إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية - الكتاب الاول

الجمهوريون يلقون بكلهم في المعركة


لقد شهدنا آنفا كيف بدأ النشاط السياسي من خلال المؤتمر وأحزابه حبيسا بين جدران مكاتب المؤتمر ودواوين الحكومة ، لم يزد على تبادل المذكرات بين الجانبين ، فكانت خطوات زعماء المؤتمر مكبلة بتوجس وحذر شديدين .. وكان الميدان السياسي يعاني فراغ الفكرة ، وفراغ الحماس .. فرأى الجمهوريون أن يملأوا أولا فراغ الحماس ، وان لم يغب عنهم أمر الفكرة ، فاندفعوا في مواجهة صميمة يوزعون المنشورات الموقعة باسمهم ، ويلقون الخطب السياسية على الشعب في أماكن وجوده .. في الميادين العامة ، في المقاهي ، وحيث وجدوه يبصرونه بقضيته ويثيرون حماسه ضد الأستعمار ، فانزعج الأنجليز لهذا الأقدام وهذه الصلابة ، في مواجهتهم فهبوا لكبت الجمهوريين واسكات صوتهم ، ولكن الجمهوريين صمدوا ، وأروا الانجليز أنهم لايهابون سجنهم وارهابهم ، بل رفضوا أن ينصاعوا لأمرهم بوقف النشاط السياسي ، وفضلوا السجن في سبيل ذلك .. فلقد اعتقل الأستاذ محمود وكان في معتقله أكثر مواجهة للأنجليز مما اضطرهم لاطلاق سراحه قبل تمام مدة الحكم المقررة ، فقد خرج من السجن بعد خمسين يوما بلاقيد ولاشرط ..

صورة خطابي استدعاء البوليس للتحقيق مع الأستاذ محمود


نثبت فيما يلي صورة الخطابين الموجهين للأستاذ محمود : الأول من البوليس للتحقيق معه في شأن نشاطه السياسي ، والثاني من قاضي الجنايات للمثول أمام المحكمة لمواجهة الأتهام بالنشاط السياسي وتوقيع تعهد بالكف عن ممارسته النشاط ضد الحكومة :
((
CID/36.H
Criminal Investigation Department
P.O.Box 288 Khartoum,
24 March, 1946
Mahmoud Mohed Taha,
Merchant, Omdurman,

Dear sir,
You are hereby required to attend at the C.I.D office at 9 a.m on 25/3/46 to answer questions respecting some circulars purporting to have been issued by the
Republicans. Please acknowledge receipt of the letter

Yours Faithfully,
(G.E.S Price)
Superintendent, C.I.D.


Summons on information of a probable Breach of the peace.
(see sections 81 and 84)
To Mahmud Mohed Taha,
Contractor, Omdurman.
Whereas it has been made to appear to me by credible information that you have issued a pamphlet which is deemed to be likely to excite feelings of disaffection to the government and to lead to a breach of the peace or to disturb the public tranquility:
You are hereby summoned to attend in person at the Police Magistrate’s Court on the 2nd day of June, 1946 at 08:45 a.m to execute a bond for £s 50 and also to give security by bond of one surety in the sum of £s 50 that you will keep the peace and refrain from illegal acts likely to disturb the public tranquility for the period of two years or to show cause why you should not execute such bond and give such security.
Dated this 29th of May, 1946
W.C. McDowell
Police Magistrate, Khartoum
))


ترجمة الخطابين


(( مكتب التحريات الجنائية
36هـ/م.ت.ج
ص.ب 288 الخرطوم
في 24 مارس 1946م

محمود محمد طه
تاجر
أم درمان

السيد المحترم
بموجب هذا مطلوب حضورك بمكتب التحريات الجنائية الساعة 9 صباحا يوم 25/3/46 للاجابة على اسئلة تتعلق بمنشورات يعتقد انها صدرت عن الجمهوريين … أرجو التكرم بالتوقيع باستلام هذا الخطاب.

المخلص
ج.أ.س برايس
ملاحظ، مكتب التحريات الجنائية

"ورقة تكليف بالحضور للأدلاء بمعلومات تتعلق باحتمال الاخلال بالسلام"
"انظر المادتين 81 و 84"
الى محمود محمد طه، مقاول، أم درمان.
بما انه قد تبين لي بمعلومات موثوق بها انك قد اصدرت منشورا يعتقد انه من المحتمل أن يثير الشعور بالكراهية ضد الحكومة ويؤدي الى الاخلال بالسلام، أو الى ازعاج الطمأنينة العامة.
فأنت بموجب هذا، مطلوب حضورك شخصيا للمثول أمام محكمة الجنابات في اليوم الثاني من يونيو 1946 الساعة 8:45 صباحا لتوقع على كفالة مالية قيمتها خمسون جنيها، وأيضا لتوقع على كفالة بواسطة ضامن واحد بمبلغ خمسين جنيها على أن تحفظ السلام وتمتنع لمدة سنتين عن القيام بالاعمال غير المشروعة والتي من المحتمل أن تخل بالطمأنينة العامة، أو تبين السبب الذي يمنعك عن التوقيع على هذه الكفالة وهذا الضمان..

بتاريخ اليوم التاسع والعشرين من مايو 1946
و.س ماكدوال
قاضي جنايات، الخرطوم ((

* يلاحظ في خطابي البوليس وقاضي الجنايات تعمّد الانجليز تجاهل مخاطبة الاستاذ محمود بوصفه رئيسا لحزب .. فقد خاطبوه في الخطاب الأول بأنه "تاجر" وفي الخطاب الثاني بأنه "مقاول" !! ولكن أي تجارة هذه، وأي مقاولة، تلك التي تقض مضاجع الاستعمار، حتى يحاول أن يكمم الافواه ويغيّب الاحرار بين جدران الزنزانات!؟