بسم الله الرحمن الرحيم
((فاصـبر على ما يقولون، وسـبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها، ومـن آناء الليل فســـبح، وأطراف النهـار ، لعلك ترضى * ولا تمدن عينيك إلى ما متعنـا به أزواجـاً منهم، زهرة الحياة الدنيا، لنفتنهم فيه، ورزق ربك خير وأبقى))
صدق الله العظيم
مقدمة الطبعة الخامسـة
هذه مقدمة الطبعة الخامسة من كتاب:
((رسالة الصلاة
)) وهو كتاب قد لقي، بحمد الله، وبتوفيقه، إقبالا كبيرا، ولا يزال الطلب عليه يوجب إعادة طبعه.. إن الصلاة كانت، ولا تزال، ولن تنفك أعظم عمل الإنسان، ولكن الناس لا يعرفونها.. هم لا يعرفون لها هذا القدر، وذلك لأنهم لا يعرفون كيف يصلون..
.. يقول، تبارك، وتعالى، لنبيه، عن الصلاة:
((وأمر أهلك بالصلاة، واصطبر عليها، لا نسألك رزقا.. نحن نرزقك، والعاقبة للتقوى
)) والتقوى ههنا
((الصلاة
)) فكأن الصلاة، عندما تتسامى إلى القمة، تكون هي سبب الرزق، وتغني عن الكدح الذي هو السبب المألوف.. ولكن، أي صلاة هذه؟؟ هذه هي الصلاة التي تكون فيها لربك كما هو لك.. هو معك دائما.. فاسأل نفسك: هل أنت معه دائما؟؟ فإن لم تكن، فصل!! فإنك لم تصل!! إنك لم تصل هذه الصلاة، وأنت لم تؤمر بإقامة الصلاة الشرعية إلا لتفضي بك الى هذه الصلاة ..
تعلموا كيف تصـلون ..
لقد صدرنا هذه المقدمة بآيتين هما في الصلاة، وفي الرضا، الذي هو ثمرة الصلاة..
((وسبح
)) الواردة في الآية معناها صل.. وهي من السبح، وهو التصرف، والانتشار، والتقلب في الأرض طلباً للمعاش.. ولقد قال تعالى في هذا المعنى:
((إن لك في النهار سبحا طويلا
)) فكأن الصلاة حركة، وإنها لكذلك .. هي حركة من الغفلة إلى الحضرة، ومن البعد إلى القرب، ومن الجهل إلى المعرفة.. وهي يجب أن تكون حركة خلف الله، لا أمامه، في رضا به، لا منازعة له.. وهذا هو معنى قوله، تبارك، وتعالى:
((وسبح بحمد ربك
)) وذلك من قوله:
((فاصبر على ما يقولون، وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها، ومن آناء الليل فسبح، وأطراف النهار، لعلك ترضى
)) والرضا هو طمأنينة النفس لما تجد من برد الراحة بسكون جيشان الخواطر المشوشة في الداخل.
تعلموا كيف تصلون ..
لقد كان النبي أكبر من صلى، وأكبر من عرف كيف يصلي، وأكبر من عرف قيمة الصلاة.. كان إذا حزبه أمر قام إلى الصلاة فتهون بالصلاة، في نفسه، مصائب الدنيا، لأنه يلقى بالصلاة الحبيب الأعظم.. ولقد قال
((حبب إلي من دنياكم ثلاث: النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة
)).. اقرأ مرة أخرى:
((وجعلت قرة عيني في الصلاة
)).. و
((قرة عيني
)) تعني
((طمأنينة نفسي
)).. فكأن نفسه تنكدر، وقلبه ينقبض، وخاطره يتشوش، فيضطر إلى الصلاة اضطراراً فإذا قام إليها فاكتحلت بصيرته برؤية الحبيب الأعظم - الله - صفت نفسه.. وانبسط قلبه وسكن خاطره وأصبح راضيا بالله، قرير العين به..
((وجعلت قرة عيني في الصلاة
))..
تعلموا كيف تصلون..
إن الصلاة إنما هي منهاج بممارسته نستطيع النظر إلى داخلنا حتى نلتقي بأنفسنا، فنعايشها، ونعرفها، ونحقق السلام معها.. ذلك بأننا إنما نعايش العالم الخارجي مستغرقين بأوهام حواسنا عنه، لاهين به عن الحقيقة المركوزة وراءه، والتي إنما هو ظلها.. وقد جعله الله دليلا عليها، لا بديلا عنها، ثم قال في ذلك
((سنريهم آياتنا في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق.. أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد؟؟
)) فآيات الآفاق وسيلة، وآيات النفوس غاية، ولا تغني الوسيلة غناء الغاية.. وما الوقوف معها، والاحتجاب بها، إلا خسرانا مبينا، وذلك ما نحن لآفته معرضون، وفي خطره متورطون.. فلكأنما نحن من فرط ما تحتوشنا دواعي الغفلة قوم نيام.. نحن بحق قوم نيام.. ألم يقل المعصوم
((الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا
))؟؟ بلى!!
وإن لنا إلى الانتباه لوسيلة أخرى غير وسيلة الموت، وقبل وسيلة الموت، وتلك هي وسيلة الصلاة الواعية، الصحيحة، الرشيدة.. وقد أمرنا بها المعصوم حين أمرنا:
((موتوا قبل أن تموتوا
)) يعني ارفعوا حجاب الغفلة عنكم بالاطلاع على حقائق الأمور المركوزة وراء الظواهر، الآن، وذلك بوسيلة الصلاة، قبل أن يجرى عليكم ذلك بوسيلة الموت، فيما بعد، فيكون الأوان قد فات، والندم قد وقع، ولات حين مندم..
تعلموا كيف تصلون ..
لكي ترفعوا عن بصائركم، وأبصاركم، حجب الأوهام والأباطيل، وإنما من أجل هذا التعليم كتب هذا الكتاب الذي بين أيديكم.. كتاب
((رسالة الصلاة
)) والله هو المسئول أن ينفع به، إنه نعم المولى، ونعم المجيب..