لماذا نحن ضد القضاء الشرعي؟
إن معاداتنا للقضاء الشرعي لها أسباب عديدة، نذكر، فيما يلى، طرفا منها:-
أولا: إن الفهم الديني الذى يقوم عليه القضاء الشرعي فهم متخلف من أى النواحى أتيته.. وهو، من ثمّ، ضد النهضة الدينية بما يعوق من إنتشار الفهم الديني السليم، وبما ينفّر المثقفين والشباب من الدين بصورة عامة..
ثانيا: إن وجود ما كان يسمى بالمحاكم الشرعية يوهم الناس بأنهم ما زالوا بخير ما داموا يحكمون فى أحوالهم الشخصية بالشريعة الإسلامية.. وهذا يخفى عن الناس الحقيقة الكبرى التى لا بد من إستيقانها حتى يعود الدين الى حياة الناس مرة أخرى.. تلك الحقيقة هى أن الدين قد مات فى صدور الرجال والنساء وخلت معاملاتهم منه، مما جعل الناس فى الجاهلية الثانية التى لن يخرجوا منها الاّ بالفهم الجديد السليم للإسلام، ذلك الفهم الذى تنكره وتحاربه هذه المحاكم..
ثالثا: إن من كانوا يسمون بالقضاة الشرعيين، وهم موضع التجلّة والإحترام لدى السذّج والبسطاء، أسوأ مثل يمكن أن تتفتح عليه عيون الأيفاع، والمحتاجين للتربية.. فهم بمظهرهم، المستعار من الرهبان وحاخامات اليهود، يتميزون على الناس، ويجعلون من أنفسهم طبقة متعالية – طبقة من يسمون برجال الدين، وبإسم الدين يستغلون السذّج والبسطاء، ويحاولون إرهاب الأذكياء، ويطلبون منهم الخضوع والإذعان... وهم بسلوكهم العام، بإزاء الحكام وأصحاب النفوذ والجاه، يعوقون التربية الوطنية لأن ماضيهم وحاضرهم حافلان بتملقهم للحكام، وتطوعهم بالخضوع والنفاق، وإفتائهم بما يريدون وكيفما يريدون.. أو لم يقوموا دائما بدور "المحلّف" على المصحف للحكم بغير ما جاء فى المصحف؟!!
رابعا: إن من كانوا يسمون بالقضاة الشرعيين، وهم على ما ذكرناه سابقا من سوء الخلق، وضعف الفكر، وقلة التربية، ليسوا بمؤتمنين على أى شأن من شئون الناس دع عنك أخطر شئونهم المتمثلة فى أحوالهم الشخصية..
خامسا: إن من كان يسمى بالقضاء الشرعي قد خرج عن كل طور معقول، وتجاوز إختصاصاته، بصورة جد مؤسفة وخطيرة، حينما أعلنت ما كانت تسمى بالمحكمة الشرعية العليا بالخرطوم الحكم بردة الأستاذ محمود محمد طه عن الإسلام، وذلك فى يوم الإثنين 27 شعبان عام 1388 هـ الموافق 18 نوفمبر عام 1968.. ولقد جاء هذا الحكم كأسوأ وأحدث مثل لتنفيذ هؤلاء القضاة المرائين لرغبات وأهواء أصحاب السلطة والنفوذ..
فقد كانت محكمة الردة مكيدة سياسية إشترك فيها الساسة والسلفيون والطائفيون.. ولقد أبرزنا هذا الرأى فى كتابنا "مهزلة محكمة الردة مكيدة سياسية"، وهو فى أيدى الباعة الآن.. ومهما يكن من أمر فإن الأستاذ محمود محمد طه لم يمثل أمام المحكمة ولم يستأنف حكمها ليحقّر من شأنها، وليكشف زيفها وبطلانها وليبيّن الخطر الذى كان سيتهدد أصحاب الفكر الحر، بل عامة الناس، إذا ما آلت أمور التشريع أو التنفيذ، فى هذه البلاد، الى من يسمون بالقضاة الشرعيين وأشباههم من الفئات التى تعيش للدينا وتأكلها بإسم الدين...