بسم الله الرحمن الرحيم
((قل هذه سبيلي، أدعو الى الله على بصيرة، أنا ومن أتبعني، وسبحان الله، وما أنا من المشركين..)) صدق الله العظيم
مقدمة
هذا الكتاب يحمل ردا من أحد الأخوان الجمهوريين، على مقال للكاتب المصري محمد عبد الله السمان، ورد بجريدة الأهرام المصرية، بتاريخ 16/4/1976م تحت عنوان
((بلاغ الى كل من يعنيه الأمر – الأخوان الجمهوريون يتحدثون عن رسالة الإسلام الثانية..
)) ولقد رأينا نشر المقال وما ورد عليه من رد، على القارئ السوداني، الذي قد لا تتوفر له كثيرا فرص الاطلاع على ما يدور في الصحف المصرية، ذلك ليجد الفرصة لمتابعة أمر هذه الدعوة، المستبصرة، والعلمية، للدين، وليواكب المجهود الفكري، والثقافي، الواسع، والمتصاعد الذي تقوم به، في شتى الجبهات، هادفة، الى اذكاء الثورة الفكرية، والثقافية، التي بها تنفتح أبواب التاريخ، وأبواب العالم جميعها، للإسلام من جديد..
ولقد عرفنا في هذا المقال للسيد محمد عبد الله السمان فضيلة، لا يشاركه فيها كثير ممن يتحدثون باسم الدين، وهي أنه نقل من كتابنا نقلا أمينا، الى حد كبير.. فإنا، وبالتجربة الطويلة، وجدنا أن أقل الناس أمانة، وأقلهم حرصا على الصدق، وأكثر الناس حرصا على اتهام الآخرين، بلا ورع، هم من يسمون
((برجال الدين
)) – من وعاظ، وأئمة، وفقهاء.. الخ فقد أوسعوا أفكارنا تشويها، وتحريفا، وبرعوا في الاستخراج الخاطئ، والنقل المخل.. وحتى الآن فإنا لم نجد من يعترض منهم اعتراضا حقيقيا على دعوتنا!! ذلك بأنهم حينما يعترضون إنما يعارضون ظنونا نسجتها أوهامهم عنا.. وفي أحسن الاحوال، يعارضون أشياء فهموها فهما خاطئا، لتعجّلهم، ولعدم اصطناعهم الروية، والنظر الدقيق.
ولقد نعينا على السمان أنه، وبعد أن نقل، بقدر كبير من الأمانة، حديثا مفصل، في قضايا خطيرة، ودقيقة، تخص الدين، ذهب للاتهام غير المسبب – ولم يبد رأيا مفصلا، ولا مجملا، فيما نقل، ولم يواجه آراءنا، وانما قفز منها الى اتهامات مغايرة تماما لما نقل من مقدمات، مما جعل مقالته واضحة الخلل، كمقالة صحفية.. فهي غير مكتملة، وغير علمية.. والأمر الهام الذي يجب أن يدرك هو أن هذه الدعوة، إنما تستند، وتأخذ محتوياتها، من أصول آيات القرآن، ومن عمل النبي الكريم، عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم وهي بذلك تقيم الحجة على كل الناس.. والقرآن، وعمل النبي، سندان، من استقبلهما بفهم قوي، ووعي شامل فقد أدرك الحق، وأفحم معارضيه من المبطلين.. ان أمل الانسانية اليوم معقود بهذا الفهم العلمي القوي للإسلام الذي تقدمه هذه الدعوة.. فالبشرية اليوم تواجه تحديات كثيرة تدفعها دفعا الى احضان الله.. ولكنها عن صور الدين التقليدية التي تطلب القبول والاذعان نافرة.. وهي إنما تريد الدين مقنعا للعقول، ومطمئنا للقلوب بمقدرته على التمييز، وبقوته في الفكر، ثم بإنجازاته الملموسة للأفراد والجماعة.. ولذلك هي لن تستجيب للدين الا في المستوى العلمي منه.. هذا المستوى العلمي من الدين لا نجده الا في الإسلام.. فقد كان قصارى جميع الاديان مرحلة العقيدة.. بينما تسنى للإسلام الجمع بين المرحلتين: مرحلة العقيدة، ومرحلة العلم.. وصار بهذا، القمة التي تلتقي عندها الأديان جميعا.. والاختلاف بين مرحلتي العقيدة، والعلم، هو أن العقيدة إنما تقوم على الايمان، فهي مرحلة اذعان.. والمرحلة العلمية إنما تقوم على الايقان، فهي مرحلة تحقيق، ومعرفة، وهي مراتب ثلاث: مرتبة علم اليقين، ومرتبة علم عين اليقين، ومرتبة علم حق اليقين.. ولقد أورد القرآن في هذا المعنى قول الله تعالى:
((كلا لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم * ثم لترونها عين اليقين * ثم لتسألن يومئذ عن النعيم
))
ولقد تدرج سيدنا ابراهيم عليه السلام في مراقي الأيمان، ثم طلب مراحل علوم اليقين، فآتاه الله اياها بمحض فضله، قال تعالى في ذلك:
((واذ قال ابراهيم: رب!! أرني كيف تحيي الموتى؟؟ قال: أولم تؤمن؟؟ قال: بلى!! ولكن ليطمئن قلبي..
)) فهو هنا يريد أكثر من الايمان.. هو يطلب الايقان.. وفي آية أخري:
((وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والأرض، وليكون من الموقنين..
)) وهو هنا
((من الموقنين
)) لأنه قد تحققت له رؤية، وشهود، الملكوت، شهودا حسيا، فهو لذلك موقن وليس مؤمنا فقط.
والطريق للتحقق بعلم اليقين، إنما هو باتباع منهاج النبي صلى الله عليه وسلم، وتقليده، تقليدا، دقيقا، وواعيا، في عبادته وفيما نطيق من اسلوب عادته..
وعلى المرحلة العلمية من الإسلام، قامت أصول القرآن، التي نزلت في مكة، بينما انبنت الآيات المدنية، آيات الفروع، على المرحلة العقيدية من الإسلام.. ووفق آيات الأصول – آيات المرحلة العلمية من الدين – كانت ممارسة النبي صلى الله عليه وسلم في سنته – في خاصة نفسه.. ووفق آيات الفروع كانت ممارسة الأصحاب في الشريعة.. فالسنة بذلك هي المرحلة العلمية من الدين.. والشريعة إنما هي المرحلة العقيدية من الدين الإسلامي.. ونحن حينما ندعو بشرية اليوم لتطبيق المرحلة العلمية، أو ما أسميناه بالرسالة الثانية من الإسلام إنما هي السنة النبوية، عائدة لتطبق، ولتعاش، في حياة الناس.. والعوة اليها دعوة الى طريق محمد صلى الله عليه وسلم.. وهي دعوة داعيها مسدد الخطى، محفوف بعناية الله، لا يتنكب الطريق.. وهي دعوة إنما كانت غريبة على المسلمين، لأنهم عاشوا، وألفوا، قشور الدين، وقتا طويلا.. فهم لم يتفطنوا للبابه ولا لأصوله.. ولقد بلغ النبي الكريم عن عودة الإسلام
((غريبا
)) فقال
((بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدا، فطوبي للغرباء، قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها
))..
هذا الفهم الجديد للدين كان أولي بالسمان أن يتابعه، ويدرسه، من مؤلفاته التي بلغت ثمانين مؤلفا، دراسة متمهلة، بدلا من أن يتعجل الحكم غير الموضوعي عليه، ومن أول كتاب تصفحه.. هناك الكتب الأساسية لهذه الدعوة –
((الرسالة الثانية من الإسلام
))، و
((رسالة الصلاة
)) و
((الإسلام
))، و
((تعلموا كيف تصلون
))، و
((تطوير شريعة الاحوال الشخصية
))..
والسمان ايضا يذهب في اتجاهات أكثر مجافاة للموضوعية فيقول:
((ان للأزهر هناك عددا لا يحصى من علمائه، لم يتكرم واحد منهم بارسال مذكرة عن هذه الجماعة للأزهر ليصدر بيانا يحذر فيه من أفكار هذه الجماعة الضالة المضلة
)). وهل تغيب عن السمان الحقيقة العارية، في أن الأزهر، وفي عهوده المتأخرة، قد تخلى عن رسالته وواجبه، وصار عمله هو تكفير المفكرين الأحرار، وكل من ينهض لبعث الدين، بغير اسلوب شيوخه العتيق البالي؟؟ ألم يكن هم شيوخ الأزهر دائما هو تملق الحكام، والتمسح بأعتابهم، وتطويع أمور الدين لأهواء أنفسهم؟؟ (راجع كتاب الدين ورجال الدين).. وهو عندما يشير للأزهر، إنما يشير اليه ليصدر بيانا ينذر فيه من أفكارنا، بدلا من أن يشير عليه بأن يحاورنا، ويناقشنا فيها، فهو بذاك إنما يخالف الموضوعية، والمنطق السليم.. وهل مثل هذا العمل يشرف الإسلام، أو يمثله؟؟ وهل مثل هذا الاقتراح يمكن أن يأتي من كاتب يحترم حرية الفكر، ويجل أمانة القلم، والثقافة؟؟ ولقد أورد السمان، في بداية مقاله، عبارات الاهداء، من كتاب:
((الغرابة في الدعوة الإسلامية الجديدة
)) والعبارات التي تؤكد عالمية دعوتنا من الكتاب..
وهو إنما أوردها مستغربا، ومندهشا، للثقة الكبيرة فيها – وكل ما سنفعله هنا هو أن نزيده من ذلك، بأن نقرر بأن هذه الدعوة ما هي الا الإسلام، عائدا من جديد، كما بشر به النبي صلى الله عليه وسلم، في عديد أحاديثه.. وكما بشر به القرآن، قال تعالى:
((هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفي بالله شهيدا!!
)).. فإن هذه الدعوة هي التي ستظهر الإسلام على كل دين.. وهي التي ستكتب تاريخ الإسلام، وتاريخ الحياة من جديد، فإن أنكرها أقوام اليوم فانهم غدا لا محالة مؤمنون بها، سالكون طريقها..