خاتمة
وبعد، فإنّ الذي أوردناه في هذا الكتيب هو نزر يسير من أكاذيب من أسموا أنفسهم ((علماء السودان)) ذلك لأنّنا قد رددنا على كلمات مذكّرتهم فقرة، فقرة، وكشفنا زيفها، في كتابينا الأوّل والثاني اللذين صدرا منذ أسبوع بعنوان ((علماء!! بزعمهم)) فليرجع إليهما من شاء من القراء.. إنّنا قد تجاوزنا عن كل أخطاء هؤلاء الشيوخ في فهم محتوى فكرتنا.. ذلك بأنّنا نعلم أنّهم ضحايا تعليم خاطئ اهتم بقشور الدين، وفرّط في لُبّته.. فإنّ الدين، في حقيقته، دين علم، وعمل بمقتضى العلم.. والعلم هنا هو علم ما لا تصح العبادة إلا به.. وسند ذلك من القرآن: ((واتّقوا الله ويعلّمكم الله)) وسنده من الحديث: ((من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم)).. هذا هو النهج النبوي في تعليم وتربية المسلمين الأول: ((صلّوا كما رأيتموني أصلّي))، ((توضّأوا كما رأيتموني أتوضّأ)).. كانوا يتعلّمون منه بالهيئة، ما به يعملون.. ولم يكن الأمر كما هو الحال الآن في تعليم الدين حيث يجلس له طلابه، عديد السنين، يجترّون فيه قضايا الفقه، ويعدّدون فرائض الوضوء، وسننه، ومستحبّاته ويسيرون في متاهات الفقه المختلفة!! حتّى تكدّست بالمعلومات رؤوس ((علمائه)) وقلّ عملهم، فبعدت الشقّة بينهم وبين المعين الصافي، وذلك لبعد أسلوبهم من نهج الدين البسيط القويم: ((واتّقوا الله ويعلّمكم الله)).. ومن ثم فهم لا يفهمون إلا ما ألفوا من متون كتب الفقه وحواشيها، وينكرون كل ما لم يجدوه فيها.. كأنّهم لم يسمعوا بقوله تعالى: ((واتّقوا الله ويعلّمكم الله)).. أو بقول المعصوم: ((من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم))..
من هنا فإنّنا نعذرهم حيث قصر إدراكهم عن فهم محتوى دعوتنا المنبعثة من رفع عمود التوحيد: ((لا إله إلا الله)) إلى مستوى جديد اقتضى فهماً للقرآن جديداً به يبعث الإسلام ببعث سنّة النبي، وبذلك نشأت غرابة دعوتنا.. هذه الغرابة قد بشّر بها النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث قال: ((بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً، كما بدأ، فطوبى للغرباء.. قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟؟ قال: الذين يحيون سنّتي بعد اندثارها..))..
فإذا استغرب ((علماء السودان)) هؤلاء، هذه الدعوة لإحياء سنّة النبي الكريم، فإنّنا لا نشق عليهم، ((لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها)).. ولكنّنا لن نتجاوز عن عدم صدقهم، وتحريفهم للكلم عن مواضعه، وصد الناس عن حوض الدين..
ومن أجل ذلك فإنّنا قد اكتفينا في هذا الكتيّب بحصر الأمر كلّه في مواجهة كذبهم، وتحريضهم للبسطاء على الفتنة والفوضى..
ليسأل هؤلاء الشيوخ أنفسهم لماذا عمدوا إلى حذف أوائل أقوالنا، وحذف خواتيمها، ولماذا غضّوا الطرف عن النصوص الصريحة المتوافرة في كتبنا، ثم ذهبوا في إلقاء أخطر التهم جزافاً؟؟
ليسألوا أنفسهم عن قولهم ((ومحمود محمّد طه قد انتقص الرسول بل اتّهمه بالخيانة وعدم التبليغ)) من أين أتوا به؟ بل لماذا أغفلوا قول الأستاذ الذي يثبت للنبي الكريم تمام التبليغ حيث قال: ((وقد بلّغ المعصوم كلتا الرسالتين، بما بلّغ القرآن، وبما سار السيرة، ولكنّه فصّل الرسالة الأولى بتشريعه تفصيلاً، وأجمل الرسالة الثانية إجمالاً، اللهم إلا ما يكون من أمر التشريع المتداخل بين الرسالة الأولى، والرسالة الثانية، فإنّ ذلك يعتبر تفصيلاً في حق الرسالة الثانية أيضاً، ومن ذلك، بشكل خاص، تشريع العبادات، ما خلا الزكاة ذات المقادير..)).. هل ترك ((العلماء)) هذا النص واخوانه، إلا ليضلّلوا الشعب عن حقيقة أمرنا، ليرمينا بجهالة نحن منها برآء؟؟
ليسأل الشعب السوداني نفسه أهؤلاء علماؤه – علماء السودان؟؟ اللهم لا!! فإنّ السوداني تمنعه سودانيته من الكذب، فكيف بدينه؟؟ لم يبق إلا أنّ هؤلاء علماء آخر الزمان، الذين يفسدون عليك أيّها الشعب دينك، ودنياك بإخفاء الحقائق عنك، وتعمّد تضليلك.. فهم بإسم الدين وبإسمك، لك يكيدون.. فانبذهم، وولّ وجهـك شطـر دينك الحق لا تأخذه من هؤلاء الذين يقولون ما لا يفعلون.. ((يا أيّها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كـبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون))..
ألم تروا إلى هؤلاء الشيوخ يعتلون المنابر يدعونكم إلى الصدق، والأمانة، وهاهم، كما رأيتم، يكذبون في نقلهم عنّا؟؟
لقد أنى لك أيّها الشعب المحب للدين، الصادق الفطرة، أن تعرف هؤلاء الأشياخ على حقيقتهم فإنّ معرفتك إيّاهم تصلحك وتصلحهم..
لا تلتمس من هؤلاء علماً، ولا ديناً، فإنّ فاقد الشيء لا يعطيه.. ليسال حسين محمّد زكي نفسه: لماذا أسقط عبارتنا: ((وعن ذلك تعالى الله علوّاً كبيراً))؟؟ من أجل ماذا أسقطها؟؟ أإرضاءً لله؟؟ وهل يرضى الله عن كذب الكاذبين؟؟ وهو أصدق القائلين، والقائل في كتابه: ((إذ تلقونه بألسنتكم، وتقولون بأفواهكم، ما ليس لكم به علم، وتحسبونه هيّناً، وهو عند الله عظيم))؟؟ أم انّه أراد أن تصل ((المحكمة)) لقرار خاطئ، ببيّنة خاطئة، ومكذوبة.. ثم بعد ذلك يضلّل الشعب ويفسد رأيه؟؟
أجل إنّ هذا هو قصده الصريح!!.. ولكن لمصلحة من هذا العمل يجري، وبإسم من؟؟ إنّه قطعاً ليس مصلحة دين، ولا مصلحة شعب.. إنّ هذا الشيخ قد هان عليه أمر دينه هواناً لا يحسد عليه، وصغر شأن شعبه في نفسه، فلم يعبأ أن يكذب عليه..
وليسأل الشعب الأمين داؤود عن دوافعه في حذف الفقرة الأولى من كلامنا، عن المرأة التي تقول: ((وحين نجد حظ المرأة في القرآن من المسئولية الفردية مساوياً لحظ الرجل مساواة مطلقة)).. ثم حذف آخر الكلام أيضاً، الذي هو شرح مستفيض فيه إبراز وتوكيد لإنصاف الإسلام للمرأة.. لماذا اطَّرح الشيخ الأمين أوّل الكلام، وآخره؟؟ أإبتغاء وجه الحقيقة، أم لتضليل ((محكمة الردّة)) المزعومة وتضليل الرأي العام من بعدها؟؟ إنّه تضليل للمحكمة وتضليل للرأي العام متعمّد، جرؤ عليه هذا الشيخ جرأة لا يملكها غيره..
إنّ صنيع هؤلاء الشيوخ تبرأ منه أمانة العلم، ويأباه صدق الإيمان فقد جاء في الحديث: ((هل يسرق المؤمن يا رسول الله؟ قال: قد يسرق، قالوا: هل يزني المؤمن يا رسول الله؟ قال قد يزني، قالوا: هل يكذب المؤمن يا رسول الله؟ قال: لا!!))..
إنّنا استشعاراً منّا لواجبنا نحو ديننا ونحو شعبنا قد آلينا على أنفسنا، أن نعمل على تبرئة الدين مما ألصقه به هؤلاء الأشياخ من نقائص حتّى يميّز الناس بين صلاح الدين، وبين فساد من يسمّون بـ((رجال الدين)).. وحتّى تنجلي صورة الدين النقية، ويرد الناس المعين الصافي، وتنبعث ((لا إله إلا الله)) قويّة خلاقة في قلوب الرجال والنساء..
إنّ الجمهوريين قد فهموا الإسلام فهماً جديداً، واعياً، استطاعوا به أن يبرزوا كمالاته التي بها تحل مشكلة الإنسانية المعاصرة، وذلك بتحقيق المجتمع الإشتراكي، الديمقراطي، وبإنجاب الفرد الحر حرّية فردية مطلقة.. هذا ما فهمه الجمهوريون حيث علموا أنّ القرآن ذو مستويين: مستوى أصول، ومستوى فروع.. وقد نزل الإسلام إلى مستوى فروع القرآن في القرن السابع فشرّع للمجتمع آنذاك بما يناسبه، وبقيت أصول القرآن لا يعيشها إلا النبي الكريم، وتلك سنّته.. فهو قد كان أكبر من مجتمعه بما لا يقاس.. وأمّا اليوم فإنّ مشاكل العصر ليس لها إلا بعث سنّة النبي، وذلك بتطوير التشريع على هداها ووفق آيات الأصول..
إنّ الجمهوريين استطاعوا بفضل الله، ثم بفضل هذا الفهم الواعي للإسلام، أن يخلقوا من مجموعتهم أنموذجاً للمجتمع الإسلامي المرتقب.. فهم يجاهدون في تقليد النبي، من قيام الليل، وفي خدمة الناس بالنهار.. هذا هو واجبنا – تجسيد أخلاق النبي في اللحم والدم، وجعلها تمشي على الأرض، في الناس، من شيب وشباب، ورجال ونساء.. ولن يهدأ لنا بال حتّى يذهب الزبد، الذي يطرحه الأشياخ، جفاء، ويمكث في الأرض صدق الدين، وعلم الدين، وصلاح الدين.. وحتّى تشـرق الأرض بنور ربّها، فتملأ عدلاً، كما ملئت جوراً.. ذلك وعد من الله، غير مكذوب.. قال جلّ من قائل: ((هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظـهره على الدين كلّه.. وكفى بالله شهيداً!!))..
هذا، وعلى الله قصد السبيل..
الأخوان الجمهوريون ـ أم درمان ص.ب ١١٥١ ـ تلفون ٥٦٩۱٢