(إن الحكومة بجهلها وعجزها، مسئولة عن نشر الشيوعية في البلاد، وإن هذه الأساليب الجاهلة في محاربتها، قد أكسبتها عطف كثير من المواطنين المثقفين.. ولقد عاش الحزب الشيوعي تحت الأرض طوال العشرين سنة الماضية، فلما استعلن، بعد ثورة أكتوبر، إكتسح دوائر الخريجين إلا اثنتين.. ثم هل تعلم هذه الحكومة أن الشيوعية فكرة قد خضع لها خضوعاً مباشراً، وغير مباشر، نحواً من نصف العالم، وأنها لا تحارب بالقوانين الجاهلة التي تضطهد أتباعها وإنما تحارب بالفكرة وأن الإسلام الذي تمسخه هذه الحكومة في حزبيها الطائفيين هو وحده الذي يصد تيار الشيوعية، ويخلص من ربقتها رقاب المُضَلّلين بها في هذه البلاد، وفي بلاد الله الأخرى؟ ولكن الإسلام الحق إذا نشر بين الناس فإن الخلاص سيتم من الطائفية ومن الشيوعية في نفس الوقت وهذا أمر يزعج الطائفية، والتي عاشت على تضليل الناس بإسم الدين، أكثر مما يزعج الشيوعيين.
البلاد اليوم في موقف سياسي أسوأ مما كانت عليه في عام 1958 حين فقدت حريتها للعساكر، ويزيد سوء هذه الحالة أن حكومات ما قبل 1958 لم تهبط بالبلاد من أوج عال كالذي هبطت بها منه حكومات ما بعد أكتوبر المجيدة، وعلى الأخص الحكومة الحاضرة)
(وأنت لا تجد دليلاً على تقرير هذه الحقيقة أبلغ من محاولة للإنقلاب يقوم بها، بعد ثورة أكتوبر وما لقنت الحكم العسكري من درس ـ ملازم ثان لا يعرف حتى عن الجيش وعن أسلحة الجيش ما يجعله ضابطاً، وبجنود من المستجدين الذين لم يتقنوا الطوابير.. حقاً إن مثلنا ومثل هذه المحاولة الصبيانية كالذي عنى الشاعر حين قال:
لقد هزلت حتى بدا من هزالها * كلاها وحتى سامها كل مفلس
إن هذه المحاولة الفجة بالغة الدلالة على مبلغ النكسة التي أصابت البلاد، بعد ثورة أكتوبر، على أيدي حكومات ما بعد أكتوبر، وبخاصة هذه الحكومة الحاضرة.. ومن واجب الشعب نحو نفسه ألاّ ينسى هذه المحاولة، وإن كان من واجب هذه الحكومة نحو نفسها أن تنساها، وتحاول أن تجعل الناس ينسونها..
ألم يأن لهذه البلاد أن يقوم فيها بأمر الله قائم، يحلم أحلامها، ويحس إحساسها، ويحيا مشاكلها، ثم هو قادر أن يثير في شعبها النبيل خصائصه الكوامن التي تجعله يسير إلى مشارق النور ومشارف الحضارة؟ بلى فإن ليل التضليل والمضللين قد طال، وقد آذن بزوال "إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب")..