تاريخ الأزهر تخلف فكري وتملق للحكام
إن تاريخ الأزهر القريب ليزخر بمخازي شيوخه. كله تملق، وتزلف للحكام، المسلمين، وغير المسلمين، وخير دليل في ركاب السلطة، وتغفيل للشعب باسم الدين، حتى أنه لا يكاد يخلو عدد من أعداد مجلة الأزهر، ولا كتاب مما كتبه المؤرخون عن الأزهر من ذلك.. هذه الصور تحكي فشل الأزهر في تربية رجاله على الدين، والخلق، وإنما هو التحصيل الطويل العقيم الذي لا يؤثر على الأخلاق، ولا على السلوك.. ونورد هنا طائفة من مواقف رجال الأزهر في تاريخه القريب على سبيل المثال، لا الحصر، وإلاّ فان مخازيهم ليضيق بها كل مجال!!
1- في عهد الاستعمار الفرنسي على مصر (كوّن ديوان من العلماء والأعيان لمعاونة الحكومة) ولقد أصدر هؤلاء العلماء، بيانا للشعب المصري لتهدئة ثورته، وتثبيط نضاله، وجهاده، ضد الفرنسيين، قال البيان: (نصيحة من كافة علماء الاسلام بمصر المحروسة.. نعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، ونبرأ من الساعين في الأرض بالفساد..) ويستطرد البيان فيقول: (.. فعليكم الاّ تحركوا الفتنة، ولا تطيعوا المفسدين، ولا تسمعوا كلام من لا يقرأون العواقب، لأجل أن تحفظوا أوطانكم، وتطمئنوا على عيالكم، وأديانكم، فان الله سبحانه وتعالي، يؤتي ملكه لمن يشاء، ويحكم بما يريد، ونصيحتنا لكم، ألا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).. (المرجع - تاريخ الجبرتي)
2- وإبان الاحتلال الانجليزي لمصر عام 1914، استعان الانجليز بعلماء الأزهر، لتهدئة حركة المقاومة الشعبية.. ولقد جاء في كتاب "حوليات مصر السياسية – الجزء الأول – تأليف أحمد شفيق باشا" ما يلي: (رسالة هيئة كبار العلماء في الحرب.. ولم يكتف القوم باعلان الأحكام العرفية، ولا باصدار القائد العام للجيوش البريطانية، المنشور الذي أعترف فيه بما للخيلفة من الاعتبار عند مسلمي القطر، بل لجأوا، من باب زيادة الحيطة، الي الاستعانة بهيئة كبار العلماء بالديار المصرية، فاستصدروا منها في 16/11/1914 رسالة الي الأمة، تدعوها فيه إلي السكون، والتفادي عن الفتن، وإطاعة الحكومة، وكان على رأس كبار العلماء صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر "الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر والشيخ بكري عاشور مفتي الديار المصرية" ولم يترك أصحاب الفضيلة، العلماء، آية من آيات الذكر الحكيم، أو حديثا من الأحاديث النبوية، تحض على عدم المخاطرة، وعدم القاء الانفس إلي التهلكة، أو اتقاء الفتنة، أو البعد عن تدخل المرء فيما لا يعنيه، إلا أتوا به في هذه الرسالة)..
3- ومجلة الأزهر تفيض بخطب شيوخه، في مدح وتمجيد الحكام الواحد تلو الآخر، فلا تمر مناسبة إلا أشادوا بالحاكم، وحرصه على الدين، وعلى سبيل المثال ما حدث في الاحتفال الذي أقيم لعيد ميلاد الملك فاروق، والذي توافد إليه رجال الأزهر وطلابه، وتورد مجلة الأزهر سنة 1939 عن ذلك:
(نهض الشيخ محمد مصطفي المراغي شيخ الأزهر، فألقي خطبة جمعت، فأوعت في مناقب حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق) وكان مما قاله في هذه الخطبة عن الملك فاروق: (إنه مثال من مثل الخير العليا، وصورة كاملة من صور الفضيلة المحببة للنفوس).. هذا هو رأي مؤسسة الأزهر في الملك فاروق، تملق يعف عنه اللسان الصادق، ونفاق يكرهه القلب.. ويعمي على الناس حقيقة الملك، ويزيد من فساد نفسه. وكانوا زيادة في التعمية، يسمونه الملك الصالح، وتمشيا مع اتجاه الأزهر، في التملق، فقد ألحقت نقابة الأشراف نسب الملك فاروق بالنبي الكريم!!
4- وفي اتجاه الشيخ المراغي، في مدح الملك، فقد كتبت مجلة الأزهر 25/5/1952 بقلم رئيس تحريرها أحمد حسن الزيات، مادحة الملك فاروق، قبل طرده بشهرين، قائلة (وبهدي صاحب الرسالة محمد صلوات الله عليه، لسان الوحي ومنهاج الشرع، ومعجزة البلاغة، وبعطف صاحب الجلالة الفاروق، ناصر الاسلام، ومؤيد العروبة وحامي الأزهر، أعز الله نصره، وجمل بالعلوم والاداب عصره). انتهي.. أما فاروق، ناصر الاسلام هذا، قد عاد عند مجلة الأزهر فاسقا ماجنا بعد سقوط عرشه!! فكتب رئيس تحرير مجلة الأزهر أحمد حسن الزيات، يوليو سنة 1960، عن فاروق، مناقضا ما سبق أن قرره: (وكان آية من آيات ابليس في الجراءة على دين الله، انه كان كما حدثني أحد بطانته المقربين إليه، أنه إذا اضطرته رسوم الملك، أن يشهد صلاة الجمعة، خرج إليها من المضجع الحرام، وصلاها من غير غسل ولا وضوء، وأداها من غير فاتحة ولا تشهد، وكان يقول إن أخوف ما أخافه، أن يغلبني الضحك وأنا أتابع الإمام في هذه الحركات العجيبة. وبلغ من جراءته على الحرمات، أنه كان يغتصب الزوجة ويقتل الزوج ويسرق الدولة)!! هذا هو فاروق الذي كال له الزيات المدح أول الأمر، وقال عنه شيخ الأزهر المراغي: (إنه مثال من مثل الخير العليا وصورة كاملة من صور الفضيلة).. فأي درك من النفاق تردت فيه مؤسسة الأزهر، وأي عار تلطخ به شيوخها!!
وقد تلونوا لعبد الناصر أيضا ليمارسوا حرفة الأزهر التاريخية في مدح الحكام، والتزلف إليهم.. وهاك بعض الأمثلة لذلك:
5- في مجلة الأزهر، ديسمبر سنة 1960 أورد الشيخ محمود شلتوت، عن واجب المسلم، في طاعة الحكومة، ما لم تخالف أوامر الله، ما يلي: (... فعلى المسلم السمع والطاعة، فقد عرف أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وواجب المسلم لا يختلف، ولا يقل نحو حكومته، ما دام كل عملها، في المصلحة العامة، وما دامت لا تخالف أوامرها أوامر الله ولا أوامر الرسول لا فرق في ذلك بين حكومة علمانية أو حكومة دينية). هذا هو رأي شيخ من أبرز مشايخ الأزهر في طاعة الحكومات.. وهو مفصل تماما على حكومة عبد الناصر، وهل يمكن ان يكون لهذا الحديث علاقة بالدين أو بالورع؟ وهل ثمة حكومة علمانية غير مخالفة لأوامر الله!!!
6- وعلى كثرة ما أحتشد تاريخهم بالملق، والتطبيل للحكام، لم يبلغوا من ذلك ما بلغوه في عهد عبد الناصر، فقد كتبت مجلة الأزهر 1963 مقالا بقلم رئيس تحريرها، أحمد حسن الزيات، رجح فيه اشتراكية جمال عبد الناصر على اشتراكية محمد بن عبد الله! لأن اشتراكية محمد تقوم على العقيدة، واشتراكية عبد الناصر تقوم على العلم! ولما ثار بعض العلماء، تدخل محمود شلتوت، شيخ الأزهر، لتهدئة خواطرهم!
7- ولقد كتبت مجلة الأزهر مقالا آخر لرئيس تحريرها الزيات، في الجزء الأول بتاريخ 2/6/1962، وصف فيه ميثاق عبد الناصر، بما يلي: (إن ميثاقك الذي عاهدت الله الوفاء به، وعاهدك الشعب على اللقاء عليه، حروف من كلمات الله، لم يؤلفها أحد قبلك في أي عهد، لا في القديم، والحديث، لا في الشرق والغرب!!) ميثاق عبد الناصر عنده حروفه من كلمات الله، وهذا مكتوب في مجلة الأزهر!!
8- ولقد تداعي به التمسح بأعتاب عبد الناصر، أن أورد في مجلة الازهر، يناير 1963 – الجزء السادس ما يلي: (.. وسينتشر ضوء ميثاقك المحكم الهادي في كل نفس، وفي كل أرض، انتشار كلمة الله، لأنه الحق الذي وضعه الله في شرعه والنهج الذي سنه لجميع خلقه). انتهي.. ولو كانت هذه المجلة غير مجلة الأزهر، لكان مجرد صمت شيوخ الأزهر، على مثل هذا الحديث، عارا ما بعده عار، دع عنك أنها مجلة أكبر، وأعرق، مؤسسة دينية في العالم الاسلامي!
9- ومن أمثلة تملقهم للسلطة: رد الشيخ محمد النواوي على هجوم طه حسين على جمود الأزهر، قال فيه: (إن الأزهر حق الله، لأنه يبلغ رسالة الله، ورسالة الانبياء من قبل، اصلاح عالمي، وسلام اسلامي، ولأنه يعاون الحكم الصالح الذي يتمثل اليوم في حكومة الثورة) – المرجع مجلة الأزهر- الجزء الرابع 16/11/1955، وهذا استعداء للسلطة على طه حسين، والأزهر هنا "حق الله" لأنه يبلغ رسالة الله و"لأنه يعاون حكومة الثورة" ويا للعجب!! ما هو هذا الحكم الصالح الذي يعاونه الأزهر؟ هل هو حقا حكم اسلامي بريء من نذير الآية: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فاؤلئك هم الكافرون)؟ اللهم إنه هوان رجال صغار النفوس يريدون به تضليل الحكام، وتضليل الشعب.
10- وفي مجلة الأزهر الجزء الرابع 16/11/1955 أيضا ورد رد الشيخ محمد على عامر على هجوم طه حسين على الأزهر يقول (ما كنت أظن أن الدكتور طه حسين... يتمادي في التهكم بالأزهريين، ويدأب على التهوين من شأنهم، في الوقت الذي تمر به مصر الآن، فيكتب عنهم "بأنهم لا يتعلمون كما يتعلم الناس" ويصفهم بأنهم "لا يعرفون من العلوم الا أسماءها وظاهرا من أطرافها..".. ويرد على بعض كتاب الأزهر فيقول – عن الأزهر- "انما عاش وما زال يعيش في القرون الوسطي" وهو يعلم حق العلم بأن الرئيس عبد الناصر وصحبه من رجال الثورة، أغير الناس على الأزهر، وأشدهم حرصا على كرامته).. انتهي.
وليلاحظ القاريء العبارة: "في الوقت الذي تمر به مصر الآن"، وما الذي أقحم عبد الناصر، وغيرته الكاذبة على الأزهر، في صراع فكري؟! بيد أنه مثل من أمثلة استعداء السلطة على الخصوم في الرأي، والتهافت الذي يقدح في الكرامة والشرف.
11- ومن أمثلة تخلف الأزهر التي تلازمه حتى الآن، هو تكفيره لكل مفكر، واتهامه بالزندقة! فقد كفروا الشيخ علي عبد الرازق ومحمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار "كتاب المنار والأزهر" كما وصم عمر لطفي المحامي بالالحاد من الشيخ التفتنازي وبعض العلماء لدعوته لاقامة الجمعيات التعاونية "مجلة الأزهر، فبراير 1963 ص 924"، "حوار مع الصفوة ص 194".. كذلك كفروا طه حسين، وقاسم أمين، وأتهم جماعة من العلماء وعلى رأسهم الشيخ عليش، جمال الدين الأفغاني، بالإلحاد لأفكاره في بعض المسائل العلمية (راجع كتاب زعماء الاصلاح – لأحمد لأمين، 1965 ص. 110)
ولقد قامت قيامة علماء الأزهر على محمد عبده لأنه أفتى بأن لبس (البرنيطة) حلال، فحاربوه بكل قسوة، وأتهموه بالزندقة (راجع زعماء الاصلاح، ص 322)..
وعلى هذا التاريخ الزاخر من تكفير المسلمين، والتخلف، أفتي الأزهر، وفي ختام عمره الطويل، أفتي بتكفير الجمهوريين، وليس ذلك بغريب على سيرته وتاريخه! “وسيجد القاريء هذه الفتوى في آخر الكتاب”
إنّ ما سقناه من وثائق، عن شيوخ الأزهر، جعلتهم شاهدين على أنفسهم بالسوء.. وهي أمثلة قليلة وإلا فإن صور تملقهم للحكام، وتخلفهم، يخطئها الحصر، مما يجعل تبرئة الدين، مما لحقه من أوضار بسببهم، ليس عملا ضروريا فحسب، بل واجبا أساسيا على كل مسلم.. ولقد أنفق الأزهر أمدا طويلا على هذا النهج، لا يؤثر على حياة المصريين، بل يتأثر هو بسلبياتها.