منه وهذا التصرف تجاهه رد الموظف الذي جاء بالامر رداً ( مهذبا ً) وقاطعاً.. حدثه انه يرفض المثول امام المحكمة ... وينشر بشير طرفاً من الحديث الذي اجابه به الاستاذ تحت عنوان ( الاستاذ محمود محمد طه قال الدين لا يتطور ويتطور الانسان في فهمه له.. لابد من تطوير الشريعة لمواجة تحديات العصر ومطالب الانسان ) ويعلق الاستاذ بشير ( هذا ما سمعته امس من السيد محمود محمد طه وهو يدعو الى كثير من التأمل وينطوي على كثير من الفلسفة والصفاء ولعله من الخير لمجتمعنا ان تتاح فيه مناقشة ومجادلة فلسفية عملية تنهض بنا من مستوى القعود والتحجر والاستسلام الى مشارف سامية من حسن الادراك ولعلنا في ( الايام ) ندعو لمثل هذه المناقشة وشكراً للسيد محمود على اللحظات السامية المشرقة التي اتاحها لي ). وقد استثمر الاستاذ محمود تلك المحكمة المهزلة واخذ يحتفل بتوقيتها سنوياً ويرفعها نموذجاً لما ينتظر المفكرين والاحرار من مصير اذا ما قدر لاولئك السلفين ان يتولوا السيطرة على مصائر الناس لانهم سيوظفون الاسلام العظيم للكبت والقهر وهكذا وظف الاستاذ المحاكمة للتوعية بخطورة الطائفية والفكر الاسلامي المتخلف. وهكذا والى الحزب والاستاذ دوره في التوعية واقام اسبوع حماية الحقوق الاساسية مارس 1969 والدعوة لمؤتمر قومي لحماية الحقوق الاساسية وتعجل الطائفيون الدعوة للدستور الاسلامي ولما كان بعض المثقفين قد تنوروا في حقيقة الدستور الاسلامي كما كان الجنوبيون يعارضونه ولذلك اجتمع زعماء الاحزاب الطائفية وقرروا ان يمرروا دستورهم الذي يسمونه اسلامياً بواسطة الجمعية التأسيسية وان لم تجزه يعرضونه للاستفتاء الشعبي مستغلين عاطفة الشعب الدينية وقد اصدروا بياناً بذلك بتاريخ 8 /5 / 1969 م وقد اصدر الاستاذ كتابه لا اله الاّ الله يوم 25 / 5 / 1969 م وفيه يعلن الاستاذ ( ليس لهذه البلاد دستور غير الدستور الاسلامي ولكن يجب ان نكون واضحين فان الدستور الاسلامي الذي يدعوا له الدعاة الحاضرون – جبهة الميثاق والطائفية وانصار السنة والفقهاء ليس اسلامياً وانما هو جهالة تتستر بقداسة الاسلام وضرره على البلاد محقق ولكنهم مهزومون بعون الله وبتوفيقه ولن يبلغوا بهذه الجهالة طائلاً..) وفعلاً في نفس يوم صدور الكتاب المذكور قامت ثورة مايو ويلاحظ كان من الموقعين على بيان الاحزاب – الاحياء منهم السيد الصادق. وواصل الاستاذ والجمهوريون دعوتهم للدستور الاسلامي الصحيح عن طريق التوعية والتربية والنموذج وعندما مالت مايو الى احضان الاسلام السياسي وكونت لجنة لتعديل القوانين لتتماشى مع الشريعة وكان شيخ حسن الترابي شخصية بارزة فيها كان الاستاذ يكشف زيف هذه الاتجاهات وخطرها على الدين نفسه بتشويهه واقحامه في التجارب الفاشلة ومما نشره الاستاذ في التوعية في هذا الامر الخطير قوله ( والحق ان اي محاولة لتطبيق الاسلام على الحياة الحاضرة لا تتسم بيمسم الحذق والذكاء ولا تعرف تطوير التشريع انما هي تزييف للاسلام مهما كانت نواياها ) وكان الاستاذ يدعو لجنة تعديل القوانين للمناقشة حتى تنجلى حقيقة المحاولة وهكذا كانت نصائح الاستاذ محمود هي التي أجلت وأخرت انزلاق مايو لاحضان الهوس ولما تهوست مايو او قل نميري كان الاستاذ اكبر معارض واصلب معارض لتشويه الاسلام ولاذلال الشعب وقهره.
مؤامرة محكمة الردة الثانية وخلفياتها : لما اخذ نظام نميري يتهاوى بفعل اضراب واستقالات القضاة وتحرك النقابات قفز النميري قفزة في الظلام بمناورة وظف فيها الاسلام العظيم نفسه ليصبح مؤسسة عقابية يسوق بها المواطنين للاستكانة لنظامه ولما استعصم القضاة المؤهلين المستقلين باستقلاليتهم وقانونيتهم استجلب النميري عقائديين من خارج القضائية تنقصهم الخبرة وخلطهم باشباههم فرضوا جميعهم بان يجلسوا مجلس القضاء باسم القضاء اكثر من ذلك باسم شرع الله ليجروا محاكمات ايجازية لا تقبل المحامين ولا تستانف احكامهم وحتى في حالة احكام الاعدام لا ترفع للمحكمة العليا حسب القانون وانما يرفعونها لكبيرهم النميري وهكذا قفلت فرص العدالة امام المواطنين ولم يبق امامهم الا التشهير باجهزة الاعلام وسوقهم الى سلخانة العدالة الناجزة وقال كبيرهم انه سيحكم القانون (البطال) واباح التجسس واعلن الطواري فاطلق يد الامن وبعد اقامة هذا الحصن الملتهب ظن النميري وبطانته وكهنته انه لن يقترب من هذا الحصن احداً فاطلق سراح السيد الصادق المهدي والانصار من الاعتقال كما اطلق سراح الاستاذ محمود والجمهوريون وفي ليلة الخروج من المعتقل 19 /12 /1984 م قال الاستاذ: ( الجمهوريون ما خرجوا ليرتاحوا انما خرجوا ليواجهوا ميدانهم بقوة) خرجنا في وقت برضو الشعب وقع عليه شئ كثير جداً من الاضطهاد ومن الجوع بصورة محزنة ) وفعلاً خرج الجمهوريون بكتبهم وحركتهم الميدانية في العاصمة المثلثة وكانت المفاجأة ان الاستاذ خرج مع الجمهوريين وقال لهم هذه المرة خروجنا هذا هو عصيان مدني وهنا لابد ان اكون معكم وأمامكم واستمرت الحركةالميدانية بالكتب حتى اخرج منشور هذا او ( الطوفان ) يوم 25 /12/ 1984 م ناقداً قوانين سبتمبر ومدافعاً عن حقوق الاخوة الجنوبين المستضعفين فاعتقل بعض موزعي المنشور من الجمهوريين بتهمة ازعاج السلام حسب المادة 127 ولما كان النميري قد عين اخاً مسلماً كوزير جنائي يحول القاضايا لمحاكم العنف والتشدد والإرهاب فقد حول الوزير تهمة الجمهوريين لمواد مقاومة السلطة وضم الاستاذ محمود للمتهمين واستعجل النظر في المحاكمة وكان الاستاذ قبل اعتقاله في نهار 5 /1 /1985 م قد ذكر في مساء 4 /1 /1985 م أن الصوفي الكبير كان يموت بالوباء فيرفعه عن الناس والآن عليكم انتم الجمهوريون ان تفدوا الشعب وقد قدم الاستاذ محمود والجمهوريون للمحاكمة امام المهلاوي والمهلاوي حديث عهد بالقضاء وقد كان عضواً بمجلس قضاة بحري ولكن لصلته بالقصر عن طريق قريبه النيل ابوقرون (اظهر) ثالوث القصر قد رفّع ضمن قضاة الطوارئ وكان موقف الجمهوريين وموقف الاستاذ خاصة ان حاكموا محاكم السلطان بقولة الاستاذ الشهيرة وقد اصدر المهلاوي حكمه بالاعدام على الاستاذ والجمهوريين بالمواد 96 عقوبات بفقرتيها و، وك، و105 عقوبات و20 امن الدولة جريدة الايام 9 /1 /1985 م ولما حضر المحامون للدفاع عن الاستاذ ومنهم الاستاذ غازي سليمان شكرهم الاستاذ وبعد صدور الحكم حضر الاستاذ مصطفى عبد القادر وقابل الستاذ طالباً الاذن بإستئناف ذلك الحكم المعيب من كل الوجوه فشكره الاستاذ وقال له (نحن رأس الرمح لهذا الشعب وسنضحي بارواحنا من اجله وابقوا عشرة على قضايا المواطن ضد تغول السلطة وجبروتها واحموا الاسلام من هذا المسخ الذي سمي شرعاً وشريعة) وكان الحكم المهزلة مستنكراً من كل السودانيين على إختلاف اتجاهاتهم عدا اقلية الهوس التي اخرسها التيار العام وتحركت نقابة المحامين ونقابة الاستاذة وعدد من النقابات واتحادات الطلاب والعمال في حركة سافرة كما اصدرت الجهات المذكورة مذكرة احتجاج رفعتها للسيد رئيس الجمهورية وكانت هذه أول معارضة منظمة سافرة تداعت الى نشوء التجمع الذي قاد الانتفاضة واحال النظام الى مكانه في مزبلة التاريخ بعد 76 يوماً تقابل سنين عمر الاستاذ وانفجر الطوفان الموعود. وبعد أن انفجر الطوفان الذي انذرت به السلطة وانهار النظام وقضاؤه العشوائي وعاد القضاء المؤهل المستقل رفعت قضية دستورية ضد حكم المهلاوي وحكم المكاشفي لما زخر به من انتهاكات دستورية صارخة وسافرة فابطلت حكم المحكمتين الجائرتين. القضية الدستورية وتبرئة الاستاذ محمودالقضية نمره م ع/ ق د/1406 /2 وقد اصدرت المحكمة العليا الدائرة الدستور حكمت ببراءة الاستاذ محمود يوم 18/11/1986 م ولما اعلنت المحكمة العليا النائب العام وطلبت منه تقديم رده كتابة قد تم ايداع رد النائب العام بتوقيعه وكان رده. ( 1- نعترف بان المحاكمة لم تكن عادلة ولم تتقيد باجراءات القانون 2 - ان المحاكمة اجهاض كامل للعدالة والقانون 3 - لا ترغب في الدفاع إطلاقاً عن تلك المحاكمة ) ورغم ( أن النائب العام قد أقر بالدعوى في كافة تفاصيلها إلا أن المحكمة قد أعلنت في وضوح قرارها في عدم سلامة التعويل على تلك الاقرارات أو ترتيب آثار مطلقة عليها..) وقالت المحكمة العليا انها بدون جحود لحق النائب العام ( لان طبيعة الدعوى بما تثيره من مسائل دستورية وقانونية تجعل الفصل فيها من صميم اختصاصات المحكمة التي تضطلع بها بمعزل عن إقرارات وأراء الخصوم أو ممثليهم ). محكمة الاستئناف حكمها سياسيبعد حيثيات مسببة قانوناً خلصت حيثيات المحكمة العليا إلى قولها (ومن ثم تنتقل المحكمة إلى تناول إجراءات التأييد في محكمة الإستئناف على إعتبار أنها تشكل جوهر العيوب التي تقدم عليها هذه الدعوة مما يحتاج إلى تقرير مفصل. على أنه يجمل القول ومهما كان وجه الرأى فيما يتعلق بتلك العيوب أنه يبين من مطالعة اجراءات محكمة الاستئناف تلك انها انتهجت نهجاً غير مألوف وأسلوباً يغلب عليه التحامل مما جعل الإطمئنان إلى عدالة حكمها أمراً غير ميسور وعرضه للمعايير السياسية التي لا شأن لها بالاحكام القضائية) كما قررت المحكمة العليا في حكمها(على أن محكمة الإستئناف لم تكن عابئة فيما يبدو بدستور أو قانون إذ انها جعلت من اجراءات التأييد التي ظلت تمارسها المحاكم المختصة في سماحة واناه بغرض مراجعة الاحكام مراجعة دقيقة وشاملة، محاكمة جديدة قامت فيها المحكمة بدور الخصم والحكم بما حجبها عن واجبها) كما قالت المحكمة العليا (ففي المقام الأول اخطأت محكمة الإستئناف فيما ذهبت إليه من أن المادة 3 من قانون أصول الاحكام لسنة 1983 كانت تبيح لها – أو لأي محكمة أخرى – توجيه تهمة الردة وان كان ثمة ما يفرق في هذا بين محكمة الإستئناف وأي محكمة أخرى فإن ذلك هو أن محكمة الاستئناف كانت مقيدة كسلطة تاييد بقيود اضافية اخرى) كما قال حكم المحكمة العليا أن محكمة الاستئناف(انحدرت إلى درك من الإجراءات المستحدثة انتهت بها في نهاية الأمر إلى اصدار حكم جديد لا صلة له بالحكم الذي عرض عليها للتأييد)كما قال حكم المحكمة العليا ( على أن محكمة الاستئناف وفيما نوهنا به اشتطت في ممارسة سلطتها على نحو كان يستحيل معه الوصول إلى حكم عادل تسنده الوقائع الثابتة وفقاً لمقتضيات القانون). كما قالت المحكمة العليا عن حكم محكمة الاستئناف (ولعلنا لا نكون في حاجة الى الاستطراد كثيراً في وصف هذا الحكم فقد تجاوز كل قيم العدالة سواء ما كان منها موروثاً ومتعارفاً عليه أو ما حرصت قوانين الاجراءات الجنائية المتعاقبة على النص عليها صراحة أو انطوى عليها دستور 1973 (الملغي) رغم ما يحيط به من جدل). كما قالت المحكمة العليا ( ونخلص من كل ما تقدم إلى أن اجراءات محكمة الاستئناف الجنائية في اصدار حكم الردة في مواجهة محمود محمد طه ورفاقه كانت وللأسباب التي سبق تفصيلها جاحدة لحقوق دستورية وقانونية شرعت أصلاً لكفالة محاكمة عادلة ) كما جاء في حكم المحكمة العليا ( ففي هذا الشأن لم تقتصر مخالفات محكمة الاستئناف الجنائية "التي استقلت بسلطة التأييد" في إصدار حكم بالردة وإنما امتدت إلى تأييد احكام الاعدام التي صدرت ترتيباً على الإدانة بموجب قانون العقوبات وأمن الدولة وهذا التأييد وان كان في ظاهره محمولاً على أسباب في ظاهرها اقتناع المحكمة بثبوت الإدانة وتناسب العقوبة إلا أنه في وقع الأمر محمول على الردة التي إستحوذت على جل ان لم يكن كل إهتمام محكمة الاستئناف.. وقد ترتب على استقلال محكمة الاستئناف بسلطة التأييد على هذا الوجه ان فات على المحكمة العليا ليس فقط حصر الادانة – ان كان ثمة ما يسندها- في الاتهامات الموجهه بوجب قانوني العقوبات وأمن الدولة دون غيرها وإنما ايضاً ان تقصر العقوبة على ما كان يتناسب وفعل المحكوم عليهم وهو فيما نعلم لا يتعدى اصدار منشور يعبر عن وجهة نظر الجمهوريين في قوانين كانت وما زالت محلاً للأراء المتباينة على الساحتين الدولية والمحلية مما لا يعدو أن يكون مخالفة شكلية (ان كانت كذلك أصلاً) لا تتناسب عقوبة الإعدام جزاء لها غير أن محكمة الإستئناف وفي محاولة متعجلة لربط الفعل بقناعتها المسبقة في ردة المحكوم عليهم انتهت إلى تأييد حكم الإعدام كعقوبة (شاملة) فيما اسمتها. على أن الآثار المترتبة على حجب الاجراءات عن المحكمة العليا وحصرها في محكمة الاستئناف الجنائية اتخذت شكلها المأساوي حين تم تنفيذ حكم الإعدام على محمود محمد طه بإغفال تام لنص المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية رغم أنه كان من الثابت أنه جاوز السبعين من عمره وقتئذ. ولعلنا لا نتجنى على الحقيقة لو أننا قلنا أن تنفيذ الحكم ما كان ليتم لو لا أن محكمة الاستئناف اضافت الإدانة بالردة وهو ما لم يكن ليصدر اصلاً لو كانت الاجراءات قد عرضت على المحكمة العليا بدلاً من أن تستقل محكمة الاستئناف بإجراءات التأييد لتنتهي إلى ذلك الحكم من خلال المخالفات القانونية والدستورية التي تناولتها فيما تقدم).
اسرار وخفايا محاكمة الاستاذ محمود هل افتعال محكمة الاستئناف لجريمة الرده له صلة بتوجيه نميري لكهنة القصر؟!! مما أوردناه من حيثيات حكم المحكمة العليا ظهر افتعال محكمة الاستئناف للردة واصرارها على الحكم بها مخالفة بذلك الدستور والقانون كما أنها باستقلالها بالتأييد قد فوتت على المتهمين فرصة عدالة المحكمة العليا لتصل لفرضها بتنفيذ الحكم على الاستاذ محمود عبر المخالفات الدستورية والقانونية ومن وراء المحكمة العليا؟ هل لمسعى محكمة الاستئناف هذا صلة بما كان يجري في القصر بين نميري وثالوث القصر؟!! جاء في وثائق القصر أن النيل أبوقرون أظهر ثالوث كهنة القصر قد رفع منشور الجمهوريين للنميري معلقاً بقوله ( فقد اتاحوا لنا فرصة تاريخية لمحاكمتهم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) نشرت هذه الوثيقة بجريدة الأيام 22/5/1985م وكان رد النميري ( الأخوة عوض، النيل، والأخت بدرية سلام الله عليكم آخر هوس الأخوان الجمهوريين هذا المكتوب الذي أرى بين سطوره "الرده بعينها" ارجو الإطلاع ومعكم الأخ بابكر وساجتمع بكم للتشاور في الأمر إن شاء الله بعد أن تكونوا على إستعداد). وهكذا يحكم النميري قبل حكم المحكمة فيضع كلمة الردة بعينها بين قوسين. وها هي المحاكمة التاريخية التي يتشاور بخصوصها مع كهنة القصر وينظرها قضاء السلطان قضاء القصر. ولا أحد يستغرب ما جرى من محكمة الاستئناف في محاكمة الاستاذ عندما يعلم أن محكمة الاستئناف وحينما كان من اعضائها المكاشفي وحاج نور كانت قد عرضت خدماتها بتكفير الاستاذ محمود بدون أن تكون أمامها قضية أو اتهام وبدون بينات وبدون سماع وإنما اصدرت حكماً استطرادياً في نظرها لقضية الرجل الشجاع صلاح المصباح. كان الاستاذ محمود وهو في المعتقل الطويل المدة قد أصدر بياناً يعارض فيه قوانين سبتمبر وإنها قوانين مفارقة للشريعة وللدين ويعارض إعلان رئيس الجمهورية اباحت التجسس وتعديل الدستور لتكون رئاسة نميري لمدة غير محدودة وقد أنذر المنشور بأن العمل الذي يجري عمل خطير للغاية ( وهو قد شوه الاسلام وهدد وحدة البلاد) وقد صدر هذا المنشور يوم 11 /8 /1984 م فجاءت جريدة الايام بتاريخ 17 / 8 /1984 م تحمل حكم محكمة الاستئناف الاستطرادي على الاستاذ محمود إذ تقول عن السيد صلاح المصباح ( بالإضافة الى ذلك ترى المحكمة أن تصرف المتهم وما وجد لديه من وثيقة يؤكد إرتباطه بجبهات معادية للتوجه الاسلامي عامه وبفئات من أهل البدعة والضلال الخارجين على الكتاب والسنة وإجماع المسلمين من أمثال محمود محمد طه مما يؤكد سوء القصد في تصرفه بتلك الطريقة). تعلموا كيف تموتونقال الأديب أسامة الخواض قد أمضى الاستاذ محمود أربعين سنة يعلم شعبه تعلموا كيف تصلون تعلموا كيف تصدقون وعلى منصة الاعدام كتب كتابه تعلموا كيف تموتون وأذاعت وكالة الأنباء الفرنسية أن الاستاذ محمود قد قابل الموت وهو يبتسم ونعتته الصحف الأفريقية بأنه ( قديس قال للطاغية لا ) كان الاستاذ يوم خروجه من المعتقل 19 /12 /1984 م والذي دام لاكثر من سنة ونصف قال ( نحن خرجنا من المعتقلات لمؤامره نحن أخرجنا في وقت يتعرض فيه الشعب للاذلال والجوع بصورة محزنة ونحن عبر تاريخنا عرفنا بأن لا نصمت عن قولة الحق وكل من يحتاج أن يقال له في نفسه شئ، قلناه له ومايو تعرف الأمر دا عننا ولذلك اخرجتنا من المعتقلات لنتكلم لتسوقنا مرة أخرى ليس لمعتقلات أمن الدولة وإنما لمحاكم ناس المكاشفي ولكن نحنا مابنصمت) كما قال الاستاذ ( إذا المواطنين البسيطين ذي الواثق صباح الخير لاقو من المحاكم دي ما لاقو فأصحاب القضية أولى ) كما قال ( نميري شعر بالسلطة تتزلزل تحت أقدامه فانشأ هذه المحاكم ليرهب بها الناس ليستمر في الحكم وإذا لم تكسر هذه المحاكم لن يسقط نميري وإذا كسرت هيبتها سقطت هيبته وعورض واسقط نحن سنواجه هذه المحاكم ونكسر هيبتها) وقد تم ذلك وانفجرت الانتفاضة الشعبية التي كانت محتشدة وكما قال الاستاذ نقد لاحد الصحف وقتها أنه يرى أن شجاعة الاستاذ محمود شجاعة أسطورية وأن البلد كانت بحاجة إلى شخص يملك شجاعة كتلك فلم يكن غير الاستاذ. وكانت الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا التي أصدرت حكمها ببطلان محاكمة الاستاذ وتبرئته كانت مكونة من السيد محمد ميرغني مبروك رئيساً والسيد هنري رياض سكلا عضواً والسيد فاروق أحمد إبراهيم عضواً والسيد حنفي إبراهيم أحمد عضواً والسيد زكي عبد الرحمن عضواً والسيد محمد حمزة الصديق عضواً والسيد محمد عبدالرحيم علي عضواً وكان الحكم قد صدر بأغلبية أربعة أما السيد هنري رياض وحنفي إبراهيم أحمد فقد رفعا رأيهما المخالف في مذكرة وقفت مع الشكل بقولهما انه قد يكون محل تلك الدعوى محكمة درجة أولى وكذلك كانت مذكرة السيد محمد عبد الرحيم تقول أن الحكم المطعون فيه قد وصل أعلى مراحل التقاضى وكيف هذا مع أن الحكم لم يعرض على المحكمة العليا.
صحيفة الحرية 18 يناير 2002 لمحات من سيرة الأستاذ محمود محمد طه ولد الأستاذ محمود محمد طه في مدينة رفاعة – التي تقع غرب النيل الأزرق – في عام 1909 م، هذا في أغلب الظن . توفيت والدته فاطمة بنت محمود في عام 1915 م ولحق بها والده في عام 1920 م فنشأ الاستاذ وإخوته الثلاثة أيتاماً وعملوا في وقت مبكر بالزراعة. بدأ تعليمه في الخلوة في زمن مبكر ثم دخل المدرسة الأولية برفاعة بعد وفاة والده وأتم المدرسة الوسطى بها كذلك. وفي أوائل عام 1932 م دخل الأستاذ محمود – كلية غردون – قسم المهندسين – وتخرج منها عام 1936 م والتحق بمصلحة السكة الحديد حيث مكث ست سنوات التزم خلالها جانب العمال وصغار الموظفين السودانيين في مواجهة ظلم الانجليز وأبعد الى كسلا فتقدم باستقالته من السكة حديد عام 1941 م وعمل بعد ذلك في الأعمال الحرة كمهندس مقاول. شارك الأستاذ محمود في الحياة الأدبية والسياسية منذ وقت مبكر وقد نشرت له عدة مقالات في الصحف آنذاك وكانت تتسم بالقوة والمواجهة للإستعمار ولأحزاب مؤتمر الخريجين التي ارتمت في احضان الطائفية بشقيها بحثاً عن السند الشعبي الجاهز.. وفي أواخر أكتوبر عام 45 نشأ الحزب الجمهوري وكان حزباً سياسياً وقد أنتخب له الأستاذ محمود رئيساً في نفس الشهر فكتب بيانه الاول وكان الأستاذ وزملاؤه أول من دعا للنظام الجمهوري في السودان في الوقت الذي كانت الأحزاب الطائفية تدعوا الى ملكية تحت التاج البريطاني (حزب الامة) أو ملكية متحدة مع مصر (الإتحاديين). كان الحزب الجمهوري يدعوا الى بعث الاسلام من جديد ولم تكن يومئذ تعرف تفاصيل الفكرة الإسلامية فإنصرف عمل الحزب الى تصعيد المعارضة للإستعمار البريطاني ( أو ما يعرف بملء فراغ الحماس ) وقد تم ذلك في صورة منشورات بالرونيو توزع بالليل وبالنهار على المواطنين وتحمل إمضاءات الجمهوريين وفي صورة ندوات وخطب حماسية في الأماكن العامة. تسبب هذا الصنيع في إستدعاء الأستاذ محمود ليمثل أمام السلطات وطلب منه أن يمضي تعهداً بحسن السلوك والإقلاع عن التحدث في السياسة لمدة عام أو يسجن، فلما رفض الأستاذ الإمضاء قرروا أن يقضي عاماً في السجن على أن يتم الإفراج عنه متى ما أمضى التعهد.. كان ذلك في شهر يونيو من عام 1946 فكان بذلك أول سجين سياسي في الحركة الوطنية ضد الإستعمار الإنجليزي المصري.. لم يقض الاستاذ العام المقرر له ولم يمض التعهد ومع ذلك ونسبة لمقاومته لقوانين السجن من داخل السجن ولمقاومة الأخوان الجممهوريين من خارج السجن فقد خرج بعد خمسين يوماً بإستصدار عفو شامل من الحاكم العام البريطاني وكان موضوع المنشورات الذي بسببه دخل الأستاذ السجن هو الخفاض الفرعوني حيث شعر الجمهوريون أن الإنجليز يبيتون أمراً بإستصدار قانون لمحاربة هذه العادة الذميمة ورأوا أن محاربتها لا تكون إلا بالتوعية والتربية. بعد خروج الأستاذ محمود من السجن بشهرين وقع حادث رفاعة حيث سجنت إمرأة خفضت بنتها خفاضاً فرعونياً فاستغل الاستاذ الفرصة لتصعيد الكراهية ضد الاستعمار.. ذهب الأستاذ ومعه جمهرة من أهل رفاعة وقابلوا مفتش المركز وتم إطلاق سراح المرأة إلا أن الانجليز عادوا لاعتقالها بعد أيام قلائل مما أثار حفيظة الاستاذ محمود فخطب خطبته الشهيرة في مسجد رفاعة بعد صلاة الجمعة فتحرك معه جمهور رفاعة وأخرجوا المرأة من السجن وملأوا ساحته وأصروا على أن يأخذوا مكانها إلا أن مأمور السجن أخلا سبيلهم جميعاً.. في ليلة السبت تم إختطاف المرأة والعبور بها الى الحصاحيصا بنية ترحيلها الى مدني.. في صباح اليوم التالي علم الاستاذ محمود بما تم فقاد ثورة اشتركت فيها جموع غفيرة من مواطني رفاعة وعبروا الى الحصاحيصا بالقوارب في مشهد مهيب ثم أحاطوا بالمركز وأحدثوا ضجة كبرى وقد كان بداخل المركز المدير والكمندان والمفتش فما كان من المدير الا أن اتصل بمدير السجن وطلب منه أن يحضر السجينة بنفسه ويسلمها لأهل رفاعة فرجعوا بها منتصرين بعد أن مرغوا هيبة المستعمر في التراب.. وقد تم إلقاء القبض على الأستاذ محمود وعلى بعض المواطنين وأرسل الاستاذ محمود الى السجن للمرة الثانية ولمدة عامين. ( يمكن معرفة تفاصيل أكثر عن تأسيس الحزب الجمهوري وحادثة رفاعة بمتابعة لقاء معهدالدراسات الأفريقية والاسيوية مع الاستاذ ). أنفق الأستاذ محمود في السجن أربعاً وعشرين شهراً واصل فيها عادته في مقاومة قوانين السجن وعصيان أوامر السجانين والنكاية بالمستعمر وكان كثيراً ما يودع في الحبس الإنفرادي (الزنزانة) فيصوم صيام المواصلة (سبعة أيام بلياليها) وقد أخذ نهج الصوفية في العبادة والتحنث.. وعندما خرج من السجن في عام 1948 إعتكف برفاعة لمدة ثلاثة أعوام واصل فيها تحنثه وإنفتحت في هذه الاثناء في ذهن الأستاذ معالم فكرة التجديد. وفي أكتوبر من عام 1951 ترك الأستاذ إعتكافه برفاعة وواصل نشاط الحزب من جديد حيث تم اصدار بيان الحزب والذي بدا فيه واضحاً النهج الجديد، نهج ملء فراغ الفكر بعد أن دب النشاط في الحركة السياسية. في عام 1952 ظهر المؤلف الأول بعنوان (قل هذه سبيلي) وتوالت المنشورات والمقالات والمحاضرات والندوات عن موضوع بعث الاسلام من جديد. في عام 1955 صدر كتاب ( أسس دستور السودان ) وذلك قبيل استقلال السودان حيث نادى الأستاذ فيه بقيام جمهورية رئاسية، فدرالية، ديمقراطية، وإشتراكية. عمل الأستاذ محمود بين عامي 1952 – 1954 بالمرتب الشهري كمهندس مدني لشركة النور والقوة الكهربائية ( الإدارة المركزية للكهرباء الآن ). وفي عام 1954 بدأ الأستاذ في العمل الموسمي كمهندس في المشاريع الخاصة بمنطقة كوستي – مشاريع الطلمبات – كان يعمل كمقاول يقوم بالجانب الفني في المساحة وتصميم القنوات والتنفيذعلى الطبيعة. تم تكوين لجنة لصياغة مسودة لدستور السودان بعيد الاستقلال في يناير 1956 ، وقد اختير الأستاذ محمود في اللجنة ممثلاً للحزب الجمهوري الا أنه استقال بعد أشهر قليلة إثر تدخلات من السلطة التنفيذية للتأثير على عمل اللجنة والزج بمصالحها الضيقة في الأمر.. وكان نتيجة عمل تلك اللجنةصياغة مسودة لدستور يعكس فهم الاحزاب الطائفية الضيق للاسلام وتشريعاته ولكن قبل أن يتم تبنيه بواسطة البرلمان تم إنقلاب الفريق عبود في نوفمبر 1958 وقد تم حل جميع الاحزاب السياسية.. كتب الأستاذ محمود خطاباً لحكومة عبود أرفق معه كتاب أسس دستور السودان وطالب فيه بتطبيق مقترح الجمهوريين بإقامة حكومة ديمقراطية، إشتراكية، وفدرالية وقد تم تجاهل ذلك الطلب.. واصل الاستاذ نشر أفكاره في المنتديات العامة مما أزعج قوى الهوس الديني والدعاة السلفيين ففصلوا ثلاث من الطلاب الجمهوريين من معهد أمدرمان العلمي في عام 1960 لتبنيهم أفكار الأستاذ محمود.. وتم بعد ذلك منع عمل الأستاذ في المنتديات العامة ودور العلم بواسطة السلطات كما منعت كتاباته من النشر في الصحف العامة فاتجه الى الندوات الخاصة فيما ازداد نشاط الدعاة السلفيين في تشويه أفكاره فأخرج كتاب – الاسلام – في عام 1960 لتصحيح التشويه الذي لحق بدعوته وتبيينها, ويعتبر هذا الكتاب هو الكتاب الأم للدعوة الاسلامية الجديدة. منذ ثورة أكتوبر عام 1964م وحتى بداية الثمانينات توالت مؤلفات الأستاذ محمود حتى فاقت الثلاثين مؤلفاً صغيراً أوسعت فكرة البعث الإسلامي شرحاً وتفسيراً وتبسيطاً.. في عام 1966 ترك الاستاذ محمود عمل الهندسة نهائياً وتفرغ تماماً للتأليف ونشر الفكرة الجمهورية. وفي الفترة من 1966 - 1967 صدرت ثلاث من الكتب الاساسية وهي طريق محمد و – رسالة الصلاة و – والرسالة الثانية من الاسلام. ثم كان الأسـتاذ محمود أول من دعا العرب للدخول في سلام مع إسرائيل ليوجدوا هدنة يبحثون في أثنائها أسباب مشكلتهم الحقيقية بدلاً من الدخول في عداوات لا طاقة لهم بها مع اسرائيل ومع الغرب مما يدفعهم في احضانالشيوعية الدولية.. فصدر كتاب – مشكلة الشرق الأوسط – ليبحث في جذور المشكلة ويستخرج الحلول الناجعة لها وكان أن سبقه كتيب – التحدي الذي يواجه العرب. في هذه الأثناء كانت الطائفية وقوى الهوس الديني تتآمر على الشعب وتسعى لتصفية مكتسباته. فقد عدل الدستور مرتين للتمكين للحكم الطائفي في الاستمرار: مرة ليتمكن أزهري من أن يكون رئيساً دائماً لمجلس السيادة، في إطار الاتفاق بين الحزبين على اقتسام السلطة. ومرة أخرى لحل الحزب الشيوعي، وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية.. فقد عدلت الجمعية التأسيسية المادة 5 /2 من الدستور، والتي تعد بمثابة روح الدستور.. وهي المادة التي تنص على الحقوق الاساسية، كحق التعبير، وحق التنظيم.. ولما حكمت المحكمة العليا بعدم دستورية ذلك التعديل أعلن رئيس الوزراء آنذاك، السيد الصادق المهدي (( ان الحكومة غير ملزمة بان تاخذ بالحكم القضائي الخاص بالقضية الدستوري ة)).. ليتعرض القضاء السوداني بذلك لصورة من التحقير لم يتعرض لها في تاريخه قط!! ولما رفعت الهيئة القضائية مذكرة الى مجلس السيادة تطلب فيها تصحيح الوضع بما يعيد للهيئة مكانتها وصف مجلس السيادة حكم المحكمة العليا بالخطأ القانوني فاستقال رئيس القضاء السيد بابكر عوض الله، وقد جاء في الاستقالة: (( إنني لم أشهد في كل حياتي القضائية اتجاهاً نحو التحقير من شأن القضاء، والنيل من استقلاله كما أرى اليوم. . أنني أعلم بكل أسف تلك الاتجاهات الخطيرة عند قادة الحكم اليوم، لا للحد من سلطات القضاء في الدستور فحسب، بل لوضعه تحت إشراف الهيئة التنفيذية )).. قابل الأستاذ محمود هذه الخروقات والتجاوزات بنقد قوي ولم يفوت أي فرصة لكشفها وتوعية الشعب بها. لذا لم يكن مستغرباً أن دبرت قوى الهوس الديني والطائفية محاكمة لردة الأستاذ محمود في نوفمبر من عام 1968 من محكمة( شرعية) بالخرطوم فسفه الاستاذ تلك المحكمة ولم يكلف نفسه مشقة المثول أمامها فأصدرت حكمها المعد سلفاً غيابياً فاستغل الأستاذ هذه المناسبة فصعد نشاطه ومواجهته للسلفيين وكشف زيفهم وجهلهم. في هذا الجو المظلم والفوضى السياسية استولى تنظيم – الضباط الاحرار – على مقاليد الحكم في انقلاب عسكري في مايو 1969 وقد قام بحل جميع الأحزاب السياسية ومنع نشاطها.. بدأ نظام مايو بخطوات جادة لحل مشكلة الجنوب واقامة مشاريع التنمية مما أكسبه تأييد قطاعات واسعة من الشعب وقد أيده الجمهوريون برغم إيقافه لنشاطهم لهذه الأسباب ولأنهم أيضاً رأوا فيه نظاماً مرحلياً يعد الأفضل بين بدائله المطروحة في الساحة السياسية حينها ولإسهامه الواضح في كسر شوكة الطائفية والهوس الديني. لم يدخل الجمهوريون في أجهزة النظام المايوي واستمروا في عملهم المتمثل في توعية الشعب بالدعوة الاسلامية وكشف أدعياء الدين وذلك رغم العنت والصعوبات التي كانوا يواجهونها من أجهزة الدولة التنفيذية والأمنية ومن ورائها بعض قوى الهوس الديني والتي أخذت تتغلغل في أجهزة النظام المايوي.. تكثف نشاط الجمهوريين في الجامعات ووجدت دعوتهم تفهماً كبيراً وقبولاً في أوساط الطلاب والمثقفين. تركز عمل الأستاذ محمود في هذه الفترة على تربية الاخوان والأخوات الجمهوريين والجمهوريات وترشيدهم وفق المنهاج النبوي ليكونوا نواة التغيير المرتقب.. وقد طبقوا هذا المنهاج في محتمعهم الجمهوري الصغير ما وسعتهم الحيلة فجاءت مناسباتهم من زيجات ومآتم وغيرها مصبوغة بهذه التربية والنهج الجديدين على المجتمع السوداني. في ديسمبر 1976 تم اعتقال الأستاذ محمود وبعض قيادات الجمهوريين واودعو سجن كوبر لمدة شهر بأمر من نميري وذلك ارضاء للحكومة السعودية حيث واجههم الجمهوريون في كتاب ( إسمهم الوهابية وليس إسمهم أنصار السنة ) والذي صدر عنهم آنذاك. في عام 1983 اعتقل الأستاذ ومعه حوالي خمسين من تلاميذه وتلميذاته لمدة عام ونصف إثر إخراجهم كتاب عن الهوس الديني أدانوا فيه تجاوزات عمر محمد الطيب، النائب الاول لرئيس الجمهورية ورئيس جهاز الأمن، وذلك حينما سمح بأن يكون مسجده بؤرة للهوس والفتنة الدينية والتحرش بالجمهوريين وغيرهم.. أثناء هذا الاعتقال صدرت قوانين سبتمبر 1983 والمسماة زوراً – بقوانين الشريعة الاسلامية – فعارضها الأستاذ محمود والجمهوريون من داخل وخارج المعتقلات. اطلق سراح الأستاذ وجميع الجمهوريين والجمهوريات المعتقلين في 19 ديسمبر 1984 م بعد أن قضوا نحو 19 شهراً في الحبس من غير محاكمة أو حتى تهمة واضحة وسرعان ما إتضح أن النية قد كانت مبيتة وراء هذا الإفراج المباغت والذي أدى الى إعدام الأستاذ بعد أربعة أسابيع.. بالرغم من معرفة الأستاذ بالتآمر والنية المبيتة ضده إلا أنه رأى أن الواجب المباشر هو مقاومة قوانين سبتمبر ولذا أصدر الجمهوريون منشورهم الشهير ( هذا أو الطوفان ) بعد خروجهم من المعتقل بإسبوع في مقاومة قوانين سبتمبر ودفاعاً عن الإسلام والشعب السوداني. بدأت حملات إعتقال الجمهوريين وهم يوزعون المنشور وقد وجهت لبعضهم تهمة إخلال السلام العام بينما أفرج البوليس عن البعض الآخر حينما لم يجد في المنشور ما يستدعي الاعتقال.. في هذه الأثناء تدخل وزير الدولة للشئون الجنائية وأمر المدعيين في المدن الثلاث باعتقال الجمهوريين.. فاعتقل إثر ذلك الأستاذ للمرة الثانية ومعه أربعة من تلاميذه وقدموا للمحاكمة يوم 7 يناير1985 م وكان الأستاذ قد أعلن عدم تعاونه مع تلك المحكمة الصورية في الكلمة المشهودة فصدر الحكم بالاعدام ضده وضد الجمهوريين الأربعة بتهمة إثارة الكراهية ضد الدولة من محكمة ( المهلاوي ). حولت محكمة المكاشفي التهمة الى تهمة ردة!!! وأيد نميري الحكم ونفذ في صباح الجمعة 18 يناير1985م وسط حشد كبير في ميدان سجن كوبر.. تحرك الأستاذ نحو حبل المشنقة بثبات مهيب وكشف وجهه عن ابتسامة لم يرى مثلها ثم تم التنفيذ وحمل الجسد الطاهر بطائرة عمودية الى مكان مجهول. لم يترك الأستاذ الشهيد غير منزل مبني من الجالوص بام درمان، عاش فيه بالزهد كله وبالتواضع كله.. ومنزله هذا هو ( العقار) الذي أمرت المحكمة المهزلة بمصادرته. في أبريل 1985 م (أي بعد 76 يوماً من تنفيذ حكم (الإعدام) هب الشعب السوداني هبته الثانية ليسقط نظام مايو في انتفاضة شعبية سلمية شبيهة بثورة أكتوبر1964 ..
محمود محمد طه في ذكراه السابعة عشررجل السلام!!
الأستاذ محمود محمد طه، المفكر، والداعية السوداني الشهير، شكل ظاهرة فريدة في مسار الفكر والدين، فخلا سبعة عشرة عاماً منذ رحيله الاسطوري من على منصة الاعدام في ساحة سجن كوبر العتيق، في صباح الجمعة الثامن عشر من يناير 1985 م، وحتى يوم الناس هذا مافتئ الأستاذ محمود يشكل حضوراً لافتاً في ساحة الفكر والرأي تستدعيه الحادثات النوازل، وتوطئ اكنافه مستجدات الايام، وهو اشبه ما يكون بالمامة مضيئة من المستقبل تلم بارضنا في كل حين على مكث وترتيب. ففي الخامس من سبتمبر 1967م وبعد شهرين اثنين من نكسة العرب المعروقة اخرج الأستاذ محمود كتابه الشهير (التحدي الذي يواجه العرب)حيث دعا فيه ببصيرته الثاقبةوشجاعته الفكرية المعهودة الى الحل السلمي لمشكلة الشرق الاوسط، في وقت لم يكن فيه احد من خاصة الناس أو عامتهم يتحدث عن سوى الحرب، ومقدماً فهماً جديداً وفريداً للمشكلة التي تواجه العرب (وهي عندنا ليست اسرائيل، وانما هي اكبر واخطر من اسرائيل، اسرائيل نتيجة لسبب وراءها هذا السبب هو المشكلة التي على العرب أن يتفطنوا اليها، وأن يتوفروا على حلهان إن العرب لايفكرون وإنما يسيرون في طريق الحياة المعاصرة بالعواطف، والتمنيات وبحسبهم هذا شراً) إن هذه المشكلة هي إنصراف العرب والمسلمين عن لباب دينهم، وإقامتهم على قشور من الثقافة الغربيةوقشور من الاسلام، فاصبحوا بذلك في ذيل القافلة البشرية ترمي بهم النائبات المرامي، ويرمي الأستاذ محمود قفاز التحدي أمام العرب ( إن العرب يواجهون اليوم تحدي التاريخ، وإنهم يقفون بذلك على مفترق الطرق، وليس هناك وقت طويل ليصرف في المحاولات التي لا تتسم بميسم الحذق والذكاء فان علينا أن ندخل التاريخ منذ اليوم كما دخله أوائلنا أو أن نخرج من التاريخ لبقية التاريخ ). والآن ماذا ظفر العرب من هذه الدعوة الحاسمة وبعد نيف وثلاثين عاماً من الخواء والتخبط؟ إنهم لم يظفروا منها باكثر من الشعور المستحي بالحاجة الى السلام، دون امتلاك الشجاعة النفسية والفكرية اللازمة لتحقيقه، ذلك أن السلام كما يحدثنا الأستاذ محمود يحتاج (لشجاعة الفكر، وشجاعة الخلق) بأكثر مما تحتاجه الحرب. ولم تكن دعوة الأستاذ محمود الى السلام في الشرق الاوسط الا طرفاً من دعوته الشاملة الى السلام، فقد كان السلام هو المركزية التي تدور حولها حياته وافكاره، فلكأنه لم يدعو لغير السلام، والاسلام عنده هو (السلام) ( السلام مع الاحياء والاشيا ء) وهكذا اقام السلام في نفسه، وطفق يوظف حياته للدعوة اليه وتحقيقه، ( فإن السلام لا يحل في الارض حتى يحل في كل نفس بشرية ) ووسيلة ذلك هي تنقية النفوس من صراعها القديم بالعلم القديم الهادي واقامة الوزن بالقسطاس المستقيم بين بني البشر بالمساواة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ولقد كان الأستاذ محمود أكبر من عرف خطر الهوس الديني ووقف في وجهه حين كان غيره من مثقفي المسلمين في شغل شاغل عن ذلك بسفاسف الامور وقشورها فتحدث الأستاذ محمود عن خطر الهوس الديني على السلام الاقليمي والعالمي حديثاً كان يبدو غريباً حتى على أشد مؤيديه ثقة به، فاذا بحوادث الايام تكشف عن بصيرته الناصعة، وعلمه الفريد، فقد ابانت احداث سبتمبر الماضي وما كشفت عنه من تنامي تهديد الهوس الديني للسلام العالمي ابانت حاجة العالم بأسره الى السلام، بنفس الكيفية التي تحدث عنها الأستاذ محمود في بواكير خمسينيات القرن المنصرم. ومن الناحية الاخرى فقد ابانت وقوع قسم كبير من المسلمين فريسة تضليل الهوس الديني، حتى ذهب فريق من الناس الى تأييد اعمال إرهابية بشعة ينفر منها كل ذي حس انساني سليم، وذهب فريق آخر الى شجبها بصوت خفيض يستبطن الشماته والارتياح فدلل كل ذلك على موات الخلق، وعلى خواء الروح وخواء الفكر. وكم كان محزناً أن تزدحم الفضائيات والصحف بصور منفرة لمسلمين محدودي الافق يتدافعون لتأييد أفعال هزمت صورة الاسلام لدى العالم شر هزيمة وهم يعدون بن لادن وغيره من رؤوس الهوس ابطـالاً تحمل صورهم ويتغنى باسمهم، ما اتعس امة هؤلاء هم ابطالها. لقد دعا الأستاذ محمود الى تطوير التشريع الاسلامي، دخولاً اكثر في الدين، واستلهاماً اكبر لاغراضه وقد ظهر ظهوراً عملياً الآن، وبعد فتنة الهوس الديني في بلاد المسلمين لأن أي إبطاء في الاستجابة لدعوته هذه ينذر بمزيد من الانحدار الى مستنقع الهوس الديني والتعصب والعنف، وبوقوع العالم الاسلامي فريسة في يد قوى الجهل لتقيم فيه إمبراطورية الظلام تلك التى اقامت (بروفتها) على أرض افغانستان المكلومة. إن الأستاذ محمود كنز خبئ ما عرف الناس عنه على عظم ما عرفوا غير التماع معدنه البراق، واننا نحن السودانيين اولى به من غيرنا فقد مضى أوان المهرجين وحان أوان الرجال الاحرار المفكرين ذوي الفكر السديد والخلق الرصين والجنان الشجاع ولم يعد في الوقت سعة لنصرفه في ( المحاولات التي لا تتسم بميسم الحذق والذكاء ) فقد ضرب الأستاذ محمود مثلاً شروداً في سداد الفكرة وهو يغوص الى جواهر الحكمة، فيضع لكل قيمة وزنها الموزون، وفي سداد السيرة وهو يعيش حياة (خصبة خلاقة) هي كلها في اجمالها ومفرقها في خدمة الناس وخير الناس وفي سداد المواقف وهويدخل السجون المتتالية على عهود المستعمرين وعلى عهود الوطنيين فلا تزيده الا صلابة في الحق، وهو يصعد منصة الاعدام في سبيل كلمة الحق، والمستضعفين من شعبه فلا يظفر الحبل المدود فوقه بغير إبتسامة الفرح بالله الوضيئة. سلام من عالم يتطلع الى السلام، الى رجل السلام في ذكراه السابعة عشرة.
محمد نجم الدين عباسصحيفة الحرية18 يناير 2002ماذا قال الكتاب والأدباء عن هذا المشهد العظيم؟
لم أشاهد في حياتي مثله لم أشاهد في حياتي شخصاً كهذا الشخص الذي كان يواجهه الموت في شجاعة ورجولة واقدام وهويتقلد دائرة حبل المشنقة المشؤومة.. وقف في هذه دون حراك ودون أن تهتز شعرة واحدة من رأسه حتى أثار الخوف والرعب والخجل في نفوس جلاديه.. والمشاهدون ( اصبح لا يبدو لهم الآن في هذه الذروة التي يتسنمها انساناً يثير الخوف أو يستدر العطف والشفقة انه الآن ليس على الارض يديه لا تتعلقان بشئ وهو لا يسبح ولا يطير ان ذاته مركز ذاته لقد تحرر الآن فقط من روابط الارض واثقال الارض انه لا يتألم وما من شئ يمكن أن يكون له الآن عليه سلطان ). السر جكسم
كتب اسامة الخواض: قد أمضى الأستاذ محمود اربعين سنة يعلم شعبه بكتبه ( تعلموا كيف تصلون ) .. ( تعلموا كيف تتعاملون ) .. إلخ .. ثم كتب كتابه الاخير ( تعلموا كيف تموتون ) ...
قصيدة: عبد الله الأمين المحامي
( خير الجهاد كلمةُ حقٍ أمامَ سلطانٍ جائر ) حديث نبوي شريف ( سيد الشهداء حمزة ورجلٌ قال كلمةَ حقٍ أمامَ سلطانٍ جائر فقتله بها ) حديث نبوي شريف
الديـنُ فيه العـدلُ والإحسـانُ وبفضـله قـد كُــرِّم الإنســانُ لكنَّ بعضَ رجــالهِ من جهـلهم قـد كانوا من نُكِـبتْ به الأديـانُ فلقـد أسـاءَ الفعــلَ حاخاماتُهُمْ يوماً بما عـادوا المسيحَ وخـانـوا واليومَ جُعِـلَ الدينُ كسبَ مغـانمٍ ماديــةٍ والغايـةُ السـلطــانُ فلقـد تـداروْا خلفـه وتآمـروا بمفكــرٍ تزهــو به الأكــوانُ قتـلوهُ بسمِ الديـنِ وهو بحــاله ومقــالهِ التوحيـدُ والإيمـــانُ زعمـوهُ مرتـداً وقالـوا كــافرٌ أو مـارقٌ أو خـارجٌ خــوّانُ أيضارُ بالتكفيــرِ رجـلٌ موقـنٌ باللهِ بل هـو ذاتـُـهُ الإيقــانُ ؟؟ رجـلٌ له قلـبٌ سليـمٌ طــاهرٌ لا يعتـريـهِ الغـلُّ والأضغـانُ وتواضعٌ جـمٌّ وحسـنُ شمائـلٍ وتوكـلٌ باللهِ واطمئنـــــانُ وشجاعـةٌ وشهامـةٌ وأصالــةٌ ومعـارفٌ وبلاغــةٌ وبيـانُ ومحـبـةٌ وبشـاشـةٌ وسماحـةٌ ورحـابـةٌ وأمانـةٌ وأمـــانُ فيه المكــارمُ كلها قد أُجمعتْ فكــأنما قـد جُـسّـِد القـرآنُ للديـنِ والســودانِ نذر حيـاته فتشـرَّفَ الإســلامُ والســودانُ ربَّـى مريـديـهِ فكان بعرفـهمْ للغيـرِ إيثـارٌ .. للأنا نكــرانُ فتسـالموا وتعـاونوا وتـآزروا وتناصحـوا وتجـردوا وتفـانوا فلتسألِ الإنشــادَ يحكي حـالهم فيه الصفـا والصدقُ والعِـرفانُ عاداهمُ قـومٌ تخـلفَ فكـرُهمْ وتحجّـرَ الإحسـاسُ والوجـدانُ قـومٌ أرادوا الدينَ كسب مغـانمٍ ومناصبٍ فتدافعـوا وتدانـــوا رفعوا شعـارَ الدينِ ثم تربصوا حتى إذا واتـاهـمُ السلطــانُ فرضوا جهالتَهمْ وقالوا شـرعـةٌ للدينِ فيها يُكْــرَمُ الإنســانُ فإذا بأعـراضِ الأنـامِ مباحــةٌ عبـر الأثيـرِ ينالها الإعــلانُ وإذا النسـا يُجلدنَ بالشبهاتِ لا الإثــــباتِ والشيـخُ الوقـــــورُ يهـانُ حسبوهُ يسكتُ لا يواجـهُ كيدهمْ ظنـوهُ ليس يهمـه الســودانُ ظنـوهُ يخشى بأسهم ووعيـدهم أيخـافُ رجــلٌ قلبُه الرحمـنُ ؟؟ قال : أوقفوا هذي المهـازلَ كلها من قبـلِ أنْ يأتيَـكمْ الطوفــانُ فأتوا بمهـزلةٍ وأجلسـوا قاضياً للإتهـامِ الزورِ ثم أدانــــوا قصدوا إزاحـةَ فكرهِ عن دربهمْ قـد أفصحوا عن ذلكم وأبانــوا جهلوا فهل قتلوا التفكرَ والرؤى وهل استـدامَ لظالمٍ سلطــانُ ؟؟ كلا فقـد سقـط المشـيرُ مبكِّـراً والمستشـارُ أصابـه الهذيـانُ أبريـلُ ما كانت سوى إرهاصةٍ وغـداً يقـامُ الحـقُ والميـزانُ
عبد الله الأمين محمد المحامي
عن إستشهاد الأستاذ محمود: من قصيدة الدكتور عبدالله الطيب
من قصيدة: محمود محمد طه
(المقاطع الثلاثة الاخيرة من القصيدة) اكتوبر 1946 م
(حياة العاشقين في الموت) جلال الدين الرومى – المثنوي
ازهري الحاج دفع اللهذكرى محمود محمد طه
إيمان محمد الحسنصحيفة الحرية 18 /1 /2002
الأستاذ سنة 1946 م: (فلا يظنن احد أن النهضة الدينية ممكنة بغير الفكر الحرولا يظنن احد أن النهضة الاقتصادية ممكنة بغير الفكر الحر ولا يظنن احد أن الحياة نفسها يمكن أن تكون منتجة ممتعة بغير الفكر الحر). ( فليتدارك الله ديناً يحيا باسمه أناس في برد العيش وقرار النعمة ورخاء الدعة وباسمه هم لأبنائه يكيدون ).
يقول عن خلوته الصوفية واعتكافه: ( إنما حبسني العمل لغاية أشرف من المعرفة غاية ما المعرفة إلا وسيلة اليها تلك الغاية هي نفسي التي فقدها بين ركام الاوهام والاباطيل فان علي لان ابحث عنها على هدى القرآن اريد أن اجدها واريد أن انشرها واريد أن اكون في سلام معها قبل أن ادعو غيري الى الاسلام ذلك امر لا معدى عنه فان فاقد الشئ لا يعطيه ).
الاستاذ 27 /1 /1951 م : ( قد يخرج الانجليز غداً ثم لا نجد انفسنا احراراً ولا مستقلين وانما متخبطين في فوضى ما لها من قرار ). ( الاستقلال جسد روحه الحرية )
وقال عنه التجاني عامر.. (ولان محمود زاهد في المكاسب وراغب عنها فان حزبه لم يدخل معارك السياسة في غير النضال القومي العام)
الاستاذ 1952 م: (ليقرأ الناس القرآن وليتدبر الناس القرآن وليتخلق الناس باخلاق القرآن فان فيه خلق الله الاعظم)
عن أكتوبر الثانية ( ثورة اكتوبر لم تكتمل بعد، وإنما هي تقع في مرحلتين نفذت منهما المرحلة الاولى ولا تزال المرحلة الثانية تنتظر ميقاتها المرحلة الاولى من ثورة اكتوبر كانت مرحلة العاطفة المتسامية التي جمعت الشعب على ارادة التغيير، وكراهية الفساد، ولكنها لم تكن تملك مع ارادة التغيير فكرة التغيير حتى تستطيع أن تبني الصلاح، بعد ازالة الفساد، من اجل ذلك انفرط عقد الوحدة بعد ازالة الفساد، وامكن للاحزاب السلفية أن تفرق الشعب، وان تضلل سعيه، حتى وأدت اهداف ثورة اكتوبر تحت ركام من الرماد مع مضي الزمن، وما كان للاحزاب السلفية ان تبلغ ما ارادت لولا أن الثوار قد بدا لهم أن مهمتهم قد انجزت بمجرد زوال الحكم العسكري، وإن وحدة صفهم قد استنفدت اغراضها. والمرحلة الثانية من ثورة اكتوبر هي مرحلة الفكر المستحصد العاصف الذي تسامى بارادة التغيير الى المستوى الذي يملك معه المعرفة بطريقة التغيير وهذه تعني هدم الفساد القائم ثم بناء الصلاح مكان الفساد، وهي ما نسميه بالثورة الفكرية، فان ثورة اكتوبر لم تمت، ولا تزال نارها تتقد ولكن غطي عليها ركام من الرماد، فنحن نريد أن تتولى رياح الفكر العاصف بعثرة هذا الرماد حتى يشعر ضرام اكتوبر من جديد فتحرق نارها الفساد ويهدي نورها خطوات الصلاح، وليس عندنا من سبيل الى هذه الثورة الفكرية العاصفة غير بعث الكلمة (لا اله الا الله) جديدة دافئة خلاقة في صدور النساء والرجال، كما كانت أول العهد بها في القرن السابع الميلادي ). كتاب لا اله الا الله صفحة 8 (1969 )
المجتمع الصالح المجتمع الصاالح هو المجتمع الذي يقوم على ثلاث مساويات: المساواة الاقتصادية، وتسمى في المجتمع الحديث الاشتراكية، وتعني أن يكون الناس شركاء في خيرات الارض.. والمساواة السياسية، وتسمى في المجتمع الحيث الديمقراطية، وتعني أن يكون الناس شركاء في تولي السلطة التي تقوم على تنفيذ مطالب حياتهم اليومية.. ثم المساواة الاجتماعية، وهذه إلى حد ما، نتيجة للمساويتين السابقتين، ومظهرها الجلي محو الطبقات وإسقاط الفوارق التي تقوم على اللون، أو العقيدة، أو العنصر، أو الجنس، من رجل ، وامرأة. محمود محمد طه الرسالة الثانية 1966م
(الشعب السوداني شعب عملاق يتقدمه أقزام) ( اننا في زمان طفقت فيه موازين القيم فارتفع حقاق الاحلام يوجهون مصائر الشعوب ).
( فالقادة المحبون للرئاسة الكلفون بالتسلط الفرحون بالجاه والثروة لا يمكن أن يعطوا احزابهم فلسفة حكم صالحة فانت لا تجني من الشوك العنب ). الأستاذ 12/11 /1964
(فكما ان الطائر لا يستقل في الهواء على جناح واحد فكذلك المجتمع لا يستقل بغير جناحين من ديمقراطية واشتراكية). ( فاذا وجدت مجتمعاً للضعفاء فيه حق محفوظ وكرامة مرعية واذا مجتمعاً للنساء فيه حرية وحرمة وتشريف وللاطفال فيه حقوق وله بهم عناية وعليهم رحمة ولهم فيه محبة فاعلم انه مجتمع متمدن ومتحضر). الأستاذ 1966
في محكمة الردة 1985م: (أنا اعلنت رأيي مراراً في قوانين سبتمبر 1983 من أنها مخالفة للشريعة وللاسلام. أكثر من ذلك فإنها شوهت الشريعة وشوهت الاسلام، ونفرّت عنه.. يضاف الى ذلك أنها وضعت واستغلت لارهاب الشعب وسوقه الى الاستكانة عن طريق اذلاله، ثم إنها هددت وحدة البلاد.. هذا من حيث التنظير، وأما من ناحية التطبيق فان القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنياً، وضعفوا أخلاقياً عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا انفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستعملهم لاضاعة الحقوق واذلال الشعب وتشويه الاسلام واهانة الفكر والمفكرين واذلال المعارضين السياسين ومن اجل ذلك فإني غير مستعد للتعاون مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل، ورضيت أن تكون اداة من ادوات اذلال الشعب وإهانة الفكر الحر والتنكيل بالمعارضين السياسين ).
الى الذين يحبون الانسان * الى الذين يحبون الأنسان، ويأسون لضياعه، ويطالبون استنقاذه نهدي هذا الكتاب. إهداء كتاب لا إله إلاّ الله
* دستور السودان الدائم ( ليس لهذه البلاد دستور غير الدستور الاسلامي ولكن يجب أن نكون واضحين فان الدستور الاسلامي الذي يدعوا اليه الدعاة الحاضرون – جبهة الميثاق والطائفية وانصار السنة والفقهاء ليس اسلامياً وانما هو جهالة تتستر بقداسة الاسلام، وضرره على البلاد محقق ولكنهم مهزومون بعون الله وبتوفيقه ولن يبلغوا بهذه الجهالة طائلاً، وهم يلتمسون الدستور الاسلامي في الشريعة الاسلامية وما في الشريعة الاسلامية دستور.
* الحر هو الذي يفكر كما يريد ويقول كما يفكر ويعمل كما يقول ويتحمل مسؤوليته في ذلك. اما المترقي فيكون في فكره وقوله وفعله براً بالاحياء والاشياء.
مؤهلات وشروط الداعيةالاسلامي العصري ( والتبشير بالاسلام امر يتطلب أن يكون المبشر من سعة العلم بدقائق الاسلام وبدقائق الاديان، والافكار، والفلسفات المعاصرة، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز امتياز الاسلام على كل فلسفة اجتماعية معاصرة، وعلى كل دين، بصورة تقنع العقول الذكية.. وان يكون من سعة الصدر بحيث لا ينكر على الآخرين حقهم في الرأي.. وأن يكون من حلاوة الشمائل بحيث يألف ويؤلف من الذين يخالفونه الرأي.. وهذه هي الصفات التي لا تكتسب الا بالممارسة.. اعني – ان يمارس الداعي دعوته في نفسه وأن يعيشها. اعني ان يدعو نفسه اولاً، فان استجابت نفسه للدعوة دعا الاخرين.. فان شر الدعاة هم الوعاظ الذين يقولون ما لا يفعلون.. ففي حق هؤلاء وارد شر الوعيد.. قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ).. ومقت الله شر ما يتعرض له العبد...). الأستاذ محمود محمد طه كتاب الثورة الثقافية 1972 م صحيفة الحرية18 / 1 /2002 م رأي الأستاذ محمد ابراهيم خليل في محكمة الردة(الرئيس السابق للجمعية التأسيسية)
( ولست في هذا الخطاب القصير العاجل بصدد الدفاع عن الأستاذ محمود فهو رجل وهبه الله من الفكر وسعة الاطلاع وعمق الثقافة ما مكنه من الغوص في اعماق المسائل الدينية والقضايا الفكرية، فكان له في كل منها آراء وافكار مهما اختلف بعض الناس حولها فلا مناص في الاعتراف باصالتها,ووهبه من البيان ما وفقه الى الافصاح عن تلك الافكار والآراء وترجمتها الى نظريات محددة واضحة ومن الشجاعة والامانة ما دفعه الى الجهر بها في المحاضرات والندوات واعمدة الصحف ثم أنه له بعد ذلك من الجد والعزم والصبر ما مكنه من تدوين افكاره وآرائه في عدد من المؤلفات لذلك فاني لست في هذا الخطاب العاجل القصير بصدد الدفاع عن الأستاذ محمود ولا مناقشة نظرياته ومعتقداته والحكم عليها ولعله تتاح لي فرصة الاسهام برأي اذا ما تفضل خصومه بفتح باب النقاش الهادئ والجدل الموضوعي في جو خالي من الارهاب الفكري والتخويف بالكفر والزندقة. انما اريد بهذا الخطاب أن الفت النظر الى الركن الاساسي الذي قامت عليه القضية التي حكم فيها بردة الأستاذ محمود محمد طه ذلك هو ركن الاختصاص وختم خطابه بقوله ( لذلك ترى يا سيدي أنه ليس من اختصاص المحاكم الشرعية في السودان أن تحكم بكفر احد أو ردته ) جريدة الايام 21 /11 /1968 موقد بدأ السيد محمد ابراهيم خليل القانوني البارز المشهور بقوله وهو يخاطب الأستاذ بشير محمد سعيد ( ولكن ما كاد مداد قلمك يجف حتى طلعت علينا تحدثنا أن المحكمة الشرعية استمعت الى الذين اتهموه بالكفر ورموه بالزندقة ومضت تصدر امراً بردته هذا يا سيدي أمر كبير خطير ممعن في الخطورة بحيث لا يجدر أن يمر دون أن يوليه الناس اهتمامهم ويسلطوا عليه اضواء النقاش الهادئ والجدل الموضوعي حتى تظهر ابعاده ويتضح صوابه أو خطأه ).
جامعة اوهايو الامريكية تحتفل بمحمود محمد طه كبطل افريقي كانت من تقاليد قسم الدراسات الافريقية بجامعة اوهايو بامريكا ان تحتفل كل عام بافريقي قدم عملاً عظيماً كبطل افريقي والاحتفال الماضي بالاستاذ مانديلا اما احتفال هذا العام 16 /2 / 2001 فقد كان بالأستاذ محمود محمد طه كبطل افريقي وكان رئيس القسم الاستاذ استيف هورد قد افتتح الاحتفال ورحب بالحاضرين ثم بدأ الاحتفال بثلاثة قصائد من الانشاد العرفاني الصوفي التي كانت قد استقدمت لادائها خصيصاً منشدة جمهورية من السودان وذلك لتصوير بعض الاجواء الروحية التي كان يعيشها الأستاذ وتلاميذه وتلميذاته، ثم قدمت الأستاذة اسماء محمود محمد طه في حديث عن الأستاذ وفكرته أربى عن الساعة ونصف، كما اقيم معرض بالمناسبة ضمن الاحتفال يحتوي على مخطوطات وصور توضح فكرة الأستاذ، كما عرض شريط المحاكمة الذي واجه فيه الأستاذ محمود المحكمة بانها غير مؤهلة فنياً وضعيفة اخلاقياً وواجه قوانين سبتمبر والسلطة، وكان الشريط مترجماً بالانجليزية كما قدمت كابلوهات من الاخوة الافارقة تتحدث عن الحريات.
قال الأستاذ محمود في مستقبل السودان وافريقيا قال الأستاذ محمود في كتابه (الدين والتنمية) السودان يقع في افريقيا موقع القلب وهو بشكله يمثل القلب، وافريقيا هي القارة التي كانت ولا تزال تسمى بالقارة المظلمة، فهي في مؤخرة القارات ولكنها اخذت اليوم تتحرك حركة دائبة نشطة بها تتحرر شعوبها كل حين. افريقيا هي الموطن الاول للانسان فيها ظهرت حياته في البدء وفيها ستتحقق حريته في النهاية. والسودان من افريقيا بحيث قد ذكرنا) . ديسمبر 1974 م
والمنشور المناهض لقوانين سبتمبر الصادر في 25 /12 /1984 م والذي ترتبت عليه المحاكمة والاغتيال مما جاء فيه دفاعاً عن الاخوة الجنوبين قول الأستاذ محمود (اما المواطن اليوم فلا يكفي أن تكون له حرية العبادة وحدها وانما من حقه أن يتمتع بسائر حقوق المواطنة وعلى قدم المساواة مع كافة المواطنين.. هذا ما قاله الأستاذ محمود والقول له ثمن باهظ وتبعات لا ينهض بها الا مثل الأستاذ الذي مبدأه الحرية لنا ولسوانا ).. وهاهو حق المواطنة المتساوية يصبح هو منطق القوى السياسية كما في وثيقة اسمرا 1995 م وهو منطق الجبهة الاسلامية نفسها في دستور 1998 جاء في المنشور الفقرة (2) نطالب بحقن الدماء في الجنوب واللجوء الى الحل السياسي والسلمي بدل الحل العسكري ذلك واجب وطني يتوجب على السلطة كما يتوجب على الجنوبين من حاملي السلاح فلابد من الاعتراف الشجاع بأن للجنوب مشكلة ثم لابد من السعي الجاد لحلها.
أقوال الشاويش الحارس ليلة الاعدام كما كتبها السيد عبد المنعم عبد اللطيف في تاريخ ذوالقعدة 1405 هـ
في تمام الساعة الرابعة مساء دعت ادارة السجن النزيل محمود محمد طه وابلغته بانه راحل الى الدار الآخرة صبيحة الجمعة 18 يناير الساعة العاشرة صباحاً فهز الرجل رأسه بالايجاب دون وجل أو اضطراب أو خوف وبشجاعة فائقة. ثم سألوه ان كانت لديه وصية او امانة او طلب فهز الرجل رأسه بالنفي... لا ليس لدي وصية او طلب عندها احضرت سلاسل الحديد لتقييده. - هل لكم أن تتركوني دون قيود. - سلطات السجن هذه اوامر وتعليمات. - حاضر لا بأس * وبملابس السجن والقيود اعادوه الى زنزانة الاعدام والتي بها برش وبطانية صوف لا غير.. * كان في مرات عديدة يطلب الابريق والمبولة لأنه يشكو من داء السكري لذا كان كثير التبول وعندما تحين مواعيد الصلاة يتوضأ ويتمتم بصوت لايسمع كان كثير الوضوء ليبقى طاهراً على الدوام.. دائماً يبتسم ويتأمل ما حوله. ذات مرة سألني عن سبب تاخير احضار المبولة فقلت له تعليمات فاجابني يجب الا تخاف الا من الله ولا تكونوا كزبد البحر.. لم يأكل الرجل شيئاً منذ الرابعة مساء الخميس، لم يحضر اليه ولم يطلب هو شيئاً. - لم يطلب شيئاً ؟ فاجاب بلا. وفي تمام الساعة الرابعة صباحاً طلبوا تحويله الى زنزانة الاعدام الجديدة واحضرت عربة لاخذه اليها بخارج السجن لئلا يثير ذلك بقية النزلاء فيحدثون اضطراباً بداخل السجن وعندما ادخل فيها قال مازال الوقت مبكراً والساعة العاشرة بعيدة.. فقلت تعليمات.. ولم يكن بها برش او بطانية فوضع الرجل نعليه تحته وجلس.. في تمام الساعة التاسعة صباحاً حضر القاضي ومدير السجن وسألوه ان كانت لديه وصية لابنائه.. قال كنت معهم طوال حياتي.. سألوه ان كان يريد استرحام.. قال الداير استرحام يقعد مع امه.. سألوه هل تريد أن تتكلم مع القاضي.. اجاب هو في قاضي.. بعدها انفضوا من حوله واتى اليه نفر من السجن كي يوثقوا يديه عند ظهره.. فسألهم ان كانوا يتركون يديه بلا قيد ليحيي المواطنين فقالوا انها تعليمات. سألهم ان يتركوا وجهه دون غطاء فقالوا انها تعليمات. واخذوه الى ساحة المشنقة فصعد اليها بخطى ثابته وقلب أسد. رفعوا الغطاء فاذا بالرجل مبتسم للقضاء.
صحيفة الحرية 18 /1 /2002 الجامعة تنفرد بآخر حديث صحفي للأستاذ محمود محمد طه قبيل إغتياله محمود: كنا أمام خيارين مايو أو الطائفية والهوس الديني فارتضينا أخف الضررين
في الرابع من يناير 1985 م وعلى موعد مسبق، كانت اسرة تحرير المجلة في الثورة الحارة الاولى، الساعة تقترب من العاشرة وعشر دقائق، فتح مصراع الباب قبل قرعه، إنتحينا يميناً، وفي حجرة صغيرة بها سريران وتختنق بالكتب والمجلات، جلسنا.. وعلى شفاه ضيفنا إبتسامة هادئة.. إرتشفنا كوب الحلومر، وتناولنا حبات من التمر، وبعدها حملنا أدواتنا ودلفنا جميعاً الى الصالون بمساحته الرحبة حيث جلس أكثر من أربعين من الأتباع نساء ورجال.. كانت الحجرة تعج بمريديه وأصحابه حيث صادف اليوم الجمعة وإحتفالهم بالإستقلال المجيد. جلس ضيفنا الأستاذ محمود محمد طه وعليه الثوب الأبيض وعلى رأسه قلنسوة بيضاء.. وكان ذلك بعد خروجه من المعتقل والذي بقي فيه أكثر من 10 أشهر حيث أفرج عليه في أواخر شهر ديسمبر 1984 م، الأسئلة التي نحملها له في أذهاننا، جاءت معبرة عن طرحنا لحرية الفكر الذي يحمله الأستاذ محمود محمد طه حيث عاصر المراحل الوطنية التي مر بها السودان والحكومات المتعاقبة. سألناه عن مفهوم الإستقلال ووجوده الحقيقي ووقفنا معه في موقفه من نظام مايو وطبيعة الحكم وعلاقة النظام الخارجية بالمؤسسات المالية الدولية، إستطلعناه عن سياسة الدولة والنهج الذي تسير عليه. إستمر لقاؤنا حوالي الساعة والثلث ودعناه منصرفين. أجرى الحوار: عمر السيد، هاشم بلول، عمر إبراهيم. وبعد يوم واحد من هذا اللقاء تم القبض على الأستاذ/ محمود محمد طه لينفذ حكم الإعدام عليه بعد اسبوعين أي في يوم الجمعة 18 يناير 1985 ليكون هذا اللقاء هو آخر الكلمات التي أدلى بها الأستاذ محمود محمد طه ونقدمها اليوم كجزء من واجبنا الذي نؤديه إنطلاقاً من مبادئنا الراسخة في حرية منابرنا. س: الأستاذ محمود من الذين عاصروا فترة النضال الوطني واستقلال البلاد. فأين نقف نحن اليوم من تحقيق مفهوم الإستقلال الحقيقي؟. ج: بسم الله الرحمن الرحيم.. يسرني في هذا اليوم أن ألتقي بأبنائي من طلبة جامعة الخرطوم. أعضاء هيئة تحرير مجلة الجامعة، وسأواجه أسئلتهم بالقدر الكافي من التفصيل. أما بخصوص السؤال فنحن اليوم في أبعد موقع عن تحقيق الإستقلال في جميع عصورنا. والناس لو كانوا يتعمقوا في الأمور بيلاحظوا مافي اإستقلال حقيقي وما بتحقق إلا اذا كان قائم على مذهبية وفكر. وحركتنا الوطنية تهمل المذهبية وتهتم بالاغلبية الميكانيكية ولذلك من البداية ما حققنا الإستقلال، وقد يجلو الإستعمار اليوم أو غداً ولا نكون أحراراً أو مستقلين، وإنما متخبطين في فوضى لا قرار لها والفوضى التي نشاهدها اليوم على عهد مايو في أخريات أيامه. ونحن ان نلاحظ أن عهد مايو عندما قام في 1969 م جاء في ساعة حرج، في ساعة الصفر ممكن تقول والبلاد كانت ستتورط على يد الطائفية في ما يسمى ظلماً وجوراً وبهتاناً بالدستور الاسلامي، وأنقذت مايو البلد من الهوس الديني والطائفية من تقنينها لوجودها وللشريعة الاسلامية والدستور الاسلامي ولا هي دستور اسلامي ولا تشريع اسلامي والدستور الاسلامي بصورة خاصة تزييف للاسلام. وسلطة مايو في أول عهدها أوقفت هذا العمل، ولكن في آخر أيامها تورطت فيه هي بنفسها بسنها لقوانين سبتمبر 1983 م نحن كنا مؤيدين لمايو بنصحها لأنو نحنا بنعرف إنو ما عندها بديل غير الهوس الديني والطائفية ونحنا كنا مناهضين للطائفية والهوس الديني. ومعروف إنو الطائفية حاربتنا سياسيا بقيام محكمة الردة لكن واجهناها بالصورة الكافية، قبل أن تنجح في مؤامرتها جاءت مايو وكانت مايو ثورة علمانية ولن تستطيع أن تكون ثورة دينية ولكن على علمانيتها ودستورها العلماني في الوقت الحاضر كانت أحسن مرحلة من مراحل الحكم الوطني ولكن تورطت في الهوس الديني وانحرفت وأتت بقوانين سبتمبر 1983 م لا هي اسلامية ولا هي شرعية ولا علمانية وكانت الفوضى واختلطت الأمور وانحدرت البلد وهنا برزنا نحن لمناهضتها وخاصة معارضة قوانين سبتمبر 83 . س: قلت ان الاستقلال يبنى على مذهبية وفكر؟ أو بمعنى آخر تأييدكم لهذا النظام على أي أسس كان؟ ج: نحن ما عندنا فرصة لنجد المستوى اللي نحن عايزنو للدعوة للفكرة وكان علينا إختيار أخف الضررين: الطائفية أو مايو. س: قلت نحن اليوم أبعد ما نكون عن الاستقلال. هل في العودة للتجربة البرلمانية معالجة لما يمر به السودان من أزمات؟ ج: هو في الحقيقة ما في تجربة برلمانية ولم نمر بها في أي وقت ولن نمر بها اذا تقوض نظام مايو الحالي على سوءه فالاحزاب الطائفية كانت تضم المثقفين وكانوا على قيادة الاحزاب وبيجروا وراء قيادات الاحزاب لأنو السند الشعبي والنواب كانوا بيرشحوا من زعيم الطائفة فأم كدادة مثلاً يودوا ليها قيادي من هنا ما معروف ولاؤه للزعيم الطائفي والقيادة الطائفية بتتحرك بإشارة وبالأغلبية الميكانيكية بيعملوا القرارت وهذا ما حصل في تجربتنا حتى تم تعديل الدستور وحل الحزب الشيوعي وإخراج نوابه من البرلمان وهم من خيرة النواب والمثقفين وأخرجوهم الناس اللي ما عندهم وزن ولا قيمة إلا بإشارة زعيم الطائفية للتخلص من الشيوعيين ونحن قدمنا لمحكمة الردة لمعارضتنا حل الحزب الشيوعي. وهذا ما يحدث من داخل البرلمان حيث عدلت المادة 5/2 من الدستور والتي كانت تعطي المواطن حق التنظيم وحرية الرأي فأصبح ذلك محرماً، فلا يمكن أن تكون تلك هي حياة برلمانية بل خديعة موجودة وسقوط مايو بعدم وجود بديل يجعلنا في وضع أسوأ مما فيه نحن الآن. س: لو الأستاذ محمود خير بين النظام الرئاسي والبرلماني فأيهما أفضل؟ ج: أفضل الرئاسي لأنو حسم الأمور بسرعة بالرغم من أنه أقل ديمقراطية، لكن دا موش الموضوع، إنما الموضوع ما هو الفكر تحت النظام البرلماني أو الرئاسي، فكم إنخدعنا بالشكول والإنتخابات والوزراء وهكذا، والأسوأ هو التضليل بإسم الديمقراطية مثل ما حدث في حل الحزب الشيوعي وطرد النواب. المشكلة هي هل الشعب واع ليستحق الديمقراطية وهل القادة القلة اللي بيروا قيادة شعبهم عندهم من النزاهة والعلم وحب الخير لشعبهم حتى تتمكن من إقامة نظام برلماني. س: في الفترة الأخيرة تم إطلاق سراحكم والسيد الصادق المهدي في آن واحد هل يتمشى ذلك مع لعبة الموازنات السياسية التي ينتهجها النظام في تثبيت أركانه، علماً بأن الأخوان قد فقدوا أداة ضغطهم على السلطة عن طريق الإتحادات الطلابية واهتز موقفهم بممارسات البنوك الإسلامية؟ ج: ما أفتكر ان النظام ينطلق من تفكير حتى ولو تفكير معوج بل من تخبط، فاعتقلنا بغير سبب واخرجنا بغير سبب ما أفتكر النظام دا بمتلك التخطيط والتفكير في انو بلعب بالناس ضد بعض كموازنات سياسية، يفرق بين الناس ليحكم ويرسخ مواضيعه كلها سايرة في تخبط منذ تشريعات سنة 1983 م في المشاريع الاقتصادية والسياسية والادارة ومن ضمن التخبط اعتقلنا ومن ضمنه افرج عنا. س: قبل فترة سمعنا بإمكانية إخراجكم من المعتقل وكان في رفض بالخروج. ما هو السبب؟ ج: في أوائل مارس 1984 م عرض علي الإفراج وقلت ليهم الأمر ليس بهذه البساطة وأنا اللي أدخلت أولادي في السجن وأنا اللي برسلهم لقيادة الأركان، والمنطق يقول انو تخرجوهم وتتركوني أنا ومكثت حوالي عشرة شهور وجاء الإفراج الشامل دون قيد أو شرط. س: الشئ اللي بتقال من الرأي العام انو كان في طلب منكم بتقديمكم للمحاكمة أو عدم الخروج من المعتقل؟ ج: في الحقيقة نحنا رفعنا قضية جنائية ضد عمر محمد الطيب لأنو اعتقلنا بدون سبب والكتاب اللي صدر كتاب أمني وعمر دفاعاً عن نفسه اعتقلنا لأغراض شخصية، ولا زالت القضية موجودة لكن ما استمرت . وقدمنا ثلاث قضايا دستورية أخيراً وشطبت لعدم وجود ضرر للناس اللي رفعوها. وما في سبب تاني لرفض الخروج من المعتقل. س: هل يتفق معنا الأستاذ بان سلطة مايو إتسمت بفردية القرار! وهل للتخبط السياسي الذي يحدث في الساحة علاقة بذلك؟ ج: لا دا مش السبب ، السبب الأساسي هو قوانين سبتمبر1983 م لا هي قوانين شرعية ولا دينية ولا علمانية، والتخبط جاء من هنا. إنقلاب مايو العسكري قرارته تكاد تكون سلبية من بدايته لكن كان بيعاون من السياسين وبيقولوا رأيهم وبيأخذ رأي معتدل وما كان دور نميري بارز لأنو ما كان مستبد لغاية ما جاءت حكاية الامامة شرع الله والهوس الديني فلخموه كدا شوية، والناس ما كان بيفهموا وما بنصحوه وحدثت بينهم مناقشة ومشادة ومسابقة.. وما بفتكر لما جاء الانقلاب العسكري كان غير كده لأنو أساساً جاء بشكل فردي وبتحدث الصراعات والواحد بتخلص من زملائه وينفرد هو بالعمل. فالوضع الطائفي كان من السوء بحيث أنو يبرر دكتاتورية النظام ويبرر الانقلاب العسكري. ولا يوجد شعب محترم يحكم بالجيش في العالم لكن الضرورات بتملي حاجة ذي دي. وانحرفت مايو أخيراً لمن وقعت تحت تضليل الهوس الديني بعد تشريعات سنة 1983 م. س: بتقدر أنو التخبط مرتبط بفردية القرار لكن ما هو السبب الأساسي؟ ج: فردية القرار ما ظهرت بصورة كبيرة إلا بعد الهوس الديني. س: يرتبط النظام بالعقد الاجتماعي بينه وبين القاعدة ما هو رأيك في البيعة كشكل من أشكال العقود الاجتماعية التي حاولت السلطة الحاكمة ايجادها؟ ج: البيعة التي تمت ما عندها أي أسس تسندها من الدين ولأنو الشعب دوخ بالحكم الفردي وبالإرهاب المشهر عليه مشوا في طريق البيعة ما بإعتبار انو مقتنعين، وما في في الإسلام بيعة بالطريقة دي، فالبيعة بتكون لأتقى الناس وأعلم الناس. وكانت في العهد الأول، عهد الخلفاء الراشدين الأربعة ثم عهد معاوية وكان بيرهب الناس وبيقودهم في الطريق اللي عايزو. وبعد الخلفاء ما في بيعة إسلامية ممكن تكون ملزمة لإنسان، وما بيدخلها إنسان وهو عاقل ولا بيطلبها إنسان هو على جانب الحق من الدين والمسألة اللي حصلت كلها ما عندها سند. س: النظام لم يشهر سلاح البيعة وما فيش معيار محدد للتقى والتفضيل يملكه الناس فماذا حددت عدم وجود سند لتلك البيعة من الدين؟ ج: الإسلام غائب عن صدور الناس، والبيعة دي قامت وما كان في حوجة لشهر السلاح أو حمل السيف لأن الناس جهلة ويكفي الإدعاء بإسم الدين، وشعبنا حمل على البيعة والتضليل يعني الإرهاب. س: رأس مال الأسرة السعودية المالكة والبنوك الإسلامية ما أثرهما على الوضع السياسي الراهن وما صاحبته من أزمات؟ ج: أكثر شئ يتمثل فيه رأس المال السعودي هو بنك فيصل الإسلامي، وبنك فيصل ما هو إسلامي، ما في إقتصاد إسلامي بالمناسبة دي، الإقتصاد إما ربوي يعني رأسمالي، أو إشتراكي متخلص من الربا فالربا والرأسمالية ماشات مع بعض، وحتى الإسلام لما ركز على تهويل أمر الربا – الذين يأكلون الرب لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس. فالإقتصاد الإسلامي إقتصاد إشتراكي فعلى الناس التخلص من الربا بالإشتراكية، فالبنك دا قايم على تحويل للسير في ركاب النظم الحديثة للبنوك ويأخذ الربا بأسماء أخرى، ومشاكله أن الحكومة قالت: تسبب في المجاعة، ونحن قبل ثلاث قلنا إنوبتحايل وما هو إسلامي ويأخذ الربا وده أخطر لأنو بيأخذ الربا بإسم الدين، وربا البنوك الغربية أفضل لأنو واضح. س: إلى أي شئ يعزى التخبط في أسعار السلع كشل من أشكال التخبط الإقتصادي والقرارات الإقتصادية الأخيرة والتغير المستمر في الوزراء والتراجع المستمر في القرارات؟ ج: زي ما دار الكلام قبيل إنو البلد محتاج، غلاء الأسعار اللي إنتو شايفنو السبب فيه التضخم. ففي مستوى عالمي أثر علينا نحن. نحن بنستهلك ما بننتج، جنيهنا نازل، الدولار يساوي أكثر من 3 جنيهات في الوقت الحاضر. القيمة النقدية ماشة نازلة لخلل في الميزان التجاري. نحن ما بننتج دا أساسها الداخلي تكون محتاج بطبيعة الحال بتتأثر بالنصيحة اللي بتجيك من الناس اللي بعاونوك وما في حد بيفكر إنو البلد متأثر بنصائح الناس اللي يمدوه بالقروض واللي بيصبروا على تسديدها ويمدوا لينا يد العون ولكن ده مش السبب في إنو بعض الوزراء بيطردوا وبعد شوية بيرجعوا، جائز يكون في نصائح من البيوت التجارية في اولائك الناس من الموظفين وغيره يكون في مناصب معينة، والنصيحة بيأخذ بيها أما المسأل الأخلاقية وسحب الأوسمة، والطرد، والإعادة اجزاء من التخبط اللي نحن بنقوله، فمثلاً إلغاء رسوم الإنتاج، ظن إنو الزكاة بتكفينا وأمين صندوق الزكاة السابق قال: عائدنا من الزكاة 600 مليون جنيه في الوقت اللي ماقيش حاجة بالمرة والشعب جائع ومحتاج والمسألة ترجع كلها للتخبط اللي سببه الهوس الديني المتمثل في قوانين 83 والإتجاه الجديد نحو الدين بلا دين ولا فهم.
هذا .. أو الطوفان !!( وإتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة .. وأعلموا أن الله شديد العقاب ) صدق الله العظيمغايتان شريفتان وقفنا، نحن الجمهوريين، حياتنا، حرصاً عليهما، وصوناً لهما، وهما الإسلام والسودان.. فقدمنا الإسلام في المستوى العلمي الذي يظفر بحل مشكلات الحياة المعاصرة، وسعينا لنرعى ما حفظ الله تعالى على هذا الشعب، من كرايم الأخلاق، وأصايل الطباع، ما يجعله وعاء صالحاً يحمل الإسلام إلى كافةالبشرية المعاصرة، التي لا مفازة لها، ولا عزة، إلا في هذا الدين العظيم.. وجاءت قوانين سبتمبر1983 ، فشوهت الإسلام في نظر الأذكياء من شعبنا، وفي نظر العالم، وأساءت إلى سمعة البلاد.. فهذه القوانين مخالفة للشريعة، ومخالفة للدين، ومن ذلك أنها أباحت قطع يد السارق من المال العام، مع أنه في الشريعة، يعزر ولا يحد لقيام شبهة مشاركته في هذا المال.. بل إن هذه القوانين الجائرة أضافت إلى الحد عقوبة السجن، وعقوبة الغرامة، مما يخالف حكمة هذه الشريعة ونصوصها.. هذه القوانين قد أذلت هذا الشعب، وأهانته، فلم يجد على يديها سوى السيف، والسوط، وهو شعب حقيق بكل صور الإكرام والإعزاز.. ثم إن تشاريع الحدود والقصاص لا تقوم إلا على أرضية من التربية الفردية ومن العدالة الاجتماعية، وهي أرضية غير محققة اليوم.. إن هذه القوانين قد هددت وحدة البلاد، وقسمت هذا الشعب في الشمال والجنوب وذلك بما أثارته من حساسية دينية كانت من العومل الأساسية التي أدت إلى تفاقم مشكلة الجنوب.. إن من خطل الرأي أن يزعم أحد أن المسيحي لا يضار بتطبيق الشريعة.. ذلك بأن المسلم في هذه الشريعة وصي على غير المسلم.. بموجب آية السيف، وآية الجزية.. فحقوقهما غير متساوية.. أما المواطن، اليوم، فلا يكفي أن تكون له حرية العبادة وحدها، وإنما من حقه أن يتمتع بسائر حقوق المواطنة، وعلى قدم المساواة، مع كافة المواطنين الآخرين.. إن للمواطنيين في الجنوب حقاً في بلادهم لا تكفله لهم الشريعة، وإنما يكفله لهم الإسلام في مستوى أصول القرآن (السنة).. فلذلك نحن نطالب بالآتي:- 1 / نطالب بإلغاء قوانين سبتمبر 1983 ، لتشويهها الإسلام، ولذزلالها الشعب، ولتهديدها الوحدة الوطنية.. 2 / نطالب بحقن الدماء في الجنوب، واللجوء إلى الحل السياسي والسلمي، بدل الحل العسكري. ذلك واجب وطني يتوجب على السلطة، كما يتوجب على الجنوبين من حاملي السلاح. فلابد من الإعتراف الشجاع بأن للجنوب مشكلة، ثم لابد من السعي الجاد لحلها.. 3 / نطالب بإتاحة كل فرص التوعية، والتربية، لهذا الشعب، حتى ينبعث فيه الإسلام في مستوى السنة (أصول القرآن) فإن الوقت هو وقت السنة، لا الشريعة(فروع القرآن).. قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ( بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً، كما بدأ، فطوبى للغرباء قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد إندثارها). بهذا المستوى من البعث الإسلامي تتحقق لهذا الشعب عزته، وكرامته، ثم إن في هذا البعث يكمن الحل الحضاري لمشكلة الجنوب، ولمشكلة الشمال، معاً ... أما الهوس الديني، والتفكير الديني المتخلف، فهما لا يورثان هذا الشعب إلا الفتنة الدينية، والحرب الأهلية.. هذه نصيحتنا خالصة، مبرأة، نسديها، في عيد الميلاد، وعيد الإستقلال، ونرجو أن يوطئ لها الله تعالى أكناف القبول، وأن يجنب البلاد الفتنة، ويحفظ استقلالها ووحدتها وأمنها.. وعلى الله قصد السبيل. أم درمان 25 ديسمبر 1984 م 2 ربيع الثاني 1405 هـ الأخوان الجمهوريون
صحيفة الحرية 18 /1 /2002 م حيدر أحمد خير اللهسلام يا.. وطنقراءة في الذكرى السابعة عشر لاغتيال الاستاذ محمود محمد طه
الاستاذ محمود يتساءل : متى عرف هؤلاء رجولة الرجال وعزة الاحرار وصمود أصحاب الافكار في حديث الفداء ... غايتان شريفتان أوقفنا نحن الجمهوريين حياتنا عليهما الاسلام والسودان ...
استطراد للمشاهد كلها المشهدالقديم يتجدد وتتمدد مساحات الهوس الديني.. يُعد المسرح في 18 /11 /1968 م.. ويقف أستاذي على الخشبة.. مؤمناً وعارفاً وواثقاً وفداء محكمة الردة الأولى يوم الاثنين 27 /شعبان 1388 هـ الموافق 18 /11 /1968 م قد دخل التاريخ.. اذ أنه ارخ لبداية تحول حاسم، وجذري في مجرى الفكر والسياسة والاجتماع وفي مجرى الدين في بلادنا. ففي هذا اليوم انعقدت ما سميت بالمحكمة الشرعية العليا لتنظر في دعوى الردة المرفوعة ضد الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري من الشيخين: الامين داؤود محمد وحسين محمد زكي. وقد طلب المدعيان من المحكمة الآتي: (أ) إعلان ردة محمود محمد طه عن الإسلام بما يثبت عليه الادلة. (ب) حل حزبه لخطورته على المجتمع الإسلامي. (ج) مصادرة كتبه وإغلاق دار حزبه. (د) اصدار بيان للجمهور يوضح رأي العلماء في معتقدات المدعى عليه. (هـ) تطليق زوجته المسلمة منه. (و) لا يسمح له أو لأي من اتباعه بالتحدث باسم الدين اوتفسير آيات القرآن. (ز) مؤاخذة من يعتنق مذهبه بعد هذا الاعلان وفصله ان كان موظفاً.ومحاربته ان كان غير موظف وتطليق زوجته المسلمة منه. (ح) الصفح لمن تاب وأناب وعاد الى حظيرة الإسلام من متبعيه أو من يعتنقون مبدأه ولقد استمعت المحكمة لخطابي المدعين ولأقوال شهودهما لمدة ثلاث ساعات، ثم رفعت الجلسة لمدة ثلث ساعة، وعند انعقادها للمرة الثانية قرأ القاضي حيثيات الحكم التي جاء فيها أن المحكمة، وبعد السماع لإدعاء المدعيين، وسماع الشهود تأكد لديها أن المدعى عليه قد ارتد عن الإسلام وعليه فان المحكمة تحكم بردة محمود محمد طه عن الإسلام غيابياً. كانت هذه المؤامرة الاولى من قوى الظلام في تاريخ هذا البلد المنكوب وفي اليوم التالي للمحكمة المهزلة أصدر الأستاذ محمود محمد طه بيانه الصادر يوم 19 /11 /1968 م والذي نشرته صحيفة السودان الجديد وكان بعنوان. مهزلة القضاة الشرعيين أوردت صحيفة السودان الجديد الصادرة اليوم بالعنوان الكبير عبارة (المحكمة الشرعية تصدر اول حكم من نوعه في السودان في ردة محمود محمد طه وامره بالتوبة عن جميع اقواله).. اقرأوا مرة ثانية وامره بالتوبة عن جميع اقواله.. هل سمع الناس هواناً كهذا الهوان؟ هل اهينت رجولة الرجال وامتهنت حرية الاحرار وانطمرت عقول ذوي الافكار في القرن العشرين وفي سوداننا الحبيب بمثل هذا العبث الذي يتورط فيه القضاة الشرعيون. ولكن لا بأس فان من جهل العزيز لا يعزه!! ومتى عرف القضاة الشرعيون رجولة الرجال وعزة الاحرار وصمود اصحاب الافكار؟؟ ان القضاة الشرعيين لا يعرفون حقيقة انفسهم وقد يكون من مصلحتهم ومصلحة هذا البلد الذي نعزه ومن مصلحة الدعوة التي نفديها ان نتطوع نحن فنوظف اقلامنا ومنابرنا لكشف هذه الحقيقة لشعبنا العزيز على ما هي عليه. والآن فاني بكل كرامة ارفض هذه المهانة التي لا تليق بي ولا يمكن ان توجه الي ولا يمكن ان تعنيني بحال.. فقد كنت اول واصلب من قاوم الارهاب الاستعماري في هذه البلاد.. وقد فعلت ذلك حين كان القضاة الشرعيون يلعقون جزم الانجليز وحين كانوا في المناسبات التي يزهوا فيها الاستعماريون يشاركونهم زهوهم ويتزينون بالجبب المزركشة التي سماها لهم الاستعمار كسوة الشرف وتوهموها هم كذلك فرفلوا فيها واختالوا بها وما علموا انها كسوة عدم الشرف ولكن هل ينتظر منهم ان يعلموا؟؟ سنحاول تعليمهم والايام بيننا اما امركم لي بالتوبة عن جميع اقوالي فانكم اذل واخس من ان تطمعوا فيّ و أما اعلانكم .. ردتى عن الاسلام فما أعلنتم به غير جهلكم الشنيع بالإسلام وسيري الشعب ذلك مفصلاً فى حينه ؟؟ اذن فاسمعوا انكم اخر من يتحدث عن الاسلام فقد افنيتم شبابكم في التمسح باعتاب السلطة من الحكام الانجليز و الحكام العسكريين فاريحوا الاسلام واريحوا الناس من هذه الغثاثة .
امدرمان / محمود محمد طه في 19 / 11 / 1968 م . عندما رفعت الستار: المكان : الثورة الحارة الاولى المنزل «242 » المالك المعلم الشهيد محمود محمد طه .. منزل بسيط و متواضع من الجالوص .. الصالون الطويل و الاكثر بساطة ؟ مفروش بالبروش على الارض و ستة اسرة من الحديد و عدد من الكراسي الحديدية منجدة بالبلاستيك ؟ الزمان : ديسمبر 1984 م و الرئيس المخلوع جعفر نميري يقذف قبل عام بآخر اوراقه التي تمثلت في قوانين سبتمبر 83 في بداية اول تشويه للاسلام , واعلاناً حقيقياً لدولة الهوس الديني التي مسخت الاسلام وامتهنت الانسان واهدرت قدسية الفكر و المفكرين .. والازمات تتفاقم يوماً اثر يوم وتأخذ برقاب بعضها لتجتمع وتاخذ برقبة شعبنا وترجه رجاً .. الفتى الأمرد يجلد الشيخ العجوز والجلاد ينظر .. لا الرجل آمن ولا المرأة امنة لا العاجز ولا العجوز , وسدنة السلطة يتوجونه اماماً ويبايعونه ويجبرون الشعب على هذه المبايعة واكتظت السجون بالمعارضين السياسيين .. وبعد ان تمت طبخة جماعة الاسلام السياسي داخل المطبخ المايوي لتصفية الاستاذ محمود محمد طه ؟ أخرج و تلاميذه الجمهوريون من معتقلهم قال الاستاذ مخاطباً تلاميذه صبيحة 19 / 12 / 1984 م بعد اعتقال دام عاماً ونصف العام . « إننا لم نخرج من المعتقل لنرتاح وانما لنواجه الظلم الذي يمارس باسم الاسلام » انتهى لم يكن هذا حديثاً عابراً ؟ ولا هو حماس متحمس لكنه موقف الاستاذ محمود الذي ظل منذ الاربعينات مكافحاً ومناضلاً ضد الظلم والطغيان وامتهان كرامة الانسان .. ولم يكن لديه وقتاً للراحة وكون لجنة مهمتها كتابة بيان يواجه نظام الامام نميري ويفضحه , واجتمع التلاميذ و الحيرة تضرب اطنابها فيهم , ولم يكتبوا شيئاً تتصرم الايام , ولم يكتبوا المنشور .. وكان يرى الظلم فيؤرقه . ويتحرق للفداء شوقاً وفرحاً بالله .. تلك كانت قامته برغم علمه التام بما كان يحيكه نميري وسدنته ضده , وبرغم علمه باطلاق سراحه المريب الذي كان سعياً حسيساً لتحويل الاستاذ وتلاميذه من معتقلين سياسيين الى مجرمين جنائياً لهذا لم يرهب الاستاذ ولم يثنيه عن ان يكون الفداء الكبير و الاخير لأهل السودان .. فكتبوا المنشور قرأه مع اللجنة وتناول قلماً وغير عنوان المنشور ولم يلزم به احد خيرهم ان كانوا لا يتحملون .. انها ساعة العراك الحقيقي والتي بدأت بمنشور . هذا او الطوفان!( غايتان شريفتان وقفنا نحن الجمهورين حياتنا حرصاً عليها وصوناً لها وهما الاسلام والسودان .. فقدمنا الاسلام في المستوى العلمي الذي يظفر بحل مشكلات الحياة المعاصرة .. وسعينا لنرعى ما حفظ الله تعالى على هذا الشعب من كريم الاخلاق واصايل الطباع ما يجعله وعاء صالحاً يحمل الاسلام لكافة البشرية المعاصرة التي لا مغازة لها ولا عزة الا في هذا الدين العظيم . وجاءت قوانين سبتمبر1983 م فشوهت الاسلام في نظر الاذكياء من شعبنا وفي نظر العالم واسآءت الى سمعة البلاد .. فهذه القوانين مخالفة للشريعة ومخالفة للدين ومن ذلك اباحت قطع يد السارق من المال العام مع انه في الشريعة يعزر ولا يحد لقيام شبهه مشاركته في هذا المال بل أن هذه القوانين الجائرة اضافت الى الحد عقوبة السجن .. هذه القوانين قد اذلت الشعب واهانته فلم يجد على يديها سوى السيف والسوط وهو شعب حقيق بكل صور الاكرام و الاعزاز ثم ان تشاريع الحدود والقصاص لا تقوم الا على ارضية من التربية الفردية ومن العدالة الاجتماعية وهي ارضية غير محققة اليوم . ان هذه القوانين قد هددت وحدة البلاد وقسمت هذا الشعب في الشمال والجنوب وذلك بما اثارته من حساسية دينية كانت من العوامل الاساسية التي ادت الى تفاقم مشكلة الجنوب ان من خطل الرأي ان يزعم احد ان المسيحي لا يضار بتطبيق الشريعة ذلك بأن المسلم فى هذه الشريعة وصى على غير المسلم بموجب آية الجزية، وآية السيف .. فحقوقهما غير متساوية اما المواطن اليوم فلا يكفي ان تكون له حرية العبادة وحدها وانما من حقه ان يتمتع بسائر حقوق المواطنة وعلى قدم المساواة مع كافة المواطنين الآخرين .. ان للمواطنين في الجنوب حقاً في بلادهم لا تكفله لهم الشريعة انما يكفله لهم الاسلام في مستوى اصول القرآن « السنة » ولذلك فنحن نطالب بما يلي : 1- نطالب بالغاء قوانين سبتمبر 1983 م لتشويهها الاسلام ولاذلالها الشعب ولتهديدها الوحدة الوطنية . 2 – نطالب بحقن الدماء في الجنوب واللجوء الي الحل السياسي والسلمي بدل الحل العسكري وذلك واجب وطني يتوجب على السلطة كما يتوجب على الجنوبيين من حاملي السلاح فلابد من الاعتراف الشجاع بان للجنوب مشكلة ثم لا بد من السعي الجاد لحلها . 3 – نطالب باتاحة كل فرص للتوعية والتربية لهذا الشعب حتى ينبعث فيه الاسلام في مستوى السنة « اصول القرآن » فان الوقت هو وقت السنة لا الشريعة « فروع القرآن » قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم « بدأ الاسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء قالوا من الغرباء يا رسول الله قال الذين يحيون سنتي بعد اندثارها » بهذا المستوى من البعث الاسلامي تتحقق لهذا الشعب عزته وكرامته ثم ان في هذا البعث يكمن الحل الحضاري لمشكلة الجنوب ولمشكلة الشمال معاً أما الهوس الديني و التفكير الديني المتخلف فهما لايورثان هذا الشعب الا الفتنة الدينية و الحرب الاهلية هذه نصيحتنا خالصة مبرأة نسديها في عيد الميلاد وعيد الاستقلال ونرجو ان يوطيء لها الله تعالى اكناف القبول وان يجنب البلاد الفتنة ويحفظ استقلالها ووحدتها وامنها . وعلى الله قصد السبيل الاخوان الجمهوريين 25 / 12/ 1984 م
المشهد الثاني حيث الفداء تزامن صدور منشور هذا .. أو الطوفان ورأس السنة؟ وبعده بأيام قلائل الحديث الذي كان يعد فيه تلاميذه للحدث الجلل في حياتهم الخاصة والفداء الكبير لأهل السودان مطابقاً بين قوله وفعله عبر مسيرته الذاخرة بالحب والسلام.. مبرزاً قيمة جديدة للدعوة للاسلام فكان. حديث الفداء حديث الأستاذ في ختام المؤتمر الذي اقيم بمناسبة عيد الاستقلال في يوم الجمعة الموافق 4 /1 /1984 م قال الأستاذ الزمن اضطرنا نقفل الحديث لكن كثير من الاخوان والاخوات عندهم انطباعات ليقولوها- الحديث القيل طيب جداً افتكر مؤتمرنا لابد يؤرخ تحول عملي في موقف الجمهوريين زي ما قلنا قبل كدة – الناس سمعوا مننا كثير الكلمة المقروءة والمكتوبة لكن عشنا زمن كثير في مجالات عاطفية الانشاد والقرآن والالحان الطيبة جاء الوقت لتجسيد معارفنا وان نضع انفسنا في المحك ونسمو في مدارج العبودية سمواً جديداً الصوفية سلفنا ونحن خلفهم وورثتهم كانوا بيفدوا الناس الوباء يقع يأخذ الشيخ الكبير الصوفي الكبير وينتهي الوباء – دي صورة غيركم ما يعقلها كثير الجدري في قرية التبيب تذكروه كان في كرنتينة في القرية لا خروج ولا دخول كان في كرنتينة في القرية الشيخ الرفيع ود الشيخ البشير اخو الشيخ السماني مات بالجدري في القرية شيخ مصطفى خال خديجة بت الشريف هو صديقنا وبزورنا كثير – قال حصلت وفية ومشيت اعزي مّر علي الشيخ الرفيع قال ليه بمشي معاك.. قال مشينا سوا ايدو في ايدي كان فيها سخانة شديدة وصلنا محل الفاتحة واحد قال ليهو (الشيخ) المرض دا ما كمل الناس – الشيخ الرفيع قال المرض ينتهي لكنو يشيل ليهو زولاً طيب.. قمنا من المجلس وصلنا البيت والسخانة كانت الجدري – مات الشيخ الرفيع.. ووقف الجدري. السيد الحسن مات بوباء وانتهى الوباء.. وفي سنة 15 الشيخ طه مات في رفاعة بالسحائي وكان مستطير بصورة كبيرة ما عنده علاج وما كان ينجى منو زول.. الما يموت يتركو بعاهة مات الشيخ طه والمرض انتهى.. الحكاية دي عند الصوفية مضطردة ومتواترة العلمانيين تصعب عليهم.. انتو هسع لابد تفدوا الشعب السوداني من الذل والمهانة الواقعة عليهم والجلد.. واحد من الاخوان لاحظ قال.. القيمة من المسيرة ان تشاهدوا الجلد الواقع واحدة من الاخوات قالت (العسكري شاب والمجلود شيخ كبير والقاضي واقف يستمتع) هي مسألة احقاد وضغائن ونفوس ملتوية تتولى امور الناس. قد تجلدوا ما تنتظروا تسيروا في المسيرة وتحصل معجزة تنجيكم وهي بتحصل لكن ما تنتظروها.. خلو الله يجربكم ما تجربوا الله.. تعملوا الواجب العليكم.. تنجلدوا ترضوا بالمهانة.. من هنا المحك البيهو بتكونوا قادة للشعب العملاق.. يكون في ذهنكم قول الله (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) وآية ثانية (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلو من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصرالله قريب).. ما احب ان تصابوا بخيبة امل من العقبات البتلاقيكم في الطريق.. يكون مؤكد الامر النحن بنواجهوا بنحتاج ليه في الداخل.. كل امر يساق ليكم يقويكم هو عناية من الله وملطف.. لكن الناس يسوقوا امرهم بالجد وكل واحد يدخل في مصالحة ورضا الله .. تواجهوا امركم ده لتفدوا شعبكم وبعضكم بعض لترتقوا درجات في واجبكم وعبادتكم.. امركم قريب ومعني بيه انتم محفوظون .. ولكن ما تفتكروا الطريق امامكم مفروش وورود. استعدوا في قيامكم بالواجب المباشر تكونوا دايمين النعمة وموضع نظر الله وعنايتو.. ثقوا بيه.. انشاء الله امركم قريب والله ادخركم للامر دا.. وانتم اليوم الغرباء بصورة كبيرة.. كل المجتمع السوداني في كفة والجمهوريين في كفة.. الجمهوريين مطلوبين.. الناس الطالبنكم فداية ليكم.. ظلماتكم نور.. انتم موضع عناية.. تقبلوا العناية سيروا راضين بالله.. بالصورة دي يكون ختام مؤتمرنا. الجمعة 4 /يناير 1985 م مشهد ما بعد المنشور إن سبق اصرار اغتيال الأستاذ الشهيد قد اثبتته الوثائق التي تكشف التآمر الجنائي والتنقيذ المستعجل له، وذلك من منطلق الخصومة السياسية الجانحة، والكيد الحزبي المبتذل، فقد استهدف الأستاذ محمود ادعياء التصوف، والاخوان المسلمين وارباب الهوس الديني ونظام مايو وهم يمارسون الاستغلال السئ للدين لاغراض السياسة فاستهدف النظام وسدنته التصيفة الجسدية حلاً، ثم هذه القضية قد حولها الى مجرد تصفية حسابات حزبية قاموا بها باسلوبهم الدموي مستغلين تعطش نميري للتشفي ومستغلين قضائه الذي كان يحركه لارهاب الشعب واسكات صوت الاعتراض السياسي. ولإكمال السيناريو القذر صيغ لنميري قانون الهيئة القضائية ليعطيه الحق في تنصيب القضاة من الذين ينفذون له كافة مخططاته الاجرامية. فعلى القصر تدبير التآمر، وديوان النائب العام يوجه الاتهام والقضاء يصدر الحكم المبيت والقصر يؤيده واصابع الاخوان المسلمين تتشابك مع أركان التآمر الاخرى من مواقعهم القيادية في القصر والديوان والقضاء.. وبأسمائهم وانتماءاتهم المعروفة هم اصحاب مصلحة حزبية ضيقة في الاستغلال السياسي لتلك القوانين التي ما فتئ الأستاذ محمود يكشف زيفها ويثبت مفارقتها للاسلام والشريعة.. وشعبنا قد أدرك بحسه الذكي وفطرته السليمة أن هناك تآمر جنائياً وراء إغتيال الأستاذ محمود حتى أصبح هذا الرأي الآن رأياً عاماً وقوياً.. وقد عبر هذا الشعب وقتها بصمته الحزين حيال هذه الجريمة السياسية النكراء التي هزت ضمير الأمة وضمير العالم ومرغت سمعة القضاء السوداني في الوحل.
المشهد الاخير: لم يكن نظام نميري ليحتمل مواجهة الأستاذ الجسورة في مستوى هذا.. أو الطوفان فاخذ النظام ذلك المنشور كأداة للمحاكمة الجائرة.. ومضى الأستاذ في مواجهة قضاة التجريم، ومواجهة نميري في آخر معاقله التي احتمى بها - معاقل الهوس الديني – فوضع محاكم التفتيش، والسلطة التنفيذية المستبدة في موضعها وذلك باعلانه امام المحكمة مقاطعتها بكلمات قوية وموقف تام وهويقول (أنا اعلنت رأيي مراراً في قوانين سبتمبر 1983 من أنها مخالفة للشريعة وللاسلام. أكثر من ذلك فإنها شوهت الشريعة وشوهت الاسلام، ونفرّت عنه.. يضاف الى ذلك أنها وضعت واستغلت لارهاب الشعب وسوقه الى الاستكانة عن طريق اذلاله، ثم إنها هددت وحدة البلاد.. هذا من حيث التنظير، وأما من ناحية التطبيق فان القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنياً، وضعفوا أخلاقياً عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا انفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستعملهم لاضاعة الحقوق واذلال الشعب وتشويه الاسلام واهانة الفكر والمفكرين واذلال المعارضين السياسين ومن اجل ذلك فإني غير مستعد للتعاون مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل، ورضيت أن تكون اداة من ادوات اذلال الشعب وإهانة الفكر الحر والتنكيل بالمعارضين السياسين) إنتهى. وسقطت مايو .. وكان الفداء الكبير.. وفي فدائه قال لاصحابه القلة انتم في حل من العهد.. فاستمروا معه.. ولا مجال غير أن يستمروا.. فمآل الانسانية هو.. ولأن اصحابه عبر الازمنةقلة كانت الكثرة سيوفاً للشر.. وشهوداً صامتين رعاديد وسلطات بائسة.. وفداؤه يتجدد في في ضمائر لا تبذل الدم هدراً.. أستاذي المعلم الشهيد.. صاحب الصحب القلة.. والكثرة النادمة ومغير وجه التاريخ.. سلام عليك في عليائك وسلام يا.. وطن.
إدريس الدومةشئ لله
17 عاماً على ذكرى إغتيال الشهيد محمود محمد طه.. شهيد الفكر.. الذي اغتيل في غفلة من الزمن.. لا لأن أفكاره كانت تهدد امن المجتمع كما قال القاتلون.. وانما كان إغتياله مؤامرة استهدفت افكاره قبل الروح.. فالرجل كان رجل دين وسياسة آراءه كان يطلقها بجرأة لا يداهن الحكام وانما يقول الحق حتى لحظة اعدامه ولم يتراجع عن قناعاته.. فمحمود محمد طه كان رجل دين ودولة في أفكاره التي ظلّ يطرحها منذ مقاومته للاستعمار وحتى الحكومات الوطنية. ويكفي ما تعرض له الرجل وهو يدافع عن الحقوق والواجبات ويقدم الوصفات في عمل وادارة مؤسسات الدولة الدستورية والتشريعية بما يحقق العدالة المجتمعية واطلاق الحرية الفكرية وحرية التعبير. ان ما قام به الشهيد محمود محمد طه ونهجه الذي اختطاه في مقاومة الظلم والظالمين.. والانحياز للحرية التي دفع فديً لها الروح.. يجعل الجميع يقفون اجلالاً واكباراً.. مها اختلف الناس حول ما يطرحه من أفكار.. ويكفي الرجل أنه قدم آراء وأفكاراً في بعض القضايا الوطنية والمجتمعية الهامة .. والتي اذا ما قيست ببعض الاحداث المتواترة اليوم لا تبعد عن ما قاله. ان اغتيال المفكر الشهيد محمود محمد طه يظل وصمة عار ونقطة خجل في جبين كل الذين خططوا ونفذوا هذا الاعدام.. ويبقى الأمل في اللجنة القومية التي تم تكوينها مؤخراً للاحتفاء بذكراه.. وليت هذه الذكرى تمثل عبرة للذين يعتبرون في مزيد من الحريات واطلاق حرية التفكير والتعبير دون تعصب أو انحياز. مع تقديري
صحيفة الحرية 19 /1 /2002 م استغلال الدين في سبيل السلطة قديمالتوم ابراهيم النتيفة
ان طريق الحرية جد وعر ومحفوف بالمخاطر والاخطار ليس الآن فحسب لا بل منذ بدأ الاجتهاد يشق طريقه عبر الكثير من الويلات وعبر انهر من الدماء والعرق في العصر الاموي في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان.. فالسيف الاموي الباطش قد وقع على رقاب حملة الفكر وقادة الرأي. الرواد الأوائل من المعتزلة. ولذلك وقف خلفاء بني امية موقفاً غاية في العنف من أولئك المفكرين الاوائل الذين قالوا بحرية الارادة الانسانيةوبمسؤولية الانسان عن فعله. ويقول أبو زيد ان الخليفة عبدالملك بن مروان لم يتورع من قتل معبد الجهني ولم يتورع خالد بن عبد الملك القسري ان يذبح الجعد بن درهم أسفل المنبر بعد صلاة العيد.. أو غيلان الدمشقي فقد قتله هشام بن عبد الملك ايضاً وايضاً قتل عبد الملك بن مروان عمرو بن سعيد – أمر برمي راسه الى جمهور المخلصين له الذين كانوا ينتظرون امام القصر عودته. كما امر باعلامهم أن (أمير المؤمنين قتل صاحبكم بما كان من القضاء السابق والأمر النافذ). (نقلاً من بن قتيبة"الامامة والسياسة") ومعنى ذلك ان كل مظالم بني امية كانت تنسب تحت مقولة (الجبر) الى الارادة الالهية. وكان على الذين يحملون لواء المعارف بعد أن اعلنوا مقولة (الاختيار) ضد (الجبر). ان ينفوا عن الله ارادة الظلم والقتل والعسف.. هذا النفي من شأنه ان يؤدي الي التفرقة بين صفة الألوهية والصفة الانسانية والى نفي مشابهة الله للبشر ذاتاً وفعلاً، ما دام البشر بارادتهم المختارة هم الذين يفعلون الشر. وقد اكد على قضية اختلفت فيها الاراء وتعددت فيها السبل والشعاب والمشارب.. هي قضية (الحاكمية) أو (الجبر) في كتابه (الاتجاه العقلي في التفسير – دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة ص 19 ) ان اعلان مقولة الجبر كنوع من التبرير الديني كان المقصود منه أن توحي الى اتقياء المسلمين أن الله قد حكم أزلاً أن تصل هذه الاسرة الى الحكم وأن ما يعملون ليس إلا اثراً نتيجة لقدر محتوم – جولد تسيهر (العقيدة والشريعة في الاسلام 861 ) ويحدثنا أبوزيد في كتابه – آنف الذكر ص 58 – وقد كان الامويون – لا الخوارج على عكس ما يروج الخطاب الديني المعاصر هم الذين طرحوا مفهوم (الحاكمية) بكل ما يشتمل عليه من دعوى فعالية النصوص في مجال الخصومة السياسية وخلافات المصالح. وذلك حين استجاب معاوية لنصيحة ابن العاص وأمر رجاله برفع المصاحف على أسنة السيوف داعين الى الاحتكام الى كتاب الله. انها تكشف عن بداية عملية تزييف الوعي. وهي عملية ظل النظام الاموي يمارسها بحكم إفتقاره للشرعية. التي ينبغي أن يقوم عليها أي نظام سياسي. ولقد ظل الإلتجاء الى الأسلوب الأموي مسلكاً سائداً في كل أنماط الخطاب الديني المساند لأنظمة الحكم غير الشرعية في تاريخ المجتمعات الاسلامية. ليس هذا فحسب بل احتاج النظام الأموي الى تثبيت شرعيته على اساس ديني يتلاءم مع مبدأ (الحاكمية) الذي غرسه فكانت مقولة (الجبر) التي تسند كل ما يحدث في العالم بما في ذلك افعال الانسان الى قدرة الله الشاملة وارادته النافذة- هذه الافعال حتى القبيح منها على السواء. واشار في نفس المصدر: (وتعود اولى محاولات الغاء العقل لحساب النص الى حادث رفع المصاحف على أسنة السيوف والدعاء الى (تحكيم كتاب الله) من جانب الأمويين في معركة (صفين) ولا خلاف على أنها كانت (حيلة) ايديولوجية استطاعت أن تخترق بإسم النص صفوف قوات الخصوم. وأن توقع بينهم خلافاً أنهى الصراع لصالح الأمويين. وقد ادرك الامام على كرم الله وجهه، ذلك، وقال قوله لرجاله: (عباد الله أمضوا على حقكم وصدقكم قتال عدوكم. فإن معاوية وعمرو بن العاص – وذكر أسماء أخرى – (ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن أنا أعرف بهم منكم. قد صحبتهم أطفالاً وصحبتهم رجالاً فكانوا شر أطفال وشر رجال ويحكم انهم ما رفعوها لكم الا خديعة ودهناً ومكيدة) – محمد بن جرير الطبري: (تاريخ الرسل والملوك) تحقيق محمد أحمد ابو الفضل ابراهيم- دار المعارف القاهرة ط 1974 الجزء الخامس ص 48 – 49 .. ان كان سيسمون اله الزلازل لدى قدامىالاغريق يمزح ذات مرة، وذلك قبل الفي عام تقريباً ردم بركان فيزوف مدناً باكملها وأمست مقبورة تحت طبقة سميكة من الرماد والصخور وكما تفعل الاعاصير بأن تغمر عشرات المدن بالمياه وتمحو أي اثر لها.. وتنعدم الحياة وتخفض الاصوات ويغمر الصمت ضجيج الحياة الصخاب.. وتنأى الانغام وتموت الموسيقى. ويذبل الفرح ويتلاشى وعندها فقط يكون ملايين البشر الذين كانوا على قيد الحياة – حتى وقت قريب – في عداد الأموات . تاركين وراءهم الصمت والخراب. ان كان الزلزال يقضي على المدن ويحيلها الى انقاض رماد وصخور ويقضي على أية حياة تاركاً وراءه الصمت المخيم. الا أن ما يعقب ذلك لفترة قد تطول او تقصر. سرعان ما تنهض المدن الجديدة على الانقاض وعلى احدث طراز تشيع في حدائقها وطرقاتها الخضرة الغناء وتشرق الازاهير والورود. حينها يتبدى الجمال كأروع ما يكون كما لو أنه لم يغب لحظة. على العكس من ذلك تماماً فان الزلزال الأموي، لا يسمح ابداً بعودة الحياة كما كانت عليه مرة اخرى، في مجال الافكار والثقافة الانسانية فكثيراً ما انقض وينقض على حين غرة وبصورة غير متوقعة ليقضي على براعم الفكر ولو كانت غضة يانعة متوسلاً في ذلك بآلياته المجربة – ليحكم على المجتمع بالصمت والجهل المطبق وانعدام الارادة الانسانية والانتظار الازلي لما يجود به – الخطاب الديني المعاصر – وفقهاؤه من فتاوي مستندة على نصوص لا تقبل التأويل ولا النظر. وان سمح بالتأويل فليكن تأويلهم – هم – ولا يسمحون لامرئ مهما أوتي من العلم ومهما كان على جانب كبير من المعرفة العميقة بالدين، هذه المهمة مقتصرة عليهم وحدهم وليس سواهم أن يتطاول في ذلك، فهم لا غيرهم الاوصياء على الدين – يصدرون حكمهم على الفكر بالاعدام شنقاً حتى الموت وهم في برودة الثلج ولا يرف لهم جفن ويغسلون ايدهم من الدماء ويتظاهرون بالتقوى والورع والصلاح وخشية الله عز وجل وكأن شيئا لم يكن. هذا السلوك الردئ عبرت عنه عصور الانحطاط والظلام وانتهى الامر الى حد استعداء السلاطين من جانب الفقهاء على كل من يتعاطى الفلسفة تعلماً أو تعليماً لأن الفلسفة: (أي السفه والانحلال، مادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة ومن تفلسف عميت عينه عن محاسن الشريعة المطهرة المؤيدة بالحجج والبراهين الباهرة. ومن تلبس بها تعليماً أو تعلماً قارنه الخزلان والحرمان وإستحوز عليه الشيطان. فالواجب على السلطان أن يدفع عن المسلمين شر هؤلاء المشائيم ويخرجهم من المدارس ويبعدهم، ويعاقب على الاشتغال بفنهم ويعرض من ظهر فيه اعتقاد عقائد الفلاسفة على السيف والاسلام، لتخمد نارهم وتنمحي آثارهم.) - فتاوي ابن الصلاح من 34 – 35 نقلاً عن مصطفى عبد الرازق (تمهيد تاريخ الفلسفة الاسلامية) كم يا ترى امثال ابن الصلاح في الوطن العربي الاسلامي ينشطون في البلاط الملكي تحت ظل العرش والأنظمة الدكتاتورية ينسجون المؤامرات ويحيكون الدسائس ويهمسون في اذن الملك .. ويستعدونه ويستعدون الأنظمة الدكتاتورية ويوعزون لهم بالفعل الشائن ضد خصومهم الفكريين والسياسيين.. ولا يرتاح لهم بال الا بتصفيتهم لكي يخلو لهم المجال والمسرح ليعبثوا فيه ما شاء لهم العبث. وكم ياترى امثال ابن الصلاح في وطننا يعيشون بين ظهرانينا يمارسون نفس الممارسات تحت جنح الظلام – انهم بلا شك كثيرون وفي محتلف المجالات.. مدفعون بمصالحهم الخاصة - وقد زجوا ولا زالوا بالدين زجاً في قضايا هي من صميم هواجس الناس الحياتية والتي تتطلب – في الاساس – حلولاً دنيوية بحتة تنبع من الواقع وتنعكس عليه سلباً أم ايجاباً. صواباً أم خطأ، تخلفاً مزرياً أم تغييراً جذرياً، ينقل حياة شعبنا الى رحاب الالفية الثالثة مستفيدين من ميزات العلم والتكنلوجية.. ولكن أمثال ابن الصلاح لن يقفوا مكتوفي الايدي متفرجين، سوف يقاومون ذلك بكل ما بايديهم من اسلحة ومؤامرات ليبقى الحال على حاله لأنهم بالتأكيد استفادوا وما زالوا بالتخلف والجهل والتجهيل.. إنه منطق صراع المصالح ليس غير. وهكذا ظل السيف الأموي الباطش مسلطاً على رقاب حملة الفكر قادة الرأي وطلاب الحرية والمناضلين من أجل الديمقراطية كما كان مسلطاً من قبل في العصر الأموي ضد حملة الفكر وقادة الرأي والذين كانوا يناضلون وقد ضحوا بحياتهم وقدموا ارواحهم في سبيل أن يعلوا (الاختيار) والحرية الانسانية على (الجبر) والاملاء والقسر. انهم يتشابهون في كل شئ لا يختلفون الا في الاسماء والسحن والبلدان.. انهم ينطلقون من قاعدة واحده.. الدفاع عن العقل وحرية الفكر.. قال د. حسن مكي في حوار مع صحيفة (الوفاق) قال عبدالخالق محجوب وهو ذاهب الى المقصلة.. قيل له ماذا قدمت لوطنك؟ قال: (قليل من الوعي).. وقال الراحل محمد احمد محجوب رئيس الوزراء الأسبق في كتابه (الديمقراطية في الميزان): باعدام عبدالخالق محجوب يكون قد انتهى – التسامح في السودان – وقد صدق القول في ذلك فلم تمضي اعوام على هذا الكلام وبالتحديد في عام 1985 م حين تم اعدام الشيخ محمود محمد طه وقد كانت جريمة العصر بحق – وقد اتهم بالردة.. في الوقت الذي كان فيه يقف ضد قوانين سبتمبر وحرب الجنوب. تم ذلك – بواسطة جهة سياسية محددة.. اوعزت للسلطان بذلك. واستعدته على تصفيته بزعم خطره على النظام وعلى الاسلام، انه انسان بسيط زاهد ومتواضع وطيب ليس له تطلعات في جاه أو سلطان. ان هذه الجريمة كانت بحق جريمة العصر، وليست في حاجة لشاهد لأنها جرت تحت سمع وبصر العالم كله وقد هزت الضمير الانساني كما لم تهزه جريمة من قبل وشهودها بالملايين.. الا أن التدبير والتنفيذ تم داخل وخارج النظام المايوي وعلى ايدي الأمويين الجدد.. ولكن ما احوجنا لشاهدة واحدة فقط. تغني عن كل الشهادات على الاطلاق. ليس لأن كل الشهادات لا معنى لها – لا – بل ان لهذه الشهادة وزناً خاصاً وقيمة تاريخية لا تمحى.. لأنها بالتحديد شهادة شاهد من أهلها..- وهذا يكفي – وتكفي عندنا شهادة الدكتور حسن مكي مؤرخ الحركة الاسلامية في السودان.. وهو يقول شهادته للتاريخ متسلحاً بشجاعة العلم ووضوحه واميناً له. ولكن معذرة ان استرسلنا في الشهادة – عزاؤنا فقط ان الشهادة لا تختصر خاصة لو كانت شهادة للتاريخ؟؟
أجرت صحيفة (الوفاق) الصادرة في الخرطوم حواراً يوم السبت الموافق 5 ديسمبر 1998 مع د. حسن مكي وادلى له بالاتي: س- قيل أن لك علاقة خاصة كانت بمحمود محمد طه والبعض قال ان حسن مكي مأثور جداً بشخصية وافكار محمود.؟ - والله.. أنا من المأثورين به . أنا كنت اعرفه واتردد على منزله في ذلك الوقت. وكنا كشباب في الثانويات نجد عنده (اللقمة) نتعشى معه وكنا نتعجب ان الشخص الذي يشغل الساحة الفكرية شخص بسيط زاهد ومتواضع، وكان المفكر الوحيد المطروحة كتبه في السوق. س: وحينما أعدم؟ ج: كنت مسرحاً لأفكار شتى- السياسي فينا كان يتكلم – أن الحمد لله ربنا خلصنا من خصم قوي.. وكان حيعمل لينا مشاكل وكان حيكون أكبر تحد لفكر الحركة الاسلامية السياسي – والفكري فينا كان يتحدث بأن هذا الشخص عنده قدرات فكرية وروحية (وأعلم مننا واحسن مننا) ولكن السياسي دائماً ما ينتصر هنا. س: والآن؟ ج: أنا.. بفتكر أن محمود محمد طه – جرعة كبيرة لا نستطيع أن نتحملها.. (الناس ما قادرين يتحملوا حسن مكي – بيتحملوا محمود محمد طه؟؟! وضحك) س: ولكن امين حسن عمر قال ان الترابي انتصر عنده الفكري على السياسي وكان ضد اعدام محمود؟! ج: أنا لا اريد أن ادخل ما بين الترابي وامين.. ولكن اعتقد أن الصف الاسلامي في ذلك الوقت.. كان جميعه مع اعدام محمود محمد طه.. س: نحن نسأل عن موقف د. حسن الترابي؟ ج: أنا اعتقد انو كان خائف على أنو نميري ينكص عن اعدام محمود محمد طه.. ويدعو الله الا يحدث ذلك.. س: الرأي الفقهي في هذه القضية و.. ؟ ج: د. مكي – مقاطعاً – القضية سياسية (ما فيها رأي فقهي) خصوصاً وان محمود كان اقوى في طرحه ضد الشريعة الاسلامية في ذلك الوقت. س: ولكن الترابي يعلن دائماً ان المرتد فكرياً لا يقتل؟ ج: انت تريد ان تخرج لموقف الترابي!! وأنا اوثق للتاريخ.. س: هنالك رأي يقول ان د. الترابي كان حريصاً على اعدام محمود. وأن محمود كان يمثل منافساً شخصياً له على مستوى الطرح الاسلامي.؟ ج: (هسع الانقاذ ما كتلت ناس؟ ما كتلت ناس مجدي في دولارات؟ لانو كان مؤثر على سياستها الاقتصادية فكيف اذا كان مؤثراً على مشروعه كله.. هسع كان جبت الترابي يقول ليك أنا ما موافق على قتل مجدي – أمين حسن عمر ح يقول نفس الكلام.. س: وحسن مكي جزء من الحركة الاسلامية؟ ج: ناس الحركة الاسلامية ناس ما عندهم مقدرات ويمثلوا المجتمع الاسلامي.. في زمن الانحطاط.. وما عندهم مبادرات.. وأين انت من هؤلاء؟ ج: أنا بعمل في محاولات وبعمل ساتر من الحجارة التي تناوشني. س: عبر حركة حتم؟ ج: عبر حتم والصحف.. عبد الخالق محجوب وهو ذاهب الى المقصلة قيل له ماذا قدمت لوطنك؟ قال (قليل من الوعي). ان التآمر على الفكر والمفكرين والثقافة والمثقفين، لا يتوقف، وواهم وموغل في الوهم من يعتقد ذلك. ان المسرحية لم ولن تنتهي فصولها – باعدام – الشيخ محمود محمد طه.. تلك المسرحية التي يتبادل فيها الجلاد والضحيه الادوار.. ولم يسدل الستار بعد وما زال النص هو النص والممثلون هم هم والكمبارس نفس الكمبارس لكن ربما يطرأ تغيير على السيناريو والمشاهدين. وتدخل بعض التعديلات على الديكور. ومازال ابطال تلك المسرحية على قيد الحياة – يعيشون بين الناس ويسعون كما لم يحدث شئ على الاطلاق. - واهم وموغل في الوهم وسازج الى أبعد الحدود أحد من المثقفين إن اعتقد لحظة أنه آمن وتتوفر له شروط السلامة الشخصية.. وانه في منجاة من ذلك المصير.. ذلك انه وان دعت الحاجة واشتدت صراعات المصالح الدنيوية فسوف يستدعى (النص) ويعاد تجهيز المسرح ويعد السيناريو من جديد كما فيما ما مضى.. وكأن الزمن متوقف عن الحراك في العصر في العصر الأموي.. وكأن التجارب الانسانية لم تصطحب معها متغيرات العصر ومنجزات العلم. وسرعان ما ينتشر جو من التراجيديا الاغريقية – او ذلك الجو الذي يحيط بمسرحيات شكسبير. ان القضية الوحيدة التي تشكل مضموناً لحياة المثقفين هي دفاعهم عن الفكر في وجه كل من يتربص به من الدوائر.. والذود عنه مهما كان الثمن فادحاً.. لأن حياة المثقفين بلا مضمون ستكون ارضاً يباباً .. وصحراء مقفرة جدباء.. يضربون فيها تتقاذفهم الحيرة ويمزقهم الضياع.
نقلاً من (الرأي الآخر) 2 يونيو 1999 م
صحيفة الحرية 19 /1 /2002 م اعداد/ أمل هباني
لعمري ما انصف مفكر اسلامي محدث أو قديم المرأة مثل الأستاذ محمود محمد طه الذي أوصلها الى قمة الحداثة والحرية من باطن القرآن الكريم والتشريعات الاسلامية، ودافع عن حقوقها وقضيتها دفاع العالم المتبصر وفي هذه المساحة نستعرض بعض مقالاته عن المرأة.. المرأة الانسان كتاب بالحجم الصغير طبع سنة 1977 م في عشرين صفحة يبدأ الأستاذ محمود محمد طه باهداء في الصفحة الاولى من الكتاب (الى الرجال والنساء على السواء فان قضيتكم واحدة) وفي مقدمة هذا الكتاب يرد : ( المرأة هي أكبر المستضعفين في الارض ولا يزال وهي آخر المستضعفين بعد ان خلت كل معسكراتهم بالثورات والآن فانا نستقبل ونعايش عهد ثورة المرأة لتخلف عهد الوصايا والهوان ولتدخل عهد حريتها وكرامتها، منافسو ومساوية لشقيقها الرجل، وهي ثورة فكرية وثورة ثقافية ولا يعوق هذه الثورة في المجتمعات الاسلامية معوق مثل (رجال الدين) الذين لا يرون للمرأة العصرية بقامتها الحضارة حقوقاً الا تلك الحقوق الاثرية التي استأهلتها المرأة وهي قاربة على حفرة الوأد.. وأي فهم غير ذاك يصمه رجال الدين بالكفر والمروق، وحتى لا يئد هؤلاء الاشياخ الجهلة المرأة الحديثة فقد كشفنا جهلهم بالدين وزيفهم في كتبنا العديدة حتى تميز المرأة بين الدين ورجال الدين وتتجه للدين لتأخذ حقوقها في رحابه وهي الحقوق الاساسية التي انفرد بها القرآن . وفي صدر الكتاب وتحت عنوان الفردية هي أصل اصول الاسلام ما دامت (الفردية) هي الاساس وهي أصل الأصول في الاسلام وفي المسؤولية الفردية تقابلها الحرية الفردية للمرأة والرجل فلماذا كان النزول عن هذا المستوى فقامت حقوق الرجال والنساء في الشريعة على الوصاية بدل الحرية؟ إن الاسلام قد بدأ بالحرية الفردية فقدس الحرية للدرجة التي نهى فيها نبيه الكريم على خلقه العظيم عن السيطرة على حريات المشركين، الجاهلينن عبدة الاوثان فقال تعالى (فذكر انما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) ولما كانت الحرية قيمة انسانية فان ثمنها انما هو حسن التصرف فيها، ومن يعجز عن حسن التصرف ي الحرية فهو قاصر والوضع الطبيعي للقاصر انما هو الوصاية وتحت عنوان النزول من الحرية الى الوصاية يواصل ولذلك جاءت الهجرة وجاء التنزل من الآيات المكية آيات الأصول آيات الحرية والمسؤولية الى الآيات المدنية، آيات الفروع آيات الوصاية، واصبح حكم الوقت للوصاية ونسخت آيات الحرية، والاسماح بآيات الجهاد والوصاية، فآية (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ومثيلاتها نسخت بآية السيف (فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصدوهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم). هذا بالنسبة للمشركين اما المؤمنون فقد قامت الوصاية في حقهم وذلك بنسخ آيتي الديمقراطية (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) بآية حكم الفرد الرشيد آية الشورى ((فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك.. فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين). نزول حقوق المرأة من الحرية الى الوصاية هو العنوان الذي يلي ذلك الحديث ويتواصل مقاله وقد يستغرب بعض القراء علاقة هذا الحديث بحرية المرأة.. ولكن العلاقة واضحة في تنزيل الامر من مستوى الرشد الى مستوى القصور، ومن الحرية الى الوصاية، من ثم وتوضح هذه العلاقة أكثر عندما نعلم أن الامر في مرحلة الوصاية العامة قد اقتفى وصاية خاصة، داخل هذه الوصاية العامة، لذلك اقيم الرجال على قصورهم أوصياء على النساء وذلك لمكان قصورهم الكبير، فقال تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوذهن فعظوهن واهجورهن في المضاجع واضربوهن فان أطعنكم فلا تبقوا عليهن سبيلاً،.. إن الله كان علياً كبيراً..) وعلى هذه الوصاية قامت الشريعة فاعطت المرأة حقوق القاصر بازاء حقوق الرجل، وكانت تحت وصايته وكانت دونه في سائر الحقوق الدينية والدنيوية، وكانت تلك حقوقاً متقدمة، وتشبه الطفرة بالنسبة لما كانت عليه المرأة في كانت الفضيلة فيه للقوة الجسدية، وللعنف، وكان شعاره( من غلب سلب) وفي وقت كانت الحياة فيه تقوم على الحروب ومشقة الكسب والمخاطرة في سبيله، وفي مثل تلك البيئة لم تكن للمرأة مكانة بل كانت عبئاً على الرجل يحمونها ويعولنها. إن القرآن هنا لا يحوجنا الى تأويل فهو حيث قرر (الفردية) وحين (قرر المسؤولية) التي تتبع (الحرية الفردية) للمرأة والرجل انما قرر أن الوصاية على المرأة هي وصاية مرحلية لترشيدها ولتأهيلها لاخذ حريتها الفردية. فالاسلام الذي اصل اصوله الحرية لا يمكن لمن له ادنى بصر به أن يتوهم أن فيه الوصاية على المرأة وصاية دائمة، ذلك لأن الوصاية معلولة بصريح النص (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم) فالقوامة معلولة بالتفضيل الذي كان ينصب اساساً على قوة العضل التي كان ينماز بها الرجل، ومن ثم كان الرجل حامياً للمرأة وعائلاً لمقدرته على مجازفات الحروب ومخاطر الكسب، في تلك البيئة الصعبة. وانتقل الأستاذ محمود للحديث عن مجتمع المدينة تحت عنوان الانتقال الى مجتمع المدينة. أما الآن فان مجتمعنا ينتقل من مجتمع الغابة الى مجنمع المدينة حيث لم يعد الرجال يقومون بحماية النساء وانما القانون هو الساهر على حماية الرجال والنساء، وكذلك لطفت وسائل كسب العيش فلم تعد المرأة مستهلكة يعولها الرجل وانما اصبحت منتجة في كثير من المرافق، وأن الاشتراكية السليمة التي يقدمها الاسلام تعتبر عمل المرأة في بيتها انتاجاً يفوق انتاج الرجل في ادق مواقع الانتاج وبذلك تحرز استقلالها الاقتصادي بدون أن تضحي بخصائصها في سبيل المفهوم الخاطئ للمساواة، بكل اولئك انتقل مجتمعنا من مرحلة الوصايا الى مرحلة الحرية، واصبحنا نستقبل عهد الآية الكريمة (ولهن مثل الذي عليهن) تعني أن حقوق المرأة تزيد بزيادة واجباتها. حتى اذا أدت الواجبات المتساوية تأخذ الحقوق المتساوية، وحتى اذا تحملت واجب الحرية الفردية في المسؤولية تأخذ حقها الاساسي في الحرية الفردية (وبالمعروف) وتعني العرف وهو ما تواضع عليه الناس شرط أن يتماشى مع أغراض الدين، وجماع غرض الدين هو كرامة الانسان من رجل ومن امرأة. وتحت عنوان لماذا خرجت المرأة الجمهورية ورد.. فالحياة الطبيعية هي الحياة المختلطة بين الرجال والنساء ثم هو اختلاط نظيف مبرأ من العيوب التي ايضاً بها الاختلاط الحاضر، فآيات الحرية في اصول الاسلام تقر الاختلاط النظيف وترمي اليه، وتطلبه بالتربية والتأديب والترشيد ذلك لأن المرأة... بقوة شخصيتها وبتقواها (ولباس التقوى ذلك خير) هي اكرم في الدين من المرأة العفيفة لانها معزولة من الرجال، ومقفول عليها الباب ومسدول عليها الثوب فالحجاب ليس غاية في الاسلام وانما الغاية في الاسلام هي العفة التي تقوم في الصدور وما قام الحجاب الا لاعتبار العجز عن تحمل مسؤولية حسن التصرف في حرية السفور في زمن استحق الوصاية. ومن كتابه تطوير شريعة الاحوال الشخصية الصادر في 1972 .. وتحت عنوان المساواة بين الرجال والنساء يكتب الأستاذ محمود: يخطئ كثير من الماس فهم معنى المساواة بين الرجال والنساء فيظنون أن المساواة تقوم على المقدرة المتساوية على قوة الاحتمال وشدة الاسر حتى لانك لتسمع بعض الناس في المركبات العامة ينهون بعض الشبان عن أن يتركوا مقاعدهم لبعض النساء.. فلا يجدن مقاعد فيظلن قائمات في المركبة، ثم انهم يبررون هذا النهي بقولهم (لا تقوموا لهن فانهن يطالبن بالمساواة مع الرجال) وهذا فهم خاطئ خطاءً اساسياً فان المساواة بين الرجال والنساء ليست مساواة الميزان والمسطرة وانما هي مساواة القيمة، ومعنى ذلك أن المرأة في نفسها كانسان وفي المجتمع كمواطنة ذات قيمة مساوية لقيمة الرجل في نفسه كانسان وفي المجتمع كمواطن، وهذه المساواة تقوم وان وقع الاختلاف في الخصائص النفسية والعضوية في بنية الرجال والنساء. وهي تقوم وان اختلفت الوظيفة الاجتماعية وميدان خدمة المجتمع الذي يتحرك فيه الرجال والنساء.. إن النظرة المادية للامور هذه النظرة التي هي سمة المدنية الغربية الحاضرة، هي التي طوعت لهذا الخطأ المؤسف أن يتركز في اذهان الناس ذلك بأن قيمة الانسان في هذه المدنية هي قيمة ما ينتج من آلات، ومن أدوات الاستهلاك، فعندما بدأت الرأسمالية تتبلور في الاقطاع وفي الصناعة، بشكل خاطئ كان استغلال النساء والصبيان وسائر العمال يجري بصورة بشعة، فقد كانت ساعات العمل طويلة وكانت الأجور زهيدة، فلكأنما العامل انما كان يعطى الاجر الذي يحفظ الحياة عليه ويعطيه القدرة على مواصلة الانتاج من أجل صاحب المصنع أو صاحب المزرعة، ومن هذا المستوى بدأ الصراع بين العمال والعاملات من جانب واصحاب العمل من الجانب الآخر، وأخذت التنظيمات العمالية تظهر وتنتظم وتنضبط وتناضل، وأخذت المرأة وهي مشمولة في هذا التنظيم، تتطلع الى منافسة الرجل وتطمع الى المساواة معه في الأجر، ومعلوم ومقدر أم شعار الانتاج الطبيعي أن الاجر المتساوي لا يكون الا للعمل المتساوي، ومن هنا ومن وقت بعيد بدأ مفهوم المساواة الخاطئ يجد طريقه الى الاذهان. المرأة مكانها البيت تحت هذا العنوان كتب: كثيراً ما نسمع الناس يقولون المرأة مكانها البيت وهي قولة حق أريد بها باطل، هم يريدون بها الحجاب.. وعدم السماح للمرأة أن تخرج لا للعمل ولا للنزهة. ويستقيم مع اعادة تقييمنا للمنزل أن المرأة قد تعمل خارج المنزل اذا كانت تستطيع التوفيق بين عمل وادارة المنزل ولكنها على التحقيق لن تعمل في الاعمال الشاقة العنيفة التي يجب أن ينفرد بها الرجال، ذلك أن بالعمل ينضبط الفكر وتتعمق التجربة وتنضج الشخصية هذا الى عديد القيم التي تكسبها ممارسة العمل المرأة مما تحتاجه في تحرير مواهبها التي بها ارتقاؤها وكمالها الذاتي.. من المحررة: كانت هذه سياحة في فكر الأستاذ محمود محمد طه ورؤيته الفكرية والفلسفية للمرأة وقضاياها، وهي رؤية تميزت بالفهم الدقيق العميق والادراك لوضع المرأة ومشكلتها ودرء كل شبهة ربط بين الدين وتخلف المرأة وبين الدين واضطهاد وهضم حقوقها فكر مثل هذا جدير بجل التقدير اتفقنا معه أم اختلفنا . ليس الموت بكثير على أحد.. هناك من يموت وهو حي وهناك من يحي وهو ميت.. في كلا الحالتين.. لا يموت من ترك فكراً يحيا وراءه.. ومات في سبيله قاهراً الموت..
صحيفة الحرية 22 / يناير 2002 محمود محمد طه : جاليلو الامة الاسلامية
لم تكن لحظة إعدام محمود محمد طه فاجعة للسودان فحسب بل كانت مأساة للأمة الاسلامية قاطبة بعيداً عن المعالجات و التناول السياسى للحادثة الذى يمثله الاسلاميون الذين يرون ان اعدام محمود ( خلصهم من خصم قوى كان حيعمل لينا مشاكل و كان حيكون اكبر تحد لفكر الحركة الاسلامية السياسى – حسن مكى فى حوار مع الرأى الآخر 2 يونيو 1999م اما اليساريون فهم يرون ان الحادثة ادانة متكررة للخصم التقليدى الذى ايد الاعدام و ربما شارك بشخوصه فى المسرحية دون النظر الى المغزى الاعمق ان ذات الطاغية الذى جعل عبد الخالق محجوب قربانا لحكمه أعدم محمود مواصلة و استمرارا لحكمه و لكن بايدلوجية اخرى المهم ان الذات المستبدة تجلت فى الحالتين و فى المأساتين . اذن السؤال هو سؤال السلطة و الاستبداد و استخدام الدين لصالح السياسى و علاقتهما بالعقلى او المعرفى او الفلسفى او الفكر و المعروف ان الدينى استخدم منذ امد طويل لحماية السلطة المركزية السنية ممثلة فى الخلافة الاسلامية هذه الازمة لم تنشأ مع محمود محمد طه انما هى ابعد غورا واعمق دركا وهى المسؤولة عن انحطاط الأمة الاسلامية و ارتكاسها و عودتها القهقرى فمنذ اعتراض سيدنا علي كرم الله وجهه على بيعة ابوبكر (رضى الله عنه) فى ثقيفة بنى ساعده و اعتصامه بداره اما لانه يرى انه احق بالخلافة او لانه يرى ان اسباب الاختبار غير مقنعه او اى تأويل آخر كانت وسيلة الاكراه السياسى ضد الفكرى هى تهديد سيدنا عمر بحرقه داخل داره اذا لم يخرج و يبايع الخليفة الجديد هذا القمع الاول للفكر المستقل تناسل فى سياسة ( خوف الفتنة ) التى أسست لاطول تاريخ استبدادى هو تاريخ المسلمين حيث تحولت الشريعة الي سد الزريعة و انتجت عقلية ( خوف الفتنة آلاف الفتن من الشعوبية الى الانحلال الاخلاقى و المظالم الاجتماعية و المحاكمات الفكرية و الحروب الاهلية . استمر حكم المسلمين مدعوما بآليات الاستبداد و الاذعان حتى آل الامر الي بنى امية الذين اسسوا للانحراف الاكبر في تاريخ الامة و نحمد سعيد بن المسيب و الطاغية الحجاج و سيده يزيد و مشهد القطع يدخل تاريخ الاسلام لاول مرة ان اغتيال الفكر الحر و الرأى في شخص سعيد بن المسيب يعتبر اول جريمة في تاريخ الاسلام و اول بشاعة في حق المسلمين . ثم ينتقل المشهد الي الامام أحمد بن حنبل وهو يواجه الخليفة الذى استخدم فكر المعتزلة وقولهم بخلق القرآن ضد اكبر معارضيه و رغم ان المعتزلة اول حركة تنوير في الاسلام إلا ان فكرهم استخدم ضد المعارضين لاغراض سياسية و هذه لونية جديدة من الاستبداد ألتي ولدت مأساة الامام أحمد بن حنبل انها ذات عقلية جعفر نميرى الذى استخدم فكر الاخوان المسلمين و الصحوة الاسلامية بكل مميزاتها لاغتيال خصومه السياسين ممثلين في محمود محمد طه . ثم يتطور الفكر العقلى من لدن المعتزلة الي ابن رشد الذى اعلى مكانة العقلى مقابل الروحى ( فصل المقال فيما بين الحكمة و الشريعة من إتصال) و ازدهار الفكر الفلسفى ردحا من الزمان تمتع المسلمون بالتنوير و الاستنارة الفكرية و المساجلات التى قدمها الامام الغزالى ضد العقلى بواسطة العقلى ذاته ( تهافت الفلاسفة ) ليعيد للروحى مكانته لتنمو حركة التصوف و التجريد الصوفى بواسطة الغزالى و لربما كان للتصوف علاقة طردية مع الاستبداد السياسى المهم ان ازدهار التصوف و الإستغراق اوصلنا الي ابن عربى و ابن الفارض و السهروردى و الحلاج و ابوزيد البسطامى وهنا يقف مشهد الحلاج شاخصا امام الجلاد لانه قال ببعض حقائق العرفان و شهود الذات التي اوصلته الي الاعدام .. الملاحظ هنا ان السلطة السياسية تعادى العقلى و الروحى سواء بسواء اذا كان خارج دائرة تأييدها اما الادوات فكانوا هم الفقهاء و احيانا ينصب الامير نفسه فقيها و قاضيا و بتعقد السلطة تتعقد وسائل وادوات القمع الفكرى و ما حدث للشيخ على عبد الرازق و كتابه ( الاسلام و اصول الحكم ) الذى كان نفح » تنوير في الفكر الاسلامى الا ان الظرف السياسى جعل من الكتاب ضحية لضجة فقهية و حملة تشهيراغتالت على عبدالرازق و حرمتنا منه . لقد صدر الكتاب ردا على مؤتمر يحاول الملك فاروق عقده في مصر لاعادة الخلافة و كان الأزهر هو الوسيلة في تبرير الخلافة وفي مقاومة على عبدالرازق ذات الحملة واجهها طه حسين في كتابه ( في الشعر الجاهلى ) وفي ( مستقبل الثقافة في مصر ) كعملين دائرين من اعمال التنوير . ان محاولات الارهاب الفكرى والتى تسندها المؤسسات التقليدية او السلطات المستبدة او الجماعات المتطرفة طالت سيد قطب و نصر حامد ابوزيد و الدكتوره نوال السعداوى و الدكتور فؤاد ذكريا و الدكتور فرج فوده وفي الجزائر الطاهر بن جلون والطاهربن وطا في ابشع محاولات للقمع الفكرى واعلاء السياسى .. في السودان لم نكن احسن حالا فان لحظات ( الحقيقة المطلقة ) تقمصت الخليفة عبدالله اللتعايشى وهو يقتل الشيخ التجانى الطاهر الحميمادى من شمال كردفان و الشيخ حمد النيل في امدرمان لان الاول قال ( بان هناك مهدى ثانى ) و الثانى قال ( برفع التكليف ) وكلاهما عقائد مشهورة في الفكر الاسلامى .. اما الأستاذ محمود محمد طه شبع تكفيرا في السودان الي ان وجد النميرى اللقمة سائغة فابتلعها ليطول بها من عمر حكمه فاردته و نظامه ان محمود محمد طه لم يكن بدعا في القول و محاولاته متواضعة في التصوف و الفلسفة و لكن روحه كانت شجاعة وكانت مصادمة لقد حاول محمود في مشروعه بناء جمهورية افلاطون من فكر المتصوف الشيخ محى الدين بن العربى هذه ببساطة محاولته اما مجهوده الاكبر فكان في الفلسفة التي استخدم فيها العقل لتأويل النص القرآنى ( ابن رشد ) انه لحظة تنوير حقيقية يجب ان تخلد ورائدة تستحق الدراسة. الازمة اذن هى ازمة الامة الاسلامية و الفكر الاسلامى في مواجهة الاستبداد هذه الازمة التى حددت تطور الامة و اقعدتها عن التفكير و التنوير لهذا يجب ان لا نأخذ مناسبة استشهاد محمود محمد طه لحظة عابرة او حدث سياسى انما حدث تقف الأمة حياله وقفة مراجعة لان الاسلام يقف على ذات المنعطف التاريخى الذى كانت تقف فيه المسيحية ايام محاكم التفتيش في القرون الوسطى و ايام اعدام جاليلولقوله بكروية الارض فمثلما انتجت المسيحية فكر التنوير وعماونيل كانت ونيتشة وديكارت يحتاج المسلمون بعد محمود محمد طه الي فلاسفة بهذه القامة حتى يتطور الفكر الاسلامى ويستنير المسلمون و يتحرر العقل الاسلامى من الجمود و الكساح و التبعية للسلطة .. اننا نحتاج الي هجمة قوية فكرية ضد معاقل اللاهوت السياسى و الطائفى و الاجتماعى فسلطان الفقهاء و الازهر وقمم اليوم اشبه بسلطان الكنيسة و سلطان النفط و جباة الضرائب اشبه بالاقطاع و سلطان الملوك و الرؤوساء اشبه بالملكية فلابد من ثورة ضد اللاهوت السياسى الملوك و الرؤوساء وضد اللاهوت الاقتصادى ( اسلام النفط و الادعاء ) وضد اللاهوت الفكرى ( الفقهاء) فلتكن ذكرى محمود محمد طه فرصة لاستعادة العقلى و الفكرى و الفلسفى الذى ضاع من تراثنا بعد ابن رشد اننا مدعوون للتنوير كما عرفه عماونيل كانت ( ان التنوير يعنى خروج الاثنان من صوره العقلى الذى يبقى رازحا فيه بسبب خطيئته و حالة القصور العقلى تعنى عجز المرء من استخدام عقله اذا لم يكن موجها من قبل شخص آخر الخطأ يقع علينا اذا كان هذا العجز ناتجا لا عن نقص في العقل بل عن نقص في التصميم و الشجاعةعلي استخدام العقل بدون ان نكون موجهين من قبل شخص آخر لتكن لك الشجاعة و الجرأة علي استخدام عقلك ايها الانسان ) اقول ايها المسلم فكر ثم فكر بقول كانت ( ليس هناك الا طريقة وحيدة لنشر التنوير هى الحرية، ولكن ما ان الفظ هذه الكلمة حتى اسمعهم يصرخون من كل حدب وصوب لاتفكروا حذار من التفكير الضابط يقول ( لاتفكروا تموتوا ) جابى الضرائب يقول ( لاتفكروا ادفعوا) الكاهن يقول ( لاتفكروا آمنوا) ولكنا ننادى بالمسلمين فكروا فانكم لن تصلوا الي مصاف المم الا اذا استعدتم تراث التفكير من إبن رشد و سألتم في كل شئ للعقل فقد ناقش اسلافنا الوحى و خلق القرآن فكيف لا نناقش حجاب المرأة و شريعة الامر و النهى لا مكان للاسلام الا بالتفكير و التنوير و السير في خطى الاصلاح اننا محتاجون الى لوثري الاصلاح ( لوثرية اسلامية ) . لاننا بحاجة اليوم الي ديكارت و فكره و منطقه و الي نيتشه و علمه و اعلانه ( موت الاله ) والي اسبينوزا والي هيجل والي كانط والي دراسة عصر التنوير الاوربى و إعادة انتاج فكرنا الاسلامى على قرار ذلك ولا يتم هذا الا بحرية الفكر ولا سبيل لتجديد فكر الامة وامة الفكر الا بالتنوير ومن ارض اللاءات لاطلاق لاءات ثلاث اخرى : لا لفكر الاذعان لا لتدخل السلطان لا لتغول الاديان ان العلمنه الفكرية او العقلنة لحظة مهمة في تاريخ الأمم لحظة التنوير و التحرير التى تسعى اليها اما اذا اردتم ان تكون الذكرى ذكرى مكايده سياسية معركة حزبية فانتم و شأنكم ولا بيع لكم عندى ولا تقربون لقد اقسمت على نفسى بعد انقسام الاسلاميين ان اتفرغ للفكر و التأمل في اسباب تخلفنا في السودان و الاديان نابذا اى الفريقين لقد قررت ان اكون مع نفسى وعقلى وذاتى ومراجعاتى الفكرية .. حسن إبراهيم
صحيفة الحرية22 / يناير 2002الى الأستاذ محمود محمد طه تحية و عهد
ماذا أكتب عنك و كيف أكتب عنك فكلما هممت بالكتابة عنك اجتاحني شعور بأن كل الأغانى قد كتبت عنك و أن كل الشعر قد كتب فيك و أن كل موروثنا الأدبي قد كان يقصدك و أن بنات السودان اللاتى تغنين بالفروسية و بالاقدام قد كن يذكرنك . و أن جمال السودان و خضرته قد خلقت لكى تتملاه عيونك و تطأه أقدامك و أن جبال السودان قد خلقت لكى ترفع اليك هامتها و أن صحراءه قد مدت لكى ترحب بك . أنت المقصود بعزة في هواك و أنت المقصود بيا صارم القسمات يا حى الشعور و أنت المقصود بجمل الشيل حمال الأسية فقد كنت القائد الحق للشعب السودانى حين زلزلت الأرض و استعلى الطغيان : المجد للأستاذ محمود الصفات المجد للإنسان محمود الصفات من قال لا في وجه من قالوا نعم من علم الإنسان تمزيق العدم فيا أيها المعلم إرحم ضعفنا و تشتتنا لم شعثنا و اجمع متفرقنا و نحن نتردد بين خوفنا و رغباتنا انتشلنا و ارفعنا إليك. نعاهدك على الموت في سبيل الفكرة و في سبيل الإنسان و الذود عنها بكل مرتخص و غال نعاهدك علي السير في طريقك طريق الاسلام طريق الحق و الخير و الجمال و السلام ..
عادل عمر عامر
صحيفة الوطن 22 /1 /2002السلطات تمنع إقامة ندوة بجامعة النيلين و تغلق مقر النشاط الطلابي
منعت السلطات أمس إقامة ندوة بجامعة النيلين خاصة بحرية الفكر و التعبير و أغلقت مقر النشاط الطلابي . و كان مقررا أن يتحدث في هذه الندوة المقامة بمناسبة اليوم العربي لحرية الفكر و التعبير عدد من القيادات السياسية من بينهم على حسنين , غازي سليمان , محمد اسماعيل الازهري و آخرين . و أوضح سكرتير اتحاد طلاب جامعة النيلين عبد الواحد ابراهيم في مؤتمر صحفي عقد بمكتب المحامي غازي سليمان ظهر أمس انهم كاتحاد قاموا بمخاطبة عميد الطلاب و الذي لم يرفض إقامة الندوة إلا انه بين لهم أن الجامعة ملك للدولة و ليست لدية سلطة تدخل في النشاط الطلابي و أن المسؤول هو قائد الحرس الجامعي و الذي أوضح بدوره أن أوامر صدرت بوقف هذه الندوة و عليه التنفيذ . الخرطوم : هيثم محمد الطيب
صحيفة الوطن 22 / 1 /2002 كلمة الوطن - له التحية
إختلف مع الاستاذ الراحل محمود محمد طه من اختلف و اتفق معه من اتفق , إلا أن اغلبية الناس تتفق على أن الرجل كان يتمتع بصفات نادرة , منها التجديد في الفكر و الممارسة و الانفتاح على العصر و النضال السلمي و المساواة بين الجنسين في معظم المناشط السياسية و الفكرية , و بذلك كان الاستاذ الراحل مدرسة في حياته لها آلاف المريدين و الاتباع من صفوة الناس المتعلمين و النابهين .إلا أن بطولة هذ الانسان الشيخ المسن تجلت يوم أن وقف فوق خشبة المقصلة المايوية و كان بينه و بين الموت كلمة باطل وهي ان يقول إنه مخطئ أو مذنب في نقده لقبيحة السيرة و السريرة { قوانين سبتمبر الشوهاء } إلا أنه اختار الموت العزيز على الكذب الضار أو الموافقة على تمرير الخطأ باعتباره صواباً .إن العديد من الذين عاصروا تلك اللحظات الرهيبة عرفوا كل الجهود التي بذلت من الخيرين و الحادبين و المدافعين عن تاريخ الاختلاف في السودان لإثناء الاستاذ الشامخ عن التمسك بوجهات نظره في تلك القوانين , و قال له قائل . { إن الدين يبيح الجهر بما هو ليس في السر } إلا أنه رفض كل محاولات إثنائه و تراجعه عن وجهة نظره في قوانين سبتمبر التي كان أحسن من وصفها- هو الاستاذ محمود محمد طه حيث قال إنها مذلة للانسان , ووصف من وضعوها بأنهم ناقصو أهلية ووصف قضاتها بأنهم معيبون و ساقطون .. الى أن لقي ربه وسط تقدير و احترام خصومه قبل أتباعه و أحبابه و مؤيديه .و لقد إحتفت بعض الجهات الإعلامية و السياسية بالذكرى السابعة عشرة لذلك الحدث المهيب , حيث كان التقدير و التكريم لشجاعة رجل دفع حياته ثمناً للدفاع عن ما اعتقد و رفض الخضوع و الخشوع لمشيئة ديكتاتور مشعوذ كان معتقداته أن جعل من شيوخه جزءاً من مؤسسات الدولة .رحم الله الاستاذ محمود محمد طه ابلغ من أعطى درساً في التاريخ السوداني للشجاعة و الرجولة و التمسك بوجهات النظر .
صحيفة الحرية23/ يناير 2002وصفت بأنها عودة لمربع سبتمبر 83 :السلطات تمنع اقامة احتفال ذكرى استشهاد محمود محمد طهمنعت السلطات إقامة الندوة الخاصة بالذكرى الـ17 لاستشهاد الاستاذ محمود محمد طه و التى كان من المزمع قيامها ظهر امس بجامعة النيلين احتفالا بيوم حرية التفكير و التعبير .واوضح عبد الواحد ابراهيم سكرتير عام اتحاد طلاب جامعة النيلين ان الاتحاد بذل مساعيه مع عمادة الطلاب و الحرس الجامعي و التى انتهت الي منع احياء الذكرى انصياعا لتوجيهات اللجنة الأمنية العليا بالولاية حسب إفادات الحرس الجامعي للاتحاد و كانت شرطة النجدة و العمليات قد طوقت موقع الاحتفال عن بعد , و في الؤتمر الصحفي الذي دعت له اللجنة القومية لاحياء الذكرى تحدث الاستاذ الحاج وراق مقرر اللجنة موضحا ان منع الاحتفال يعني كشف الادعاء حول اتجاه السلطة نحو الحريات مضيفا بأن ما حدث يعني أن السودان لم يتغير منذ سبتمبر 83 و أن الهوس الديني لازالت مخاطره ماثلة . من ناحية ثانية وصف الشيخ ابراهيم يوسف قرار منع الاحتفال بأنه تشويه للاسلام , وذهب الصحفي عادل سيد احمد عضو اللجنة الي ان الاحتفال يعنى بابراز مدى بشاعة و هوس النظام المايوي و ان الجهات التي تمانع في هذا النشاط لا بد لها أن تعزي وقد تحدث في المؤتمر الصحفي الاستاذ جوده محمد المحامي معلقا علي ما حدث بأنه حجب للوعى حتى لا تضار مصالحهم .من وجهته أكد الاستاذ غازي سليمان القيادى بتحالف استرداد الديمقراطية و عضو اللجنة ان القوي المستنيرة مقدمة علي الاحتفال بالذكري بعد اسبوعين بدار المحامين و أشار ساطع محمد الحاج المحامي ان اللجنة خاطبت كلاً من حزب الأمة و اتحاد المحامين و اتحاد طلاب جامعة النيلين لاقامة الاحتفال كل علي جده . إلا أن حزب الأمة اعتزر ثم تلاه اتحاد المحامين و الذي عزا الرفض الي ثلاثة اسباب وهي ان الندوة قد تؤدى الي بلبلة اجتماعية وتمثل تهديداً أمنياً بالاضافة الي ان حكم الاعدام قد صدر بحكم قضائي وبالتالي لا يجوز مناقشته وقال ساطع أن هذه الاسباب ساقها له شفاهة نقيب المحامين فتحي خليلاما الاستاذ محمد الحافظ المحامي فقد علق خلال المؤتمر الصحفي علي قرار منع اقامة الندوة محاولة لخنق الصوت الآخر بعيداً عن مبادئ الحق الانساني .وقال المهندس عبدالله فضل الله ان هذه الممارسة تعني ضرورة بداية المواجهة الفكرية للنظام الحاكم و مضي قائلا ان فكر الاستاذ محمود محمد طه تعدى الجمهوريين الي كل القوي الوطنية المستنيرة . واعلن الاستاذ شمس الدين الامين من مركز الدراسات السودانية ان اللجنة القومية قررت منح الجائزة السنوية لحرية الفكر و التعبير لهذا العام لاسرة الشهيد محمود محمد طه الجدير بالذكر ان اللجنة القومية لاحياء الذكرى ال17 لاستشهاد الاستاذ محمود محمد طه تضم كلا من المجموعة السودانية لحقوق الانسان و مركز عبدالمجيد امام الثقافي وجمعية التنوير الثقافية و عدد من الاحزاب السياسية بجانب الناشطين في مجال حقوق الانسان . و حسبما أشار الاستاذ وراق مقرر اللجنة فإن هدفها هو الدفاع عن الفكرة الاساسية في ان يعتقد كل انسان ما يشاء وان هذه النقطة فاصلة مابين التخلف و النهضة و الظلام والنور الخرطوم ـ أنور عوض
صحيفة الحرية 25 / يناير 2002سلام يا وطن ما بين نقابة خليل و مدير النيلين عار الابد{1-3}الوصاية هى حكم الرشيد على القصٌر فما عبرة الانقاذ من وصاية القصٌر على القصٌرنقيب المحامين لا يعرف ان المحكمة العليا قد الغت حكم المهلاوى في قضية اغتيال الاستاذ محمودنقابة فتحى خليل و حرية التفكير و التعبيرفى معرض رفضه للطلب المقدم من الاساتذة غازى سليمان و ساطع محمد الحاج المحاميان, و الذى يطلبان فيه دار نقابة المحامين لاقامة حفل اللجنة القومية لاحياء ذكرى اغتيال الاستاذ الشهيد محمود محمد طه , و تقديم جائزة الشهيد الاستاذ محمود محمد طه لحرية التفكير و التعبير فى يوم 18 يناير يوم حرية التفكير و التعبير و الذى اعتبرته المنظمة العربية لحقوق الانسان يومها لحقوق الانسان العربى وقد رأت اللجنة القومية لاحياء ذكرى اغتيال الاستاذ الشهيد محمود محمد طه ان يكون احتفالها بيوم حرية التفكير و التعبير شرفا يناله الفصيل الذى طالما اختار جانب شعب السودان فكان ضميره الحى و المتقد دائما الا فى هذا الزمن المأثوم حيث جاء رد الاستاذ فتحى خليل نقيب المحامين لصحيفة الوطن الغراء ( انهم يرفضون لأن الحديث عن محمود محمد طه يخلق بلبلة إجتماعية و يهدد الامن ثم ان هذا الموضوع قد صدر فيه حكم قضائي واول ما يسترعى الانتباه ان الاستاذ فتحى خليل قد نصب نفسه وصيا على الاساتذة غازى سليمان و ساطع محمد الحاج عندما حرمهما حق ان يكون لديهم حق تقدير ما يخلق بلبلة او لا يخلقها وما يهدد الامن او لا يهدده وهما محاميان مثله و لماذا افترض انه مسؤول و يلغى تصرفهم بمسؤولية ؟ اما حديثه عن البلبلة الاجتماعية فهذا ما لم نفهمه وأية بلبله اجتماعية اقسى مما جرى عبر السنوات السوالف من عمر الإنقاذ و أين كان السيد النقيب و الهوس الدينى يستشرى و يكبر عوده ويشب عن الطوق و يغتال المصلين فى صلاة الجمعة في الثورة علي يدى الخليفى و يفتك بالمصلين فى صلاة التراويح عباس الباقر و اين سيادة النقيب و شبيبة التكفير و الهجرة يروعون الآمنين فى الكلاكلة وفى مدنى و فيما هو لم يزل يعتمل فى صدور الهوس الدينى اين كان سيادة النقيب من كل هذه البلبله الاجتماعية بل الاحرى ماذا فعل السيد النقيب ؟ و اكثر من ذلك ما موقف سيادته من الذين ضيق عليهم هذا العهد سبل كسب العيش فكتبوا الشيكات فاودعوا السجون ولما ثاروا على اوضاعهم داخل السجن خشية على اسرهم مما يمكن ان يحدث بلبلة اجتماعية داخل اسرهم و بالتالى المجتمع جرحوا و قتلوا فماذا كان موقف السيد النقيب و لطالما الحديث عن البلبلة الاجتماعية ماذا هو فاعل حيال جحافل كرام الاسر و التى تحول الكثير منها الى متسولين ؟ وسيادته الا يطالع ما تنشره الصحف من إعلانات المحاكم من دعاوى الطلاق المرفوعة لعدم الانفاق و الضرر و للغيبة و لخشية الفتنة , و هذه الاخيرة لم نقرأها على صفحات الصحف الا فى هذا العهد العجيب , وهل تسنى للسيد النقيب ان يمر فى وسط الخرطوم ليرى صناديق القمامة الكبيرة يلتف حولها اطفال ضرستهم الحياة , و اصبحوا فيها نفايات قوتهم فتات موائد الساسة الذين يجمعون الاموال بكل ما لا يسمى فى قاموس اللغة سرقة. و سميناهم اطفال الشوارع ليكون الاسم هو ورقة التوت التى تغطى عورة مجتمعنا المتبلبل فما الذى فعله السيد النقيب حيال كل هذه الشرائح بحكم انه محامى و بحكم انه نقيب المحامين و بحكم انه الوصى على زملائه , و الوصاية بالمناسبة حتى عند النبى الكريم عليه افضل الصلاة واتم التسليم كانت هى حكم الرشيد على القصر فما عبرة الانقاذ و من خلفها السيد فتحى خليل فى وصاية القصر على القصر ؟ المهم ان الدور الذى اراده سيادته فى ان ينصب من نفسه حاميا لحمى المجتمع من البلبلة هو دور لا يملك سيادته منه ولا قلامة ظفر ولا نكاشة اسنان هذا فيما يلينا اما فيما يلى السادة وزراء الرعاية الاجتماعية فى الحكومة الاتحادية او فى ولاية الخرطوم فإننا نعتب عليهم لأنهم لم يقولوا لنا انهم قد اختاروا السيد نقيب المحامين متحدثا عنهم بالانابة ولم يخبروننا بهذا التعيين. النقيب و الامن و رجال الأمن: اما مسوغة الثانى فى الرفض بان الحديث عن الاستاذ محمود محمد طه يهدد الأمن هذا التصريح يعنى فيما يعنى مطالبة اللواء الطيب ابراهيم محمد خير ليقدم استقالته من مستشارية الرئيس للشؤون الامنية ؟ ام ان من ضمن المهام الموكلة للسيد النقيب التنظير فى المهددات الامنية ولكن لا علينا سنواصل معه ولن نمل هل فى نظر سيادته ان الامن استتب تماما فى هذا البلد و الذى يمكن ان تثيره ندوة تقام لاحياء ذكرى رائد المقاومة المدنية و اكبر رجالات القرن العشرين دعوة للسلام واين دور السيد النقيب فى إطلاق النار المشتعل منذ 1983 فى جنوب السودان ؟ و ماهو دوره فى وقف اطلاق النار الذى فرض فرضا فى جبال النوبة واين دوره من اصوات الرصاص التى تنطلق صباح مساء فى حوارى الخرطوم و ضواحيها مما تنشره صحيفة الدار وما تهمس به المجالس فماذا فعل تجاه الأمن المهدد ؟ على اى حال نحن لا نعرف عن الاستاذ خليل إلا انه محامى و نقيب المحامين اما هذه الادوار التى زج نفسه فيها زجا فهى ليست له ولها رجالها واغلبهم لايرى ان الحديث عن الاستاذ محمود محمد طه يثير بلبلة اجتماعية و يهدد الامن و هذا الحديث من السيد النقيب كانه يصور مجتمع اهل السودان و امنه كانه من الهشاشة بحيث يحتاج لنقيب المحامين كيما يحميه وممن من ندوة لحرية الفكر و التعبير وفى دار من ؟ دار نقابة المحامين حقا اننا نعيش الزمن الأثيم فى البلد الكظيم فالاستاذ محمود لم يحمل سلاحا ولم يفجر ابراجا ولم يدع لعنف بل انه قد قال و يومئذ تكون قوة الحق كافية لاحداث التغيير الى الاحسن بين الافراد و المجتمعات من غير حاجة الى اللجوء الى العنف قال وان الاصل فى اللجوء الى العنف انما هو مصادرة حرية من يسئ التصرف فى استعمال الحرية كتاب الثورة الثقافية و قامة الاستاذ محمود التى تبلبل مجتمع و تهدد أمن نقيب نقابة المحامين وحده وهى فى وجدان هذا الشعب النور الساطع الذى يضئ دروب الحرية ويضيق مساحات القهر و الاستبداد و الوصاية الفجة ..ويقدم النموذج السلوكى الرفيع الذى يتقاصر عن شأوه .. دعاة همهم دنيا الناس يتكالبون عليها ولو على حساب الدين ولو على حساب الشيخ القديم , ولا يجدون حرجا فى انفسهم لذا عندما تتنادى مؤسسات المجتمع المدنى لاحياء ذكرى اغتيال الاستاذالشهيد محمود محمد طه يوم حرية التفكير و التعبير تقوم الدنيا ولا تقعد ويخرج من الاجواف الى الالسنة من المبررات العجب العجاب ..
ان هذا الامر قد صدر فيه حكم قضائي :اما الذريعة الثالثة التى احتمى بها السيد النقيب فهى الكارثة بعينها , فانه تحدث عن الحكم القضائى للمهلاوى واغفل الحكم التاريخى الذى ابطل الحكم الامر الذى يضطرنا لتقديم الحكمين ليرى القارئ بوجه عام ويرى الاستاذ خليل بوجه خاص .حقيقة ماجرى .. والذى لانعزيه الى ان الاستاذ فتحى خليل يجهل حكم المحكمة العليا ؟ انما نرده الى منطق { لا تقربوا الصلاة ..} لهذا قلنا انها الكارثة .كان الاستاذ محمود قد اصدر منشوراً يعارض فيه قوانين سبتمبر التى لم يجد منها المواطنون غير السيف و السوط وقد قدم المنشور للنميرى انذاراً على كف اسد { هذا او الطوفان } ولما كان النقد لقوانين سبتمبر كان نقداً قوياً دينياً بانها مخالفة للشريعة ومشوهة للدين ومهددة للوحدة الوطنية تحرك واضعو تلك القوانين المختبئين فى القصر ولذلك فان كبيرهم { النيل } رفع المنشور لأكبرهم { نميرى } يزف اليه ان الجمهوريين { اتاحوا لنا فرصة تاريخية لمحاكمتهم }, و النميرى الذى فضح المنشور آخر مناورته ليحول الاسلام العظيم الى مؤسسة عقابية يحمي بها نظامه الذى اخذ يتهاوى . دعا ثالوث القصر ليطلعوا على المنشور وانه يرى فيه { الردة } بعينها و سيجتمع بهم للتشاور هذا ما تحكيه وثائق القصر التى نشرت بجريدة الايام بتاريخ 22 / و 26 / 5 /1985 م . وفعلاً تحركت القضية فى المنشور باعتقال بعض الجمهوريين تحت تهمة ازعاج السلام العام ولما كان النميري قد عين اخاً مسلماً وزيراً جنائياً يحول القضايا لتنظرها المحاكم القمعية فقد حول الوزير تهمة الجمهوريين الى مناهضة السلطة وضم اليهم الاستاذ محمود .قدم الاستاذ و الجمهوريين الى المحاكمة امام المهلاوى الذى كان حديث عهد بالقضاء , اذ كان عضواً بمجلس قضاة بحرى وذلك قبل ان يجرؤ النميرى لانشاء قضاء موازي للقضاء الطبيعي المستقل وذلك لان القضاء المؤهل استعصم بقانونيته واستقلاله فاستجلب النميري عقائديين من خارج القضائية وخلطهم بأشباههم من القضائية وفى هذا الجو رفّع المهلاوى لقاضي محكمة طواريء فأصبح من القضاء الموازي الذى رضى ان يجلس باسم القضاء بل باسم الشريعة ليجري محاكمات تحرم المتهمين من الدفاع بمحامين ومع ذلك لا تستانف احكامه و احكام الاعدام بدلاً من ان ترفع للقضاء الطبيعي { المحكمة العليا } ترفع لكبيرهم بالقصر .وقد أصدرت محكمة المهلاوى حكمها على الاستاذ محمود و الجمهوريين الأربعة بالإعدام حسب المواد 96 ط و ك عقوبات و 105 عقوبات و 20 أمن الدولة جريدة الايام 9 / 1 / 1985 م .ورفع ذلك الحكم بمواده المحدودة هذه لمحكمة الإستئناف للتأييد ولكن محكمة الإستئناف انشأت تهمة جديدة ولا هي اعادت القضية لمحكمة الموضوع للسير فيها من جديد ولا هي حتى باشرت فيها { السماع } الذي هو من بديهيات أسس العدالة , وانما رضيت لنفسها ان تقوم بدور الخصم والحكم كما اعطت نفسها ان تصبح { مشرعة } وهى لا يحق لها ان تشرع كما لا يحق ان تخالف الدستور و تخالف المبدأ الراسخ بعدم رجعية القوانين ؟ وكل هذه الانحرافات و التحريفات التي تخالف القوانين و الدستور و اعراف العدالة الراسخة تصبح بداهة مرفوضة و مدانة من اي قانوني يستحق هذه الصفة , بل من اي شخص له احساس بالعدالة واكثر من ذلك فقد تقدم بدعوى دستورية ضد ذلك الحكم قانونيون تشهد لهم ساحات المحاكم بالخبرة و الكفاءة ولم يضعفوا لا فنياً ولا اخلاقياً . الاساتذة طه ابراهيم و عابدين اسماعيل و عبد الله الحسن و محمود حاج الشيخ و جريس اسعد و بيترنيوت كوك المحامون .وحين عرضت دعواهم الدستورية على المحكمة العليا تكونت الدائرة الدستورية من الاساتذة :السيد محمد ميرغني مبروك رئيساًالسيد هنري رياض سكلا عضواًالسيد فاروق احمد ابراهيم عضواً السيد حنفي ابراهيم احمد عضواً السيد زكي عبدالرحمن عضواً السيد محمد حمزة الصديق عضواً السيد محمد عبدالرحيم علي عضواً وعند نظرهم للقضية الدستورية نمرة م ع / ق د / 2 /1406 اعلنت الدائرة الدستورية النائب العام وطلبت منه تقديم رده كتابة وقد تم ايداع رد النائب العام بتوقيعه وكان رده . 1- نعترف بأن المحكمة لم تكن عادلة ولم تتقيد باجراءات القانون 2- ان المحاكمة اجهاض للعدالة 3- لا نرغب اطلاقاً فى الدفاع عن تلك المحاكمة ورغم { ان النائب العام قد اقر بالدعوى فى كافة تفاصيلها } فان الدائرة الدستورية قالت انها بدون جحود لحق النائب العام فإنها { لطبيعة الدعوى وما تثيره من مسائل دستورية وقانونية تجعل الفصل فيها من صميم اختصاصات المحكمة التي تضطلع بها بمعزل عن قرارات و آراء الخصوم و ممثليهم } . وبعد حيثيات قانونية مسببة انتقلت المحكمة العليا الي مراجعة حكم محكمة الاستئناف . المحاكمة سياسية . { ومن ثم تنتقل المحكمة الى تناول اجراءات التأييد في محكمة الاستئناف على اعتبار انها تشكل جوهر العيوب التي تقوم عليها هذه الدعوى مما يحتاج الى تقرير مفصل .. على انه يجمل القول ومهما كان وجه الرأي فيما يتعلق بتلك العيوب انه يبين من مطالعة اجراءات محكمة الاستئناف تلك انها انتهجت نهجاً غير مألوف واسلوباً يغلب عليه التحامل مما يجعل الاطمئنان الى عدالة حكمها امراً غير ميسور و عرضة للمعايير السياسية التي لا شأن لها بالاحكام القضائية } . محكمة لم تعبأ بالدستور و القانون جاء في حيثيات المحكمة العليا { على ان محكمة الاستئناف لم تكن عابئة فيما يبدو بدستور او قانون اذانها جعلت من اجراءات التأييد التي ظلت تمارسها المحاكم المختصة في سماحة واناة وبغرض مراجعة الاحكام مراجعة دقيقة وشاملة محاكمة جديدة قامت فيها المحكمة بدور الخصم و الحكم بما حجبها عن واجبها } كما جاء في حكم المحكمة العليا { ففي المقام الأول أخطأت محكمة الاستئناف فيما ذهبت اليه من ان المادة 3 من قانون اصول الاحكام لسنة 1983 م كانت تبيح لها او لأي محكمة اخرى توجيه تهمة الردة . وان كان ثمة ما يفرق في هذا بين محكمة الاستئناف واية محكمة اخرى فان ذلك هو ان محكمة الاستئناف كانت مقيدة كسلطة تاييد بقيود اضافية اخرى . وجاء في حكم المحكمة العليا { نخلص من كل ما تقدم الى ان اجراءات محكمة الاستئناف الجنائية في اصدار حكم الردة في مواجهة محمود محمد طه ورفاقه كانت للأسباب التي سبق تفصيلها جاحدة لحقوق دستورية وقانونية شرعت اصلاً لكفالة محاكمة عادلة } كما قالت المحكمة العليا { ولعلنا نكون في حاجة الي الاستطراد كثيراً في وصف هذا الحكم فقد تجاوز كل قيم العدالة سواء ما كان منها موروثاً ومتعارفاً علية او ما حرصت قوانين الاجراءات الجنائية المتعاقبة على النص عليه صراحة او انطوى عليه دستور 1973 م { الملغي } رغم ما يحيط به من جدل { الى ان يقول حكم المحكمة العليا } ولعلنا لا نتجني على الحقيقة لو اننا قلنا ان تنفيذ الحكم ما كان ليتم لولا ان محكمة الاستئناف اضافت الادانة بالردة وهو ما لم يكن ليصدر اصلااً لو كانت الاجراءات قد عرضت على المحكمة العليا بدلاً من ان تستغل محكمة الاستئناف باجراءات التأييد لتنتهى الى ذلك الحكم من خلال المخالفات القانونية و الدستورية التي تناولناها فيما تقدم } . وبعد هذه الحيثيات القانونية الدقيقة الوافية فقد اصدرت المحكمة العليا الدائرة الدستورية باغلبية اربعة اعضاء حكمها بإبطال محاكمة الأستاذ، اما الاعضاء الثلاثة الباقون فقد قدم السيدان هنري رياض و حنفي ابراهيم احمد مذكرة يرأيهما المخالف كما قدم السيد محمد عبدالرحيم مذكرة ايضاً برأيه المخالف و يلاحظ ان مذكرتي الرأي المخالف لم يتصديا لمحتوى الحكم المرفوعة ضده الدعوى وانما وقفت المذكرتان عند الشكل فمذكرة السيدين هنري وحنفي تقول قد يكون محل هذه الدعوى النظر امام محكمة درجة اولى ومذكرة السيد محمد ترى ان الحكم المطعون فيه قد وصل اعلى مراحل التقاضي ولكن كيف ذلك وهو لم يعرض على المحكمة العليا ؟ إننا في اللجنة القومية لاحياء ذكرى اغتيال الشهيد الاستاذ محمود محمد طه , وفي يوم حرية التفكير و التعبير و نقابة السيد فتحي خليل تغلق ابواب دار نقابة المحامين في وجه هذه المناسبة و تمسكها الشرس بضرورة العمل بجد حيال الحقوق الاساسية : حق الحياة وحق الحرية وقد كانت اللجنة مقتصرة على { احياء ذكرى الاغتيال } ولكن الهوس الديني و الآراء النشاز في الساحة السودانية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك للحاجة الماسة لفكر الاستاذ محمود محمد طه .. ونحن ننعي على السيد نقيب المحامين موقفه هذا من الدار التي يمنحها لحفلات الزواج و اغاني البنات و يرفض يوماً لحرية الفكر و التعبير .. وننعي عليه اكثر قيامه بأدوار ليست له على الوجه الذي ذكرناه آنفاً .. ونؤكد لمن عساه ان يحتاج لتوكيد انه لا الاخوان الجمهوريون ولا الحزب الجمهوري له علاقة بهذه اللجنة وانما هي لجنة قومية تحرص على حقها في التفكير و التعبير بأكثر من حرص الآخرين على باطلهم و القلة من تلاميذ المعلم الشهيد المنضوين تحت لوائها برؤيتهم الخاصة وموقفهم الخاص المنعزل عن المجتمع الجمهوري .. فان اقضت هذه اللجنة مضاجع اقوام فانها ستواصل مسيرتها غير آبهة بما يحكيه انصار الظلام في الظلام .
حيدر أحمد خيرالله
صحيفة الصحافى الدولى31 / 1 / 2002الذي يصلحك محمود محمد طه
كفتني أقلام زملاء عديدين مؤونة مؤاخذة إدارة جامعة النيلين ونقيب المحامين على بؤس منطقهم في الدفاع عن منع جامعة النيلين لقيام ندوة حولية اعدام المرحوم محمود محمد طه . فقد قال مدير الجامعة و النقيب ان المنع وقع لان الجامعة خشيت أن تكون الندوة منبرا للنيل من القضاء الذي كان قد حكم على المرحوم بالاعدام في 1985م . وغاب على المدير و النقيب ان القضاء , ممثلا في الدائرة الدستورية من محكمة الاستئناف , قد عاد في 1986 م , لينسخ حكم محكمة الاستئناف الجنائية المكاشفية / الحاج نورية. وهي المحكمة التي أراد المدير و النقيب حماية القضاء من الهجوم المتوقع عليها في ندوة الحولية . وكانت الدائرة الدستورية لمحكمة الاستئناف قد انتهت الى ان محكمة 1985 م , للمرحوم قد اهدرت حقوقه الدستورية ولهذا ابطلت تلك الدائرة الحكم الصادر بحقه , وكفلت للمدعين حق الحصول على إعلان بالحقائق المتعلقة بهذه المحكمة غير العادلة . وقد قال بهذا الرأي اربعة من قضاة الدائرة و خالفه ثلاثة . وقد نشرت مجلة الاحكام القضائية حكم الدائرة الدستورية في عددها لعام 1986 م . بالصفحات 163 – 198 . لا أدري كيف ساغ لأكاديمي كمدير جامعة النيلين منع ندوة بزعم انها ربما ( هاجمت ) القضاء في حين ان القضاء نفسه كما رأينا قد ( هاجم ) القضاء بنسخ محكمة 1986 م , لحكم محكمة 1985 م , ولا ادري ان كان المدير قد توصل الى قراره هذا وهو عالم بكامل مسار مسألة المرحوم في القضائية أم أنه ممن يفضلون حكم القضاء الاول على الثاني . فإذا لم يكن ملما بأطوار هذه القضية في ثنايا القضائية فهذا جهل كان بوسع زملائه في كلية القانون , التي وصفها بأنها العظمى في السودان , تخليصه منه متى ما شاورهم واتبع أحسن قولهم . إما إذا كان المدير ممن يفضلون الحكم الاول على ما عداه فالمصيبة أعظم . أما النقيب فقد صارت عادته أخيرا ان يفزع الى القضاء كلما اعيته الحيلة . فقد فعلها في الانتخابات الأخيرة بتعيين لجنة من القضاة للإشراف علي الانتخابات بغير استئذان خصومه او تحبيب الفكرة لهم. و يؤسفني ان الذي خسر انتخابات المحامين حقا كانت اللجنة المكونة من قضاة . ونقصهم لاشك منعكس على القضائية . وسنكتفى بهذا القدر من القول في بلد ما تزال عادته توقير القضائية و القضاة وعدم الخوض في أحكامهم و أداءاتهم الاخرى . ويسعدني القول أنني في حل من هذا التقليد إذا لم يسترد القضاء نفسه من مماحكات أمثال المدير و النقيب . إذا تمنت الندوة حقا تجديد معرفتنا بمحنة المرحوم و تحسين درسنا لمحاكماته العديدة فإن في ذلك علم قانوني طيب لاسبيل لحماية طلاب القانون منه . وهو علم يسعى الاكاديمي لتمليكه طلابه لا زجرهم عنه و حجبه عن افهامهم . فقد تقاضت في القضية السياسة و القضاء تقاطعا لن تجده القضايا الاخرى بنفس الإبانة و التعقيد و المغزى . ومما أتيح لي قراءته عن محاكمات المرحوم وجدت انها معرض مثالي لمباديء مركزية في العدالة صالحة لتنشئة طلاب القانون . فقد أثار الدكتور عبدالله النعيم في مقالة له بالانجليزية اعتراضات مبدئية على اجراءات المحكمة الاولى في 1985 م . فقد قال انها حين حاكمت المرحوم بتهمة الردة فإنها قد انتهكت مبدأ راسخ في القانون يقضي ان لا يحاكم شخص ما مرتين بنفس التهمة . و المعروف ان المرحوم كان قد حوكم بالردة أمام المحكمة الشرعية العليا في 1968 م , ولم تستطع المحكمة تنفيذ مترتبات حكمها عليه , وعدت الامر حسبة الى الله . و تطرق النعيم الى بؤس الاثبات في محكمة 1985 م , فقد اخذ عليها اعتمادها فتاوى الازهر و المؤتمر الاسلامي كأدلة على ردة المرحوم وهي بينات لم تقدم على اليمين ولم يجر استجواب كتبتها حولها . و أذكر ان لهذه المباديء القانونية ( التي قال النعيم ان محكمة 1985 م ,قد سفهتها ) اسماء لاتينية طويلة جدا مما لا يصح أن تخلو منها جعبة فقيه في القانون . أعود اسيفا للقول ان دفاع المدير و النقيب عن منع الندوة باسم الاكاديمية وسمت القضاء هو من نوع قولة الحق التي اريد بها باطل . وهي ايضا من نوع العزر الذي هو اقبح من الذنب . ولا يستحق القضاء او العلم في هذا البلد مثل هذه المعاذير باسمه تلقى على عواهنها هكذا . ولا يظن ان توقيرنا لحرمة القضاء و العلم ستكون سبيلا لتمرير مشاريع مؤكدة لمصادرة حرية الفكر و التعبير إن هذه الحريات اشواق لا مكان للتدليس في نحوها و إعرابها , ان شاء الله . ونعود الى أهل الندوة أنفسهم , كما عدنا في مرات سابقة كثيرة للحديث اليهم بشأن تفريطهم الطويل في مساهمة المرحوم بهذه الحولية السياسية لا غير .
د . عبدالله على ابراهيم
صحيفة الحرية 23 /1 /2002 م مسارب الضئ الحاج وراق
ماذا عن معاناتنا من تجاوز الاختصاصات واهمالها؟
متابعة لمقالة الاخ الكريم الحاج وراق عن وزارة الارشاد الديني والتي اثارت في هذه التساؤلات والملاحظات أرسل هذا المقال ومزيداً من الضياء.. ان حقوق الانسان التي يكفلها عالمنا الحديث قد قامت على الاعلان العالمي لحقوق الانسان منذ عام 1948 وقد اخذت به وتأثرت به أغلب الدول، كما ان اعتبار ورعاية الحقوق التي يكفلها الاعلان كانت هي المؤهل والمدخل للدول للعضوية في المنظمة العالمية وللاستمرار فيها، ولذلك تأثرت اغلب دساتيرالدول الحديثة بالميثاق صياغة وأهدافاً، وأصبحت الدولة الحديثة هي التي تتقيد وتحتكم للدستور وللقانون وتقوم بدورها في تحقيق حقوق الانسان لمواطنيها لدرجة فرصة مقاضاة الدولة نفسها في أية انتهاكات لحقوق الانسان. وعلى ضوء ذلك هل دولتنا السودانية أو قل دولة الانقاذ هل هي دولة حديثة تلتزم بالدستور والقانون؟!! هنا تفاجئنا اللجنة القومية واللجنة الفنية اللتان أشرفتا على مسودة الدستور عام 1998 م ممثلين في السيد خلف الله الرشيد والسيد دفع الله الرضي وآخرين بمذكرتهما التي رفعاها للسيد رئيس المجلس الوطني وقتها الدكتور الترابي حين كانت مسودة (القصر) أمام المجلس لاجازتها كدستور للبلد. وقد جاء في المذكرة أن هناك (مواد نصت عليها مسودة اللجنة القومية ولم تظهر في مسودة رئاسة الجمهورية) كما جاء في المذكرة (8/أ ) المادة 56 وقد نصت اللجنة فيها على واجبات الدولة وهي واجبات لابد من ذكرها في الدستور ألا وهي التزام الدولة بما جاء في الدستور وحكم القانون واحترام حقوق الافراد ومحاربة الاضطهاد وواجبها في إتخاذ الاجراءات الفعالة لحماية الحقوق (ب) هذا قد جاء في مسودة رئاسة الجمهورية في المادة (117 ) (2 ) يهتدي القاضي بسيادة الدستور والقانون. ان عدم النص المماثل فيما يختص بالدولة مع وجود هذا النص، يعني أن الدولة لا الزام عليها بحكم الدستور والقانون بحجة ان الدستور اذا اراد ذلك لنص عليه. (ج) ان الانصياع لسيادة الدستور والقانون بواسطة الدولة أمر قد نصت عليه دساتيرنا الماضية كما نصت عليه دساتير العالم قديمها وحديثها. وعليه لو كانت دولة الانقاذ دولة (حديثة) و (منصاعة) للدستور القائم الذي وضعته بنفسها قد نجد الفرصة لمساءلتها عن واجبها (في اتخاذ الاجراءات الفعالة لحماية الحقوق) وقد نجد الفرصة لمقضاتها دستورياً اذا كان هناك تقصير في حماية مواد الدستور المادة (24 ) حرية العقيدة والمادة (25 ) حرية الفكر والتعبير، ومن باب اولى فرصة المقاضاة اذا كان هناك انتهاك للمادتين او غيرهما من الحقوق المذكورة في الدستور القائم وأي قوانين مقيدة للحريات. ولكن هل هناك فصل للسلطات وهذه من أهم سمات الدولة الحديثة، ومن أهم أسس العدالة، اذ يمكنك أن تحتكم للدستور وأن تقاضي السلطة التنفيذية امام القضاء المستقل، ولكن يلاحظ ان هناك خلطاً وتجاوزاً للاختصاصات فمثلاً وزارة الاوقاف والارشاد والقائمة الآن في ظل الدستور القائم الذي يقر حق المواطنة المتساوية لغير المسلم وللمرأة وفرصتهم حتى في رئاسة الجمهورية، ويكفل حرية العقيدة وحرية الفكر والتعبير فان محل واختصاص هذه الوزارة هو ارشاد جمهور المساجد التي تشرف عليها لاستيعاب حق المواطنة المتساوية المكفول في اصول القرآن رغم اختلاف الاديان، وان تقيم المنابر الحرة وترعى حرية الحوار لتلجم ظاهرة الفرق المنفلتة التي تدعي انها تنفرد بالحقيقة المطلقة ومن ثم تصادر الرأي الآخر بل تصفي حملته كما حصل في المساجد وللمصلين. وفي السودان بلد التسامح ولو قامت هذه الوزارة بدورها في ذلك بالتبشير بحق المواطنة لأصبحت منسجمة مع الدولة الحديثة ومع الدستور القائمة في ظله ولن تكون جسماً غريباً في الدولة الحديثة. ولكن يبدو أن لوزارة قد تركت واجبها ومهمتها تلك بل تجاوزت اختصاصها لتتحدث عن الأمن ومحاربة الرأي الآخر بذريعة الآمن ولم تترك مسألة الأمن لمن تفرغوا له ويعرفونه أكثر منها. بل هي كانت باكورة انتاجها مواقف غريبةحتى على تسامح السودانيين العادي نحو الأديان والمذاهب الاسلامية المختلفة ومعارضة الدستور الذي انشأت في ظله. ان التبشير بحق المواطنة المتساوية لم يعد هو مطلب الدستور القائم وحده بل هي ضرورة للوحدة الوطنية، وضرورة للأمن حتى بين الفرق الاسلامية نفسها. ولذلك يجب أن تتضافر على تحقيقه كل مؤسسات الدولة الحديثة وفروعها المختلفة والتي تطمع أن تكون حديثة.
إبراهيم يوسف
صحيفة الحرية9 / 2 / 2002دفاتر الايامحوار : زين العابدين العجبلاالحلقة الاولى : رئيس القضاء الاسبق مولانا خلف الله الرشيد و افادات للتاريخ ( 3- 3 ) محمود محمد طه لم يعط الفرصة لكي يدافع عن نفسه
يتمتع الشعب السوداني يذاكرة قوية يجمع بها كل المواقف تحت سقف التقويم وعلى ضوء مسارب الصبر الطويل ورهق المعاناة يستطيع ان يقرأ سيرة ما كتبه من تولوا شأنه العام و اعتلوا مواقع المسؤولية في بطون كتب أفعالهم سلباً وايجاباً ولعل شؤون القضاء أهم هذه المواقع حيث انها تمثل اعلى درجات الاهمية كيف لا وفي سوحها يتم الفصل بين الخصوم وهي ساحة لرد المظالم و يجب ان تكون محصنة بالعدل ومسورة بالصدق و الابتعاد عن الظلم انه ظلمات يوم القيامة ونحن في هذا اللقاء نستضيف مولانا خلف الله الرشيداحد الذين تولوا اهم مواقع القضاء بالسودان .. كان رئيسا للقضاء . لنوثق لذكريات تلك الحقبة التي كانت في أحد العهود العسكرية ( مايو ) والتي تتحمل مسؤوليات التدهور المتراكم الذي اصاب السودان وقد أطاحت بالامال في مشاوير الديمقراطية التي جاءت علي اهازيج اكتوبر الخضراء بعد حكومة عبود العسكرية التي سنت عادة الانقلابات العسكرية . ومن هو خلف الله الرشيد ؟ وماهى علاقته بالحركة الاسلامية ؟ وماهى علاقته بنميري ؟ وماذا قال لنميري بعد ان قابله في الأيام الأولى لمايو بعد عودته من لندن ؟ وهل كان نميري يتدخل في شؤون الاحكام التي يصدرها القضاة ؟ وما هو رأيه في محمود محمد طه ؟ وما هو تعليقه علي محاكمته ؟ وغيرها من المحطات التاريخية الهامة .
الحدود المتفق عليها خمسة وهنالك خلاف حول الردة و البغي لا اتفق مع محمود و الظروف السياسية كانت ضده مولانا .. انت رجل قانوني .. ماهو رأيك في محاكمة الاستاذ محمود محمد طه ؟ما آخذه على المحاكمة هو بعد ان وزع الجمهوريون بياناً و نشروه في الجريدة فتم فتح بلاغ ضدهم في هذا البيان السياسي وعندما تمت المحاكمة آثر الجمهوريون الصمت ولم يتحدثوا وصدر حكم ضدهم بالسجن فقام ناس النيابة باستئناف هذا الحكم وفاجأة وفي محكمة الاستئناف تغيرت التهمه الى ردة وهذا هو الخطأ اذ انه كان يجب ان توجه تهمة الردة لمحمود محمد طه ومن معه لان المسالة تغيرت من منشور الى ردة ولم توجه لهم التهمة ولم يسمع كلامهم و الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال لسيدنا على عندما ارسله لليمن : ( اذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضي حتى تسمع للآخر كما استمعت للاول ) .. وهذا يسموه حق السمع ويسموه في القوانين الوضعية حق طبيعي , وهذا لم يتم و لذلك انا اعتقد ان هذا هو الخطأ الذي وقعت فيه المحكمة و محمود محمد طه استمر ساكتاً ورافضاً للحديث ولم يقال له انه موجة لك تهمة الردة ولم يعط الفرصة . وافتكر ان هذا هو الخطأ الاساسى ثانيا .. القانون الذي حوكم به محمود محمد طه لم تكن من ضمن حدوده الموجودة في القانون لانه هنالك خلاف بين الفقهاء انفسهم هل الحدود سبعة ام خمسة ؟ وسحب من هذه الحدود الردة و البغي ولانها يمكن ان تستغل سياسيا ولذلك لم يدخلوها وهنالك خمسة حدود مجمع عليها و الاختلاف حول اثنان هما الردة والبغي وهنالك آراء فقهية . وهل المحكمة مقيدة بالقانون ام لا ؟ مع ان هنالك من يعتقد ان الناس يمكن ان تجتهد لانه يوجد قانون تفسير الاحكام و النصوص القانونية تمكن من ذلك ولكن افتكر غير ذلك اذ انه لابد ان يكون هنالك نظام و الدولة الاسلامية بها بهذا النظام حيث انه في الاسلام يستطيع الحاكم ان يقيد سلطات القاضي و القاضي نفسه يمكن ان يعين قاضي آخر ويحدد له ان يحكم بكذا وكذا ولذا اري انه في محاكمة محمود محمد طه كانت هنالك اجتهادات ليس هنالك داعي لها واعتقد دائما كما يعتقد الفقهاء ان الحدود الغرض منها ردع الناس حتى لا يتعدوها فاذا تعديت فلابد ان تثبت بما لا يدع مجالا للشك فاذا كان هنالك اي شك يفسر لصالح المتهم ولكني افتكر في حالة محمود محمد طه انه لم يعط الفرصة لكي يدافع عن نفسه ولم توجه له تهمة الردة ولم تكن تهمة الردة موجودة في قانون 1983 م. كانك تؤكد ما قاله الاستاذ محمود محمد طه عن ان المحكمة لم تكن مؤهلة فنيا ؟ كما قلت لك اذا لم توجه للمتهم تهمة و تركت له فرصة لكي يدافع عن نفسه لا تحكم عليه لانه قد ( سكت ) و سكوته هذا لا يعني انه رفض ان يجيب , وهو رفض ان يجيب عن التهمة الاولى المتعلقة بالمنشورات ولكن ستظل هذه القضية موضوع جدل لفترة طويلة ولكن ابدا الناس لن ينسوا ان الحدود المتفق عليها خمسة و الردة و البغي ليس هنالك اتفاق حولهما وقبل ذلك الترابي تحدث حول هذا الموضوع ولكنه ( عورض ) . وكما ذكرت فان الاجماع كان على خمسة حدود وهي السرقة و الزنا و الحرابة والقذف و القتل ولكن لم يجمع على البغي و الردة لانه قد تستغل استغلال سياسيا فكيف تحدد هذا باغي وهذا مرتد , فمثلا ناقل الكفر ليس بكافر فاذا كنت أردد آراء لينين فهذا لا يعني انني كافر ولكن هنالك من يقول غير ذلك و الشرع يقول يحاكم تعزيرا . وهنالك حالتان حيث ان المرتد هو ما ينكر بما يعرف في الدين بالضرورة كان يقول ليست هنالك صلاة او بأن يقول ثلاث صلوات و هنالك الذنديق الذي يقتل لانه يحارب الاسلام و العقيدة . لكل ذلك يجب ان لا يتحدث الناس دون علم و كما قال احد المستشرقين الالمان انه لا يوجد دين في الدنيا خدمه ناسه مثل الاسلام حيث نجد ان العلماء خدموا الاسلام بكل اوقاتهم ولذلك مثل هذه المسائل لها مصادرها و علمائها ولكنه الآن اي شخص يتحدث عن ان هذا صحيح و هذا خطأ واصبح كل شخص يفتي . هل حديثك هذا يؤكد ان المحاكمة للاستاذ محمود محمد طه كانت في مجملها سياسية ؟ و الله قد تصل لهذا الاستنتاج ونحن من ناحية مهنية دائما ناخذ وجهة النظر المهنية و محمود محمد طه فعلا توفى في ظروف سياسية كانت ضده بالتاكيد وهذا لا يعني انني اتفق معه في افعاله ولكن كنا نعتقد انه كان لابد ان ياخذ فرصة للدفاع عن نفسه وان توجه له تهمة واضحة كان يقال له انت مرتد وهذا لم يحصل ولذلك هو لم يجب .. البعض يرى ان الاستاذ محمود محمد طه اوغل في التصوف ولذلك كانت مواقفه هذه .. ماهو رأيك ؟ هو فعلا لديه تصوف ولكن هنالك نماذج للمتصوفة ادخلهم تصوفهم في مشاكل وقد حوكم في ذلك الحلاج وقد حصل في زمن الجنيد ان كون الخليفة لجنة برئاسة قاضي القضاة لتحاكم المتصوفة و مثل الجنيد نفسه امام هذه اللجنة و ترك احد اتباعه وهو ابا الحسن النووي واجاب على الاسئلة ولكن التصوف ليس معناه ان اقول للناس اي معلومة ليس لها اساس في القرآن و السنة الشريعة لها بالظاهر .. ومسائل التصوف قد تكون فتن ولا يجب ان يتحدث فيها الناس بسهولة . العلاقة بنميري : يا مولانا خلف الله الرشيد ماذا عن علاقتك بنميري ؟ طبعا نميري درس بحنتوب وكنت اعرفه منذ تلك الفترة وعندما وقع انقلاب 25 مايو 1969 م كنت في الخارج وعندما ذكر الناس اسماء الضباط الذين قاموا بالانقلاب قلت لهم اني اعرف نميري وقد قررت ان اقابله وفعلا عدت بعد ايام قلائل من الانقلاب وطلبت مقابلة الرئيس وفعلا حدد لي موعدا بالقصر الجمهوري وقابلته وقدمت له النصح واذكر اني وجدته بالزي العسكري وقال لي انهم لم يبدلوه منذ ان قاموا بالانقلاب وبعد ذلك قال لي اني اريد منك وبابكر كرار و محي الدين عووضة ان تحضروا لي هنا في اي وقت لنتحدث ولكن بعد ذلك الظروف لم تمكننا من الذهاب اليه , وكذلك حصلت الخلافات المعروفة بينه و بابكر كرار , ولكن هذا الرجل – نميري – جاء بنية طيبة من أجل اصلاح الاوضاع الموجودة وهو واخوانه ولكن مشكلة هذا البلد ( عويصة ) اذ ان حوله تسعة دول وكل العالم مشغول بالسودان ونحن لدينا 3000 مليون فدان صالحة للزراعة وثروات كبيرة جدا ولذلك لن يتركوننا ننطلق وكذلك الحكومات التي حولنا جميعها ليست حكومات ديمقراطية ولذلك لن تتركنا ولذلك من غير المعقول ان لا تكون مصر قد أثرت في انقلاب نميري ولا حتى انقلاب عبود وهكذا لانه لا يمكن ان تقوم عندنا حكومة ديمقراطية بنظام ويستمنستر ومصر فيها طريقة حكم آخر وكذلك بقية الدول حولنا وكل هؤلاء لن يتركونا ننطلق حيث انهم كانوا جميعا يعيشون علينا وقد حكى لي الاخ مبارك عثمان رحمة وقد كان سفيرا في لاغوس عن ان حتى ( دموريتنا ) و ( سكرنا ) يباعان هناك فماذا نعمل ؟ وكذلك نجد ان الدول التي حولنا فقيرة ومشكلة السودان انه وسط هذه ( الهيصة ) لا يستطع ان يقوم بأشيائه لوحده لانه مشارك حتى في لقمة عيشه . هل كان نميري يتدخل في شؤون القضاء و الاحكام ؟ - لا .. الرئيس نميري لم يكن يتدخل ابدا في شؤون القضاء ولكنه كان يطلب معرفة ما يجري و الاطلاع عليه .. - ختاما .. - شكرا جزيلا مولانا خلف الله الرشيد ..
صحيفة الحرية 21 / 1 / 2002 دروب الحرية د- حيدر ابراهيم علي الفكر الجمهورى و الكتلة التاريخية ( 2 – 2 )
تجىء ذكرى استشهاد الاستاذ محمود محمد طه هذه المرة متزامنة مع قيام الاخوة الجمهوريين بمحاولة لتسجيل الجماعة الفكرية كحزب . حسب الاخبار التي اوردت ان طلباً قد قدم لمسجل الاحزاب بهذا الشأن . وكان لابد ان ينقطع تسلسل الحلقتين عن الكتلة التاريخية للكتابة عن المناسبتين او إعادة النظر في الحلقة الثانية لادراج هذا التطور الجديد . لأن الجمهوريين يمثلون محاولة رائدة للتجديد الدينى السياسى في السودان . وبالتالى يقدمون بديلاً يساعد في حوار الكتلة التاريخية وفي بنائها مستقبلا . و ياخذ علىّ الاخوه الجمهوريون تجاهل الحركة الجمهورية في الكتابات المختلفة , وهذا قول خاطىء وغير منصف ايضا لانهم دقيقون ومنصفون . فقد كتبت – تقريبا – أول دراسة موثقة منتصف السبعينات في ملحق ( الصحافة ) الذى كان يشرف عليه الشاعر محمد عبدالحى – عليه رحمة الله و الاستاذ يوسف عايدابى ثم مقالات اخرى بالاضافة لكتاب عن إعلام التنوير كان الاول عن الاستاذ محمود و المشكلة ليست في التجاهل ولكن في وجود نقاط تحتاج لنقاش و حوار وهذا ما يجيده الاخوان الجمهوريون وهذه مناسبة للتحية ولفتح الموضوعات المثيرة للجدل و الاختلاف و الحوار . الفكر الجمهورى و الحركة الجمهورية تقوم علي مكونات ثلاثية وهي فكرية وسياسية و صوفية رغم ان الأخير يمكن ان يضم للفكرى ولكن لهذا المكون بعض من الاستقلالية و التمايز خاصة وان المكون الصوفى يتجلى في السلوك العملى اكثر منه في الجوانب الفلسفية او التأملية . وهذا في تقديرى الخاص- اقوى – ما في التيار الجمهورى وهو الذي يجزبنى في الجمهوريين تلك الدرجة العالية و الراقية من التأدب و الاخلاق و التهذيب رغم العنف الذى تعرضوا له فهم حقيقة نسائم هجير السودان في الحياة و الفكر . فقد تحلوا و معهم الاستاذ بأخلاق المعصوم – حسب قولهم فهم قد ابتعدوا عن التعصب و العنف الذي ميز الحركات الاسلاموية في السودان مثل الاخوان المسلمين و السلفيين جميعاً . وكان منطق الاستاذ محمود رائعاً في مواجهة السلوك المعادي . حيث يقول ( كل زول يدى العندو هم عندهم العنف ونحن عندنا الفكر) ويقدم الجمهوريون نموذجا ( تربويا ) فريداً يستند علي الصوفية كمجاهدة متواصلة للنفس الامارة بالسوء و الصوفية طمانينة للإنسان الذي خلق هلوعاً كما إنتزعت عن الانسان السودانى التقليدى الذكورى ميله للقوة و الظلم الذي زودته به عقلية القبيلة . ومن هنا نفهم موقف الجمهوريين من استخدام العقل بدلا من العضل وايضا لماذا يعطون المرأة مكانة متساوية و محترمة . من اهم أسباب عدم تعرضي في بعض الكتابات السياسية للجمهوريين وهو عدم تفضيلهم – هم انفسهم – لاعتبارهم حزباً أو حركة سياسية بالمعنى السائد . ويمكن القول بان الجمهوريين تخلوا منذ الاستقلال عن فكرة منافسة الاحزاب السياسية التي نشات خلال نضال الحركة الوطنية و بالذات الاحزاب الطائفية ومنذ فترة قبل الاستقلال حاول الجمهوريون ان يتمايزوا عن الآخر و يقول احمد خير : ( لقد برهن رجال الحزب الجمهورى علي صدق عزيمتهم وقوة ايمانهم لذلك يتمتعون بأحترام الجميع كما برهن رئيسهم علي اخلاص و صلابة و شدة مراس , ولعل هذه الاسباب نفسها مضافة الي اختلاف اهدافهم هي التي جعلتهم يقفون في عزلة و انفراد ( كفاح جيل , الطبعة الثالثة 1991 , ص156 ) و بالتاكيد لم يكن يقصد حزب رجال الادارة الاهلية و الذي تبنى آنذاك نفس الاسم وقد كانت طريقة عملهم الحزبى مختلفة اذ لم تكن لديهم عضوية منظمة و اشتراكات واجتماعات . فهم حركة دعوية في حالة اجتماعات وعمل مستمرين . فكل وقت الجمهورى للفكرة و الحركة , وكنا نراهم في الجامعات و المعاهد العليا و المرافق العامة و نواصي الشوارع , وهم يناقشون و يروجون لكتبهم . و المهم في الوضعية السياسية – الحزبية للجمهوريين هي عدم اشتراكهم في أية انتخابات عامة كحزب حتي ولا ضمن قوائم الخريجين , وهذا ما يجعل المرء يبعدهم عن تصنيفات الاحزاب السياسية القائمة . ترتكز مساهمات الاستاذ محمود محمد طه الفكرية و السياسية في محورين : الأول : تجديد و تحديث التفكير الدينى و الشريعة الاسلامية و فكرة الدستور الاسلامى . الثانى : الدعوة للديمقراطية بمضمونها السياسى و الاجتماعى – الاقتصادى فهو ليس مجرد ليبرالى بسبب دعوته المتكررة للحرية . ولكن اقرب للديمقراطيين الاشتراكيين حيث تتكرر دعوته للاشتراكية مع رفضه للماركسية . وعلى المستوى الحركى كان العمل الجمهورى يسعى لتاكيد المحورين السابقين من خلال مهام محددة لازمت الجماعة منذ قيامها منتصف الاربعينات وهي مواجهة الاستعمار و الطائفية و الفكر السلفى المتخلف ( كتاب الشؤون الدينية تحمي العلماء المؤتمرين من الافكار الجمهورية 1981 ص 10 ) وبعد الاستقلال وجلاء المستعمرين بقيت الطائفية وافكار الاخوان المسلمين الذين يمثلون في نظرة السلفية بالاضافة لبعض العلماء الرسميين العاملين في مصلحة الشؤون الدينية . وهذا يعني ان الفكر الجمهورى قد تصدى لمهمة صعبة ستجلب العداوات بسبب نفوذ تلك القوى على المستوى الرسمي و الشعبي وكان الجمهوريون قلة ولكنها فئة مليئة بالصدق و الفكر , بينما الآخرون اغلبية نافذة و منتشرة في كل الحياة العامة السودانية , وهذا تطلب عملاً فكرياً وسياسياً لا ينقطع قام به الاستاذ محمود بالكتابة المستمرة و ملاحقة الاحداث و التعليق عليها ونشر الوعى حتى بالنسبة لتفاصيل كثيرة واصدر الجمهوريون عشرات الكتب و النشرات و الكراسات التى عالجت موضوعات تمتد من الصلاة والرسالة الثانية حتى الفنون والمرأة . يحتاج مثل هذا الكم الهائل من الكتابات والمناقشات الي توقف عند المنهج و الأسس النظرية . فمن البداية اعتمد الاستاذ محمود ومن بعدة الجمهوريون علي التاويل في فهم القرآن الكريم . وبالتالى في اقامة نظريتة التجديدية يقول الاستاذ في رد علي سؤال عن قدرة الدكتور مصطفى محمود تفسير القرآن , ومهما يكون من الامر , فان البشرية اليوم لا تحتاج الي تفسير القرآن وإنما تحتاج الي تأويله ( كتاب القرآن ومصطفى محمود والفهم العصرى ص 17 ) وهنا تواجه الحركة و الحزب اشكالية هل يمكن ان يكون التأويل جماعياً ام مجرد نظرة فردية لا تقوم علي العقل تماما بحيث يمكن الاتفاق حولها او الاجماع ؟ فالموقف العقلانى يمكن ان يجمع بعض الناس عن طريق الاقناع و المنطق و الحوار . ولكن الاستاذ يؤكد في مواقع كثيرة عجز العقل . وهكذا يتراوح التأويل بين الباطنى و الظاهرى في احيان كثيرة وقد بقي مجرد انطباع ذاتى وليس حقيقة موضوعية خارجية يمكن تعميمها واثباتها و احياء تجريبها معمليا او احصائيا او واقعيا . يكرر الاستاذ في نقاشه مع مصطفى محمود القول ( وأس هذا الخطأ الاساسى الذي يتورط فيه الدكتور انما هو ظنه ان اسرار القرآن تنالها العقول، ويسبرها الفكر.. والذى عليه من أوتوا بصراً بهذا الأمر هو أن أسرار القرآن من وراء العقول .. وانه لا يشم شميمها الا من استطاع ان يرفع عن قلبه حجاب الفكر, وذلك باتقان العبادة في تقليد محمد في اسلوب عبادته وفى ما تيسر من أسلوب عادته، ذلك بان العبادة وسيلة الى الفكر, وان الفكر وسيلة الى رفع حجاب الفكر ( ص 10 ) ورغم ايمانه بكرامة العقل – كما يقول – الا انه يتبنى قول الفقهاء – ان الدين فوق العقل , وان الله فوق العقل , وان العقل عاجز , قاصر عن فهم مغاليق الوجود } (ص12 ) . ليس مقصدي في هذا النقاش الولوج الي مجاهل فلسفية و فقهية معقدة . ولكنني اردت ببساطة التساؤل عن وسائل و مناهج الحركة حين تعمل كحزب سياسي . في فهم المجتمع و الانسان ؟ هل يكفي التأويل ام لا بد من فصل بين تأويل باطني و ظاهرى ثم الاهم في ذلك الفصل بين وسائل عديدة للفهم يعتبر الدين واحدا منها فقط وليس الوسيلة الوحيدة المطلقة الا علي مستوى العبادة الشخصية و علاقة الانسان بربه . فالكتلة التاريخية تحتاج الي الفكر الجمهورى كمكون اساسي في عملية الخروج من الازمة الحالية علي شريطة ان يجمع بطريقة جدلية و ليست توفيقية بين الاغراق في دينية الاسلامويين و السلفيين من جهة . وبين الفصل العشوائى بين الدين و الواقع لدى من يسمون علمانيون فقد احسن في بعض الاحسان ان الجمهوريين في بعض تأويلاتهم وكانهم يحاولون الغاء أو ابعاد العقل باستخدام العقل نفسه , وهذه معادلة شديدة الصعوبة . المطلوب من الحزب الجمهورى و الحركة الجمهورية عموماً فهماً عصرياً للدين يرتفع من الواقع الي الدين وليس العكس كما يقول الاسلاميون تماما و الجمهوريون احيانا . فالتجديد المطلوب هو البحث عن مرجعية او رؤية مستقبلية في الدين لكي تنعكس علي الواقع , فالاسلاميون – الجبهة القومية وحلفاؤها – وقعوا في الاغتراب التاريخى او الزمني حين يحاولون فرض مجتمع تاريخى سابق علي واقع و مجتمع جديدين . فخرجوا عن التاريخ واصطدموا بمجتمعاتهم وشوهوا الدين و الشريعة وادخلوا البلاد في مازق واخطاء ستعاني منها لسنوات طوال ومن ناحية الاخوة الجمهوريين , فقد وقعوا في اخطاء سببها تفسيرات و مواقف مطلقة اي غير نسبية أى توضع في سياقها الاجتماعي – السياسى او التاريخى الصحيح . اورد خطأين حيويين اضرا بالحركة الجمهورية بسبب الفهم المطلق للسلام و الآخر معاداة الطائفية . فقد ايد الجمهوريون الصلح مع ( اسرائيل ) مبكراً لأسباب ليست سياسية بحتة , منها موقفهم من الحرب و العنف كذلك رؤية الاصول المشتركة للديانات التوحيدية او الابراهيمية , وقد يقول قائل ان الحاضر اثبت ضرورة السلام , ولكن في الحالتين لا يوجد سلام مع استمرار ضعف العرب و غطرسة القوة اما الخطأ الثانى فقد كان تأييد النميري لانه ضرب الطائفية في البداية ولو علي حساب الديمقراطية , وحين استوجبت مصالح النميري غير ذلك , عاد و تحالف مع الطائفية , و الاخوان وتجرأ تحت تاثير الاخوان او جماعة الترابي ووصل الي حد اعدام الاستاذ عام 1985 فالجمهوريون في حاجة اكبر الي قدر من السياسة الواقعية وهي ليست بالضرورة الانتهازية او غير المبدئية , بل السياسة العلمية المفكرة . يمكن ان يمثل الجمهوريون داخل الكتلة التاريخية دور اليسار الاسلامى او لاهوت التحرير كما ظهر في امريكا اللاتينية ولديهم من الادبيات ما يجعلهم مؤهلين للوصول الي فهم جديد للدين في مجتمع جديد فقد اشتملت كتاباتهم علي جميع القضايا التي واجهت السودان بعد الاستقلال , عليهم فقط مراعاة فروق الزمن و التطورات العالمية ففي عام 1946 قدم الجمهوريون دستوراً للبلاد قد يكون صالحا حتي الان كاطار عام وكذلك كل القضايا السياسية و الاجتماعية تحتاج الي نظرة جديدة و جماعية وهذا هو التحدى الاخير . فالسؤال الذي يطرحه الكثيرون بعضهم بخبث وآخر بصدق وامل . ماذا يستطيع الجمهوريون ان يضيفوا للفكر في السودان بعد اغتيال الاستاذ محمود محمد طه ؟ هم يمتلكون الارضية الصحيحة , الرغبة في تفكير جديد ثم العمل علي ضوء هذه الفكرة الجديدة ليس علي مستوى السلوك الفردى او الشخصى بل علي مستوى اصلاح ووعى المجتمع . واقترح ان تكون البداية بطرح برنامج سياسى فكرى متكامل ثم الدخول في حوار مع كل القوى الحية و الراغبة في تحديث ونهضة السودان . مناسبة استشهاد الاستاذ محمود هي فرصة نقاش عناصر يمكن ان تكون مفيدة في تجسيد وتحقيق فكرة البحث عن بديل لما هو قائم . وقد نبدأ خطوة عملية في لقاءات حوار مستمر حول موضوع الكتلة التاريخية ككل .
صحيفة الحرية 10 / 1 / 2002 مسارب الضي الحاج وراق
أفرد مسارب الضى لرسالة من الاستاذ/ ابراهيم يوسف: كان الاخ الكريم الحاج وراق قد نشر مقاله الرصين بعموده مسارب الضى عن الاستاذ محمود محمد طه والقيمة الانسانية العليا لمواقف وحياة ورحيل الاستاذ محمود وقد استطاع ان يذكرنا بان الاستاذ كان نموذجاً انسانياً طليعياً حقق فرديته المتميزة رغم حصار المجتمع التقليدي و مسخه لفرديات الأفراد ... وذلك عن طريق ممارسة الاستاذ للحرية الفردية المطلقة بثمنها وهو حسن التصرف فيها .. إذ كان الاستاذ كما قال الحاج يفكر كما يريد ويقول كما يفكر ويعمل كما يقول ثم لا يكون في كل ذلك إلا براً بالأحياء و الأشياء ... و اذا كانت المجتمعات التقليدية تمسخ الفرد و تحوله الى صدى للرأي العام و العرف الجماعي فإن الحضارة الغربية رغم أنها تعني ( الحداثة ) عند الكثيرين فإنها هي الأخرى ( حضارة الجماعات التي تطوع الفرد لنظامها ) وتعتبره سنة في الدولاب الكبير ... ولذلك فإن الاستاذ محمود لا يدعو للإسلام من منطلق العقيدة وإنما من منطلق أن الاسلام في مستواه العلمي اذا فقهناه هو الوارث لايجابيات التراث و التطور ومتوج لها ( مصدقاً لما بين يديه من الكتاب و مهيمناً عليه ) .. ومن هذا المنطلق يدعو الاستاذ لمدنية ( الفرد الذي يتوسل بوسيلة الجماعة ليحقق حريته الداخلية وليمكن رفقاءه من ان يحقق كل منهم حريته هذه الداخلية ) ولذلك قال ان الفردية ( هي جوهر الأمر كله وهي التي عليها مدار التكليف ومدار التشريف وقد وكدها الاسلام توكيداً ( إذ لا تنصب موازين الحساب يوم تنصب إلا للأفراد ) و ( ونرثه ما يقول ويأتينا فردا ) ويذكرنا الاستاذ بأن الفردية هي غاية الحياة وغاية الدين ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة ) .. ولذلك يرى الاستاذ ألا يتقاضى المجتمع من حرية الفرد إلا القدر الضروري لصيانة المجتمع الصالح الذي يقوم على المساويات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ... وأن يتم هذا التقاضي بقانون دستوري يوفق في كل اجراءاته بين حق الفرد في الحرية الفردية المطلقة وحق المجتمع في العدالة الاجتماعية وان يقوم المجتمع فى القمه على رأى عام سمح لا يضيق بأنماط الشخصيات المتباينة لأنه يرمي إلى تربية الفرد الذي ينماز عن القطيع بأصالة و بفردية , وليحسن الفرد التصرف في الحرية المطلقة ) يدعو الاستاذ الأفراد للسلوك الذي يخلصهم من المعايب و الرواسب ( التي جعلت الفرد بحاجة الى رقيب عليه غير ضميره ليهذبه ويقومه ) ويقول الاستاذ ( و الخوف من حيث هو , هو الأب الشرعي لكل آفات الأخلاق ومعايب السلوك ولن تتم كمالات الرجولة للرجل وهو خائف ولا تتم كمالات الانوثة للأنثى وهي خائفة في أي مستوى من الخوف, وفي أي لون من ألوانه فالكمال في السلامة من الخوف. ) .... ونختم فقرات أقوال الاستاذ بقوله ( فالشريعة الجماعية ليست أصلاً , وانما الأصل الشريعة الفردية ذلك وبنفس القدر الذي به الجماعة ليست أصلاً وانما الأصل الفرد لكن الناس لكثرة ما الفوا المعيشة في الجماعة ولشدة أثر غريزة القطيع عليهم ظنوا الأمر بعكس ذلك فانت تراهم يستغربون و يستوحشون عندما تكلمهم عن الشرائع الفردية ولأمر آخر أيضاً فان الشريعة الفردية مرتبة رجولة ومرتبة مسؤولية والناس لايزالون أطفالاً يحبون ان يحمل غيرهم عنهم مسؤوليتهم ويطيب لهم أن يظلوا غير مسؤولين , وهم إن حتملوا المسؤولية انما يحتملونها في القطيع وعلى الطريق المطروق.. أما أن يكون المسؤول وتراً وأن يطرق طريقاً بكراً فإنه أمر مخيف و لا يجد في النفوس استعداداً و لا ميلاً لكل ذلك فإن دعوة الاستاذ محمود لبعث الاسلام هي دعوة لبعث قيم الاسلام الانسانية العليا بالقدوة و التربية، فهل يعي ذلك الدعاة، أم فتنهم حب السلطة لدرجة إستغـلال عواطف شعبهم الدينية لتحقيق طموحاتهم السياسية. ابراهيم يوسف
صحيفة الحرية 19 / 1 / 2002 سكناب ابوبكر الأمين
في أحد منازل الأخوة الجمهوريين بمدينة كوستى عقد (مؤتمر) مدينة كوستى بحضور الاستاذ محمود محمد طه وكان المؤتمر يقوٌم حصيلة حملة الكتاب و الدعوة التي قاموا بها في المدينة وقد اختتم المؤتمر بقول للاستاذ محمود محمد طه ( أن مفتاح هذه المدينة الآن بيدكم ) .. لقد أتاح الاخوة الجمهوريون لي الفرصة لحضور المؤتمر و الجلوس لسماع المداولات وربما كانت هذه واحدة من الفرص النادرة ان يتاح لشخص منتم لحزب سياسي حضور جلسات تنظيمية لحزب آخر تدخل في صلب عمله الداخلى وليس عمله الجماهيرى العلنى العام , وما كان الجمهوريون يعتمدون مثل ذلك التقسيم فدعوتهم مفتوحة الابواب وكادرها كله علنى , وكادرها السرى كما كان قال لى صديق منهم هو ( التوفيق الالهى) الذي يعمل سراً لنصرتهم ... ولايفوتنى أن أذكر هنا أن الذين كانوا وراء دعوتنا للجلوس في ذلك الاجتماع رهط من جمهوريي الجامعة وعلى رأسهم الأخ احمد المصطفى دالى وكذلك الأخ النور محمد حمد ... كانت جلسات المؤتمر تتضمن عرض تجارب العمل التي تصادف الافراد من الدعاة وهم يقابلون الناس في الشوارع و يدعونهم الي الفكرة الجمهورية ومن بعد كل فرد يعقب الاستاذ محمود ويعلق على التجربة وبالتاكيد لايخلو التعقيب من ملاحظات وتوجيهات ولقد اذهلنى ذلك القدر العظيم من الصبر الذى كان يتحلى به هذا الرجل في الجلوس و السماع والتأمل و التوجيه . انظر الى هذه الجدية التي كان يعطيها للفكر و للتنظيم الذي هو مجموعة دعاة من حملة هذا الفكر , ولا اعتقد أن زعيماً سياسياً سودانياً واحداً كرس عمره بمثل هذه الكثافة لما كان يعتقد , وأنا أقول هذه الكلمات ليس من واقع تلك الساعات التي جلست فيها في حضرة ذلك الشيخ ولكن من مجمل ما سمعت وما علمت من الشهود الذين هم بلا حصر ولا عدد عن ميزات ذلك الرجل الذي تضيق عن وصفه الكلمات , وتلك جدية لو قسمت علي ما لدينا من زعماء لكفتهم وانصلح حال البلاد وفاضت . في ذلك العام وبعد ذلك المؤتمر وتلك الجلسات ربما تملكني احساس بأنني أكثر معرفة بالجمهوريين واقرب الي معرفة طريقة تفكيرهم وقد كانوا يحملون لي وداً كثيراً رغم اختلافنا الذي كان علي مشهد من طلاب جامعة الخرطوم الذين كانوا يتحلقون حول منبر , بل ركن نقاش احمد المصطفى دالى , وكان الجمهوريون يقولون لمن يودون ( انك لمرجو فينا ) وكان خصومهم كاشخاص محل المحبة بينما فكرهم محل الحرب . كنت قلت في ذلك الوقت ان مفتاح هذه المدينة ( كوستى ) هو بيد نقاباتها التي كان لليسار موقع فيها , لكن الزمان اثبت أنه لا الجمهوريين ولا الشيوعيين كانوا يمسكون بمفتاح المدينة , بل ان مفتاح البلاد كلها كان بيد أهلها الذين هبوا في عام 1985 واقتلعوا نظام نميرى وكان الفداء الذى جسده محمود واحداً من مفاتيح مدن مستقبلنا القادم .
صحيفة الحرية 2 /12 / 2001 متصوف ومفكر . . . قتلته السياسة ! ! !
أجرت جريدة الحرية حوار مطولا مع الشيخ الجليل عوض الشيخ لطفى شقيق زوجة الاستاذ الشهيد محمود محمد طه وقد أجرى الحوار الصحفى القدير الاستاذ زين العابدين العجب الذى استطاع بذكائه المعهود ومقدرته العالية على ادارة الحوار ان يجعل مضيفه يخرج كل ما عنده من ذكريات حملت في طياتها الكثير من المعلومات والحقائق و المواقف خاصة تلك التى تتعلق بالاستاذ الشهيد . وقفت طويلاً عند حديثه عن الاستاذ الذى احمل له الكثير من الاحترام والتقدير خاصة ومعرفتى به تعود الى اوائل الستينات واذكر وقتها أنه جاء الى مدينة الجبلين ليباشر عمله كمهندس باحد المشاريع الزراعية نزل ومعه بعض معاونيه من العمال باستراحة تقع بالقرب من الجبل وعندما علم والدنا الشيخ الطاهر الرشيد عليه رحمة الله وهو من كبار رجالات الانصار وقد عمل وكيلا للامام الراحل السيد عبدالرحمن المهدى ثم وكيلا للامام السيد الصديق المهدى عليه رحمة الله واخيرا وكيلا للامام الشهيد الهادي المهدى الى ان توفاه الله في 1968 م . عندما علم والدنا بذلك ذهب اليه وأحضره ليقيم معنا بمنزلنا طيلة فترة تواجده بالجبلين ومنذ ذلك الوقت ظلت علاقته بالاسرة حميمة ولصيقة لقد كان رجلا شديد التواضع عف اللسان يحب اهل الذكر و الذاكرين واسع الثقافة عميق الفكر شديد الذكاء عندما يتحدث عن المصطفي صلى الله عليه وسلم يصفه بالمعصوم , يحب الفقراء والمساكين ويحسن اليهم ولا يدخر شيئا لنفسه لا ينام حتي يتوضأ ويضع رأسه تجاه القبله اذا سمع القرآن او المديح فاضت عيناه بالدموع . لم تنقطع زيارتى له حتى عندما ترك مدينة الجبلين واستقر لبعض الوقت بمدينة كوستى ثم تكررت زياراتى له عندما انتقل لمسكنه الكائن بمدينة الثورة الحارة الثانية محطة شندى وكنت كلما ذهبت اليه اجد منزله عامراً بالضيوف من كل الاجناس وهو جالس بينهم بالعراقي واللباس الطويل والطاقية ومتلفحاً بالثوب البنقالي والابتسامة لا تفارق شفتيه . معظم حديثه عن الاسلام وعن المعصوم المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يحرج احدا ولا يسئ لاحد على الرغم من رأيه الواضح والصريح عن جماعة الهوس الدينى يعتمد في حواره على الفكر والحجة والاقناع ولا يخشى في الحق لومة لائم قلبه ملئ بالرحمة والعطف . ذهبت اليه مرة لأخبره بوفاة شقيقي الاكبر الرشيد فبكى الرجل في حرقة حتى اشفقت عليه . كان صاحب رأى واضح وصريح لايجامل ولايهادن الف العديد من الكتب اهمها كتابه ( تعلموا كيف تصلون) ويكفي ان الدكتور عبدالله الطيب شفاه الله قد رثاه في قصيدة ارسلها من المغرب حيث كان يعمل في ذلك الوقت هناك خصومه يقولون عنه بانه ينادي برسالة جديدة للاسلام وبانه نبى هذه الرسالة وينسبون اليه اقوالا لم يقلها ولم تنشر في كتبه . لقد سألته أنا شخصياً وعلمت منه بأنه ينادى بفهم صحيح للاسلام يتفق وظروف العصر الذى نعيشه الآن وبالطبع فإن المعلوم لدينا جميعا هو ان الاسلام دين لكل العصور وهو يحمل في داخله عوامل تجدده لكن الامر يحتاج لفهم عميق وادراك صحيح . لو قدر لنا ان نستمع للرجل ونجادله بالتى هي أحسن دون اكراه لتمكنا من الوصول الى خلاصة فكره ان ما كان يحدث في مصر وما يحدث الان في الجزائر وافغانستان المسلم يقتل اخاه المسلم كل ذلك يتم بأسم الاسلام حتي نحن هنا في السودان تعرضنا لمثل ذلك وما حدث في مسجد انصار السنة بالثورة والجرافة خير دليل واقوي برهان بان الرجل كان على حق عندما حذر من جماعة الهوس الدينى وبدلا من ان يستمعوا للرجل ذهبوا به الى المقصلة وهو يوزع ابتسامته المعهودة على الجميع. والمدهش حقا انه عندما جاءت مايو للسلطة ظل الرجل يواصل نشر كتبه ويقيم الندوات دون ان يتعرض لأى شئ واستمر الحال هكذا لاكثر من عشر سنوات حتى جاءت قوانين سبتمبر فاصدر الرجل منشوره الشهير منتقداً تلك القوانين فتم اعتقاله مع بعض انصاره وهذا يعنى بان التهمة في اصلها سياسية ولكن اراد لها البعض ان تكون غير ذلك حتي يتمكنوا من التخلص منه خاصه وقد عرف بعدائه الشديد لهم فكان لهم ما أرادوا لذا استطيع القول بان الاستاذ الشهيد متصوف ومفكر قتلته السياسة لكن عند الله سبحانه وتعالى يلتقى الخصوم . لقد ذكر الدكتور خليل عثمان عليه رحمة الله ان الاستاذ الشهيد كان عمره 76 عاما عندما تم اعدامه ولم يمكث جعفر نميري في السلطة بعد مقتله اكثر من 76 يوماً . عزيزى القارئ لا تعجب وانت تقرأ هذا المقال بان يكتب احد الذين ينتمون لكيان الانصار العظيم وهو شخصى الضعيف يكتب عن رئيس الحزب الجمهورى الشهيد الاستاذ محمود محمد طه أنها الحقيقة نعم الحقيقة هي التى انطقت قلمى فكم من برئ قادته السياسة الى المقصلة .. نعم السياسة عندما تتحول من قوة للبناء و الإعمار والتقدم الى قوة للبطش و الارهاب و الطغيان وعند الله سبحانه وتعالى يلتقى الخصوم وعندها فقط سيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون لن تفيدهم أجهزة الأمن التى كانوا يعتمدون عليها لإلحاق الأذي بالآخرين ولن تفيدهم محاكم العدالة الناجزة التى روعت الناس وأشانت سمعتهم ,, لن تفيدهم القوانين التى وضعوها من أجل احكام قبضتهم على رقاب الناس ومن اجل ان يستمروا في السلطة مهما كان الثمن كل هذا لن يفيد بل سوف يكون وبالا عليهم لانه في تلك اللحظة يكون الجميع امام الحق المطلق والعدل المطلق الذى لايترك صغيرة ولاكبيرة يكون الجميع امام الله سبحانه وتعالى الحكم العدل القاهر فوق عباده .
بقلم : احمد الطاهر الرشيد
|
|||||||||||
|